هذه المسألة قد يلتبس أمرها على بعض الناس والإنسان مخير ومسير مخير؛ لأن الله أعطاه إرادة اختياريه وأعطاه مشيئة يتصرف بها في أمور دينه
ودنياه, فليس مجبراً ومقهوراً لا، بل له اختيار وله مشيئة وله إرادة كما قال-عز وجل-: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ (التكوير:29), وقال-سبحانه- فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (المدثر:55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ(المدثر: من الآية56), وقال-سبحانه-:تُرِيدُونَ
عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(لأنفال: من الآية67), وقال-سبحانه-: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ(الإسراء:
من الآية18), فالعبد له اختيار وله إرادة وله مشيئة لكن هذه الإرادة وهذه المشيئة لا تقع إلا بعد مشيئة الله-سبحانه وتعالى- فهو-جل وعلا- المصرف
لعباده، والمدبر لشئونهم فلا يستطيعون أن يشاءوا شيئاً أو يريدوا شيئاً إلا بعد مشيئة الله له وإرادته الكونية القدرية-سبحانه وتعالى-، فما يقع في العباد
وما يقع منهم كله بمشيئة من الله سابقة وقدر سابق, فالأعمال, والأرزاق, والآجال, والحروب, وانتزاع الملك, وقيام الملك, وسقوط دولة, وقيام دولة كله
بمشيئة الله-سبحانه وتعالى-كما قال-جل وعلا-: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ
الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران:26)-سبحانه وتعالى-, فالمقصود أنه-جل وعلا- له إرادة في عباده و مشيئة لا يتخطاها العباد, ويقال له
الإرادة الكونية والمشيئة فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن, ومن هذا قوله-سبحانه-: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ
يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ(الأنعام: من الآية125) قال-تعالى-: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(يّـس:82), فالعبد
له اختيار وله إرادة ولكن اختياره وإرادته تابعتان لمشيئة الله وإرادته-سبحانه وتعالى-، فالطاعات بقدر الله والعبد مشكور عليها ومأجور, والمعاصي بقدر
الله والعبد ملوم عليها ومأزور، آثم ، والحجة قائمة، والحجة لله وحده-سبحانه وتعالى-: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ(الأنعام:149)-
سبحانه وتعالى-، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ(الأنعام: من الآية35)، فهو-سبحانه-لو شاء لهداهم جميعاً ولكن له الحكمة
البالغة حيث جعل لهم قسمين كافراً ومسلماً, وكل شيء بإرادته-سبحانه وتعالى-ومشيئته، فينبغي للمؤمن أن يعلم هذا جيداً وأن يكون على بينة في دينه،
فهو مختار له إرادة وله مشيئة يستطيع يأكل يشرب ، يضارب, يتكلم ، يطيع, يعصي, يسافر, يقيم, يعطي فلان ويحرم فلان ، إلى غير هذا هو له مشيئة
في هذا وله قدرة، ليس مقهوراً ولا ممنوعاً، ولكن هذه الأشياء التي تقع منه لا تقع إلا بعد سبقها من الله، بعد أن تسبق إرادة الله-جل وعلا-ومشيئته لهذا
العمل لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (التكوير:29), وهو-سبحانه- الذي مسير لعباده، كما قال-عز وجل-:هُوَ
الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ(يونس: من الآية22), فهو مسير لعباده, وبيده نجاتهم وسعادتهم، وضلالهم وإهلاكهم، هو المتصرف بعباده يهدي من يشاء
ويضل من يشاء-سبحانه- يعطي من يشاء ويحرم من يشاء، يسعد من يشاء ويشقي من يشاء، لا أحد يعترض عليه-سبحانه وتعالى-، فينبغي لك يا عبد
الله أن تكون على بصيرة في هذا الأمر, وأن تتدبر كتاب ربك, وسنة نبيك- عليه الصلاة والسلام- حتى تعلم هذا واضحاً في الآيات والأحاديث، فالعبد مختار
وله مشيئة وله إرادة, وفي نفس الأمر ليس له شيء من نفسه بل هو ملك لله عز وجل مقدور لله سبحانه وتعالى، ينبئه كيف يشاء سبحانه وتعالى مشيئة
الله نافذة وقدره السابق ماض فيه ولا حجة له في القدر السابق فالله يعلم أحوالهم ولا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى، وهو المستحق للعبادة والمدبر
لشؤونهم جل علا، وقد أعطاهم إرادة ومشيئة واختياراً يتصرفون بها.
منقول للفائده