تخطى إلى المحتوى

الخلافات الزوجية : درجاتُها وعلاجُها في الإسلام . ( أُدخل لتعرف كيف يعالج ديننا الحن

تختلفُ المشاكل الأُسَرية باختلاف ظروف العيْش ، وتفاوُت طبائع البَشَر ، ومساحة التحمل والصبر عند الأشخاص ، إضافة إلى درجة الوعي والعِلم والخبرة بالحياة ، ناهيك على الإمتثال لأوامر الله تعالى ، واجتناب معاصيه ، وخشيَتِه بالغَيْب ، والقناعة والبساطة في بناء الأسرة بما يستوجب من اهتمام ومسؤولية ومتانة وانتباه ومروءة وليونة وكياسة …..ومن هذه المشاكل الزوجية ما

يمكن حله بالتسامح وغض الطرف ، والموعظة الحسنة ، إلى الهجْر اللطيف والمغاضَبة ، ومنها ما يُحَلُّ بتدخل طرف ثالث (حكم من أهل الزوجة أو الزوج أو هما معاً ) ، وبالتنازل عن بعض الحقوق ، والهجر الطويل ، إلا أنه هناك مشاكل لا تجد حلَّها وللأسف إلا بالطلاق ( وأبغض الحلال عند الله الطلاق ) ، ومن هذه المقدمة البسيطة يتبين أن المشاكل الزوجية تنقسم بحسب درجاتها وحلولها دينيّاً إلى ثلاثة أقسام رئيسية كما يلي :

1 – لاِختلاف الطبائع البشرية ، وضعف الإنسان في أحايين كثيرة أمام بعض الأحداث الحياتية ، تقع بعض المشاكل بين الزوجين ، لكن هذه الخلافات قد تذوب سريعا بالتسامح ، وغض الطرف والموعظة ، لأنها لا تتعدى أن تكون مشاكل الدرجة الأولى ، ومن أمثلة ذلك أنه ، عن أنس أن النبي صلى الله عليْه وسلم كان عند بعض نسائه ، فأرْسَلَتْ إحدى أُمَّهات المؤمنين بصَحْفَةٍ فيها طعام ، فضَرَبَت التي النبيُّ في بيْتها يَدَ الخادم ، فسقطَت الصَّحْفَةُ فانفَلَقَتْ ، فجمع النبيُّ صلى اللهُ عليْه وسلم فلق الصّحْفة ، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصَّحْفَة ويقول : ( غارتْ أُمُّكُم ) ثم حبس الخادمَ حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيْتِها ، فدفع الصَّحْفَة الصحيحة إلى التي كُسِّرَت صحْفَتها ، وأمسك المكسورة في بيْت التي كسرت فيه .

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ( قال لي رسولُ الله صلى الله عليْه وسلم : إني لاَعْلَمُ إذا كنتِ عني راضية وإذا كنت علَيَّ غضْبى ، فقلتُ : من أين تعرف ذلك ؟ فقال : أما إذا كُنْتِ عني راضية فإنكِ تقولين : لا وربِّ محمد ، وإذا كنتِ غضْبى قلتِ : لا وربِّ إبراهيم ، قُلْتُ : أجل واللهِ يارسولَ الله لا أَهْجُرُ إلا اسْمَك ) .

ومن ذلك أيضاً ، عن عمر بن الخطاب قال : كنا معْشَرَ قريْش نغلِبُ النساء ، فلما قدِمْنا على الأنصار إذا قومٌ تغلبُهُم نساؤُهم ، فطفِقَ نساؤنا يأْخُذْنَ من أدَبِ الأنصار ، فصَخِبْتُ على امرأتي فراجَعَتْني فأنْكرْتُ أن تراجِعني . قالت : ولِمَ تُنْكِرُ أن أراجعَكَ ؟ فوالله إن أزواجَ النبي صلى اللهُ عليْه وسلم لَيُراجعنَّهُ ، وإن إحداهن لتهْجُرُهُ اليوم حتى الليْل . فأفْزَعَني ذلك وقُلْتُ لها : قد خاب مَنْ فعل ذلك منهنَّ ، ثُمَّ جَمَعْتُ علَيَّ ثيابي فنزلْتُ فدخَلْتُ على حفصة ، فقلْتُ لها : أي حفصة أَتُغاضِبُ إحداكن النبيَّ صلى اللهُ عليْه وسلم اليوم حتى الليْل ، قالتْ : نَعَمْ ، فقلْت : قد خِبْتِ وخسِرْتِ .

