تخطى إلى المحتوى

السخرية تضعف شخصية الطفل وتدمر ثقته بنفسه

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تاريخ النشر: الإثنين 13 ديسمبر 2024
خورشيد حرفوش

كثيراً ما يرتكب الآباء والأمهات أخطاءً- عن غير قصد أو علم أو جهل ـ بحق أطفالهم تصل إلى مرتبة الجرم لما تخلفه من آثار نفسية خطيرة تلقي بظلالها الكثيفة على شخصية الطفل طيلة حياته. فنجد على سبيل المثال أن الطفل قد يتعرض للسخرية والإستهزاء من الأم أو الأب أو إخوته الكبار ومن أقرب الناس إليه بلا قصد، كأن يضحكان على طفلهما إذا سقط على الأرض، إو إذا لفظ بكلمة مغلوطة، أو إذا ارتكب حماقة بريئة.

وكثير من الأطفال يتعرضون لأشكال عديدة من السخرية والاستهزاء في المدرسة من معلميهم أو زملاء لهم لسبب من الأسباب، وسرعان ما تلتصق هذه الدعابات أو تلك المواقف الساخرة، أو تلك التسميات أو النعوت الساخرة بهم طيلة حياتهم. فقد كشفت دراسات عديدة أن كثيرا من أطفال المدارس يتعرضون للسخرية والاستهزاء من قبل أشخاص أكبر منهم سناً أو أطفال في مثل سنهم أو حتى بعض المعلمين والمعلمات، مما يؤدي إلى إصابة هؤلاء الصغار بالإنطواء والعزلة والغضب وضعف الثقة بالنفس. وهناك نجوم ومشاهير تعرضوا للاستفزاز والسخرية في طفولتهم واعترفوا بأنهم مروا بمواقف محرجة ومهينة، وأكدوا أن زملاءهم كانوا يسخرون منهم ويضحكون عليهم إلا أنهم استطاعوا تجاوز المشكلة وحققوا نجاحاً في حياتهم، وربما هم أكثر طموحاً من غيرهم بالنظر إلى المواقف التي تعرضوا لها لكنهم تمكنوا من تحويلها إلى قوة إيجابية .

ويرى الخبراء أن المحصلة النهائية تعتمد على كيفية التعامل مع الاستفزاز، وما إذا كان هناك شخص قريب يلجأ إليه الطفل، ويؤثر الاستفزاز على كل نواحي الحياة بدءاً من التعليم وانتهاء بمجال العمل، ولا تقتصر السخرية من الآخرين على الأطفال بل يتعرض لها بعض الرجال والنساء والذين قد يصبحون أكثر ميلاً للعزلة والإحساس بالخجل. ويؤكد الخبراء أن الاستفزاز يؤثر سلباً على قدرة الشخص على تكوين علاقات اجتماعية لأنه لا يثق كثيراً بالآخرين، كما يمنعه الإحساس بعقدة النقص.وفي بعض الحالات قد يصاب الشخص كبيراً أو صغيراً بالإحباط لاحقاً.

يقول الأختصاصي النفسي روحي عبادات:" تتعدد طرق تعامل الوالدين مع أبنائهم عبر اتباع أساليب التنشئة الاجتماعية والتربية الأسرية معهم، فمنهم من يتسامح ومنهم من يتعامل بتسلط، ولا شك أن كل طريقة تربوية تنعكس إيجاباً أو سلباً على الجوانب الشخصية والاجتماعية للطفل، وتؤثر على حياته المستقبلية وشخصيته وسلوكه ونمط تفكيره على المدى البعيد. ومن السلوكيات التربوية الخاطئة التي يتبعها الوالدان مع ابنهما هي السخرية عليه والحط من قدراته وصفاته، كأن يقوم الوالدان أو أحدهما بالتوبيخ عبر مجموعة من الألفاظ البذيئة التي تصف هذا الابن بالسلبية وتحقر من مستواه وتقلل من قدراته وأهمية وجوده، ولا تنظر لما يقوم به بعين الاهتمام، إضافة إلى عدم الاهتمام بهذا الطفل وبأي سلوك يقوم به والتقليل منه وعدم تعزيزه وتنميته، وتصيد أخطائه وتضخيمها والتركيز عليها دون النظر إلى الإيجابيات ولو كانت قليلة".

ويضيف عبادات:"قد تكون السخرية موجهة نحو صفات جسمية ليس للابن ذنب فيها كالبدانة أو النحافة، أو نحو أحد أعضاء الجسم، وقد تكون نحو سلوكيات معينة كطريقته في الطعام أو اللباس أو المشي، أو نحو اهتماماته وميوله، أو أصحابه، أو نحو تحصيله الدراسي، أو سماته النفسية والانفعالية واستجابته للمواقف الاجتماعية كالخجل والقلق والتردد وغيرها من الأمور التي تحتاج إلى متابعة الأسرة ومساندة الابن، الأمر الذي جعل البعض يدرج السخرية تحت فئة العنف النفسي نحو الأطفال، لما تتركه من بصمات على حياته المستقبلية، وتوقع الأذى النفسي فيه. ويؤدي هذا النوع من التعامل السلبي مع الابن إلى نظرته السلبية لذاته، وبناء صورة مشوهه عن نفسه، فهو لا يستطيع إلا رؤية الأخطاء والعثرات وجوانب الضعف التي يسلط والداه عليها الضوء ويصفونهما بها، ولا يستطيع رؤية قدراته وإمكاناته مهما عظمت، حيث يميل سلوكه إلى التردد وعدم الثقة بالنفس، وأحياناً الميل للعزلة والانسحاب تجنباً للآخرين وانتقاداتهم، فهو يتوقع أن ينظر له الآخرون كما ينظر له والداه، بل لا يستطيع سوى النظر إلى ذاته إلا عبر المنظار الذي يراه فيه والداه وحكما به عليه، وتبدأ الفجوة بين ذاته المدركة وذاته الحقيقية بالاتساع. وقد يخلق الأمر أيضاً عند الابن نظرة مضادة نحو الأسرة والمجتمع، وإحساساً بالظلم والإجحاف، فيميل إلى اتباع السلوكيات العدوانية نحو الآخرين الذين لا يتفهمونه ولا يقدرونه، ولا يسمحون له بإيجاد مكان بينهم، ونظراً لمشاعره الداخلية التي تعبر عن رفض الحالة النفسية التي يعانيها، فقد يؤدي ذلك إلى التعبير عن هذا الرفض عبر سلوكات غير مقبولة اجتماعياً، كإتلاف الممتلكات العامة أو الاعتداء على ممتلكات الآخرين أو الميل إلى الانتقام.

ويكمل عبادات:" من المعروف أن الوالدين هما النموذج والقدوة الأولى للطفل، ويكتسب الطفل منهما الكثير من السلوكيات ويحمل الكثير من القيم الاجتماعية التي يتخذها أسساً لحياته المستقبلية، إلا أن انهيار هذا النموذج المثالي وعدم الثقة به يؤدي إلى افتقاد الابن للمثل الأعلى، فيشعره بأنه في بحر متلاطم الأمواج يريد من يقوده إلى بر الأمان، فلا يجد من يأخذ بيده ويرجع إليه في تفسير مختلف القضايا والقيم الاجتماعية التي يعيشها، فيتخذ قدوته الخاصة التي قد تكون بعيدة عن القيم والتقاليد الاجتماعية. إن من يتبع هذه الطريقة التربوية الخاطئة من الآباء عليه إعادة النظر فيها، لما تترك من آثار نفسية على الطفل وشخصيته كما أسلفنا، ومن أجل تصحيح ذلك على الأسرة أن تعمل على إعادة ثقة الابن بذاته، عبر مدح قدراته وسلوكياته، والتركيز على جوانب القوة، وعدم تضخيم جوانب الضعف. ونعته بالألفاظ الإيجابية التي تنمي في نفسه الطموح، والتقدم، وتذكره بقدراته، وتزيد من دافعيته. والاهتمام به وبانفعالاته ومشاعره، وإتاحة المجال له للحديث عما يشعر، وعن مشكلاته التي يواجهها ومساعدته في حلها وتفهمها. وتفهم السلوكيات السلبية التي قد تصدر عنه ومساعدته في إيجاد حلول لها. والإكثار من عبارات المديح والمعززات اللفظية والمادية والاجتماعية عند قيام الابن بالسلوكيات المرغوب فيها. ومساعدته على اتخاذ قراراته بنفسه، وبناء العلاقات الاجتماعية السليمة مع أقرانه.

https://www.alittihad.ae/details.php?…#ixzz180MtL96f

للرفع

للرفع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.