* د. محمد أيوب شحيمي
كانت فكرة (فرويد) تقوم على أن العدوان في أساسه هو باعث غريزة الموت التي تنقلب من الذات عند الشخص إلى الآخرين، عندما تطلقها إحباطات خارجية، وكان فرويد قد خلص إلى نتيجة: أن الإحباط يؤدي إلى العدوان إذ كلما كان الإحباط قوياً، كان الميل إلى العدوان قوياً أيضاً. لكن تلامذة فرويد أعادوا النظر في تعريف كلي للإحباط (ليشمل الإثارة، بالألم الناتجة عن الإهمال الظاهر من جانب الآخرين). وقد جرى اعتراض من قبل العلماء فيما بعد حول حصر العدوانية بالإحباط، ورأوا أن الإحباط يؤدي إلى نتائج عدة وليس بالضرورة إلى العدوانية فقط، فقد يؤدي الإحباط إلى العزلة أو الانسحابية من المجتمع، أو غير ذلك.
ثم إن الإحباط، مع وجود الدافع القوي لبلوغ الهدف، يجعل الفرد يميل إلى العدوانية، ثم تدخل درجة الإعاقة أو التدخل كعاملين هامين في التوجه نحو العدوانية، فقد أجريت تجارب على بعض الأطفال، حيث خصص لهم أحد الأمكنة المليئة بالألعاب، ثم طلب إليهم اختبار هذه الألعاب بعد ذلك بقليل حيل بينهم وبين الوصول إلى هذه الألعاب بسلك معدني، وكانت هذه الألعاب مغرية ومسلية إلى حد بعيد، فما كان من الأطفال إلا أن قاموا بكل الوسائل التي يملكونها بتحطيم الحاجز بغية الوصول إلى الألعاب التي مُنعوا عنها، حتى أن المجرب نفسه هدد بالضرب. ولوحظ أن فئة من هؤلاء الأطفال لم تقاوم المنع ولجأت إلى العزلة والانسحاب من الموقف.
من أجل ذلك ظهر تعريف واسع وشامل للإحباط وهو أكثر قبولاً من سائر التعريفات ويقول التعريف: (الإحباط ظرف ينشأ عن إعاقة سلسلة تصرفات الكائن المعتادة الموجهة نحو بلوغ هدف).
والشخص المحبط يحاول دائماً الاستمرار في النشاط غير الصالح أو غير السليم بدلاً من العمل على المهمة الأصلية. وفي غالب الأحيان يتوجه نظر الطفل المحبط إلى العقاب الذي سيلاقيه من الأهل والمدرسين.
وغالباً ما يكون الإحباط دافعاً قوياً نحو الأفضل، ونحو بذل مزيد من الجهد لرفع هذا الإحباط، فالذي لا يجد طعاماً سيبذل جهداً أكبر من أجل ايجاد البديل وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الدوافع. وكثيراً ما يعبر عن الإحباط بالضحك والمرح وذلك بطريقة تعويضية للتصريف العدواني، وقد يعبر عن الإحباط بالتغابي وعدم الاهتمام على طريقة (نظرية الحصرم الأخضر).
وقد يعبر عن الإحباط بطمس الذات كما يفعل الزنوج في أميركا حيث يتظاهرون بالبله والغباء لخداع الأميركي الأبيض بينما يسخرون في ما بينهم من الأميركيين المخدوعين.
ومن هذه الحالات الإحباطية للجنود الذين يريدون ترك الخدمة العسكرية يتظاهرون بالمرض، أو بالتخلف العقلي، أو ما إلى ذلك من الأسباب الوهمية. ولقد كشفت الدراسات، إن البواعث العدوانية هي جزء من بناء الانسان الغريزي.
ويترافق الإحباط في كثير من الأحيان بالصراخ عند الأطفال ولكن أشارت الدراسات والتجارب على أن الصياح أو الصراخ في الطفولة الأولى هو شكل من أشكال النمو، يلاحظ عند الأطفال الذين ينمون نمواً سليماً، ويكون الصياح قوياً حتى ليكاد يهز أرجاء الجسم بكامله وغالباً ما يكون في هذه المرحلة لسبب الجوع أو الألم، أو بعض المتاعب الداخلية، كالمغص المعوي أو المعدي. ومع نمو الطفل يرق صوته ويقلع تدريجياً عن عادة الصياح إلا في الحالات الصعبة كالألم الجسمي الشديد.
*أ. غادة عبد الرحمن
دخول رياض الأطفال قبل الالتحاق بالمدرسة مرحلة انتقالية مهمة للغاية في حياة كل طفل وكل أسرة على حد سواء.. فهي أول خطوة كبيرة في رحلة انتقال الصغير من مرحلة المهد إلى مرحلة الطفولة.
وتحرص كل أم على أن تمر هذه المرحلة من حياة طفلها بسلام لتحقيق أكبر قدر ممكن من الفائدة والمصلحة له وعلى إزاحة شبح القلق الثقيل الذي يجثم على صدر الصغير مع بداية تلك الفترة الفاصلة في حياته.
وفي محاولة من البروفيسور جوشوا اسبارو أستاذ علم النفس في كلية طب هارفارد – المؤلف المشارك لكتاب "نقاط التماس بين ثلاث وست سنوات" الخاص بالأطفال في مرحلة رياض الأطفال- لتخفيف القلق عن كاهل الصغار يقدم عدة نصائح للكبار لاسيما الأمهات.
وأكثر التحديات شيوعاً التي يواجهها الصغار في تلك المرحلة هي توديع الوالدين أو ما يسميه اسبارو "ورطة الانفصال عنهما".
فبالنسبة لبعض الأطفال تكون هذه أول مرة ينفصلون فيها عن أمهاتهم.. وحتى إذا كانوا قد سبق لهم الانفصال عنهن فإن هذه طريقة جديدة وموقف جديد تماماً يشاركهم فيه أطفال آخرون رعاية المعلمة أو المسئول عن الفصل الجديد في المدرسة.
استعدي أنت أولاً
تتساءل أمهات كثيرات: كيف يمكننا تهدئة قلق صغارنا بشأن الانفصال عنا في هذه المرحلة؟
ويجيب البروفيسور اسبارو قائلاً إنه أولاً يتعين على كل أم أن تبحث عن حجم التذبذب الذي تشعر به إزاء ترك طفلها لأن تلك المشاعر ستصل له.
فإذا كان لدى الأم شعور بالتردد أو عدم الارتياح أو الشك المتعلق بكراهيتها ترك طفلها حين يكون غير سعيد بذلك أو إذا كانت غير مقتنعة تماماً بالمكان الذي ستترك فيه الطفل أو غير راضية عن حقيقة ضرورة تركه فإن الرسالة التي سيلتقطها الطفل مفادها هو "حسناً قد يكون هذا المكان غير جيد حقيقة أو أن بقائي فيه فكرة غير مناسبة"، فالمطلوب أولاً – وفقاً لرؤية الخبير- هو أن تجهز الأم نفسها أولاً قبل أن تجهز طفلها لهذه المرحلة الفاصلة في حياته.
ومع ذلك يتعين على الأم أيضاً تجهيز صغيرها لتلك المرحلة بأمور عديدة أولها أخذه لزيارة الفصل الدراسي ومقابلة المعلمة قبل بدء الدراسة.. وإذا تيسرت مقابلته مع طفل آخر سيلتحق بالروضة معه لأول مرة في ذات الوقت ويلعبان معاً لأن ذلك سيكون أروع لأنهما سيرحبان ببعضهما حين يلتقيان مع بدء الدراسة في روضة الأطفال وبالتالي يخف القلق الجاثم على صدر كل منهما.
كما يمكن للأم أن تعطي صغيرها شيئا محببا له معه في أيامه الأولى بالروضة مثل لعبة يحبها أو قصة تستطيع معلمته قراءتها له ولزملائه في الفصل وما إلى ذلك.. إضافة إلى تأكيدها له بأن "ماما ستأتي" أو "بابا سيأتي" لأخذك إلى البيت.
تثبيت الفكرة
ولتثبيت فكرة عودة الأم أو الأب في ذهن الصغير يمكن للأمم أن تمارس لعبة تخفي خلالها بعض الأشياء عن نظر الصغير ليعيد اكتشافها.. فمثلا تستطيع الأم أن تدحرج كرة أسفل أريكة بالمنزل وتقول للصغير "انظر.. لا نراها.. أتظن أنها ما زالت هناك؟.. هيا بنا نرى".
وحين يجد الطفل الكرة يمكن للأم أن تقول "انظر.. حتى رغم أننا لم نكن نرى الكرة فقد كانت موجودة.. تماماً مثل ماما حين تذهب إلى العمل"، وبذلك يمكن للأم تثبيت هذا المفهوم في ذهن الصغير حتى وإن كان موجوداً لديه منذ السنة الأولى من حياته لكنه قد يهتز نتيجة خوضه لتحدي انفصاله عن والديه.
ويفاجأ كثير من الأطفال حين يذهبون إلى المدرسة (رياض الأطفال) لأول مرة بعدم تركيز المعلمة مع كل منهم وحده كما كان معتاداً طوال مرحلة المهد السابقة حيث كان كل اهتمام الأم أو الأب أو المربية أو جليسة الأطفال مُنصبا على طفل واحد بينما هو هُنا يرى أن اهتمام المعلمة موجه لجميع لأطفال الذين يشاركونه فصله الدراسي ولا يخصه وحده.
وبالتالي فإن تعليمه المشاركة في العلاقة مع المعلمة خبرة جديدة وفي غاية الأهمية أيضاً خصوصاً أنه سيكون في حاجة إلى أن يتعلم كيفية تكوين صداقات ومشاركة أصدقائه اللعب والمرح والدور وكيف يكظم غيظه ولا يثور كما كان يفعل في البيت؟
فمرحلة رياض الأطفال أو ما قبل المدرسة توفر لأبنائنا فرصاً كثيرة لاكتساب خبرات وممارسة مهارات إضافة إلى فرص أخرى يتعلموها عن مشاعر الأطفال الآخرين ولاكتشاف السعادة في فضيلة الكرم.
ومع أن ذلك يعد مبكرا جدا فإن البروفيسور اسبارو يقول إن هناك أمثلة عديدة سيقول فيها الطفل لآخر "هل تريد أن تلعب بهذه اللعبة؟.. " فهذا كرم منه يجعله يشعر بالسعادة حين يسعد طفلا آخر بلعبته.
النظام والإثارة
أضيفي إلى ذلك أن الأطفال يحبون أكثر في هذه المرحلة الروتين اليومي المعتاد في رياض الأطفال الذي يغرس في أنفسهم النظام والإثارة في آن واحد حيث ينتظرون الموعد الذي تحكي فيه لهم المعلمة قصصا ووقت تناولهم الطعام ووقت الاستراحة ويبدءون يشعرون بذلك.
وتصبح ألعابهم الخيالية والممتعة أقوى أكثر في هذه السن، كما أنهم يستفيدون من أقرانهم أمورا تتعلق بتعلم اللغة واكتساب مهارات أخرى كقيادة الدراجة وما إلى ذلك.
