مفهومها، وخطرها، وعلاماتها، وأسبابها، وعلاجها
الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
المبحث الأول: مفهوم الغفلة لغة، واصطلاحاً:
الغفلة لغة: مصدر غَفَل يغفل غفولاً وغفلةً: تركه وسهى عنه، وأغفلتَ الشيء: تركته غَفَلاً وأنت له ذاكراً، والتغافل والتغفّل: تعمُّد الغفلة، والغُفلُ: من لا يرجى خيره ولا يخشى شره، وما لا علامة فيه( )، وفي الحديث من اتبع الصيد غفل أي: يشتغـل بـه قلبـه ويستولي عليه حتى يصير فيه غفله
وقيل: الغفلة: سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ
والغفلة اصطلاحاً: قيل:متابعة النفس على ما تشتهيه.
وقيل: إبطال الوقت بالبطالة.
وقيل الغفلة عن الشيء: هي أن لا يخطر ذلك بباله
المبحث الثاني: الفرق بين الغفلة والنسيان:
* الغفلة: ترك باختيار الغافل.
* أما النسيان: فهو ترك بغير اختيار الإنسان.
* أما الذكر: فهو التخلص من الغفلة والنسيان
ولهذا قال الله تعالى: ((ولا تكن من الغافلين)) ولم يقل ولا تكن من الناسين؛ لأن النسيان لا يدخل تحت التكليف فلا ينهى عنه؛ لقول النبي ^: =إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه
المبحث الثالث: خطر الغفلة:
الغفلة مرض فتَّاك من أمراض القلوب، وقد حذر الله
منها، وبيَّن عقاب من وقع فيها، ومما يدل على هذا ما يلي:
أولاً: توقع في الهلاك، قال الله تعالى في قوم فرعون
(فلما كشفنا عنهم الرجز الى اجل هم بالغوه اذا هم ينكثون()فانتقمنا منهم فاغرقناهم في اليم بانهم كذبوا بايتنا وكانوا عنها غافلين)
فأسباب هلاك قوم فرعون كثيرة، ولكن منها سببان: تكذيبهم بآيات الله، وتغافلهم عنها
ثانياً: من أصيب بالغفلة الكاملة خُتِمَ على قلبه، وسمعه، وبصره، وكان أضل من الحيوان، والأنعام، قال الله تعالى(ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعيون لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بهم اولئك كالنعام بهم اضل اولئك هم الغافلون)
ثالثاً: الغفلة، قرينة التكذيب بآيات الله تعالى: قال تعالى سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ
فالسبب التكذيب والغفلة، فالغفلة قرينة التكذيب بآيات الله تعالى.
قال العلامة السعدي رحمه الله: =فردهم لآيات الله وغفلتهم عما يُراد بها، واحتقارهم لها، هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي، وترك طريق الرشاد ما أوجب
رابعاً: لعظم خطر الغفلة نهى الله عنها رسولَه صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ والغافلون) الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم؛ فإنهم حُرِموا خير الدنيا والآخرة، وأعرضوا عن من كل السعادة والفوز بذكره، وعبوديته، وأقبلوا على من كلِّ الشقاوة، والخيبة، والاشتغال به
خامساً: الغفلة صفة من صفات أهل النار، قال الله تعالى:
( إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ )
فهذه حال الأشقياء الذين كفروا بلقاء الله يوم القيامة، ولا يرجون في لقائه شيئاً، ورضوا بهذه الحياة الدنيا واطمأنت إليها نفوسهم، وهم غافلون عن آيات الله الكونية، فلا يتفكرون فيها، وعن آياته الشرعية فلا يأتمرون بها(
سادساً: الحذر من الغفلة؛ لأن أكثر الناس وقعوا في الغفلة، قال الله تعالى( وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)
سابعاً: الغفلة تغلق على العبد أبواب الخير، وتفتح له أبواب الشر، قال الله تعالى
( مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )
ثامناً: من أعظم خطر الغفلة أن مَن غفل عن الله عاقبه بأن يغفله عن ذكره، ويتبع هواه ويكون أمره ضائعاً معطلاً، قال الله تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)
تاسعاً: أهل الغفلة لهم الحسرة يوم الحسرة، قال الله تعالى (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ )
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ^ أنه قال: =إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حُزناً إلى حزنهم
عاشراً: اقتراب الساعة والموت للناس وهم في غفلاتهم، قال الله تعالى
( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُون …مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ …لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ )
فهم في غفلة عما خُلِقُوا له، وإعراض عما زجروا به، كأنهم للدنيا خلقوا، وللتمتع بها وُلِدُوا، وقلوبهم غافلة معرضة، لاهية بمطالبها الدنيوية، وأبدانهم لاعبة، قد اشتغلوا بتناول الشهوات، والعمل بالباطل( ). وقد نقل ابن كثير رحمه الله أن أشعر الناس أبو العتاهية حيث قال:
الناس في غفلاتهم ورحا المنية تطحنُ( )
الحادي عشر: حذر الله تعالى الناس عن الغفلة، وبين سبحانه خطرها, فقال تعالى:
( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ..وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ…أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ )
1الثاني عشر: ذم الله تعالى الغافلين عن الآخرة، فقال تعالى وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ..يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)
الثالث عشر: لخطر الغفلة فقد أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم لإنذار الناس عن الغفلة، قال تعالى (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ..لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ…. ِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ…. وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ.. وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ )
الرابع عشر: توبيخ الغافل يوم القيامة، وتقريعه، قال الله تعالى
( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣)ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
ولتكملت الموضوع نرجوا تحميله الكتيبلما فيه من فوائد عظيمه
https://www.islamway.com/index.php?iw…sson=&target=1
ربنا لا تجعلنا من الغافلين
تانكيوووووووووووووووووو