الكذب ليس شيئا واحدا"، بل هو أنواع متعددة، وسنستعرض هذه الأنواع كي تكون مدخلا لمعرفة خصوصية كل نوع، وبالتالي نخطو خطوة أخرى في سبيل علاج هذه الظاهرة. الكذب ليس على مستوى واحد، وليس شكلا" واحدا"، وليس نمطا" واحدا"، وكذب الصغار يتقاطع أحيانا مع كذب الكبار، وينفرد أحيانا"، وهناك أنماطا من الكذب لا تكون إلا لدى الصغار.
النوع الأول : الكذب الخيالي
يكثر هذا النوع عند الأطفال بين سن الخامسة والسادسة، وهو يدل على خصوبة الخيال. والسبب هو أن الطفل في هذه المرحلة لا يستطيع التمييز بين الواقع والخيال، فعندما يتخيل شيئا لا يعرف أن هذا الذي يتخيله غير موجود في الواقع، كأن يتخيل الطفل أن هناك دابة عند جيرانه تطير في السماء، وأن هذه الدابة يمكن أن يركب عليها ثلاثة من الأطفال، ويقول لك أنا رأيتهم راكبين عليها .. هو يقول هذا، ولا يعرف أن هذا غير موجود في الواقع. قد نجد طفلا" يركض في البيت ويخرج من فمه صوتا يشبه صوت من يركب دراجة نارية؛ فهو يقف بسرعة ويقلع بسرعة.. وأمنيته أن يركب دراجة، لكن أهله لم يحضروا له دراجة، فهو يظن من خلال تقليده لصوت الدراجة النارية أنه صار يركب دراجة نارية.
وعلينا نحن الكبار أن نرشد هذا الخيال ، فالخيال جزء مكين في الذكاء ، فإذا تدخلنا بقسوة وبعنف فمعن ذلك أننا نقمع التخيل لدى الطفل، وعلينا أن نحاول بالتدريج أن ننزل الطفل إلى الواقع ، كأن نقول له : هذا الشيء الذي تذكره موجود، ولكن ليس بهذه الصفة التي تظنها، هناك أشياء تطير، ولكن هذا الشيء الذي يطير هو عبارة عن دجاجة أو حمامة، ولا يمكن أن يركب عليه شخص .. فنحن هنا لا نقمع التخيل لديه، بل نشجعه على أن يتخيل، ولكننا نأخذه إلى الواقع بشكل تدريجي . وبعد مرحلة نستطيع أن نقول له : هذا الشيء الذي تقوله ليس له وجود، وأنت تتخيل من عندك، فنعيده برفق حتى لا نضغط على خياله؛ لأن القفز في الخيال مصيبة كبرى، وقد كان نابليون يقول : معظم مؤسساتنا تفتقر إلى الخيال، ولولا الخيال لكان الإنسان بهيمة.
فالله عزوجل أعطى الطفل هذه القدرة الفائقة على التخيل كي تكون انطلاقة لنموه العقلي، لكن هذه الأشياء التي يتخيلها الطفل بأنها موجودة من الممكن أن تستمر معه فترات طويلة إذا لم نعالجها ولم نرشدها، ولم نرجعها إلى الواقع. و من العوامل التي تساعد الطفل على الوقوع في الكذب هي:
العامل الأول : سعة الخيال وهذا من علامات الذكاء ومظاهره وموارده.
العامل الثاني : المعيار الأخلاقي لدى الطفل، إن الإمكانات العقلية تنمو بشكل أسرع بكثير من نمو المعيار الأخلاقي، فالطفل تصبح لديه قدرة على أن يتخيل وأن يكذب وأن يخالف الواقع قبل أن يعرف أن هذا لا يصح، وأن هذا من المحرمات. فالمعيار الأخلاقي ينمو عند الطفل متأخرا"، وهو ينمو أصلا" من المجتمع والمجتمع الذي يشدد على الكذب تشديدا" كبيرا" ينمو لدى أطفاله المعيار الأخلاقي وتنمو قيمة الصدق بشكل سريع.
الطفل يكذب…. إذا المعيار الاخلاقي لم يستكمل بعد لديه، ويحتاج إلى المزيد من الوقت حتى يتشرب قيمة الصدق من المجتمع ويعرف رذيلة الكذب بدقة.
العامل الثالث : فصاحة اللسان وطلاقته، نجد بعض الأطفال في سن الثالثة يتكلمون بجمل مفيدة ومترابطة، ويحكون لك قصة.. فمن الطبيعي إذا كان لدى الطفل طلاقة في اللسان أن يجعله هذا يكذب ويحوك لك قصصا".
