تخطى إلى المحتوى

بدعة الطرائق في الإسلام : – بدعة تحديد الأذكار لأتباعهم .

  • بواسطة

——————————————————————————–

بدعة الطرائق في الإسلام : – بدعة تحديد الأذكار لأتباعهم :

الشيخ العلامة : العربي التبسي .
بدعة الطرائق في الأسلام
– بدعة تحديد الأذكار لأتباعهم :

من البين لجميع من عرف الطرائق التي غصت بها الجزائر أنها اشتركت في امور وامتازت كلّ واحدة بخواص تجعلها منفصلة عن الباقية تستحق بها اسم طريقة فلان
.وقد وضعوا طرائقهم كالشرع والموضوع المتبع ؛ وبنوا هذه الأذكار على أوضاع وهيئات وألحقوا بها أدعية أحدثها من أسس الطريقة .
ومن الشائع الذائع أن هذه الأذكار يعطها رؤساء الطرائق أو من يقيمونه ويسمى : الورد ؛ أو رفع السبحة ؛ ويعنون : أعدادها . وصيغها وأوقاتها ؛وما يأتونه من آدابها . ونحن نعرض عملهم هذا ونقيسه بالهدي النبوي وعمل السلف؛ فذالك الدين ؛ ومالم يعرف في هذه الأيام بعموم أو خصوص فليس من الدين . ومادام ليس من الدين فإنكاره قربة والاعتراف به بدعة .
إن استقراء الشريعة دل على أن ما تعبدنا الله به جاء ضربين :
1) – ضرب تولى الله سبحانه تعينه في نفسه وفي عدده وفي وقته كالصلوات الخمس في الفرائض وكركعتي الفجر في النوافل ؛ وكرمضان في صوم الفرض ؛ وعرفة في النفل .
2)- وضرب آخر طلبه منا طلبا ؛ وأوكل تعيين عدده ووقته إلى قوة المكلف وما جعل عليه مسيطرا ولا وكيلا وله من نفسه أن يعين ما شاء في أي وقت شاء على ما تعطيه القوة البشرية .
والأذكار في الغالب أمرها من هذا القبيل ؛ وما شذا عن هذا غير قليل كسبحان الله والحمد لله والله أكبر دبر كل صلاة ؛ تولى الشرع تحديده .
والأذكار ورد الأمر بها في الكتاب الله غير ما آية قال الله سبحانه : (( وَلَذِكر اللهِ أَكبرُ)) –العنكبوت : 45-
وقال ((فََاذكُرُونِي أََذكُرُكُم )) -البقرة :152-
وقال (( فَلَو لا أنَّه ُكَََانَ من المسبّحينَ للبث . في بطنه إلى يوم يبعثون ))- الصافات 143-144-
وقال : (( يسبِّّّحون اللّيل وَالنّهار ))- الأنبياء :20
والآية كثيرة ولا يوجد في العبادات – إذا تتبعت الأدلة المبثوثة في الشريعة – أكثر من الذكر طلبا . وورد الأمر بها سنَّة . أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ؛ سبحان الله العظيم )). متفق عليه .
وأخرج مسلم عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الطهور شطر الإيمان ؛ والحمد لله تملأ الميزان ؛ وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماوات والأرض .))
وأخرج البخاري عن أبي موسى قال :قال رسول الله
– صلى الله عليه وسلم –(( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت )).
وقد بوب رجال الصحيح للدعوات والأذكار أبوابا وفصولا جمعوا فيها ما ثبت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الأذكار والدعوات ؛ وما دار فيها مما لا مطمع لي في تسطيره ؛ وقد اعتنت الأئمة الأثبات عناية فوق هذه ؛ وألفوا كتبا صحاحا في عمل اليوم والليلة . رووا فيها ماثبت من الأذكار والأدعية بأسانيدهم .
فمن هذه الكتب : عمل اليوم والليلة لأبي عبد الرحمن النسائي . وكتاب الإمام بكر أحمد ابن اسحاق السني . وكتاب الإمام النووي . وغيرهما مما هو معروف ؛ وقد أتوا على حالات الإنسان وتاراته اليومية والليلية ؛ وساقوا ما فيها من أحاديث وآثار ؛ فمنها ما رغب الشرع في عدد منها طلبا للكثرة ؛ ومنها ما طلبه طلبا مطلقا موكولا لقوة الذاكر؛
يزن نفسه ثم يثبت ما يستطيع أن يداوم عليه .
وما علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة عمره حدد الأذكار لأحد من أصحابه تحديدا يماثل تحديد الطرقيين على إختلاف أسمائهم ؛ ولا نقل عن أحد من السلف أنه حدد الأذكار لغيره ممن عاصره فضلا عن أن يجعله ذكرا شائعا يعرف بذكره طريقة فلان ؛ ومن ادعى غير هذا فليدلنا عليه من طريق صحيح عند أهل العلم .
ونحن نعقد أن الذكر كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ ولم يتول تحديده ولا توقيفه ؛ وكل من تعرض لتحديده أو توقيفه أو إدخال زيادة كيفما كان شأنها فيه عما كان في عصره يعد مبتدعا مستدركا على الشريعة .
ونحن نعتقد أن السلف رضي -الله عنهم – لما لم ينقل عنهم تحديد ولا توقيت ؛ وهم أهل الدين صدقا ؛ وأصحاب الذّكر حقا دلّ على أنهم فهموا من الشرع عدم التحديد والتوقيت ؛ ولن يستطيع آخر الأمة أن يأتي بهداية لم يأت بها أولها .
