لا بد من الولادة مرتين كما قال المسيح – عليه السلام – للحواريين : ( إِنكم لن تجلوا ملكوت السماءِ حتى تولدوا مرتين ) .
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أَباً للمؤمنين كما فى قراءَة أُبَِيْ : { النبي أَولى بالمؤمنين من أَنفسهم وهو أَب لهم } ، ولهذا تفرع على هذه الأبوة أَن جعلت أَزواجه أُمهاتهم ، فإن أَرواحهم وقلوبهم ولدت به ولادة أُخرى غير ولادة الأُمهات ، فإِنه أَخرج أَرواحهم وقلوبهم من ظلمات الجهل والضلال والغي إِلى نور العلم والإِيمان وفضاءِ المعرفة والتوحيد ، فشاهدت حقائق أُخر وأُموراً لم يكن لها بها شعور قبله ، قال تعالى : { الَر * كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ } * [إبراهيم: 1] ، وقال : { هُوَالّذِي بَعَثَ فِي الاُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ } * [الجمعة: 2] ، وقال : { لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مّبِينٍ } * [آل عمران: 164] .
والمقصود أَن القلوب فى هذه الولادة ثلاثة :
* قلب لم يولد ولم يأْن له ، بل هو جنين فى بطن الشهوات والغي والجهل والضلال .
* وقلب قد ولد وخرج إِلى فضاءِ التوحيد والمعرفة وتخلص من مشيمة الطباع وظلمات النفس والهوى ، فقرت عينه بالله ، وقرت عيون به وقلوب ، وأَنست بقربه الأَرواح ، وذكرت رؤيته بالله ، فاطمأَن بالله ، وسكن إِليه ، وعكف بهمته عليه ، وسافرت هممه وعزائمه إِلى الرفيق الأَعلى ، لا يقر بشيء غير الله ، ولا يسكن إِلى شيء سواه ، ولا يطمئن بغيره ، يجد من كل شيء سوى الله عوضاً ومحبته وقوته ، عدوه من جذب قلبه عن الله – وإِن كان القريب المصافيا – ووليه من ردّه إِلى الله وجمع قلبه عليه – وإن كان البعيد المناويا – ، فهذان قلبان متباينان غاية التباين .
* وقلب ثالث فى البرزخ ينتظر الولادة صباحاً ومساءً ، قد أَصبح على فضاءِ التجريد ، وآنس من خلال الديار أَشعة التوحيد ، تأْبى غلبات التوحيد إِلا تقرُّباً إِلى من السعادة كلها بقربه ، والحظ كل الحظ فى طاعته وحبه ، وتأْبى غلبات الطباع إِلا جذبه وإيقافه وتعويقه ، فهو بين الدّاعين تارة وتارة قد قطع عقبات وآفات ، وبقي عليه مفاوز وفلوات .
والمقصود أَن صاحب هذا المقام إِذا تحقق به ظاهراً وباطناً ، وسلم عن نظر نفسه إِلى مقامه واشتغاله به ووقوفه عنده، فهو فقير حقيقي ، ليس فيه قادح من القوادح التى تحطه عن درجة الفقر .
[ طريق الهجرتين وباب السعادتين ، ابن القيم ، ص 17 – 18 ] .
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أَباً للمؤمنين كما فى قراءَة أُبَِيْ : { النبي أَولى بالمؤمنين من أَنفسهم وهو أَب لهم } ، ولهذا تفرع على هذه الأبوة أَن جعلت أَزواجه أُمهاتهم ، فإن أَرواحهم وقلوبهم ولدت به ولادة أُخرى غير ولادة الأُمهات ، فإِنه أَخرج أَرواحهم وقلوبهم من ظلمات الجهل والضلال والغي إِلى نور العلم والإِيمان وفضاءِ المعرفة والتوحيد ، فشاهدت حقائق أُخر وأُموراً لم يكن لها بها شعور قبله ، قال تعالى : { الَر * كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ } * [إبراهيم: 1] ، وقال : { هُوَالّذِي بَعَثَ فِي الاُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ } * [الجمعة: 2] ، وقال : { لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مّبِينٍ } * [آل عمران: 164] .
والمقصود أَن القلوب فى هذه الولادة ثلاثة :
* قلب لم يولد ولم يأْن له ، بل هو جنين فى بطن الشهوات والغي والجهل والضلال .
* وقلب قد ولد وخرج إِلى فضاءِ التوحيد والمعرفة وتخلص من مشيمة الطباع وظلمات النفس والهوى ، فقرت عينه بالله ، وقرت عيون به وقلوب ، وأَنست بقربه الأَرواح ، وذكرت رؤيته بالله ، فاطمأَن بالله ، وسكن إِليه ، وعكف بهمته عليه ، وسافرت هممه وعزائمه إِلى الرفيق الأَعلى ، لا يقر بشيء غير الله ، ولا يسكن إِلى شيء سواه ، ولا يطمئن بغيره ، يجد من كل شيء سوى الله عوضاً ومحبته وقوته ، عدوه من جذب قلبه عن الله – وإِن كان القريب المصافيا – ووليه من ردّه إِلى الله وجمع قلبه عليه – وإن كان البعيد المناويا – ، فهذان قلبان متباينان غاية التباين .
* وقلب ثالث فى البرزخ ينتظر الولادة صباحاً ومساءً ، قد أَصبح على فضاءِ التجريد ، وآنس من خلال الديار أَشعة التوحيد ، تأْبى غلبات التوحيد إِلا تقرُّباً إِلى من السعادة كلها بقربه ، والحظ كل الحظ فى طاعته وحبه ، وتأْبى غلبات الطباع إِلا جذبه وإيقافه وتعويقه ، فهو بين الدّاعين تارة وتارة قد قطع عقبات وآفات ، وبقي عليه مفاوز وفلوات .
والمقصود أَن صاحب هذا المقام إِذا تحقق به ظاهراً وباطناً ، وسلم عن نظر نفسه إِلى مقامه واشتغاله به ووقوفه عنده، فهو فقير حقيقي ، ليس فيه قادح من القوادح التى تحطه عن درجة الفقر .
[ طريق الهجرتين وباب السعادتين ، ابن القيم ، ص 17 – 18 ] .