العامل الرابع : تقليد الكبار، بعض الآباء يقصون على أبنائهم القصص الخيالية، فهذا الطفل يقول : مررت ليلا" وحدي في هذا البستان المظلم وإذا بثعبان كبير ذي رأسين فاقتربت منه من دون خوف وعصرته بين أصابعي بقبضة يد واحدة .! فمن الممكن للطفل أن يتصور هذا، وتجده فعلا يقلد بعض الكبار، فهو سمع من رجل في سن الأربعين يقول: أنا تحايلت على هذا الثعبان وأمسكته. فالطفل يقلده ويقول: أنا أمسكته ومن المؤكد أن الطفل هنا يضيف من عنده أن له رأسين، وعصره عصرا" …الأطفال عندما يجلسون مع بعضهم يتفننون في التخيل، وعندما يتخيل أحدهم شيئا" كبيرا" يأتي الآخر ليحاول أن يتخيل شيئا أكبر منه ..
مثال :
قال طفل لآخر: قد نما في بستاننا قرعة كبيرة جدا"، وحاولنا أن نحملها على الدابة وما استطعنا، وحاول أبي ورجال معه حملها وما استطاعوا، بل لم نستطع الوصول إلى أعلى القرعة إلا عندما أحضرنا سلما" …! فقال طفل آخر: أبي يعمل حدادا" وصنع قدرا كبيرا" جدا"، وكأنه قرية لكبره ..! فقال له الطفل الأول : صغر هذه الكذبة ، فهذا غير معقول. فرد عليه : يجب أن يكون هذا القدر بهذا الحجم لكي تتسع لقرعة أبيك.
النوع الثاني : كذب نصف الحقيقة
هناك كذب كثيرا ما يقع فيه الأطفال بسبب نوع من العداوة التي تقع، ويمكن أن نسميه: ( كذب نصف الحقيقة ). أي كذب يقول فيه الشخص نصف الحقيقة فقط ، ويسكت عن النصف الآخر. يأتي طفل إلى أبيه ويقول: ( ابن الجيران ضربني ) الأب فورا ينفعل ويذهب ويؤنب والد ابن الجيران أو يضرب ولد ابن الجيران الذي ضرب ابنه … دون أن يسأله لماذا ضربه …! من المحتمل أن يكون ضربه لأنه ابتداه بضرب أو بشتم أو أخذ عنه شيئا".
النوع الثالث : كذب الدفاع
هناك كذب يكون للدفاع عن كذب آخر. طفل وقع في كذبة، وحتى يغطي على هذه الكذبة يحتاج إلى كذبة أكبر.
مثلا : طفلا سأله معلمه لماذا تأخرت عن الحضور إلى المدرسة ؟ إن أسهل شيء أن يقول: تعطلت السيارة في الطريق أو لم يوقظني أبي .. فيقول له المعلم : أنا أعرف أن والدك ليس ممن يتأخر في نومه .. وهنا الطفل يضطر لأن يكذب كذبة أخرى، فيقول له : في هذا اليوم والدي كان مريضا". فالطفل وقع في كذبة ثانية من أجل أن يغطي الكذبة الأولى.
النوع الرابع : الكذب الادعائي
هذا النوع عبارة عن دعوة يدعيها الطفل لأمور يتمناها في الواقع، وهذه الأمور تعطي ذاته شيئا" من الثقة ومن الانتعاش. وأحيانا تعطيه نوعا من التعويض عما يعانيه من ضعف .. مثلا : طفل يضرب من قبل ابن جيرانه باستمرار. هذا الطفل المضروب عندما يرجع إلى أهله يقلب الحقيقة ويقول ( أنا اليوم ضربت ابن جيراننا ضربا شديدا إلى درجة أنه ما استطاع القيام ..) الطفل هنا يتمنى أن يتغلب على ابن الجيران، ولكنه غير قادر على ذلك، ويعوض عن هذا الضعف الذي لديه بأن يدعي القيام بأعمال هو لم يقم بها. وقد يقع في هذا الكذب الكبار أيضا"، لكن الكبير يعرف الفرق بين الواقع وبين الخيال، وأما الطفل فإنه يتخيل هذا ويقول إنه فعل وفعل وفعل .. دون أن يعرف أن هذا يسبب مشكلة، وأن هذا غير موجود في الواقع.