ولعلَّ يوما واحدا كاملا من الهَجر يكون فيه قسوة بالغة على شريكِ العُمر وسكَنه ، ففي الحديث الشريف : ( لا يحلُّ لرجلٍ أن يهْجُر أخاهُ فوق ثلاث ليال ، يلْتَقِيان فيَعْرِضُ هذا ويَعْرِض هذا ، وخيْرُهُما مَنْ يبْدأُ بالسلام ) .

2 – الدرجة الثانية من هذا النوع من المشاكل يكون حول أمر جوهري يصعُبُ التسامح فيه ، ويحتاج لبعض الخطوات والإجراءات الإضافية لحله (حسب طبيعته ) ومن ذلك مثلا :

* الإستشفاع بقريب أو صديق : عن جابر قال : ( دخل أبو بكر يستأْذنُ على رسول الله صلى الله عليْه وسلم ، فوجد الناس جُلوساً ببابِهِ لمْ يُؤْذَن لأَحَدِهم ، قال : فأذن لأبي بكر فدخل ، ثم أَقْبَلَ عُمَرُ فاسْتأذنَ فأذن له ، فوجد النبيَّ صلى الله عليْه وسلم جالسا حولَهُ نساؤُهُ واجماً ساكتاً ، فقال : لأَ قولنَّ شيئاً أضْحَكَ النبيَّ صلى الله عليْه وسلم ، فقال : يارسول الله لو رأيْتَ بنْتَ خارِجَة (زوجة عمر ) سأَلَتْني النَّفقةَ فقُمْتُ إليْها فوَجَأْتُ عُنُقَها ، فضحك رسولُ الله صلى الله عليْه وسلم وقال : ( هُنَّ حولي كما ترى يسْاَلْنَني النفقةَ ) ، فقام أبو بكر إلى عائشة يَجَأُ عُنُقَها ، فقام عمر إلى حفصةَ يَجَأُ عُنُقَها ، كلاهما يقول : تسْأَلْنَ رسولَ الله صلى الله عليْهِ وسلم ما ليْسَ عنْدَه ، فقُلْنَ : والله لا نسأَل رسول الله صلى الله عليْهِ وسلم شيئاً أَبَداً ليس عنده ….. ) .

عن المسوَر بنِ مَخْرمة قال : ( إن عليّاً خطبَ بنت أبي جهل ، فسمِعتْ بذلك فاطمة ، فأتَتْ رسولَ الله صلى الله عليْهِ وسلم فقالت : يَزْعُمُ قوْمُكَ أنَّكَ لا تغضَبُ لبناتِك ، وهذا عليٌّ ناكِحٌ بنت أبي جهل ، فقام رسولُ الله صلى الله عليْهِ وسلم فسَمِعْتُهُ حين تَشَهَّدَ يقول : إن فاطمةَ بِضْعَةٌ مني وإني أَكْرَهُ أن يسوءَها ، واللهِ لا تجْتمعُ بِنْتُ رسولِ الله وبنت عدوِّ الله عند رجُلٍ واحد . فَتَرَكَ عَلِيُّ الخِطْبَةَ )

وقد تركتْ امرأة تُدْعى " بريرة " زوجها ( هي مَنْ طَلقتْهُ ) فلم يستطع صبراً على فراقها ، عن ( ابن عباس ) : كأني أنظُرُ إليْهِ يطوفُ خلْفها يبْكي ، ودموعُهُ تسيلُ على لِحْيَتِه ، فقال لها النبيُّ صلى اللهُ عليْهِ وسلم : لو راجَعْتِهِ ، قالت : يارسول الله : تأْمُرُني ؟ قال : إنما أنا أَشْفَع . قالت : فلا حاجةَ لي فيه .

