لاشك أن التربية الإسلامية "فن" يجب على الآباء والمربين إتقانه.
ولاشك أن الإتقان يستلزم الإحاطة بأهداف التربية ووسائلها.
ومن أجمل الكتب التي قرأتها في التربية هذا الكتاب الذي سأنقل منه إليكم "مقتطفات"
والكتاب بعنوان "اللمسة الإنسانية " للدكتور محمد بدري.
ويقول المؤلف بأن سبب تسميته "باللمسة الإنسانية" لإحساسه بأننا في أمس الحاجة إلى أن نضفي على تعاملنا مع أبنائنا لمسة إنسانية حانية.
أسمع القلب ..تملك العقل
اذا دعوت صديقا تحبه لتناول العشاء، واثناء تناول الطعام إنسكب كوب اللبن من يده…. ماذا ستقول له؟
لا شك انك ستقول:" لا عليك،ان هذه الامور تحدث كثيرا….. أمر عادي….. انتظر … دعني اجففه ، دعني أنظف المكان… أليس هذا هو رد فعلك مع صديقك؟؟؟؟
فلماذا حين يحدث الامر مع ابنك تقول: " مرة أخرى تسكب اللبن ….. ألم أقل لك مرارا أن تكون اكثر حرصا…. يا لك من طفل غبي، لقد أفسدت غطاء المائدة !!!!
نعم …. لابد للأبوين من ممارسة عملية النقد تجاه أبنائهما، لكن المشكلة أنه أثناء ممارسة النقد كثيرا ما نتجاهل كيان الابن ومشاعره ، وهذا غير صحيح …فالابناء يمتلكون مشاعر كاملة، ولذا حاجتهم للحب والملاطفة أعظم من حاجة الكبير.
* التربية بالحب:
الابناء هم منحة الله الى الاباء …والقدرة على رعايتهم ب "حب" هي الشكر
الواجب لهذه المنحة الالهية.
فالحب يجب ان يشع دفئا بين الاباء والابناء، بعكس الكراهية التي تشيع
برودة شديدة.
فالذي يقوم ببذر الحب في قلوب ابنائه يحولهم لجنود يحرسونه ، والى مظلات تقيه من حر الشمس.
نعم " للحب " كل هذا السحر التربوي.
الذي يحب احدا يحرص كل الحرص عليه ويعمل على اسعاده… فهو على استعداد لأن يبذل كل ما يستطيع وكل ما يملك لإسعاده … فالدنيا كلها تختزل في شخص المحبوب، فيصبح ارضاءه وكأنه ارضاء الدنيا كلها ، واغضابه ومخاصمته … وكأنه اغضاب الدنيا كلها …!!
لذلك على كل – مربي – ان يكون في توجيهاته لابنائه ، ان يبين لهم انه يحبهم … وحبه هذا يدفعه لتوجيههم لفعل الصواب، حتى لو تشبث أحد الابناء برأيه ، فمشاعر العطف والحب كفيلة لتقبله الرأي الاخر.
فالضمان الاول لقبول الابن ما يقول له مربيه إنما هو " الحب " ، والابن الذي ينشأ على الحب وإحترام المشاعر … هو انسان يضع كل شئ قي مكانه الصحيح.
فالابن الذي يتلقى كلمات الحب والتقدير من ابويه على ما يقوم به من تنفيذ لأوامرهما ، سيقوم بوضع رضا الوالدين فوق كل مطالب النفس والذات ، وعلى العكس من ذلك فالمحروم من حب ابويه ، سيلجأ دائما لفعل أي شئ يزعجهم حتى يلفت انتباههم اليه … فهو بحاجة إلى ان يكون محبوبا … ومحبا أيضا.
سيقول الأمهات والإباء : ومن منا لا يحب أبناءه ؟ انهم أحب شئ لدينا في هذا الوجود !!
نعم … كلنا نحب ابناءنا … هذه حقيقة ، ولكن هل نخبرهم بأننا نحبهم ، وهل نشعرهم بهذا الحب؟؟
إذن لابد من التعبير عن مشاعر " الحب " تجاه الابناء ، بل التصريح لهم بذلك.
كأن يقول الاب لابنه :" إني أحبك يا بني ، واني فخور بك"
وتقول الام لابنتها :" ان وجودك بنيتي في هذه الحياة تجعلها تبدو أجمل في نظري"
…. " حبنا لكم يزيد يوما بعد يوم"
لاشك ان علاقتنا مع ابنائنا ستتحول لمتعة حقيقية حين نتفاعل معهم على أساس الحب واحترام المشاعر.
والاحترام والحب يعني :" ببساطة ان تصبح مسافة الهواء التي تفصل بين جسد الطفل وجسد والديه مملوءة بالدفء ، والدفء ليس حالة احتضان دائم للطفل، ولكنه حالة اعتزام نفسي بأن هذا الطفل جدير بحبنا، وأن أخطاءه قابلة للإصلاح…."
أخي الأب…. أختي الأم :
أحبوا أبنائكم بغير شروط… عانقوهم …. شدوا على ايديهم … اربتوا على كتفهم وظهرهم …. تقبلوا أفعالهم بصدر رحب …تسامحوا مع أخطائهم .
حقا… تربية الابناء " لحن حب" يعزفه الاباء والامهات، وعليهم عزف هذا اللحن بثقة واقتدار، على أن يكون العزف بمنتهى الهدوء لان هذا اللحن طويل جدا.
* مرآة المشاعر:
من الاخطاء الشائعة اعتقاد الاباء والامهات ان دليل محبتهم لابنائهم هو توفير الحاجيات والملابس والهدايا والحلويات وما شابه ذلك، كل هذا ليس دليل حقيقي على الحب، فالحب الحقيقي الذي نغفله هو احترام مشاعر الابناء وتفهم أحاسيسهم وعدم انتقادهم في كل صغيرة وكبيرة.
لا شك بأن هذا النوع من الحب هو الاساس القوي لشعور الابناء بالامن والاستقرار ومن ثم نموهم نموا سليما.
فالطفل الذي يشبع من الحب والحنان يكون أميل للطاعة والانقياد والتعاون والانضباط أكثر من غيره.
فالنصيحة التربوية:
لابد أن نشعر أبنائنا بأننا نحبهم في كل الظروف ، واننا نفخر بهم في جميع الاحوال… قد لا نحب منهم تصرفا أو سلوكا ما ونود لو غيروه … لكننا مع ذلك نحبهم … نحبهم في كل الاحوال.
فعندما يشعر الاب مثلا بأن ابنه يعاني من مشكلة ويرى على وجهه علامات الحزن والكآبة …. لا يواجهه مباشرة : لماذا وجهك حزين؟ ما الذي حدث لك؟ أي مشكلة أتيت بها اليوم؟
بل يبدأ بمشاركته بما يحس ويشعر:
" يبدو أنك مهموم بعض الشئ"
" كأنك تشعر بالضيق من يومك الدراسي"
" يبدو ان شخصا ما ضايقك"
" يبدو انه كان يوما شاقا"
هو بدأ بمساندته ومشاركته وكأنه أحس بشعور ابنه ، مما يجعل الابن يخرج ما في صدره.
هكذا نحترم مشاعر ابنائنا ، فالابن الذي يعيش على عدم احترام المشاعر ، يدفعه ذلك للبحث عن أخطاء الاخرين والاستخفاف بمشاعرهم.
فمثلا:
عندما يقول الابن شيئا عن نفسه
كأن يقول: انني لست موفقا في مادة الرياضيات.
في هذه الحالة لا يفيد الام أو الاب أن يقولا: نعم … صحيح .. انت دائما خائب …. انت لا تفهم شيئا
….. لانك ولد غبي.
وانما من الافضل:
– الرياضيات هذا العام تحتوي بعض المسائل الصعبة.
– أنا على ثقة أنك ستبذل ما في وسعك لتكون أفضل.
ان وظيفة " مرآة المشاعر" هي عكس المشاعر كما هي دون تشويه.
أيها الأب …أيتها الأم..:
لابد ان تتعاملوا مع ابنائكم على اساس انكم متفهمون لمشاعرهم … تعطفون على ضعفهم وخطئهم مع وجود الرغبة الحقيقية في تصويب اخطائهم.
فهم بذلك سيقومون بإعطائكم حبهم ومودتهم وثقتهم … وذلك لشعورهم بالامن بجانبكم … وبالسعة في صدوركم.
* قيادة القلوب:
لا شك بأن الكلمات هي من اكثر الرسائل التي تساعدنا على توصيل " الحب" لأبنائنا ، ولكن يجب ان كلماتنا لا تكتسب تأثيرها من ألفاظها التي تصاغ منها بقدر ما تكتسب ذلك التأثير من نسمات الحب التي تهب منها على قلوب الابناء…
واجعل ابنك يدرك ويعرف انك تعطيه من جهدك وراحتك وطاقتك وأنك تضحي من اجله لكي تسعده … قل له انك تفعل له كل هذا : لإنك تحبه.
إن عالم الاطفال عالم غريب ، والتأثير فيه يكون عن طريق الدخول لهذا العالم … فيا ترى ما هو الطريق الذي يوصلنا اليه؟
لاشك بأنه طريق اللطف والرحمة والعطف والحنان والبذل …. من خلال الهدية والملاطفة والبسمة والنظرة … فتطفح نفوس هؤلاء الاطفال بالسرور والرضا والبشر والامن… في تلك اللحظة ستملك عقولهم وقلوبهم وتستطيع ان تزرع فيهم القيم والمبادئ التي تريد.
فالتربية الجافة المعتمدة على الاوامر والنواهي والتي تلجم العواطف هذه التربية أمر مرفوض لانها تقسي مشاعر الابناء وتجمد ينابيع العطاء في أعماقهم.
أما حين نتعامل معهم بالحب والتقدير ، فسيتصرفون طبقا للإشارة العاطفية التي تخرج من قلوبنا.
ان القيادة الحقيقية للأبناء هي " قيادة القلوب" لا قيادة الابدان… قيادة الرضا لا قيادة الضغط …. قيادة الحب لا قيادة الارهاب… ولن نحصل على ما أفضل ما عند أبنائنا حتى نستميل قلوبهم فيحبونا ، فإن أحبونا أطاعونا.
تسألني لماذا؟
لإن العقل لا يسمع …. حتى يسمع القلب.