النوع الخامس : الوقائي
قد يحاول الطفل الإفلات من العقوبة باختلاق الأعذار، وهذا النوع من الكذب يمكن أن يسمى ( الكذب الوقائي ) وهو يكون من أجل الإفلات من العقاب؛ وتغطية بعض الأخطاء والتصرفات المشينة، وهذا ما فعله أخوة يوسف عليه السلام: ( قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ) (يوسف : 17 ) وهذا يكثر كلما وجد هناك خطأ فيكون هناك احتمال كبير لأن يقع الكذب؛ لأن الناس الصرحاء الذين يملكون من قوة الشخصية وقوة النفسية وقوة اليقين وخلق الصدق … ليسوا بالكثرة، ولذلك الشخص الذي يكثر خطؤه يكثر كذبه. وهذا الكذب الذي يقع فيه الأطفال يحتاج إلى تعامل دقيق وجيد من الأبوين فهو كثير الانتشار، وحين يتابع الأب الولد ويناقشه في جميع أخطائه فإن هذا يجعل الولد في حالة خوف، ويجب أن نعرف أن الخوف سيدفعه إلى الكذب؛ كي يحمي نفسه من العقوبة، وكلما وسعنا دائرة الأمان، وكلما قللنا من مناقشة الطفل ومتابعة قدر الإمكان نكون قد أبعدنا الطفل عن الوقوع في الكذب، وعلينا ألا نسلط عليه الضوء لدرجة نضطره فيها إلى الخوف الذي سيدفعه إلى الكذب حتى ينجو من العقوبة. وطبعا بشرط ألا يؤدي عدم متابعتنا للطفل إلى التسيب. وفي هذا النوع من الكذب قد يتهم الطفل طفلا"آخر بفعل شيء وهو لم يفعل، وهذا يحدث بشكل أوضح بين اإخوة في البيت، ويصبح هناك كذب يدفع إليه الانتقام، كأن تكون هناك غيرة بين الإخوة، أو كراهية، وأحيانا يقوم يقوم طفل بكسر آنية ويتهم أخته أو يتهم أخاه فيكذب في ذلك من أجل الإساءة إلى أخيه.
النوع السادس : كذب التقليد
هناك كذب يقع بسبب الكبار. مثلا : وجد طفل أمه تأخذه إلى الطبيب، وهي تتظاهر أمامه بأنها تأخذه لزيارة بعض الأصدقاء، وهو لا يريد أن يذهب إلى الطبيب. تقول له : ( نحن لا نريد أن نذهب إلى الطبيب ، بل سآخذك إلى بيت خالتك ) ثم يتفاجأ بأنه ذاهب إلى الطبيب. وحين يرن الهاتف ويطلب أحدهم أن يتكلم مع الأب، فيقول الأب لانه: ( قل له إني لست موجودا .. أو أنا نائم .. أو أنا مشغول … ) فالطفل يرى هذا التصرف من أبيه ويحاكيه بكل براءة. وأحيانا يقع نوع من الكذب لجلب الانتباه، طفلة ضعيفة جدا في اللغة العربية، وفي يوم من الأيام تقول: ( إن أبي طلب مني تعليم أخي الصغير درس التميز ؛ وذلك لأنني ممتازة في اللغة العربية ) ومعروف أن التميز من الدروس الصعبة، فهي تريد من وراء ذلك أن تجلب الانتباه إليها، وأنها متميزة .. مع أن هذا غير صحيح.
النوع السابع : الكذب الاناني
النمط الأخير هو الكذب الاستحواذي أو الكذب الأناني. وهو الكذب الذي يندفع إليه الطفل من أجل الحصول على بعض الأشياء الإضافية. مثلا": طفل يقول لأهله: ( لعبتي ضاعت ) فمن أجل أن يشتري له أهله لعبة أخرى يدعي أنها ضاعت. وأحيانا يدعي أن المدرسة طلبت منه مبلغا من المال. وعلينا أن ندرك أن الجهل أحيانا" يكون سببا" من أسباب عدم كسر حدة الكذب، ونحن عندما نتحدث عن أنماط الكذب وعن الأشياء التي تدفع إليه وعن أسبابه … نريد بهذا أن يعرف الناس تماما لماذا يكذب الأطفال والأنماط التي يقعون فيها.
ذكرت إحدى الدراسات أن الأطفال يميلون إلى الكذب الاجتماعي بين أقرانهم، فالطفل عندما يكون بين أقرانه؛ بين أبناء أقاربه وبين أبناء الأصدقاء وأبناء الزملاء .. يميل إلى ما يمكن أن نسميه الكذب الاجتماعي، يقول : ( أبي اشترى لي هذا ، وهذا الثوب اشتراه أبي لي بكذا ..) الأطفال يلجؤون إلى الكذب الأناني أمام أمهاتهم، فالكذب الاجتماعي يكون أمام الأقران، وأما أمام الأمهات فيلجؤون إلى الكذب الأناني والكذب الاستحواذي، فهو من أجل أن يحصل على بعض الأشياء من والدته يكذب لكي يحصل على أشياء إضافية ، بينما بين أقرانه يكذب للمباهاة وللتفاخر.
يامكثر الكذب الخيالي عند اليهال لوول
وشفنا هذااااااك الوحش وطاااار ولا شفنا الاسد ويوم صارخنا عليه شرد
خخخخخخ