بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوبُ إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، من
يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيمُ التواب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبيُ الأواب وعلى آله وأصحابِه خيرُ الأصحابِ والأحباب، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الحساب.
أما بعد أيها المسلمون..
فإن من سُبُلِ الشيطانِ الرجيم التي تعهد بها إغواءَ بني آدم، تغييرُ خلق الله – تعالى -بالإضافة إلى تغييرِ دين الله – جل وعلا -، وقد أخبرنا الله – جل وعلا – في كتابه الكريم عن مخطط إبليس اللعين الذي أغوى به بني البشر فقال " إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا * لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا * ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام [أي يقطعن أذان الأنعام] ولأمرنهم ليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا * يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا " إنه يسعى جاهدا في تبديل التوحيد إلى الشرك والإيمان إلى الكفر والفسوق، يسعى في تغيير خلق الله بما يوحيه إلى البشر من أنواع التغييرات، قال بن عباس – رضي الله عنه – في قوله – تعالى -" ولأمرنهم فليغيرن خلق الله " أي خصيُ الدواب، وقال بعض المفسرين " قطعُ آذانِ الأغنام " وقال بن مسعود – رضي الله عنه – في المراد بالتغيير: النمص والوشم وما جرى مجراهما من التصنُّعِ للحسن " فتغييرُ الخِلْقَةِ ظاهرٌ بالوشم والوشر والنمصِ والتفلُّجِ للحسن ونحو ذلك مما يغوي به الشيطانُ البشرَ، روى البخاري ومسلم عن عبد الله مسعود – رضي الله عنه – قال: لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الواشمات والمستوشماتِ والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيراتِ خلقَ الله " فبلغ ذلك امرأةً من بني أسدٍ يقال لها: أمُ يعقوب، وكانت تقرأ القرآنَ، فأتته وقالت: ما حديثٌ بلغني عنك، أنك لعنتَ فيه الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلقَ الله، فقال عبد الله بن مسعود: وما لي لا ألعنُ من لعنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو في كتاب الله – تعالى -، فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحَيْ المصحفْ فما وجدته، فقال: إن كنتِ قرأتيه فقد وجدتيه، ألم تقرئي " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " فقالت المرأة: إني أرى شيئا من هذا على امرأتك، قال اذهبي فانظُري، فدخلَت على امرأة عبد الله فلم تر شيئا، فجاءت إليه فقالت: ما رأيتُ شيئا، فقال بن مسعود: أما لو كان ذلك لم أجامعها [لو كانت زوجتي تَشِمُ وتصل الشعرَ وتفَلْجُِ أسنانها ما اجتمعت معها في بيت واحد]..
أيها المسلمون:
إن الواشم والواشمة التي تشم بغرزِ إبرةٍ ونحوها في ظهرِ الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من البدن ملعونةٌ بنص رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وقد يُفعل هذا الوشمُ بداراتٍ ونقوش، وهذا الذي يُعرف اليوم بالتاسوء الذي له عياداتٌ ومحلاتٌ وآلاتٌ هو أيضا ملعونُ بما يفعله في عباد الله، والمستوشمة هي التي تطلب الوشم وتضعه على جسدها أو جسده، ومنهم من ينقش على صدره امرأةً عاريةً أو صليباً أو معبودَ كفار أو عبارةً شركية أو اسمَ محبوبته أو شعارَ فرقةِ فجورٍ أو نادي سوءٍ ونحو ذلك، ثم يتورط عند التوبة كيف يزيله، قال العلماء " وتجب إزالته إن أمكنه إلا إن خاف منه تلفا أو شيئا أو فواتَ منفعةَ عضو فيجوزُ تركه وتكفي التوبةُ في سقوط الإثم ويستوي في هذا الرجل والمرأة ".