التحكم في المشاعر
عموماً حين يواجه الطفل تحديا يتعين عليه تعلمه في مجال جديد يحدث تراجع في مجال آخر وصل فيه إلى القمة في الآونة الأخيرة.. ولذلك ففي سن ثلاث سنوات قد يبول الصغير في فراشه أثناء الليل لأن والديه طلبا منه الالتزام بالمحافظة على فراشه جافا أثناء الليل، ويحتمل كذلك حدوث مزيد من البكاء والصياح والتشبث بالوالدين والرغبة في الالتصاق بهما.. وقد يتحدث طفل مباشرة في ذلك وقد يكون هناك مشكلة لدى الطفل بشأن انفصاله عن والديه أثناء النوم وبشأن مدى رغبته في النوم نفسه، وأحد المهارات المهمة التي يتعلمها الطفل في رياض الأطفال في تلك المرحلة هي ضرورة التحكم في المشاعر لاسيما أن والديه يعملان – تقريباً – أغلب الوقت وليسا في انتظار مزيد من البكاء ونوبات الغضب والهيجان والتهور.
ومع ذلك يتعين ألا يستمر لأكثر من أسبوعين على أكثر تقدير التراجع في مجال سبق وتعلمه الطفل كما يجب ألا يكون مستمراً على مدار اليوم لعدة أيام. ولذلك فرغم أن الأطفال الملتحقين حديثاً برياض الأطفال قد يتحدثون بعض حديث مرحلة المهد أو يبللون فراشهم أو يجدون صعوبة في الانفصال عن والديهم أثناء النوم فمن الضروري للأم أن تراقب سلوك صغيرها أو صغيرتها لتتيقن أنه لا يوجد تغيير للأقل في سلوكهم الطبيعي المعتاد في الأوقات الأخرى من اليوم مثل اهتمامهم باللعب مع أقرانهم أو تحديد مواعيد للعب مع أطفال آخرين.
اختيار رياض الأطفال
من أكبر المشكلات التي تواجهها الأمهات اختيار روضة الأطفال الملائمة لصغيرها أو لصغيرتها والتي تحقق لها وللصغير أكبر قدر ممكن من الطمأنينة والأمان وتعده أفضل لمستقبل مزهر بأمر الله، ولذلك يرى البروفيسور سبارو أن أول شيء يتعين على الأم والأب أخذه في الاعتبار أثناء دراستهما لفضل روضة أطفال سيلحقون بها صغيرهم هو ما إذا كان معلمو معلمات تلك الروضة يفهمون أنهم ليسوا هناك لمساعدة ودعم الطفل فقط ولكن لمساعدة الوالدين أيضاً، كذلك ما إذا كان المعلمون سيسمحون للآباء والأمهات بالبقاء في فصل طفلهم الدراسي خلال الأيام الأولى لالتحاقه بالروضة وذلك لتأهيله بالشكل الكامل للتغيير الجديد في حياته ومدى استعداد المعلمين والمعلمات لتقديم تقرير يومي للوالدين عن نجاحات وإخفاقات الطفل.
ويشدد سبارو مجدداً على أهمية أن تتوقع الأم والأب احتمال مقاومة الطفل الذهاب لحضانته لبضعة أيام وربما لأسبوع أو لأسبوعين، كما يطالب الوالدين بأن يتوقعا أيضاً من الطفل نوبات غضب حين يراهما في ختام يومه الدراسي لكنه يوضح أن الذي يساعد أكثر في ذلك هو إمكانية تسلل الأم مثلاً إلى فصل الصغير ورؤيتها له قبل أن يراها حيث يكون بمقدور الأم رؤية ما يفعله صغيرها، فإذا كان الطفل يركز انتباهه على معلمته وهي تقرأ قصة أو مشغولاً بحوار أو لعب بشكل متفاعل مع طفل آخر أو باللعب بشيء مع طفل يلهو بلعبة مثلاً فهذه مؤشرات إيجابية وكلها جيدة، أما إذا كان هائماً بلا هدف أو جالساً في ركن وعلى ملامحه يُخيم شبح الحزن فهذه إمارات غير جيدة.
الانفعال.. هل هو مقلق؟!
بعض الأطفال تحدث لهم نوبات انفعال عاطفي حين يرون الأم أو الأب لدى وصولهم لروضة الأطفال لإعادتهم للبيت عند نهاية اليوم الدراسي… فهل هذا أمر يثير القلق؟!
البروفيسور سبارو يقول إن ذلك لا يعني أبداً أن الصغير أو الصغيرة لم يكن، أو تكن، سعيداً في يومه، وكل ما يقصده الصغير من ذلك هو التعبير عن افتقاده لك يا أمه أو يا أباه وبوسعه أخيراً أن يغدق عليك بمشاعره التي كان يحاول كبحها طوال اليوم.
وحقيقة افتقاد الطفل لأمه وأبيه لا تعني أن روضة الأطفال التي يلتحق بها سيئة أو غير مفيدة له ويمكن هناك للأم أن تؤكد للطفل افتقادها له أيضا بقولها "وأنت أيضاً أوحشتني وكنت مشتاقة طوال اليوم لرؤياك لأننا نحب بعضنا ونسعد جدا بوجودنا معا".
* د. محمد أيوب شحيمي
الطفل لا يملك في البداية طرازاً نفسياً متميزاً يمكن أن يسمى (ذات)، وليس له أي إحساس حولها، فهو يستجيب للبيئة وكأنه كتلة غير متمايزة الأجزاء: ثم إن عدم إشباع الحاجات المادية تنقص من اعتبار الطفل لذاته.
((ولم تجد (شارلوت بوهر) دليلاً على أي تكوين سيكولوجي واضح يمكن وصفه (ذات) إذ يستمر الطفل طيلة السنوات الخمس الأولى من حياته حتى تنفصل ذاته تماماً عن العالم الخارجي، ويستطيع أن يراها كما يراها الغير))؛ ويعتقد أن الذات لا تصل إلى درجة الوضوح إلا في سن الثالثة، وتأخر إدراك الذات عند الطفل يعود إلى أسباب عدة منها ضعف الذاكرة، أو افتقاره إلى قدر من الخبرات الكافية، وقد تعود إلى عجز لغوي. ويرى العالم (رانك) أن الذات تبدأ بالنمو عندما يلاحظ الطفل أنه هو ووالديه شيئان منفصلان فيبدأ بالشعور بضرورة تأكيد ذاته بطريقة سلبية ضد الوالدين رغبة منه في تحديد معالم ذاته.
أما (مورفي) فيرى أن التقنيات التي تجري في جسم الانسان هي أساس نشأة مفهوم الذات لديه، وهو ينمي هذه الذات باندماجه مع البيئة، في حين يرى (سوليفان) أن الكائن الحي هو تنظيم مستمر للذات يحدث في إطار العالم الفسيوكيميائي من خلال النشاط الوظيفي الذي يقوم به الفرد، ويعمل كل من الاستحسان والاستهجان اللذين يلقاهما الطفل في مرحلة الطفولة على تسهيل أو تقييد نمو الذات. ويتحدث (سوليفان) عن أساليب اكتساب الخبرة عند الطفل فيحددها بثلاثة هي:
1 ـ الخبرة البدائية: حيث يصعب على الطفل أن يميز بين ذاته والعالم الخارجي.
2 ـ اكتشاف الخبرة المستمرة حيث يصبح أكثر تمييزاً وأكثر وعياً بالفرق الأساسي بينه وبين العالم.
3 ـ الخبرة المركبة وفيها يفهم العلاقات المنطقية لمختلف رموز اللغة والجماعة. وفي هذه المرحلة يقتبس الطفل ما يسمع من الكلمات فيمتصها حتى تصبح جزءاً من ذاته، وتدريجياً يتعلم كيف يفكر كفرد له وجهات نظر خاصة.
والحقيقة أن فكرة المرء عن نفسه هي عامل هام في توجيه السلوك، وهو يتصرف مع الناس، وفق هذه الفكرة ومن خلالها يختار فيما بعد زوجته وأصدقاءه ومهنته، حتى سلوكنا اليومي فهو خاضع لمقتضيات هذه الذات.. وهذه الذات تلعب دور التوفيق بين فكرتنا عن الحاضر وفكرتنا عن المستقبل. وقد وصل العلماء إلى نتيجة موحدة مؤداها أن الإحساس بالذات يحدد الأهداف وطريقة الكفاح من أجل بلوغها. كما ثبت أن مفهوم الذات له تأثيرات على التحصيل المدرسي حتى في سنوات الطفولة الأولى، ثم تبين من خلال دراسات أجريت، أن الطلاب ذوي التحصيل العلمي القليل يمتلكون مفاهيم ضعيفة عن ذواتهم بينما يمتلك رفاقهم من ذوي التحصيل العالي مفاهيم ومشاعر عن ذواتهم أكثر إيجابية، كذلك لوحظ أن هؤلاء يولون أهمية لتقييم والديهم لقدرتهم على الأداء المدرسي، وكأن ذلك هو نوع من قوة الدفع. وللمدرِّس كذلك تأثير هام على الاتجاهات نحو الذات لدى الطالب، خاصة إذا كانت هذه الاتجاهات متعلقة بمشاعره، حول كونه قادراً على التفكير وحل المشكلات، والإجابة على الأسئلة، وعلى المدرس أن يساعد التلامذة على رؤية أنفسهم بطريقة أكثر إيجابية وفي أن يكونوا واقعيين فيما يتعلق بقدراتهم، حتى مسألة التوافق الدراسي فهي مرتبطة إلى حد بعيد بنظرة التلميذ إلى ذاته، وذلك يؤثر أيضاً على الواقع الاجتماعي للطالب وعلى تكوين علاقات طيبة مع المدرسين، كل ذلك يحدث بعد أن يحقق لذاته الشعور بالاحترام والتقدير من الآخرين.
والتعلم أيضاً يؤثر على مفهوم الذات، لأن هدف التعلم هو محاولة إكساب الذات هذا القدر الهائل من العادات والسلوكيات التي نقوم بها في حياتنا اليومية، ومنها العادات الاجتماعية ونظرة الفرد إلى ذاته. ويرى علماء النفس ((أن الأسلوب الذي يتعلمه الفرد في نظرته إلى نفسه يعتبر عاملاً أساسياً في فهم سلوكه)).
ويرى فريق من هؤلاء العلماء أن مفهوم الذات ما هو إلا صورة متعلمة من الإدراكات والمعارف، وإن جزءاً هاماً من هذا التعلم يتم من ملاحظة ردود الفعل التي يحصل عليها الطفل من الآخرين وامتصاصها. وأكثر هؤلاء هم الوالدان لكونهما أكثر الأشخاص تأثيراً على طفولته الأولى، وقد تبين وجود أدلة على أن مستوى اعتبار الذات لدى الطفل مرتبط بمستوى اعتبار هذه الذات الذي يقرره الوالدين، وتكوين الذات يتجه إلى تقليد الوالد من الجنس المشابه..
وقد تبين فضلاً عن ذلك أن الذات هي المحور الذي تقوم عليه الإدراكات المؤثرة نحو الآخرين، وأن الفرد حينما يتقبل ذاته فهو يتقبل الآخرين بالضرورة، وأن الاتجاهات التي تتكون نحو الذات تنعكس على الاتجاهات نحو الآخرين.
والخطورة الأكبر تكمن في الفارق بين نظرة الفرد إلى ذاته ونظرة الآخرين إلى هذه الذات، فإذا كان الفارق كبيراً بين هاتين النظرتين، فإن الفرد يتجه إلى الأشياء فالاكتئاب فالمرض العقلي. من أجل ذلك علينا تكوين فكرة سليمة عن ذواتنا ثم تزويد أطفالنا برأي الآخرين والذين نحن منهم في ذوات هؤلاء الأطفال.
والنجاح هو في المواءمة بين خصال الفرد، وبين ما يتطلبه المجتمع من هذه الخصال، فإذا تطابقت فهو في عيشه راضية واطمئنان نفسي وعصبي وإلا فسيعتريه القلق.
ولقد أشرنا أن فكرة المرء عن ذاته وعن قدراته هي التي تحدد نسبة الطموح ودرجته. وهذه الفوارق بين النظرة إلى الذات والطموح تختلف باختلاف الجنسين، فهي عند الإناث أكثر مما هي عند الذكور. فهناك فارق كبير بين فكرة الأنثى عن نفسها وبين ما تتخذه لنفسها من مثل، وهذا دليل وجد مستوى من الطموح العالي لدى الأنثى، وربما يعتبر ذلك دليلاً على أن البنات يلجأن إلى التفكير الخيالي ويحلقن في عوالم رومنطيقية أكثر من الذكور.
وفي اختبار ـ أجريته شخصياً ـ على تلامذة في الصف الخامس الابتدائي في مدرسة مختلطة (كان الاختبار أن يقوم التلامذة بعد مضي يوم واحد على الاختبارات الفصلية في المواد التي درسوها أن يحدد كل منهم الدرجة أو العلامة التي يتوقعها من أستاذه على كل مادة من المواد) والغاية من الاختبار أن يقيم كل واحد من التلامذة ذاته بدقة.
وتبين بنتيجة الاختبار وبعد الفرز أن 85% من البنات أعطين نفس الدرجات، في حين وجد أن 25% من الذكور هم الذين قاربت تقديراتهم للدرجات التي وضعها المدرِّس.
والحقيقة أن لأسلوب التنشئة الاجتماعية التي يخضع لها الجنسان خلال عملية التربية والتطبيع الاجتماعي لها أكبر الأثر في إحداث الفوارق المشار إليها، لأن مفهوم الذات هو مفهوم اجتماعي، أو هو نتيجة لعملية التنشئة والتطبيع، ثم إن نظرة الأسرة التقليدية إلى البنت على أنها مخلوق ضعيف وهي بحاجة إلى رقيب ووصي عليها، وقلق الأهل على مستقبلها كل ذلك يجعلها تُكون مفهوماً سالباً عن الذات ويجعلها كذلك تغرق في شعور دائم بالقلق والذنب.
والخلاصة أن تنمية الذات، وتعديلها بشكل يتوافق مع الواقع العملي ومع التقديرات الحقيقية، بعيداً عن الاستغراق في الخيال الجامع عند أطفالنا وأولادنا هي من أبرز مهمات الوالدين وأكثرها دقة.
*تتفاوت أساليب الأهل في ضبط تصرفات أولادهم، فمنهم مَن لا يعتمد إلا العقوبة التي تتراوح بين الشدة واللين، ومنهم مَن لا يعترف بهذا الأسلوب ويعمد إلى ادارة أمور أولاده بدون أية معاقبة.
ومن الطبيعي، أن تأتي أساليب الأهل مع أولادهم، كانعكاس لطريقة التربية التي تلقاها الأهل أنفسهم، فبعضهم يكون قد تعرض من وقت لآخر لعقوبة من والديه فاعتقد أنها تشكل نهجاً قويماً للمعالجة أو وقع في ردة الفعل فرفض هذا النهج بالكامل، وبعض الأهل كان يتلقى من والديه الارشاد الايجابي وحده فغلب عليه الظن أن في وسعه ممارسة الشيء نفسه مع أبنائه.
والمهم، أن هناك مَن يغالي في عقوبة أولاده، وهناك مَن يعتدل، وهناك مَن يرفض هذا الأسلوب، فأيهم على حق؟
من البديهي القول، ان التأديب للأولاد واجب وضروري، ولكن من البديهي القول أيضاً، أن العقوبة ليست العنصر الأساسي والوحيد في عملية التأديب.
ويجمع علماء النفس، على أنا لمصدر الرئيسي للتأديب الصحيح، هو أن ينشأ الطفل في أسرة ودود محببة، فيتعلم كيف يحب الآخرين، ويبدأ بممارسة هذا الود في حوالي الثالثة من عمره حيث تكون مشاعره نحو الأطفال أمثاله قد تطورت بصورة كافية.
وقد يرغب الطفل في أن يصبح كأبيه، فيحصر اهتمامه بالأولاد ويلجأ إلى التهذيب مع البنات، أما الطفلة، فقد ترغب في مساعدة أمها في البيت وتكرس وقتها لرعاية الدمى ..
وهذا إن دلّنا على شيء، فهو ان بواعث الطفل وحوافزه تكون طيبة في معظم الأحيان، غير أنه لا يملك من سعة الخبرة والاستقرار الذهني ما يمكنانه من الاستمرار في هذا الطريق الصحيح.
وهنا تأتي عملية الارشاد من الأهل، والتي تتراوح شكلاً ومضموناً بين التوجيه والمعاقبة.
إلا أن ما يجب التأكيد عليه، هو أن مدى نجاح الارشاد والتوجيه للطفل، يعتمد أساساً على الانسجام بين الأب والأم، إذ على قاعدة هذا الانسجام ينشأ الطفل، وتنشأ معه عاداته المكتسبة وطرق تصرفه واتجاهات تفكيره.
وبقدر ما يجعل الأهل ابنهم معتاداً على انهم يقصدون ما يقولون ويعونه تماماً، بقدر ما يكون وقع الارشاد في نفسه أكثر، وإذا دعت الحاجة لممارسة العقاب ضده، فيجب أن يدخل هذا العقاب في مجال الإقناع، وليس بهدف جعل الطفل غاضباً، وإلا فإن هذه العقوبة فاشلة حكماً.
ان العقوبة بالضرب المبرح هي للحيوانات وليست للأطفال..
والعقوبة التي تستهدف تحميل الطفل شعوراً بالإثم الكبير، بعيدة كل البعد عن الحكمة والاصلاح.
والعقوبة التي تصل إلى حد ترك الحقد في نفس الطفل على أهله، لن تورث في ذاته سوى الحقد وذيوله وتفاعلاته ..
والعقوبة التي تصدر وكأنها حكم من قاض على متهم، تجعل الطفل أبعد عن مفهوم الأسرة وأقرب إلى مفهوم القضاء حيث يظن ان المنزل هو مجرد سجن.
والعقوبة غير العادلة، تترك في نفس الطفل حرقة بليغة تدفعه لشتى التصرفات الهوجاء.
والعقوبة المنطلقة من الغضب أو المحملة بالتهديد، لا تنتج سوى (فشة خلق) الأهل، أو تخويف الطفل، وفي كلتا الحالتين فإن الارشاد ضائع.
إذن ..
أليس من الأفضل أن يفكر الأهل أولاً أن مَن يعاقبونه هو ابنهم؟ وان العقاب وسيلة لا غاية، وان منطلقه وهدفه تجنيب الطفل المطبات وتأكيد تربيته السلمية والصحيحة؟
أليس من الأفضل أن يأتي العقاب ليّناً هادفاً مسبوقاً بإنذار لمرة أو مرتين؟
أليس من الأفضل أن يعيش الأهل حياة أطفالهم، بظروفها وتطوراتها، لا أن يبقوا متمسكين بحياتهم هم في عهدة أهاليهم فيبقون مشدودين إلى ظروف الماضي وحيثياته؟
وأخيراً ..
أليس من الأفضل، أن لا تكون العقوبة ردة فعل من الأهل، بل فعلاً هادفاً ينشئ جيلاً صالحاً؟ ..
* ترجمة:سعاد زكريا
كتبت إحدى القارئات في وصف الإرهاق الكبير الذي يسببه لها طفلان في عمر 7 و9 سنوات كلما حبسها الطقس الرديء معهما في شقتها الضيقة. وقد أجابت المحررة المختصة بما يلي:
أراك أيتها السيدة حبيسة شقتك الضيقة مع طفليك الصغيرين الضاجين كالفراشات وهي سجينة قفص زجاجي لا تكف تضرب جداره بأجنحتها الهشة طلباً للحرية والانطلاق إلى مروج الأزهار والخضرة الريانة. اسمحي لي أن أوجه إليك هذا الاتهام الصغير:
أخالك أماً تترك لأعصابها أن تتحكم فيها.
وإني لأتساءل: ترى لو سمحت أن أعرض عليك أفكاري الشخصية حول تربية الأطفال، ألا تتهميني بأنني متجنية؟ إني على أي حال متمسكة باعتقادي انه يمكن إسعاد بعض الناس دون جلب التعاسة للبعض الآخر وانه إلى جانب حقوق الأطفال، توجد حقوق لوالديهم وهي الحق بالراحة، الحق بالتمتع بالهدوء في بعض الساعات والحق في العمل دون إزعاج وإني لا أتردد أيضاً بالقول ان باستطاعة الطفل أن ينمو وينتعش دون صراخ، وان البكاء ـ إذا كان الطفل متمتعاً بصحة جيدة ـ ليس سوى عادة غير مستحبة .. ولست أرى أن حرمان الأطفال الذين يعيشون في المدن من ألعاب صاخبة كالطبول والدفوف والصافرات عمل غير انساني ويخلو من الحنان.
ان خير ما يمكن أن يتعود عليه الطفل هو العمل بهذه الوصية الجوهرية: (كن حازماً في الخارج ومتساهلاً في البيت).
أي أن نترك له حرية النزهة في الملاعب والحدائق وأن يتبع في البيت نوعاً من النظام. وليس من الضروري أن يكون هذا النظام صارماً، ولكن المهم أن يراعى. وإذا لم يكن من الصعب جداً فرض سلطة الأم فليس من السهل المحافظة عليها وتدعيمها، ذلك أن الغريزة الفوارة عند الطفل واندفاعه الذي لا يخلو من الدهاء والحيلة لن تلبث أن تطيح بكل ما تكون الأم قد فرضته من (قوانين) اللهم ان لم تكن الأم حازمة وغير ناجحة في أسلوبها التربوي.
ـ فعاليات الأطفال:
ان على الأم أن تحد من بعض فعاليات طفلها، مثال ذلك: إذا كان طفلك يجد متعة وتسلية في السير وهو يخبط بقدميه على أرضية البيت فبوسعك جعله يجد مثل هذه المتعة والتسلية في السير على رؤوس أصابعه أو التنقل بخفة مقلداً الهر!
والآن هل من عادتك يا سيدتي أن تقولي لطفلك (لا) وأنت تبتسمين؟ وهل تتمسكين بكلمة الـ(لا) بصرامة وحنان معاً؟ حسن ان هذا شيء مهم جداً.
أعرف مربية ذات خبرة وتجربة كانت تقول: (لقد قمت بتربية الكثير من الأطفال الصغار ووجدت شيئاً مشتركاً بالنسبة للجميع وهو أن يكون اليومان الأول والثاني والليلتان الأولى والثانية جحيماً لا يطاق. ثم بعد ذلك تسير الأمور وتصبح على ما يرام إذا لم ألق سلاحي في المرحلة الصعبة ذلك أن الطفل يكون قد كوّن فكرة عن مربيته وأنت يا سيدتي ان (طفليك) ذكيان وشقيان فلماذا لا تستفيدين من هذه الفكرة ولا تحاولين القاء سلاحك في المراحل الصعبة!
