(1) الشافعي هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي ، ولد في غزة سنة 150 هـ وتوفي بمصر سنة 204 هـ وهو أحد الأئمة الأربعة على الجميع رحمة الله تعالى:
(2) مراده رحمه الله أن هذه السورة كافية للخلق في الحث على التمسك بدين الله بالإيمان ، والعمل الصالح ، والدعوة إلى الله، والصبر على ذلك، وليس مراده أن هذه السورة كافية للخلق في جميع الشريعة.
وقوله : "لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم" لأن العاقل البصير إذا سمع هذه السورة أو قرأها فلا بد أن يسعى إلى تخليص نفسه من الخسران وذلك باتصافه بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح ، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر .
(3) البخاري هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، ولد ببخارى في شوال سنة أربعة وتسعين ومائة ونشأ يتيماً في حجر والدته ، وتوفي رحمه الله في خرتنك بلدة على فرسخين من سمرقند ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين.
(4) أستدل البخاري رحمه الله بهذه الآية على وجوب البداءة بالعلم قبل القول والعمل وهذا دليل أثري يدل على أن الإنسان يعلم أولاً ثم يعمل ثانياً ، وهناك دليل عقلي نظري يدل على أن العلم قبل القول والعمل وذلك لأن القول أو العمل لا يكون صحيحاً مقبولاً حتى يكون على وفق الشريعة ، ولا يمكن أن يعلم الإنسان أن عمله على وفق الشريعة إلا بالعلم، ولكن هناك أشياء يعلمها الإنسان بفطرته كالعلم بأن الله إله واحد فإن هذا قد فطر عليه العبد ولهذا لا يحتاج إلى عناء كبير في التعلم ، أما المسائل الجزئية المنتشرة فهي التي تحتاج إلى تعلم وتكريس جهود.
أعلم رحمك الله : أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل والعمل بهن، الأولى : أن الله خلقنا(1) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) ودليل ذلك أعني أن الله خلقنا سمعي وعقلي :
أما السمعي فكثير ومنه قوله عز وجل: )هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (الأنعام:2) وقوله: )وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ )(الأعراف:الآية11) الآية ، وقوله تعالى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ) (الحجر:26) وقوله : )وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (الروم:20) وقوله: )خَلَقَ الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) (الرحمن:14)
)اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )(الزمر:الآية62) وقوله: )وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96)
وقوله: )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)
إلى غير ذلك من الآيات. أما الدليل العقلي على أن الله خلقنا فقد جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: )أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (الطور:35) فإن الإنسان لم يخلق نفسه لأنه قبل وجوده عدم والعدم ليس بشيء وما ليس بشيء لا يوجد شيئاً ، ولم يخلقه أبوه ولا أمه ولا أحد من الخلق، ولم يكن ليأتي صدفة بدون موجد؛ لأن كل حادث لا بد له من محدث ؛ ولأن وجود هذه المخلوقات على هذا النظام البديع والتناسق المتآلف يمنع منعاً باتاً أن يكون صدفة. إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظماً حال بقائه وتطوره ، فتعين بهذا أن يكون الخالق هو الله وحده فلا خالق ولا آمر إلا الله، قال الله تعالى: ) أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ )(الأعراف:الآية54)
ورزقنا (1) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ولم يعلم أن أحداً من الخلق أنكر ربوبية الله سبحانه وتعالى إلا على وجه المكابرة كما حصل من فرعون ، وعندما سمع جبير بن مطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ قوله تعالى: )أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) (الطور:35- 37) وكان جبير بن مطعم يومئذ مشركاً فقال: "كاد قلبي أن يطير وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي"(6).
(1) أدلة هذه المسألة كثيرة من الكتاب والسنة والعقل أما الكتاب : فقال الله تعالى: )إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات:58)
وقال تعالى: )قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ )(سـبأ:الآية24) وقوله: )قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (يونس:31)
والآيات في هذا كثيرة.
وأما السنة : فمنها قوله صلى الله عليه وسلم في الجنين يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله ، وعمله وشقي أم سعيد. (7)وأما الدليل العقلي على أن الله رزقنا فلأننا لا نعيش إلا على طعام وشراب، والطعام والشراب خلقه الله عز وجل كما قال الله تعالى: )أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ* لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) (الواقعة:63-70)
ولم يتركنا هملاً (1) بل أرسل إلينا رسولاً (2) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ففي هذه الآيات بيان أن رزقنا طعاماً وشراباً من عند الله عز وجل.
(1) هذا هو الواقع الذي تدل عليه الأدلة السمعية والعقلية:
أما السمعية فمنها قوله تعالى: )أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )(المؤمنون: 115-116) وقوله أَيَحْسَبُ الإنسان أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى* أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة:36-40)
وأما العقل : فلأن وجود هذه البشرية لتحيا ثم تتمتع كما تتمتع الأنعام ثم تموت إلى غير بعث ولا حساب أمر لا يليق بحكمة الله عز وجل بل هو عبث محض ، ولا يمكن أن يخلق الله هذه الخليقة ويرسل إليها الرسل ويبيح لنا دماء المعارضين المخالفين للرسل عليهم الصلاة والسلام ثم تكون النتيجة لا شيء ، هذا مستحيل على حكمة الله عز وجل.
(2) أي أن الله عز وجل أرسل إلينا معشر هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً يتلو علينا آيات ربنا ، ويزكينا ، ويعلمنا الكتاب والحكمة ، كما أرسل إلى من قبلنا، قال الله تبارك وتعالى: ) وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)(فاطر:الآية24) ولا بد أن يرسل الله الرسل إلى الخلق لتقوم عليهم الحجة وليعبدوا الله بما يحبه ويرضاه قال الله تبارك وتعالى: )إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً) *وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:163-165)
فمن أطاعه دخل الجنة(1) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ولا يمكن أن نعبد الله بما يرضاه إلا عن طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام لأنهم هم الذين بينوا لنا ما يحبه الله ويرضاه ، وما يقربنا إليه عز وجل فبذلك كان من حكمة الله أن أرسل إلى الخلق رسلاً مبشرين ومنذرين الدليل قوله تعالى: )إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً*فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً) (المزمل:15-16)
(1) هذا حق مستفاد من قوله تعالى: )وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ*وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:132-133) ومن قوله تعالى: ) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(النساء:الآية13) ومن قوله تعالى)وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (النور:52)
وقوله : )وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69)
وقوله: ) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)(الأحزاب:الآية71) والآيات في ذلك كثيرة
موضوع لا أروع ..