على أنه ينبغي أن يظلَّ ما بيْن الزوْجيْن سرّاً مَصوناً ، ويعالِجان خلافاتهما فيما بيْنهما ، دون تدَخُّل أحدٍ إلا أن يعْجِزا تماما ، مع الإبقاء على الصبر وضبط النفس ، وعدم التسرُّع . * التنازل عن بعض الحقوق

الحقوق : قال الله تعالى : ( إن امرأةٌ خافت نشوزاً أو إعراضاً فلا جناحَ عليْهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير … ) فالآية تشير إلى إمكانية عقد صلح أو اتفاق بين الزوجيْن من أجل الحفاظ على ميثاق وعقد الزوجية ، ويحقق مصلحة ما للطرفَيْن ، وذلك بالتنازل عن بعض الحقوق من قِبَلِ هذا الطرف أوذاك ، من مثل إعفاء الزوج زوجتَهُ من بعض مسؤولياتها في تدبير شؤون البيْت ، أو إعفاء الزوجة زوجها من بعض التكاليف المادية التي ترى أن بإمكانها الصبر فيها إلى أن يظهر اليسر بعد ذلك العسر ….

* الهجر الطويل : ( … ثم اعتزل النبي صلى الله عليْه وسلم نساءَهُ شهراً " أي بعد إلحاحهن على الاستكثار في النفقة " ، فرغم إنكاره عليْهن موقفهُن في مسألة خطيرة تتصل بمستوى السلوك الرفيع الذي ينبغي أن يتصف به صاحبُ الرسالة ، فإنه ظل راغباً في صُحْبتهن اعترافا منه صلى الله عليْه وسلم لفضلهن في جوانبَ أخرى )

* التحكيم : عند اشتداد الخلاف وعجز كل الطرق السالفة الذكر في العلاج ، عندها يلجأ الزوجان ، أوبعض الأولياء إلى طلب التحكيم ، قال الله عز وجل : ( وإن خِفْتُمْ شقاقَ بيْنِهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدان إصلاحا يُوَفّق الله بيْنهما إن الله كان عليماً خبيراً )، وقد اختلف الأئمة في " الحكميْن " هل هما منصوبان من جهة الحاكم ، فيحكمان وإن لم يرْضَ الزوجان ، أو هما وكيلان من جهة الزوجيْن ، إلا أن الجمهور على القول الأول " ابن كثير " .

" والحَكَمان لايكونان إلا من أهل الرجل والمرأة ، إذ هما أقعد بأحوال الزوجيْن ، ويكونان من أهل العدالة وحسن النظر والبصر بالفقه ، فإن لم يوجد من أهلهما من يصلح لذلك ، فيرسل من غيْرهما عدليْن عالميْن " القرطبي .

3 – الدرجة الثالثة من الخلاف بيْن الزوجيْن تصل وللأسف إلى حد الكراهية البالغة من أحد الطرفيْن ، وبُغْض شديد ونفور لا تطاق معه العِشْرة ، وهو ما عبَّرت عنه زوجة ثابت بن قيس بقولها : ( لا أطيقُه ) وقولها : (إني أخاف الكُفْر ) .

– اكتشاف أحد الطرفيْن وجود ضُعْف خُلُقي أو خِلْقي عميق ، هذا الضعف الذي يسمُ كافة تصرفاته دون اعتراف بأنه منقصة ، عن ابن عباس أن رجلا قال : ( يارسول الله ، إن تحتي امرأةٌ لا تردُّ يدَ لامِسٍ ، قال : طَلِّقْها ) .

– خيانة أحد الزوجيْن لصاحبه بارتكاب جريمة الزنا ، جاء رجلٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليْه وسلم فقال خليجية أرأيْتَ رجلاً وجد مع امرأَته رجلاً أيقتله ؟ أم كيف يفعل ؟ فأنزل الله في شأنه ما ذكَرَ من القرآن من أمر المتلاعنين ، فتلاعنا .. فطلَّقها ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.