(18) عن عائشة "أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ: إِذَا جَلَسَ مَجْلِسًا أَوْ صَلَّى تَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ فَسَأَلَتْهُ عَائِشَةُ عَنْ الْكَلِمَات؟ِ فَقَالَ:
إِنْ تَكَلَّمَ بِخَيْرٍ كَانَ طَابِعًا عَلَيْهِنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ . (1)غريب الحديث :
طَابعـًا: الطَّابَعُ : بالفتح والكسر للباء الموحّدة؛ الخاتم الذي يختم به، وطَبَع الشيء وعليه يَطْبَعُ طَبْعًا؛ خَتَمَ (2) .
كَفَّارَة : أصلُ الكُفْر: السَّتْرُ والتَّغْطِيةُ ، و الكفّارة : هي الفَعْلة والخَصْلة التي من شأنها أن تُكفِّر الخطيئة، أي تسترها وتمحوها (3).
سُبْحَانَكَ : أَصْلُ التّسِبْيح : التّنزيه والتّقديس، والتّبرئة من النقائِص ، ومعنى سبحانك : تنزيه الله تعالى عن كلِّ
ما لا ينبغي أن يوصف به .
وهو نَصْبٌ على المصدر بفعل مضمر كأنه قال: أُبَرِّئُ الله من السوء براءة .
ومعنى سبحانك اللهم وبحمدك :
سبحانك : أي أسبحك تسبيحًا لائقًا بجنابك المقدس، والباء في بحمدك للملابسة والواو للعطف، والتقدير: أسبحك تسبيحًا متلبسًا
بحمدك فيكون المجموع في معنى سبحان الله والحمد لله وهو أظهر الوجوه (4).
من فوائد الحديث :
1/ اهتمام عائشة – رضي الله عنها – بالمتابعة الدقيقة والملاحظة المستمرة لأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله والسؤال
عنها ليكون أبلغ في التأسي والاقتداء والمتابعة .
2/ النَّدب إلى الذِّكر الوارد عند القيام من المجلس، قال القاضي عياض – رحمه الله -: وكان السلف يواظبون عليه، لما فيه من البشارة
بالأجر العظيم مع تيسُّر أدائه بلا مشقة (5) . مع الحذر من اتخاذه ذريعةً لمجالس الباطل .
3/ التسبيح مشروع في ختام الحديث والخطب والمجالس، وحمد الله تعالى والثناء عليه آخر دعوى أهل الجنَّة (6)،
قال تعالى(( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) (7).
فالحمد والتمجيد والتعظيم لله ذكرٌ يدعو به أهل الجنة في الآخرة شكرًا لله تعالى على ما أنعم عليهم وختم به عاقبة أمرهم حيث جعل
مآلهم إلى الجنة .
وهو أيضًا ثناءٌ وحمدٌ للمولى سبحانه وتعالى يهتف به العبد في ختام مجالس الذكر والعبادة شكرًا لله تعالى على ما أنعم عليه في الدنيا
من الهداية لتوحيده وعبادته وذكره.
4/ الحث على الإكثار من الاستغفار ومحاسبة النفس على ما سلف من الزّلات والآثام وفضول الكلام فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً .
وأفضل الاستغفار أن يبدأ العبد بالثناء على ربِّه معترفًا بذنبه ثم يسألُ الله تكفيرَ خطيئته والعفوَ عن تقصيره وإساءَته، ويقترنُ به تركُ
الإصرار على المعصية، والتوبة النصوح التي يعقد عليها قلبه ويعاهد بها ربه سبحانه (8).
5/ اجتهادُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في المداومة على هذا الذكر وهو المغفور له؛ لما حباه الله سبحانه به من معرفته وخشيته فهو
دائب في شكر ربه معترف لـه بالتقصير، ممتثل لما أمر به – في قوله تعالى: ((فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)) (9) – على
أحسن الوجوه .
وأكثر منه لتعليم الأمة خيرية هذا الذكر وفضيلته والحاجة إلى دوام الافتقار إلى الله تعالى والإذعان له وإظهار العبودية والشكر
والاستغفار والاعتراف بالتقصير في بلوغ عبادته الحقة