ونحن نجزم بأنّ السنة في فعله صلى الله عليه وسلم وقد ترك التحديد؛ وإنّ الخير في إتباع من سلف وقد تركوا التحديد والتوقيت . فالبدعة والشر في التحديد والتوقيت وهو مالم تتركه طريقة من الطرائق ؛ ولنورد شيئا من كلام المحققين يخدم هذا الغرض .
قال أبو إسحاق الشاطبي : في مآخذ البدع وأهلها في الإستدلالات على مانتحلوا ومنها تحريف الأدلة : (( وقد علمت أنّ منها لفظه وعمله صلى الله عليه وسلم ؛ وتحريفها عن مواضعها بأن يرد الدليل على مناط فيصرف عن ذالك المناط إلى آخر كذكر الله موهما أن المناطين واحد ؛ وهو من خيبات تحرف الكلم عن موضعه)) .إلى أن قال : ((وبيان ذالك أن الدليل الشرعي إذا اقتضى أمرًا في الجملة مما يتعلق بالعبادات ؛فأتى به المكلف في الجملة أيضاً كذكر الله سبحانه وتعالى ؛ والدعاء والنوافل ؛ والمستحبات مما يعلم فيه التوسعة شرعا كان الدليل لما في العلم من جهتين :
أ)- من جهة معناه .
ب)- من جهة عمل السلف به .
فإن أتى المكلف في ذلك الأمر بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص ؛ أو مقارفة لعبادة مخصوصة والتزم ذالك بحيث صار متخيلا أن الكيفية المخصوصة أو الزمان أو المكان مقصود من غير ان يدل الدليل عليه ؛ كان بمعزل عن ذلك المعنى المستند عليه .
فإذا ندب الشرع مثله إلى ذكر الله فالتزم قوم الاجتماع عليه على لسان واحد ؛ وبصوت أو في وقت معلوم مخصوص من سائر الأوقات لم يكن في ندب الشرع ما يدل على هذا التخصيص بل فيه مايدل على خلافه . )) اهـ
ثم حكم ببدعية ما كان على هذا الوصف .
وماذكره يجري في تحديد الأذكار للأتباع ويزيد عليه بما أنجز للعوام من هذه البدعة الفظيعة ؛ فقد أصبح بعض أسماء الله من ميزة طريقة فلان ؛ فمن لم يأخذ عهده وورده لا يحوم حول ذكر الاسم ؛ وأي شر بقي بعد هذا ؟ وأي إلحاد في أسماء الله شر من هذا ؟ وتزيد عليه أيضا بقلب معالم الإسلام ظهر البطن.
فقد كان من مبادئ الإسلام الأولية أن المسلم يتلقى الأحكام من ينبوعها ؛ وهو ما جاء به الرسول الله صلى الله عليه وسلم .من غير استئذان أحد ؛ولا واسطة أحد ؛ فصير شيوخ الطرائق الذكر يتوقف على إذنهم لميولهم وأهوائهم ؛ ولعل زاعما يتوهم أن هذا التحديث والتوقيت لا يضر و قد قصد واضعوه الخير فنقول : أخطأ الواهم في وهمه .
فإن السلف الذين شاهدوا عصر النبوة لو وقع بين أيديهم شيء أقل من هذا ولا يشاركهم في غير أن الرسول لم يفعله أنكروه وعدوه ضلالا .ولا بأس بنقل شيء من آثارهم يستدل به على ما نقوله ؛ من ذالك ما نقله أبو إسحاق الشاطبي . عن أبي وضاح عن الأعمش عن بعض أصحابه . قال : مر عبد الله يعني (ابن مسعود) برجل يقص على أصحابه وهو يقول : سبحوا عشرا ؛ وهللوا عشرا ؛ فقال عبد الله : إنكم لأهدى من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أو أضل ؟ بل هذه يعني أضل.
ومن رواية عنه ؛ أنّ رجلاً كان يجمع الناس فيقول : رحم الله من قال كذا وكذا مرة ؛ سبحان الله . قال فيقول القوم .ويقول : رحم الله من قال كذا وكذا مرة الحمد لله . فيقول القوم .قال : فمر بهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه – فقال هديتم لما لم يهد إليكم نبيكم وإنكم لتمسكون بذنب ضلالة .
وذكر له أيضا أناسا يسبحون بالحصى في المسجد فأتاهم وقد كَوَّم َ كل رجل منهم كوما من الحصى قال فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد ويقول لقد أحدثتم بدعا وظلماً ؛ وقد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علماً.
فتفهم – رحمك الله – رأي الصحابة فيمن خالف مكان عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كيف ضللوه وأنكروا ما أتى به ولم يعذروه ولا تأولوا له وجهاً ؛ ولا نقبوا له عن نية بل مخالفته كفتهم دلالة على إنكار ما أحدث ؛ وتأملوا يا أولي الألباب ويا رجال العلم فيما أحدثه أشياخ الطرائق فإنّهم يحدثوننا بأنّ حِكما وأسرارا خفيت عن الرسول صلى الله عليه وسلم و على سلف الأمة في تحديد الأذكار للأمة وأدركها هؤلاء المستدركون وأنّ فضائل وخواص في أعداده لم يهد لها نبي الرحمة وهدي إليها الأقوام الذين تجاوزت بهم أهواؤهم إلى أبعد المدى .

المصدر : كتاب الأعمال الكاملة للشيخ العربي التبسِّي الصفحة :419 إلى 425

.

المصدر: مدونة نور اليقين

اللهم لك الحمد والشكر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.