الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ واعلم أن شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُُ بِاللَّيْلِ ، وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ " رواه الطبراني والحاكم وقال صحيح الاسناد ووافقه الذهبي وحسنه الهيثمي والألباني في السلسلة الصحيحة
ولنا مع هذا الحديث وقفات
الأولى قوله ( عش ما شئت فإنك ميت )
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
سنموت ولا شك أنا وأنتي الأمير والحقير الغني والفقير الصالح والطالح البر والفاجر( كل نفس ذآئقة الموت ) نسأل الله أن يهون علينا سكرات الموت وشدته ثم بعد الموت لا ينفعك إلا ما قدمت في أيامك الخاليه وهي هذه الأيام التي تعيشها الآن فكم من ميت يتمنى الآن أن يصلي ويزكي ويذكر ربه ( رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورآئهم برزخ إلى يوم يبعثون ) يتمنى أن يقول لا إله إلا الله وسبحان الله والحمدلله فلا يستطيع ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) .
الوقفة الثانية ( وأحبب من شئت فإنك مفارقه )
ما إن يأنس الإنسان بحبيب حتى يفارقه سواء كان صاحباًً أو أباً أو أماً أو زوجاً أو داراً أو مالاً ..!
مات إبراهيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ) ماتت زوجة النبي خديجة وعمه أبو طالب فسمي ذلك العام عام الحزن ونزلت سورة يوسف في ذلك العام عزاءً للنبي صلى الله عليه وسلم
ولأن الفراق مصيبة فالواجب على المسلم عندما يفارق حبيبه أن يحمد الله على قضائه وقدره فهو المعطي والآخذ سبحانه وعليه أن يقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها .
الوقفة الثالثة : ( واعمل ما شئت فإنك مجزي به )
الحساب بمثاقيل الذر ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) الحمد لله تملؤه وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ثقيلتان فيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أثقل شيء في الميزان تقوى الله وحسن الخلق ) كافل اليتيم مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن كلم في سبيل الله جاء لونه لون الدم والريح ريح المسك ومن مات محرماً بعث ملبياً ومن نفس عن مؤمنا كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ومن اقتطع شبراً من الأرض بغير حق طوقه من سبع أرضين يوم القيامة ومن منع زكاة ذهبه وفضته أحمي عليها في نار جهنم فتكوي بها جبينه وجنبه وظهره والمسبل إزاره لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم والمتكبرون يحشرون أمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم ومن شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا أخذ من حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من سيئات خصمه ثم طرحت عليه ثم طرح في النار .
الوقفة الرابعة ( واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل )
يقول الله عز وجل ( إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون )
وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}
وحين نزل قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ) قال صلى الله عليه وسلم ولى زمان النوم يا خديجة
من طلب الجنان ولذة النعيم فليقم لله ( اطعموا الطعام وافشوا السلام وصلوا باليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام )
الوقفة الخامسة ( وعزه استغناؤه عن الناس )
( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيد الخير إنك على كل شي قدير )
اطمعي بما عند الله يحبك الله وازهدي بما عند الناس يحبك الناس
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
استغني عن الناس وافتقر إلى رب الناس يغنيك بفضله ( واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك )
لكن الاستغناء عن الناس لا يعني التكبر والاستعلاء عليهم بل هو ترك سؤالهم والتطلع لما في أيديهم مع بشاشة الوجه ولين الجانب وطيب الكلام وشكرهم إذا أحسنوا فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله .
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه آجمعين
اللهم إني أسألك وأنت الحبيب وحبيب الحبيب وخير من أحب وخير من اجتمع الأحبة بحبه
اللهم يا من تسأله القلوب بخلجاتها قبل أن تسأله العيون بعبراتها والأكف بقشعريرة وجلها
اللهم إني أسألك وانت الأقرب من الجد والوليد والأشفق فينا من الأم والأب وكل الأهل بل من الوريد
يا رب يا ودود يا ودود .. يا من بوده عمرت آمالنا واطمأنت صدورنا .. يا حي يا قيوم
يا من انطق الحجر وحنن الجذع والطير والغمام .. وجعل السماء والأرض تحب عبادك ..
فيا رب اهدنا في عبادك وحشرنا مع عبادك وطيب ارواحنا وأجسادنا بدعاء أحبابك
يا رب ان هذه أصابعنا ستشهد علينا ومكاننا وسماءنا .. فلا تخزنا وطهرنا وزك نفوسنا
واجعلنا من المتعافين من الفتن والصابرين عند الملاحم بما يكون أهلا ان تباهي بنا الملائكة
حملة العرش أحبتنا الذين يستغفرون لنا لحبك لنا فبحبك أحبونا وبحبك نؤمن بهم ونحبهم
اللهم لا تفرقنا وأجمعنا جميعا وكل من يدعوا لنا وللمؤمنين والمؤمنات ومنهم من يقرأ هذه السطور الآن .. لا تفرقنا .. يكفينا ما نحن به من غربة وألم من حسرة ومضرة غير أنك أنت وحدك من يؤنسنا وحسن الأمل في الصبر وعافيتك يسعنا فلا نبالي .. ان لم تكن غضبان علينا .. لك العتبى والعقبى
أيبون حامدون عابدون ولربنا شاكرون ..
وآخر دعوانا سؤالنا لذة النظر إلى وجهك وفردوسك وصحبة نبيك وشربة من يده وان تجمعنا أجمعين والحمد لك يا ربنا يا رب العالمين وصل اللهم وسلم على من علمنا ما قلنا وجازه عن امته خير الجزاء وعلى آله وصحبه آجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين