السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
تاريخ النشر: الجمعة 06 مايو 2024
يمتاز قانون الأخلاق الإسلامي في مجال المهنة وغيرها بمنظومة شمولية تكاملية تجعله متفرداً بين غيره من الأعراف والقوانين. فمثلاً نجد قانون الأخلاق في الإسلام لم يقف في حديثه عن الآداب والأخلاقيات المهنية عند حد المهتمين فحسب، وإنما تعدى بهذه الأخلاقيات ليصل إلى طالب المهنة أو من تؤدى له، فوجدنا في الإسلام أدب العالم والمتعلم، والبائع والمشترين وحسبنا في هذا المقام أن نذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم «رحم الله رجلاً سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى». ومظاهر الشمول والتكامل في قانون الأخلاق الإسلامي كثيرة ومتشعبة، منها :
شموله لمصالح الدنيا والآخرة: إذ إن قانون الأخلاق في الإسلام يغطي كافة جوانب حياة الإنسان الدنيوية والأخروية، فهو قانون مؤكد – في مجال المهنة وغيرها – للحياة الدنيا من ناحية، وموجه لها لتحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والدين وفى الدنيا والآخرة. فإذا كانت الفلسفات الأخلاقية قد اقتصرت في بعض الديانات الأخرى على الدنيا وحدها أو على الآخرة وحدها، فإن قانون الأخلاق الإسلامي يمتد ليشمل الدنيا والآخرة. ومن ثم ينظر قانون الأخلاق الإسلامي إلى العمل على اعتبار أنه «أساسي وضروري ولا فرار منه عن طريق عزلة دينية، أو رهبنة، أو تكريس الحياة للدين على حساب الدنيا، أو العمل للدنيا على حساب الدين «ومن ثم كان قول الحق سبحانه وتعالى «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ « القصص (77) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم «اعمل عمل امرىء يظن ان لا يموت ابداً واحذر حذر امرىء يخشى ان يموت غداً».
شموله للعلاقة بين الإنسان وربه: الفضيلة الخلقية في حدود هذا القسم تفرض على الإنسان أنواعاً كثيرة من السلوك الأخلاقي، منها الإيمان بالله تعالى لأنه تعالى حق، ومنها طاعته سبحانه في أمره ونهيه، والاستجابة له فيما يدعو الناس إليه لأنه له سبحانه الخلق والأمر «فهذه وغيرها أنواع من السلوك تدعو الفضيلة الخلقية إليها. أما دواعي الكفر بالخالق سبحانه بعد وضوح الأدلة على وجوده سبحانه، فهي حتماً دواع تستند إلى مجموعة من رزائل الأخلاق، منها الكبر، ونكران الجميل وجحود الحق، ومن ثم نبه القرآن الكريم على رذيلة خلق الكبر الدافعة إلى إنكار الآخرة وعدم الإيمان بها. يقول تعالى «إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ» النحل (22). ونبه القرآن الكريم على رذيلة إرادة الفجور الدافعة إلى جحود قانون الجزاء الرباني وإنكار يوم القيامة، فقال تعالى «بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ» القيامة (5-6). والفجور هو «التدفق الوقح إلى فعل الشرور والآثام ، وهو لا محالة من قبائح رذائل الأخلاق «ومن ثم يمكن القول إن شمول الأخلاق الإسلامية لعلاقة الإنسان بربه لها انعكاسات اجتماعية تكمن في العلاقة بين الإنسان وسائر الأفراد في المجالات كافة، ومجال المهنة والعمل خاصة منها كما يذكر العلماء.
شموله للعلاقة بين الإنسان ونفسه: لكل قطاع من القطاعات الإنسانية المختلفة الداخلية والخارجية أخلاق؛ للفكر أخلاق، وللاعتقاد أخلاق، للقلب أخلاق، وللنفس أخلاق، وللسلوك الظاهر أخلاق فمن فضائل أخلاق الفكر تحري الحقيقة بإنصاف، وتجرد وحياد. والصبر على التفكير والتدبر، والبحث عن كل نافع ومفيد من الأفكار والمعارف والعلوم، والبعد عن سفاف الأفكار وتوافهها، والاشتغال بتذكر كل صالح مفيد، ونسيان الأحداث المثيرة للأحقاد والضغائن أو الباعثة على الغضب والانفعالات غير الحسنة، وعدم التطلع إلى مثيرات الحسد، أو مثيرات الشهوات والأهواء المحرمة.
ومن فضائل أخلاق الاعتقاد أن لا يسمح الإنسان لنفسه بأن يتتبع الأوهام والظنون الضعيفة فيحلها في مراكز عقائده الثابتة الراسخة. وأن لا يجعل مركز عقائده فريسة للتقليد الأعمى، والضلالات الشائعة، أو فريسة لما تمليه عليه الأهواء والشهوات من أفكار ومذاهب. أو فريسة لما يمليه القادة المضلون والشياطين الموسوسون من الإنس والجن. ومن فضائل أخلاق القلب حب الحق وحب الخير، وكراهية الشر والباطل، وعدم تحمل الأحقاد والضغائن. ومن فضائل أخلاق النفس الصبر والعفة، ومجانبة الحسد، والترفع عن سفاسف الأمور، والنظر إلى معاليها، وعلو الهمة، وجود النفس وتسامحها وعفوها عن إساءة المسيء، وغير ذلك من الأمور.
أما فضائل أخلاق السلوك الظاهر فهي في الواقع كثيرة، وهي في حقيقتها الصادقة تعبير عما في داخل الإنسان من أخلاق. ويقابلها نقائص ورذائل خلقية يطالب الإنسان باجتنابها والبعد عنها. … باقي المقال
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته