تخطى إلى المحتوى

لكي لا تكون ضحية للاحتيال المالي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته::

لكي لا تكون ضحية للاحتيال المالي

خليجية

إبراهيم كشت – ثمة حقائق متعددة تتعلق بجوهر الاحتيال المالي، ووسائله، وتأثيره، وسبل استشعاره أو اكتشافه . وأعتقد أن إدراك المرء لهذه الحقائق، يساعده إلى حد كبير على تجنب الوقوع في شباك المحتالين، وألخص هذه الحقائق (أو المعطيات) في ست نقاط كما يلي : الحقيقة الأولى هي أن للاحتيال المالي جوهر واحد، مهما تعددت أسماؤه، واختلفت أساليبه، وتنوعت أدواته، سواء أكان عادياً أو الكترونياً، وسواء أتم بأساليب بسيطة أو معقدة، وبغض النظر عما إذا كان مجاله التعاملات اليومية المعتادة، أو التعاملات التجارية أو البنكية أو التأمينية، أو التعاملات بأسواق رأس المال، أو بالبطاقات أو الانترنت أو سوى ذلك . ويتمثل جوهر الاحتيال هذا بكذب (مباشر أو غير مباشر) يوهم المحتال من خلاله ضحيته بكسب مالي وشيك وكبير نسبياً، لقاء قيام تلك الضحية بدفع مبلغ مالي للمحتال . ويكون المبلغ الذي يحصل عليه المحتال أقل بكثير (عادة) من الكسب الذي تتوهمه الضحية .
وأنا أعني بهذا المفهوم الواسع للاحتيال المالي وفق ما تقدم دلالته العامة السائدة والمتعارف عليها، وليس معناه القانوني الدقيق كجريمة، فتعريف جريمة الاحتيال وفق النص القانون أكثر تحديداً ودقة، وهي جريمة لها أركانها المحددة التي لا تقوم إلا بها . فمجرد الكذب لا يكفي لقيام جريمة الاحتيال بمعناها القانوني، ولو أدى ذلك الكذب إلى حمل الغير على تسليم الجاني مالاً نتيجة إيهام ذلك الغير بربح وهمي .. فلا بد من تدعيم ذلك الكذب بمظاهر خارجية نص عليها القانون، إلا أن ذلك بحث يطول، وهو ليس مجالنا هنا .
والحقيقة الثانية هي أن أصل التعامل المالي بين الناس بكافة أشكاله يقوم ابتداء على أساس الثقة، والاحتيال استثناء، إلا أن الاحتيال واقع موجود، عرفته البشرية عبر تاريخها الطويل، ولا يمكن التقليل من حجمه وأثره، وهو متطور بتطور طبيعة المعاملات المالية والوسائل التكنولوجية، ومتزايد بتزايد حجم هذه التعاملات . ولاشك أن تعليمات الأديان، ومبادئ الأخلاق، والروادع القانونية تحدّ من ممارسة الاحتيال، إلا أنها لم تتمكن من القضاء عليه . مما يستوجب الحرص من الوقوع ضحية للمحتالين بكل وسيلة ممكنة . فالمحتال لا يسلبك مالك وحسب، ولا يتطفّل على جهدك وعرقك ليمتصّهما كما البعوضة، وليستولي عليهما بالخديعة دون عناء يذكر، حيث أن لفعل المحتال بعد نفسي، فأنت ما أن تكتشف أنك كنت ضحية للاحتيال حتى تحس أن ذلك كان طعناً في ذكائك، ومسّاً بكبرياء ذاتك، حتى لو كانت خسارتك المالية بسيطة، مما يعني أن نظرتك إلى أن الثقة هي أساس التعامل بين الناس يجب ألا يحول دون الحذر دائماً والشك أحياناً .
ما الحقيقة الثالثة فهي أن فعل الاحتيال التام لا يمكن أن يتحقق، ولا أن ينجح ويصل إلى نتائجه، إلا بقبول الضحية وإرادتها، فالمحتال يكذب ويوهم ويؤمل، ويدعم كذبه عادة بأدوات وأساليب تدعو لتصديقه، لكن كل ذلك لا يجعل فعل الاحتيال تاماً وناجزاً، إنما يتحقق الاحتيال باقتناع الضحية بكذب المحتال، وبطمع تلك الضحية بتحقيق ربح وفير أو سريع، أو كسب بلا جهد يذكر . فللضحية أو المجني عليه في فعل الاحتيال دور، لأنه ليس مجرّداً من الإرادة، وليس مغيّب العقل، وإنما الطمع، وأحياناً الحاجة المُلحّة، تجعل ضحية المحتال أسرع اقتناعاً، وأشدّ تقبّلاً للإيحاء، وأكثر استعداداً للغفلة وإقصاء المنطق، فهو كمن يرغب في أن يصدق وجود هذا الربح الذي يوهمه به المحتال، فيسهم هو نفسه (أي ضحيةُ المحتال) في إيقاع ذاته في المصيدة .
والحقيقة الرابعة هي أنه يجب أن نحصّن أنفسنا بشدة من التأثّر بأية مظاهرة خارجية، وبأية أساليب للدعاية والترويج والاستعراض، وأن نُحيّد تلك المظاهر والأساليب، ولا نجعلها معياراً للحكم على صدقية الآخرين . فالمحتال يتوسّل عادة بمظاهرة متعددة، ويحيط نفسه بهالة تساعد على الإيحاء بصدقه، فاللباس الأنيق، وحمل حقيبة رجال الأعمال، والتشدّق بكلمات إنجليزية، وحمل الكروت الشخصية الفاخرة المزدانة، والتعامل من خلال مكتب واسم شركة، والتظاهر بالانشغال، وبوجود طاقم عمل واجتماعات، وكثرة النشرات الأنيقة والإعلانات والعقود المطبوعة .. كل ذلك وسواه، ينبغي ألا يوحي لنا بشيء، وألا يكون باعثاً وحده على الثقة، ولا أن يضع على عيوننا غشاوة، تحول دون رؤية المعطيات الأخرى، والانتباه إلى طبيعة التعامل الذي نُقدم عليه .
والحقيقة الخامسة، هي أنه ينبغي أن نتوقّف ملياً، عند كل تعامل أو صفقة أو اتفاق أو علاقة مالية، أو مجرد عرض يتضمن وعداً أو تأميلاً بربح يفوق ما هو معتاد، أو يتضمن شروطاً ميّسرة خلافاً ما هو سائد، أو كسباً سريعاً أو سهلاً لا يتطلب جهداً . فالسماء لا تمطر ذهباً، وأي احتمال لربح كبير يقابله احتمال الخسارة بمئات الأضعاف (كما في القمار مثلاً)، ومن طبيعة التجارة أنها تستلزم جهداً وعملاً وإدارة وإنتاجاً وإبداعاً لتحقق الربح . إذن فكل توقّع بمال وفير أو سريع أو سهل أو غير مشروط، يجب أن نتوقف عنده، ونثير الشك والأسئلة حوله، مهما زاد طمعنا به، وزادت وسائل إقناعنا بالحصول عليه .
أما الحقيقة السادسة، فهي أنه ليس ثمة ما يمنع المرء عند الدخول بأي تعامل أو صفقة، من أن يتثبت قبل أن يتورط، فيطّلع على هويات من يتعامل معهم، ويتحقق من أوراق التسجيل إن كانت شركة، ويستشير أهل الخبرة في طبيعة التعامل، ويرجع إلى محامٍ إذا كان مقبلاً على توقيع عقد، ويسأل عن ملاءة الطرف الآخر وسمعته وكفاءته، ويتصل ببعض الجهات الأخرى التي قد تكون لها علاقة بموضوع التعامل، ليتأكد من صحة الأمور وسلامة النوايا وصدقية من يتعامل معهم .

م / ن / ق / و / ل

خليجيةخليجية

خليجية

سلمت أخية

وحعل الله ذلك في ميزان حسناتك

خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.