كل إنسان منا معرض لأن تتكالب عليه المشاكل الحياتية، وقد تختلف هذه المشاكل من شخص لآخر، فهناك أشخاص ظروفهم الحياتية صعبة، بعضها من نتاج طبيعة شخصياتهم وثمة آخرون تكون مشاكلهم ومصاعبهم الحياتية نتاج عمل غيرهم، مثل الأشخاص المقربين من الشخص. هناك مشاكل عائلية، وهناك مشاكل دراسية، وهناك مشاكل عملية، وهناك مشاكل زوجية، وكل شخص يظن أن مشكلته هي الأكبر والأصعب.. ولكن البعض حين يرى الآخرين ومشاكلهم، قد يحمد الله كثيراً على ما عنده من مشاكل..!
إن تفاعل الشخص مع المشكلة هي لب الموضوع، فكل شخص يتفاعل مع المشاكل بطريقة مختلفة عما يقوم به شخص آخر، هذا الاختلاف في التعامل ينبع من الخلفيات الثقافية للشخص، وطبيعة شخصية الشخص.. وعوامل أخرى كثيرة..!
المهم في هذا الأمر هو كيفية مواجهة مثل هذه المشاكل؟
هل يترك الشخص المشكلة مثل كرة الثلج، ويقف مكتوف اليدين يقول حاربني الزمن..! يقف سلبيا وينتظر أن يأتي الآخرون ليحلوا له مشكلته.. أو يظن بأن المشكلة لا يمكن أن تحل..!
هناك من يطلب حلا لمشكلته، سواء من أصدقاء وأقارب حين يرى أن الأمر يحتاج إلى شخص متخصص سواء كان طبيباً نفسياً، أو اختصاصياً ارشادياً أو اجتماعياً أو نفسياً، فإنه يلجأ لطلب حل لمشكلته، ويتحمل كل ما يترتب على ذلك..!
هناك بعض الأشخاص، يواجهون المشاكل بالهروب.. يهرب من المشكلة مُعتقداً أن الهرب هو الحل الأمثل لحل المشاكل، وأن هروبه يترك الزمن يأخذ بيده يقوده إلى الحل ولا يدري مثل هؤلاء بأن الهروب من المشاكل هو نوع من الأخطاء الكبيرة التي يرتكبها الشخص بحق نفسه وبحق من يحيطون به، خاصة إذا كان مسؤولاً عن إسرة وأبناء.. وأن ضياعه هو الذي قد يقود بكامل الأسرة إلى الهاوية، ويسحبهم معه إلى القاع الذي سوف يهوي به..! لقد عرفت في حياتي أشخاصاً كثيرين، كانوا لا يواجهون مشاكلهم، فكلما حدثت مشكلة ، مهما كان حجم المشكلة فإنه يلجأ إلى الهرب.. إما أن يسافر، وهناك يغرق في المواد التي يحاول معها نسيان واقعه ومشكلته، فهو يشرف بجنون، يتعاطى الكحول ليل نهار حتى لا يفيق ويُعيد التفكير في المشكلة التي واجهته، رغم أنه لو فكر قليلاً، وصبر، وتحمل بعض المصاعب وواجه الآخرين، ربما انتهت المشكلة، عاد إلى حياته الطبيعية، ولكن الهرب من أول مشكلة، جعل هذا هو ديدنه في الحياة..!! الهروب من مواجهة المشاكل.. ابتداء من أصغر المشاكل حتى أكبرها.. يهرف من مشاكله في العمل، يهرب من مشاكله مع أفراد أسرته، يهرب من مشاكله البسيطة مع أبنائه وزوجته.. يُضخم الأمور، ودائماً هو الضحية في كل هذه المشاكل.. وبما أنه الضحية فعلى الآخرين أن يقدموا له التنازلات.. استمر في الهروب بالسفر والشراب، وبدلاً من أن تُحل مشاكله، تفاقمت حتى أصبحت فعلاً مشاكل حقيقية كبيرة تحتاج إلى لجنة من الأمم المتحدة إلى حلها..!
شخص آخر عرفته ، وكانت طريقة تعاطيه مع مشاكله، هو اللجوء إلى العنف في حل المشاكل. في أي مشكلة ينقلب إلى شخص آخر.. عنيف بمعنى الكلمة..! يضرب زوجته ضرباً مبرحاً عند أقل خطأ، وكذلك الأمر بالنسبة لابنائه.. أما مع الآخرين فهو لا يتوانى عن فعل ذلك مما قاده إلى مشاكل كثيرة مع من يعملون معه.. وانتهى به الأمر إلى أن يترك العمل، أو بطريقة أكثر دقة إلى أن يطرد من العمل، ويقاطعه من يعرفونه تجنباً لعنفه، خاصة وأن الله وهبه قوة بدنية جيدة، يستطيع بها أن يصبح ممارساً لإحدى رياضات العنف من ملاكمة أو مصارعة..!
ثمة أمر آخر وهو ما أردت أن أركز عليه في التعاطي مع المشاكل.. ربة منزل، صدمت في علاقتها بزوجها، وعند هذا الحد أصبحت الحياة لا تسوى بالنسبة لها مقدار حبة من خردل.. شعرت بأن الحياة لا تستحق أن يعيشها الإنسان.. فكرت في أن تُنهي حياتها لكن هناك أطفالا سوف تتركهم يتعذبون دون أم رؤوم تعطف وتحدب عليهم خاصة وأنهم أطفال ذوو زغبٍ، صغار وبينهم بنات كيف يتزوجون إذا كبروا والكل سوف يعيرهم بأن أمهم انتحرت، وفكرت كثيراً فوجدت أن هذا حل غير عملي، خاصة وأنها أخذت الأمر من ناحية دينية، وهو أن من ينتحر يخلد في النار، وأن الانتحار محرم في جميع الأديان، وأن الدين الإسلامي يشدد العقوبة على من يجرؤ ويأخذ حياته بيده، فالله الذي وهب الحياة للإنسان، وهو الوحيد الذي له الحق في أن يأخذ وديعته (الحياة) من الإنسان متى قدر له ذلك..!
كان حجم الألم أكبر من أن تتحمله، ولم ترد أن يساعدها أحد، ولم ترد أن يقول الناس أنها فقدت عقلها وأصبحت مجنونة وذهبت إلى طبيب نفسي (لأن المعتقد السائد في مجتمعاتنا أن من يذهب إلى الطبيب النفسي إنما هو مجنون..!).
لم يكن هناك من شيء تلجأ إليه إلا أن تطلب المساعدة من الصديقات بطلب أدوية مهدئة ومنومة، وأصبحت تقضي معظم وقتها نائمة.. أهملت المنزل ولقاء الناس حتى أقرب الناس لها ولجأت إلى هذه الأدوية، واستمرت في تعاطي هذه الأدوية، رغم أنها لا تعرف حتى أسماء هذه الأدوية التي تتعاطاها..! لا تعلم هل هذه الأدوية مهدئة أم مخدرة أم منومة أم قاتلة للألم أم مضادة للاكتئاب.. المهم أن هذه الأدوية تساعدها على أن تنام، ومع النوم تنسى قضيتها ومأساتها.. واستمرت على هذا الوضع سنوات.. خلال هذه السنوات تدمرت حياة أسرتها، حيث لا يوجد من ينتبه للأطفال الذين تخلفوا في الدراسة، والمنزل الذي أصبح لا يزوره أحد من أقاربها نظراً لأنها دائماً نائمة، مدعية بالمرض.. وبعد هذه السنوات رجع إليها فكرها، ووجدت أنها ارتكبت خطأ كبيراً في حق نفسها وحق عائلتها وأسرتها الصغيرة، وزوجها، وأطفالها الذين كانوا يعتقدون أن والدتهم مريضة، ولكنها ترفض أن تذهب إلى المستشفى، فغدت حالة كرواية حزينة أو مسلسل حزين من الطراز الأول.. فكرت عندئذ في ترك الحبوب التي بلغ ما تتعاطاه منها يومياً أكثر من مائة حبة..!! تصوروا هذا..!! لا تعرف أنواعها ولا مفعولها..! حين أرادت أصبحت عاجزة عن ذلك فالأعراض الانسحابية لكل هذه الأدوية بدأت تظهر في أول ساعات توقفت فيها عن تناول الحبوب، فاضطرت مرغمة هذه المرة إلى أخذ الحبوب حتى تذهب هذه الأعراض، ووقعت فريسة لعدم قدرتها على ترك الحبوب وأخيراً لجأت إلى طبيب نفسي، والذي شاهد كيف كانت هذه السيدة تتناول كل هذه الكمية من الحبوب، التي يمدها بها الصديقات من مهدئات صغرى (البترودايزابين) ومضادات اكتئاب لها أعراض جانبية هي النوم والتخدير، أدوية قاتلة للألم تتناول منها كميات كبيرة حتى تستطيع أن تنام وتنسى.. وتطلب الأمر أشهراً من العلاج التدريجي لاقلاع هذه السيدة المحبطة، التي قادتها مشكلة زوجية إلى كل هذا الألم، كل هذا التدمير لحياتها وحياة أبنائها وحياتها الزوجية والعائلية، وكذلك صحتها فكل هذه الأدوية لها مضار جانبية على الكبد والكلى إذا أخذت بكميات كبيرة.
إن وجود حياة بل مشاكل هو أمر مستحيل، بل قد يكون مملاً، ولكن يجب أن نعرف كيف نتعامل مع مشاكلنا لا أن ندمر ذواتنا بالهروب سواء كان بتعاطي الكحول أو المخدرات أو الأدوية المهدئة التي نتناولها دون استشارة أطباء أو تعاطي الأدوية القاتلة للألم والتي يصعب التخلص منها حين يريد المرء ذلك.!
ليس عيباً أن نطلب المساعدة من أي جهة تملك حق المساعدة في نظرنا.. فهناك الأطباء النفسيون وهناك الاختصاصيون الارشاديون الاجتماعيون والنفسيون.. كل يستطيع أن يساعد بما يملك وما يقدر عليه.. فقط يجب أن نعترف بأن لدينا مشكلة واننا بحاجة للمساعدة..!
منقول