وأما النامصة التي تزيل شعر الحاجب أو بعضَه والمتنمصةُ التي تطلب منها فعل ذلك سواءٌ كان بالنتف أو القص أو الحلق أو بالوسائل الحديثة كليزر وغيره فإنه يُعد نمصا، كما يفعله النساء اليوم في تحديد شعر الحاجبين للزينة، ومنهن من تزيلُ شعر الحاجب بالكلية وترسم مكانه رسما، وهذا كله داخل في اللعن على لسان النبي – صلى الله عليه وسلم -، وينبغي التنبهُ لما يُفعل في الزواجات ونحن على أبوابه وما يحدث في الكُوفيرات والنشاط المحموم في صالوناتِ الزينة فهذا كله حرام لما فيه من تغيير خلق الله – تعالى -، وفي هذا الحديث خص النساء " الواشماتِ والمستوشماتِ والنامصاتِ والمتنمصاتِ والمتفلجاتِ " لأنهن هن الذي يفعلن هذا الفعل ويباشرنه غالبا، ويقصدن به التجمل، ولذلك قال " المتفلجات للحسن " أي طلبا للجمال ثم قال " المغيرات خلق الله " لأنه ليس كلُ ما تتجمل به المرأةُ حراما، فإن منه ما هو مباح شرعا ولذلك خص طائفة من النساء فقال " المغيرات خلقَ الله " وهذه الأشياءُ المستعمَلَةُ اليوم في كثير من الحالات لها تأثيرات ضارة، لأنها مصنوعةٌ من معادنَ ومركَبَاتٍ ثقيلة، مذابةٌ في مركَبَات دهنية، فيها موادُ ملوِنة من مشتقاتٍ بُترولية، وأُكْسيداتٌ تمتصها المسامات الجلدية تُحدث التهابا وحساسيةً وتضُرُ الأنسجةَ، بل بعضها من الموادِ المُسرطِنة التي تُحدث السرطانات.
وأما المتفلجات أي مفلجاتِ الأسنان بأن تبرُد ما بين أسنانها الثَنايا والرُباعيات لتُحدث فرجة بين أسنانها، تفعله المرأة إظهارا لصِغَرِ العمر وحُسن الأسنان، لأن هذه الفرجة تكونُ عادةً عند الصغيرات، هذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعولِ بها ذلك، لما فيه من التغيير لخلق الله – تعالى -والتزويرِ والتدليسِ والتلبيس، ويدخلُ في هذا وشرُ الأسنان بمعنى تحديدها وبردها لتكون في مستوى واحد، أما عملياتُ تقويمِ الأسنانِ فغايةُ ما فيها إعادةُ الأسنان إلى وضعها الطبيعي وإزالةُ الضررِ الذي يمنع من نُطْقِ بعضِ الحروفِ وإزالةِ الأوساخ وبقايا الطعام بين الأسنان، وربما سببت أذا نفسيا للبعض من هجوم الفكِ للأمام ونحوه، فتعديلُ هذه الأسنانِ المتراكبة وإزالةُ الضررِ والعيب ليس حراما، إنما هو في الحقيقة تقويمٌ وتعديلٌ وإزالةُ عيب وضرر، وفي قوله – صلى الله عليه وسلم – " المتفلجات للحسن " فيه إشارةٌ إلى أن الحرام هو فعل هذا العمل طلبا للحسن، أما لو احتاجت إليه المرأةُ للعلاج والحاجةِ الطبية الماسة فلا بأس بذلك، وقوله " المغيراتِ خلق الله " صفةٌ ملازمةٌ لمن يصنع الوشم والنمص والفلج، وبعضُ النساء يصنعن هذا تزيُّنا للزوج وطاعةً له، وقد روى البخاري ومسلم عن أسماءَ بنتِ أبي بكر قالت: جاءت امرأة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت: يا رسول الله، إن لي ابنتا عُريِّسا [تصغيرَ عروس] أصابتها حصبةٌ فتمرّق شعرها [أي تساقط] وفي رواية فتمزق، أفأصله [أي بشعر آخر] فقال – صلى الله عليه وسلم -: لعن الله الواصلة والمستوصلة " والواصلةُ هي التي تصل شعرَ المرأة بشعرٍ آخر، والمستوصلةُ هي التي تطلب من يفعلُ بها ذلك، فإذا كان هذا فيمن تساقطَ شعرها نتيجةَ حصباء وهي عُريِّسٌ ومحتاجةٌ للزينة ومع ذلك لم يرَخَّصْ لها، فكيف بمن تتخذ الباروكةَ بقصدِ زيادةِ للتجمل، أو تضع أنواعا من الشعر المستعارِ أو الصناعي أو الطبيعي.. كل هذا يا عباد الله مؤامرة واضحة المعالم ظهرت بشكل واضح في هذا الزمان من قبل الشيطان أغوى بها نساءنا على وجه الخصوص وشبابنا على وجه العموم، عباد الله..
ومما يُحلق بهذا التفصيل أيضا: عملياتُ تغيرِ الجلد من ذكر إلى أنثى والتلاعب بالهُرمونات والجينات، فهو من أعظم الحرام وأشدِّه، وإذا كان بعض النساء في العهد النبوي تمنين مجردَ تمني أن يكنَّ رجالا لقصدٍ عظيم وهو الجهاد في سبيل الله – تعالى -، فأنزل الله " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله " إذا كان هذا في مجرد التمني فيكف بمن تغير خلق الله – تعالى -بالعمليات الجراحية والتدخلِ المِبْضعي من قبل الجراح، عملياتُ تجميلٍ انتشرت في طول العالم وعرضه، عياداتٌ وصناعةٌ بالبلايين والناسُ في إقبال، وهذه العمليات على نوعين، منها: ما يكون تغييرا لخلق الله ابتغاءَ مزيدٍ من الحسن، كتصغير ثدي أو تكبيره أو رفع للأنف أو شد للوجنتين أو تضخيم للشفتين ونحو ذلك، عمليات تجميل محشية بالسلِكُن وبموادَ يظهر ضررها إن لم يكن عاجلا فآجلا، وتغيير في أمزجةِ الناس وانتكاسةٌ عجيبة في فطرهم فهذا يطلب العملية الفلانية والعملية الفلانية لأن الموضة كذا، والاتجاه الفلاني كذا، فهذا حرام فعله على طبيب التجميل ومركبِ البنجِ والمساعدِ في العملية وصاحبُ التجميل، ودفع المال فيه حرام والآخذ لهذا المال حرام، والدافع من هذا التجميل إنما هو التقليد للأفلام التي تُظهر الماجنات والساقطات والتسابق المحموم وراء الموضات، إن هذا النوع يا عباد الله حرام محض ملعون وملعونة من فاعله.. وأما النوع الثاني فهي: عملياتٌ يُقصد منها إزالةُ عيبٍ يسبب إيذاءً نفسيا أو بدنيا كإزالة الأصبُعِ السادسةِ وتعديلِ الأسنان أو لصقُ الشفةِ المنشقةِ، فمن الناس من يولد وله شفة مشقوقة كشفة الأرنب، فلا بأس بهذه العمليات، لأن الأمر ليس طبيعيا ومحتاجُها لا يطلبُ مزيدا من الحسن، إنما يريد إزالةَ العيبِ الذي ربما يؤثر في نطقه أو تنفسه وأكله وشربه، وكذا إزالةُ آثار الحروق والتشوهاتِ الناتجةِ عن الحوادث وتتميمِ الأذن الناقصة ومعالجةِ الصدر الكبير الذي ينتج عنه خطرٌ على العمود الفقري وإزالةِ البُقع المشوهةِ في الوجه وكذا آثار البرص، فهذا كلُه لا بأس به لأنه ليس تغييرا للخلقة الطبيعية التي يريد صاحبها من خلالها التجملَ والتحسين، وإنما يريد إزالةَ ضرر وعيب قد يمنعه من النكاح، وقد يمنعها من الخطاب، ومن الرحمة في الشريعة بالبشرية أنه لا ضرر فيها، بل إنها تحث على ما فيه منفعة للإنسان في دنياه وآخرته..
اللهم اجعلنا من عبادك الموحدين الوقافين عند حدودك يا رب العالمين.. اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين ونعوذ بك رب أن يحضرون..
م ن ق و ل من
موقع بلغو عني ولو آيه
تسلمين اختي وبارك الله فيج نفيد ونستفيد