احْفَظِ اللهَ يَحْفَظكَ *
يعني: احفظْ حدود الله، وحقوقَه، وأوامرَه، ونواهيه.
وحِفظُ ذلك هو:
الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدودِه فلا يتجاوز ولا يتعدى ما أُمِر به إلى ما نُهِي عنه.
فدخل في ذلك:
فِعلُ الواجِبات جميعِها، وتركُ المحرَّمات كلِّها.
كما في حديث أبي ثعلبةَ المرفوع:
" إن الله فرضَ فرائضَ فلا تُضيعوها، وحرم حرماتٍ فلا تنتَهِكوها، وحدَّ حُدودًا فلا تعتَدوها ".
وذلك كلُّه يدخل في حِفظِ حدودِ الله كما في قولِه تعالى:
{والحَافِظُونَ لِحُدودِ اللهِ} [التوبة: 112].
ومِن أعظم ما يجبُ حفظُه مِن المأمورات:
– الصلوات الخمس.
قال تعالى:
{حافِظُوا على الصلَوَاتِ والصلاةِ الوُسْطَى} [البقرة: 238].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" مَن حافظَ عليها . . . كان له عندَ اللهِ عهدٌ أنْ يُدخِلَه الجنةَ ".
وفي حديث آخر:
" مَن حافَظ عليهِنَّ كُن له نُورًا وبُرهانًا ونجاةً يومَ القِيامة ".
– وكذلك الطهارة؛ فإنها مفتاحُ الصلاة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" لا يُحافِظ على الوُضوء إلى مُؤمِن ".
– ومما أمر الله بحِفظِه:
الأَيْمان.
قال تعالى:
{واحْفَظوا أيْمانَكُم} [المائدة: 89].
كان السلفُ كثيرًا ما يُحافظون على الأيْمان، فمنهم مَن لا يحلِف باللهِ البتةَ، ومنهم مَن كان يتورَّع حتى يكفر عما شك في الحَلف فيه!
– ومما يلزم المؤمنَ حفظُه:
رأسه وبطنه.
كما في حديث ابن مسعودٍ المرفوع:
" الاستِحياءُ مِن اللهِ حقَّ الحياء: أن يَحفظَ الرأسَ وما وعى، ويحفظَ البطنَ وما حَوى ".
وحِفظ الرأس وما وعى يدخل فيه: حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات.
وحفظُ البطن وما حوى يتضمن: حفظ القلب عن الإصرار على محرم.
وقد جمع الله ذلك كله في قوله تعالى:
{إن السَّمْعَ والبَصَر والفُؤادَ كلُّ أولَئِكَ كانَ عنهُ مسؤُولًا} [الإسراء: 36].
ويدخل في حفظ البطن وما حوَى:
حفظه من إدخال الحرام إليه من المأكولات والمشروبات.
– ومما يجب حفظه من المنهيَّات:
حفظ اللسان والفرْج.
وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
" مَن حفِظ ما بين لَحيَيْه وما بين رِجليْهِ دخل الجنةَ ".
قال تعالى:
{قُل لِلْمُؤمِنينَ يغُضُّوا مِن أبْصارِهم ويَحفَظُوا فُرُوجَهم} [النور: 30].
__________________
* هذا جزء من وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمه "عبد الله بن عباس " رضي الله عنهما، والتي خرج الحديث فيها الإمام أحمد رحمه الله.
والنقولات هنا إنما هي قطوف يانِعة انتقيتُها للقراء الكِرام من كتاب الحافظ ابن رجب رحمه الله الموسوم بـ " نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس "، أسأل الله أن ينفع بها.
يعني: أن مَن حفِظ حدودَ الله وراعى حقوقَه؛ حفظَه الله؛ فإن الجزاءَ من جنس العمل.
{وأوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكم} [البقرة: 40].
وقال: {فاذْكُرُوني أذْكُركُم} [البقرة: 152].
وقال: {إنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُم} [محمد: 7].
" اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استُر عوراتي، وآمِن رَوعاتي، اللهم واحفظني مِن بين يديَّ ومِن خلفي، وعن يميني، وعن شِمالي، ومِن فوقي، وأعوذ بعظمَتِك أن أُغتالَ من تحتي ".
وهذا الدعاء منتزعٌ مِن قوله عز وجل: {لهُ مُعَقِّباتٌ مِن بينِ يديْهِ ومِن خلفِه . . .} الآية [الرعد: 11].
أن يحفظه من شر كل من يريده بأذى من الجن والإنس.
ومَن يتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَـهُ…..كما قال مِن أمْرِهِ مَخرَجَا
" أما بعدُ: فإنه مَن اتَّقى الله؛ فقد حَفِظ نفسَه، ومن ضيَّع تقواه؛ فقد ضيَّع نفسَه، والله الغنيُّ عنه ".
اللهم أعني ولا تعن علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي ، رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة صدري