أ.د. ناصر بن سليمان العمر | 7/2/1426 هـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم، و بعد:
معاً أيها القارئ الكريم نلتقي في طريق من طرق الخير، ودرب من دروب المحبة ومسلك من مسالك السعادة.
السعادة مطلب لجميع البشر، فصنف منهم يبحث عنها في المال، وآخر في الشهرة، وثالث في الشهادات، ولكن هل تراهم عثروا على ما بحثوا؟
لا ريب أن ثمة موانع كثيرة للسعادة تحول دون الوصول إليها والتنعم بالعيش فيها.
وإليك يا أخي القارئ أهم تلك الموانع:
1- الكفر: يقول الله _تعالى_: "ومن يرد الله أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء" هكذا يصور القرآن التعاسة والشقاء تصويراً دقيقاً.
2- عمل المعاصي والآثام والجرائم: ولن أستشهد على هذا الأمر فهو واضح جلي، لكني أذكر قولاً من أقوال الكفار لبيان القضية.
يقول ألكس كاريل: "إن الإنسان لم يدرك بعد فداحة النتائج التي تترتب على الخطيئة ونتائجها لا يمكن علاجها على وجه العموم". ويقول سقراط وهو كافر: "إن المجرم دائماً أشقى من ضحيته، وإن من يكون مجرماً ولم يعاقب على جرمه يكون من أشقى الناس".
هكذا يقول هذان الكافران، وفي الأثر أن صحابياً أذنب فجاء إلى الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وقال: يا رسول الله طهرني وكررها عليه حتى أقام عليه الحد.
3- الحسد والغيرة:- وأمر الحسد خطير، حتى إن الله _تعالى_ يأمرنا بالاستعاذة من شر الحاسد، قال _تعالى_ : "ومن شر حاسد إذا حسد".
وقال الله _تعالى_: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله".
وقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ موجهاً أمته: "لا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً".
4- الحقد والغل: قال _تعالى_ في سورة الحشر: "ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا"، فجعل من صفات المؤمنين الابتهال بهذا الدعاء؛ لأن الغل من موانع السعادة.
يقول إبراهيم الجمل: "الحاقد يظل طوال وقته لا يفكر إلا في النيل من الذي يحقد عليه، فقد يكذب عليه، وقد يضر به ولا يهاب في سبيل ذلك ما يفعل".
5- الغضب: لا شك أن الغضب من حواجب السعادة والانشراح، ولذلك امتدح الله المؤمنين قائلاً عنهم: "وإذا ما غضبوا هم يغفرون" ويقول الرسول _عليه الصلاة والسلام_: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب".
6- الظلم: فإن الظلم مرتعه وخيم وعاقبته سيئة إلى أبعد الحدود، ومن الأمثلة المعاصرة التي تصور عقبى الظلم ومآل الظلمة، رجل تجبر وتكبر وبلغ به التجبر والطغيان إلى حد أنه كان يقول للمؤمنين وهو يعذبهم حينما يستغيثون بالله يقول: أين إلهكم لأضعنه في الحديد… فكان جزاؤه العاجل أن تصطدم سيارته بشاحنة تحمل حديداً، فدخل الحديد في جسمه من أعلى رأسه إلى أحشائه، وعجز المنقذون أن يخرجوه إلا قطعاً. هكذا أهلكه الله بالحديد وهو الذي يقول: إنه سيضع الله في الحديد _تعالى_ عما يقول الظالمون.
7- الخوف من غير الله _عز وجل_: إن الخوف من غير الباري _سبحانه_ يورث الشقاء والذلة، ولذلك قال الله: "أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين". وقال إبراهيم لقومه كما ورد في القرآن: "ولا أخاف ما تشركون به".
8- التشاؤم: فقد كان المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ يعجبه الفأل ويكره التشاؤم؛ لأنه سبب في التعاسة والمتاعب.
يقول الدكتور عزيز فريد: "المتشائم يتحمل بفعل اتجاهه التشاؤمي متاعب عدة هي أشد وقعاً على أعصابه من الكوارث والملمات التي قد تحل به".
9- سوء الظن: فالله _سبحانه_ يقول: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم".
ويقول الرسول _صلى الله عليه وسلم_ : "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث".
10- الكبر: المتكبر يعيش في شقاء دائم وتعاسة أبدية، وإن تغطرس وتعالى على الناس وغمطهم حقوقهم.
11- تعلق القلب بغير الله: كتعلق قلب العاشق بمعشوقته، ويكفي لتصوير خطورة الأمر أن نقرأ قصة مجنون ليلى لنعلم كيف عاش هذا الرجل شريداً طريداً حتى جن، ومات وهو عاشق، فيا لها من خسارة دنيوية وأخروية.
12- المخدرات: إن كثيراً من الناس يتوهم أن السعادة تجتلب بمعاقرة المخدرات والمسكرات فيقبلون عليها قاصدين الهروب من هموم الدنيا ومشاغلها وأتراحها، وإذا بهم يجدون أنفسهم كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ لأن المخدرات في الحقيقة مجلبة للشقاء واليأس والانحلال والدمار.
والآن بعد عرفنا موانع السعادة فلنعد إلى طريق الفكاك والتخلص من تلك الموانع.. أسأل الله أن يحيينا حياة السعداء ويمتنا ميتة الشهداء، ويحشرنا مع زمرة الأنبياء، هذا وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يارب ارضى عنها..
حفظك ربي..
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين~