تخطى إلى المحتوى

التسامح في الإسلام

  • بواسطة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمه الله و بركاته

تاريخ النشر: الجمعة 28 يناير 2024
جاء الإسلام ليخرج الناس من ضيق الجهل والعصبية إلى واحات الأمن والسلام، يعيش الإنسان في رحابها أيا كان جنسه أو لونه أو معتقده مستظلاً بظلال وارفة من الرفق والتسامح اللين. ولا غرابة في ذلك فالإسلام هو رسالة السلام، وخير رسول بين القلوب فيه مثل تجمع في معانيها الود والصفاء والإخاء. إذ الناس في حكم تشريعاته إخوة تجمعهم نفس واحدة يقول في شأنها الحق سبحانه (يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء 1 . تلكم المعاني السامية التي أخبرت عنها الآية الكريمة يمكن أن نختزلها في قولنا إن الإسلام مع غير المسلم دين قوامه حسن المعاملة، ونبل الخلق وإنسانية التشريع، وعندما نقول ذلك نجد صنوفاً شتى من الدلائل والبراهين التي تعين على ترسيخ تلك الحقيقة في النفس والوجدان من ذلك:

أولاً: بنية الحوار مع الآخر والتي تقوم في كنهها على الحكمة، والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.

يقول سبحانه (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل 125 . ويقول سبحانه (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) العنكبوت 46. ولعلنا نلحظ في الآية الكريمة كلمة (أَحْسَنُ) حيث وردت بصيغة التفضيل، وكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا إذا ما خير المسلم في حواره مع غيره بين ما هو حسن من الألفاظ والعبارات، وما هو أحسن فإن حسن الخلق يُلزمه أن يجنح في التعبير إلى ما هو أحسن. أضف إلى ذلك قول الحق سبحانه (قُل لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) سبأ 25. نلمح فيه كذلك أدباً ربانياً كان فيه التعبير عن النفس والذات بلفظ (أَجْرَمْنَا) وعن الغير بلفظ (تَعْمَلُونَ) وكان القياس يقتضى أن يقال «لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تجرمون» . وما فعل الإسلام ذلك في بنيته الحوارية مع غير المسلم إلا انطلاقاً من ترسيخ مبدأ التسامح والرحمة الذي كان خلقاً أصيلاً في نفس النبي صلى الله عليه وسلم لأجله هفت النفوس إليه بالمودة، وتاقت القلوب إلى شخصه بالقربى. يقول سبحانه (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران 159.

ثانياً: بنية التشريع في التعامل مع الآخر. وفى هذا الإطار نجد النصوص الإلهية في الكتاب والسنة النبوية الشريفة وقد تضافرت أمراً وحثاً وإرشاداً إلى حسن المعاملة مع غير المسلمين والإحسان إليهم، والبر بهم إذ يقول الحق سبحانه (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة 8 . وهنا نلمح الإمام القرطبي وقد سبر أغوار المعاني في تلكم الآية الكريمة فأخذ منها :- حث الله سبحانه وتعالى المسلمين على صلة وبر المخالفين لهم في العقيدة، واحتج على ذلك بما أخرجه البخاري ومسلم من أن أسماء بنت أبى بكر سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل تصل أمها حين قدمت إليها مشركة؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم، ثم يذكر أن هذه الحادثة كانت سبباً في نزول هذه الآية الكريمة.- كذلك أخذ الإمام القرطبي، والقاضي أبو بكر بن العربي من قول الله تعالى في الآية (أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) جواز إعطاء أهل الذمة قسطاً من الأموال على وجه الصلة، وإكرام وفادتهم.

أضف إلى ذلك أن العلماء أكدوا أن أهل الذمة الذين وردت صفاتهم في الآية الكريمة يجب الوفاء لعهدهم بموجب العديد من النصوص الشرعية التي تواترت على إثبات تلك المعاني، من ذلك ما رواه الترمذي عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا من قتل نفساً معاهدة له ذمه الله وذمه رسول الله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفا). وأخرج الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما). وأخرج أبو داوود في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة).

وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم ما يضمن لغير المسلم حقوقه كما نصت على ذلك تشريعات الإسلام ، فقد أخرج ابن زنجويه في كتاب «الأموال» أن رسول الله صلى الله عليه قد كتب لأسقف بنى الحارث بن كعب، وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم وربانهم «أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير، من بيعهم وصلواتهم وربانهم وجوار الله ورسوله لا يغير أسقف عن أسقوفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته».

وتمضي الأيام، وتسرى تلك الروح التسامحية من النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخلفاء والملوك في الدول الإسلامية من بعده، مما يدل على حسن تفهمهم لدينهم، وإلمامهم بكنه أحكام ربهم في معاملتهم لأهل الكتاب فيقبسون نور التسامح من المعين النبوي الزاخر الذي يشع على العالمين رأفة ورحمة، فيذكر البلازري في فتوح البلدان أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أعطى عهدة إلى أهل إلياء جاء فيها «بسم الله الرحمن الرحيم .. هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل الياء من الأمان أماناً لأنفسهم وكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبرها وسائر ملتها ألا تُسكن كنائسهم، ولا تهدم ولا ينقص منها، ولا من صلبانهم، ولا من شىء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم».

ومن المعين ذاته اغترف خالد بن الوليد عهدته إلى أهل دمشق التي جاء فيها

«بسم الله الرحمن الرحيم … هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق، إذا دخلها أعطاهم أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم، لا يُهدم ولا يُسكن شىء من دورهم، لهم بذلك عهد الله سبحانه وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم والخلفاء والمؤمنين لا يُعرض لهم إلا بخير».

في ظل هذه المعاني السامية كانت الأحكام الفقهية المرسخة لقيم التسامح والمودة بين المسلمين وغيرهم ممن خالفهم في معتقد أو دين عند فقهاء الإسلام إذ بين فقيه المالكية شهاب الدين القرافى في كتابه «الفروق» أن عقد الذمة لأهل الكتاب يوجب حقوقاً لهم على أمة الإسلام معللاً ذلك أنهم بموجب هذا العقد أصبحوا في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام، ومن ثم من اعتدى عليهم بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو أي نوع من أنواع الأذى أو أعان على ذلك فقد ضَيَعَ ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام.

ومن طريف ما يذكر في هذا الباب أن الخوارج وهم من هم في استباحة دماء المسلمين توقفوا عن النيل من أهل الذمة بقتل أو أذى خشية نقض العهد معهم، كما يذكر ذلك ابن حجر في الفتح. بل إن المبرد في كامله ينقل عنهم أنهم ساوموا رجلاً على غير دين الإسلام في نخلة له، فقال: ما هى لكم . فقالوا: ما كنا لنأخذها إلا بثمن. فقا : ما أعجب هذا أتقتلون أمثالكم من أهل دينكم ولا تقبلون منى جنى نخلتى !

من أجل هذه المعاني وغيرها وجدنا العديد من رواد مدارس الاستشراق في الغرب ينحنون إجلالاً وتعظيماً لنبل ما ورد في تشريعات الإسلام من قيم التسامح، ومعاني المودة والرحمة التي اتصف بها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده حتى وجدنا «لورد هادلى» يقول «إن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن متصفاً بقسوة، ولا متعطشاً لدماء كما يقول خصومه، بل كان دائماً يعمل على حقن الدماء جهد المستطاع، ولقد جاءه وفد نجران بقيادة البطريرك فلم يحاول أن يكرههم على اعتناق الإسلام، فلا إكراه في الدين بل أمنهم على أموالهم وأرواحهم، وأمر بألا يتعرض لهم أحد في معتقداتهم وطقوسهم الدينية». وما ذكره لورد هادلى يخرج لمشكاة واحدة مع ما ذكره مفكر الحرية فولتير، وليون جوتيه، وبرج كريمر، وتوماس أرنولد والفيلسوف الروسى تولستوى، والشاعر الفرنسى لامرتين.. وغيرهم، ممن أيقنوا بسماحة الإسلام فانسابت أقلامهم لتعبر بإنصاف عما أيقنوا به من وجود معاني التسامح والمودة والسلام في دين الإسلام نصا وواقعا وتشريعا.

د. محمد عبد الرحيم البيومي

كلية الشريعة والقانون – جامعة الإمارات

والسلام عليكم ورحمه الله و بركاته

https://www.alittihad.ae/details.php?…#ixzz1CLd52qUR

تسلمين اختي على الموضوع …
بارك الله فيج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.