ـ التآلف مع الأطفال:
أما أنا خلافاً للاعتقاد السائد، فلا أرى أنك والطفلان لا تستطيعان أن تتعايشا بسلام، فهل أنت واثقة من كونك تحاولين دائماً مخاطبة ملكة التفهم والذكاء عند طفليك؟ لست أحسبك من فئة الآباء والأمهات الذين يفضلون النهي على الاتهام والتعويد على التحذير؟ لا أحسبك من المدرسة التي نظامها أن تفعل كذا أو كذا .. أما أنا فأتفق مع مدرسة أخرى معاكسة مدرسة (افعل كذا أو كذا) ولكن..؟ ولأوضح لك نظريتي بهذا المثال: ايصر طفلك مثلاً على أن يشرب حليبه في كأس ثمين، فقولي له: (خذ واشرب به حليبك ولكن انتبه فإذا كسرته فستحرم إلى الأبد من لذة الشرب به) ومثال آخر: يريد أن يستخدم السكين على المائدة، فقولي له: (لا بأس على أن تنبهيه إلى أن السكين يجرح الإصبع كما يقطع الخبز).
وان الكماشة تعض اليد كما تطبق فكيها على المسمار الخ .. بهذه الطريقة يتعود الطفل على شيئين مهمين: أن يكون حذراً وأن يحسن استعمال الأدوات التي تقع في يديه، فإذا كانت جديدة عليه ولا يعرف ما قد تسببه من أذى توجه إليك بالسؤال.
ولنفرض انه جرح اصبعه بالسكين وجاءك باكياً … لا تنهريه ولا تصرخي ولا تفقدي أعصابك، قولي له بكل هدوء: (هل رأيت؟ لقد جرحت نفسك وسال دمك وتألمت، ففي المرة المقبلة استعمل السكين بحذر أكثر وعليك أن تجوب مرة أخرى .. ).
لا تخافي أبداً ألا يفهمك طفلك مهما كان حديث السن ذلك، ان أذهان الأطفال، منذ نعومة أظفارهم تكون متفتحة بشكل عجيب.
*المصدر : مجلة المرأة الانكليزية
تعتبر اللجلجة في الكلام إحدى اضطرابات الكلام الشائعة، ولابد لنا من الاهتمام بهذا الموضوع اهتماماً كبيراً. وتتميز هذه الظاهرة إما باعادة الحروف أو حرف واحد أو التخلف والتأخر في نطق الكلمة، وبهذا الشكل يكون هناك بعض الصعوبات للتعسير، فتصور طفلاً يلاقي هذه الصعوبة، مما يؤدي إلى الإحراج.
ـ أنواعها:
هناك نوعان من اللجلجة، النوع الأول هو النوع الذي يكون مؤقتاً وتظهر أثناء نمو الطفل وخاصة في مرحلة تكوين الجمل بين السنة الثانية والسنة الثالثة.
والنوع الثاني هو اللجلجة المستمرة أو ما تسمى بالمزمنة وهذه تبدأ في بداية محاولة الأطفال للكلام.
ـ أسبابها:
1 ـ الوراثة.
2 ـ القلق النفسي.
3 ـ أو بسبب تلف في مراكز الكلام بالمخ.
ويتضح لنا أن الأسباب النفسية إلى اللجلجة في الكلام عامل مهم وأساسي والمشاكل العائلية وانفصال الوالدين والاهتمام بأخ دون آخر والعنف والقسوة التي يتم استعمالها بحيث تصل إلى درجة لا يتمكن الطفل التعبير عن نفسه وعن شعوره وإحساسه. ومن الأسباب النفسية الأخرى هي المصاعب والمشاكل في المدرسة وعلى المرشدين التربويين ملاحظة ذلك في المدارس وتسجيل هذه الملاحظات في البطاقات المدرسية ومن الأسباب النفسية الأخرى هي تعدد الفترات الحرجة التي يمر بها الطفل وذلك بكثرة تنقلاته من مدرسة إلى أخرى مما يجعله دون شك غير مستقر وقلق نفسياً.
لابد لنا من ذكر حدوثه ذا المرض بين الأطفال الذكور والأناث ويزداد لدى الذكور منه لدى الأناث. وربما يرجع ذلك إلى بعض الفروق في أجهزة النطق ومدة النضج وكذلك تزداد النسبة بين الأطفال المتوسطي الذكاء ودون المتوسط بسبب تأخر نضوج المخ وبسبب الكدمات والإصابات ا لمخية الأخرى وتقل نسبة حدوث هذا المرض بين الأطفال ذوي الذكاء العالي.
ومن الطرق المهمة للعلاج هو سماع الطفل لنفسه حيث يزداد توتراً عندما يستمع إلى ذاته، حينذاك يزداد رغبة في تغيير السلوك بما يتعلق بهذا الانفعال ويمكننا تدريبه بواسطة الاستماع لشخص آخر ويبدأ بالنطق بعده وبالامكان تكرار هذا التمرين في جو يسوده الثقة والاستقرار النفسي والحب والحنان فسوف نلاحظ تطوراً ملحوظاً للقضاء على اللجلجة وعلى كل مظاهر أو اضطرابات الكلام.
المصدر : مجلة الام والطفل /العدد397/1980م
إن العلاج النفسى يقوم أساسا على حوار يتم بين طرفين (مريض – معالج)، هذا الحوار يتم غالبا من خلال تبادل الكلمات، أى ينشأ حوار لفظى بين المريض والمعالج، حيث يطلق المريض العنان للسانه كى يعبر عما يجول بخاطره من ذكريات وأحداث ومشاعر وانفعالات كأول خطوة نحو تحقيق الاستبصار بطبيعة مشكلاته والتعرف على أسبابها متقدما نحو الشفاء. غير أنه فى كثير من الأحيان نجد المرضى يتوقفون عن الحوار اللفظى ويلوذون بالصمت طوال الجلسة العلاجية، وبالرغم مما فى الصمت من لغة، فإن الصمت الطويل خلال الجلسات المتعددة إنما يهدد عملية العلاج النفسى ويحول دون تقدمها، بل قد يؤدى إلى فشلها، كذلك فإن المرضى من الأطفال أيضا لا تمكنهم اللغة من إقامة حوار يعكسون من خلاله طبيعة مشكلاتهم ومن ثم لجأ المعالجون النفسيون إلى وسائل أخرى يمكن الاستعانة بها لإقامة الحوار وتحقيق التواصل مع المرضى وخاصة مع الأطفال لعل أهمها فى رأينا استخدام الرسم فى العلاج النفسى، سواء كعامل مساعد أو رئيسى فى العملية العلاجية.
ويعد الرسم عمل فنى تعبيرى يقوم به الطفل، وهو بديل عن اللغة، وهو شكل من التواصل غير اللفظى، وأيضا شكل من أشكال التنفيس، فالأطفال عن طريق الرسم يعكسون مشاعرهم الحقيقية تجاه أنفسهم والآخرين، ومن ثم كانت الرسوم وسيلة ممتازة لفهم العوامل النفسية وراء السلوك المشكل، وقد أثبتت الدراسات النفسية التحليلية للأطفال أننا نستطيع من خلال الرسم الحر الذى يقوم به الطفل أن نصل رأسا إلى لاشعوره، والتعرف على مشكلاته وما يعانيه، وكذلك التعرف على ميوله واتجاهاته ومدى اهتمامه بموضوعات معينة فى البيئة التى يعيش فيها، وعلاقته بالآخرين سواء فى الأسرة أو الرفاق أو الكبار.
ومن ثم فقد لجأ المعالجون النفسيون إلى استخدام الرسوم كوسيلة يمكن من خلالها تحقيق التواصل مع المرضى الذين لا يحسنون التحدث باللغة المنطوقة، على اعتبار أن الرسم إنما هو لغة يمكن من خلالها إقامة جسر للتواصل بين المريض والمعالج لتبادل الأفكار والمعانى فيما بينهما، والكشف عن الصراعات الداخلية لدى المريض. إذ أن لدى الإنسان القدرة على أن يحول الأفكار إلى صور بالقدر الذى يمكن فيه أن يحول الصور إلى أفكار وكلمات.
وطبيعى أن يكون استخدام تكنيك الرسم غير مقتصر على الأطفال، وإنما يمكن استخدامه أيضا مع الراشدين كأسلوب للعلاج النفسى، وبخاصة أولئك الذين لا يرغبون فى الحديث المباشر عن مشكلاتهم وكذلك مع الأشخاص الخجولين، وعلى هذا يكون الرسم أداة مناسبة لإقامة الحوار وتحقيق التواصل مع كل الأشخاص على حد سواء، حتى أولئك الذين لا يجيدون الرسم. لذا يوصى بعض علماء النفس بترك كراسة رسم إلى جوار المريض فى الجلسات العلاجية.
ويعتقد أن الأطفال المتأخرين دراسيا وسيئى التوافق الاجتماعى والانفعالى، وذوى الاحتياجات الخاصة، هم فى حاجة أكبر للتعبير الفنى من الأطفال الأسوياء، ومن ثم فإنه يمكن أن يكون الرسم أداة قيمة لفهم حالات الطفل الانفعالية، وربما تكون المعلومات عن استخدام وتحليل هذه الرسوم أداة هامة للأخصائيين النفسيين بالمدارس فى جهودهم لفهم الانفعالية لتلاميذهم، وفى هذا يؤكد العلماء على ضرورة استخدام الفن فى علاج الأطفال المضطربين نفسيا، حيث يمكن لنشاط الفن أن يهئ هؤلاء الأطفال للعلاج، كما أن الرسوم تعد سجلا بصريا ثابتا للتعرف على مدى تقدم المريض أثناء العلاج. ومما يدعم اهمية استخدام الرسم فى العلاج النفسى أن هذا النوع من العلاج لا يعتمد على مهارة فنية، فلا أهمية ولا ضرورة لذلك، بل على العكس، فالفنان ذو القدرة الفنية ربما يكون أقل عرضة للتعبير العفوى، و "ذلة الفرشاة".
ولقد نوقش استخدام الرسم كأسلوب علاجى للأطفال سيئى التوافق فى دراسات عديدة، ويشكل عام فإن هذه النظرية للعلاج تفترض أن الرسم يعامل على أنه شكل من التنفيس يعبر من خلاله الطفل عن مشاكله، ويستند هذا الأسلوب العلاجى إلى منهج التحليل النفسى فى البحث عن الصراعات الدفينة فى الشخصية، وعلى اعتبار أن المكبوتات يمكن لها أن تظهر عبر الرسوم بأيسر مما يعبر عنها فى كلمات، ويفترض ذلك أن كل فرد سواء قد تدرب فنيا أو لم يتدرب، يملك طاقة كامنة لإسقاط صراعاته الداخلية فى صور بصرية.
هذا وقد يحدث عندما يطلب من المرضى التعبير بالرسم، أن يعترض البعض قائلا بأنه لا يستطيع الرسم، ولكن لما كان المطلوب هو رسم عادى وليس عملا فنيا، فإن الأمر يسهل عليهم. وقد يجد الأطفال صعوبة كبيرة فى البداية فى الحديث عن مدلولات رسومهم، إلا أنهم يعد فترة من الاتصال العلاجى يتداعون غالبا للرسوم ويكشفون بذلك عن الكثير مما يفيد فى التشخيص والعلاج.