محمد الرحبي:
على امتداد بلدان الخليج الشقيقة يعرفون في عمان مسقط وصلالة.. ربما لم يزر بعضهم مسقط، لكنهم زاروا صلالة، ومن جرب السير إليها مرة واحدة لن ينسى هذه المدينة التي يمكن الوصول إليها جوا في ساعة أو أقل، أو عبر الطريق البري حيث المسافة بين مسقط وصلالة 1000 كيلومتر يمكن قطعها خلال 9 ساعات، فيما الطقس الرائع والجو الخريفي الجميل الذي تتصف به صلالة يجعلها إلى جانب عوامل أخرى قبلة الأنظار ومقصد الزوار.
السائح الخليجي
بدءا من أواخر شهر يونيو وحتى أواخر شهر أغسطس، تعرف صلالة حركة سياحية كبيرة لزيارة موسمها الذي يطلق عليه «الخريف» قادمة من بقية ولايات السلطنة ومن الدول الخليجية، حيث يرفع مهرجانها السنوي شعار «ملتقى الأسرة» وهذا ما يجذب السائح الخليجي إليها نظرا لتقارب العادات والتقاليد، وأيضا ما تتمتع به خلال أشهر الصيف من طقس استثنائي، حيث تكتسي السهول والجبال اللون الأخضر، وتنخفض درجة الحرارة إلى أقل من عشرين درجة مئوية، وتقل أكثر في الجبال، ويستمتع السائح بالضباب الذي يلف المكان والرذاذ المتساقط ليلا ونهارا على امتداد هذا الموسم.
مالك الحزين وصحبه
تشتهر صلالة بالعيون المائية، خاصة في منطقة «دربات» التي تنهمر فيها الشلالات في حالة وجود طقس خريفي قوي تسبقه عادة أمطار تجعل من المكان بقعة خضراء، ومن أهم العيون «حمران وصحنوت»، حيث النافورات الطبيعية والأصوات الهادرة نتيجة التجويف الصخري الواسع داخل الجبال المحاذية لبحر العرب، وينتج عن الموج العنيف حركة سحب للهواء تعطيها التجاويف في السقف الصخري دهشة لا يمكن السائح أن ينساها. كما تتمتع صلالة بأخوار ومحميات طبيعية تستقبل الطيور الهاربة من حر العالم وبرده، المتجهة لتمضية بعض الوقت في أمان، تأتي طيور (الفلامنجو وأبومنجل والبلشون الأبيض ومالك الحزين) وكأنه لينسى بعض حزنه في بيئة تعطيه الأمان والاطمئنان. فيما تجتذب مناطق «الخيران» في محافظة ظفار أكثر من 180 نوعا من الطيور كما دلت الإحصائيات في خور روري منذ عام 1975، ونحو 2500 طائر في مارس من عام 1982 عند خور الدهاريز وحده.
«القرم» و»المغر»
تشكل الأشجار في صلالة دعامة كبيرة، خاصة «القرم» التي تمنح المنطقة على الدوام جمالا جاذبا للنظر بحيث لا تكون صلالة نقطة جذب جمالي في موسم واحد فقط، وقامت الحكومة بإجراءات المحافظة على البعد البيئي الذي تقوم به أشجار القرم فتم غرس شتلات منها وبأعداد كبيرة. كذلك تعرف صلالة بشجر «المغر» ومن يزور السوق الشعبي يجد النساء الظفاريات يعرضن كميات كبيرة من «اللبان» بجانب العطور والبخور وكل ما تفوح منه الرائحة الطيبة، فاللبان يستخرج من أشجار «المغر» التي تنقسم إلى نوعين، ذكر وأنثى، وكما هو الحال مع الكائنات الأخرى فإن الأنثى أكثر إنتاجا إذا توفرت الظروف المناخية الملائمة، ويعتبر «اللبان الحوجري» أفضل الأنواع، وتنتجه المناطق الشرقية لمحافظة ظفار، خاصة في الجروف الصخرية لجبال سمحان، وفي الأودية الداخلية. ويأتي بعده في المرتبة الثانية اللبان النجدي ثم النوع الشعبي أو الساحلي والمستخرج من الأشجار القريبة من السهول الساحلية، وبعده النوع الشزري والمستخرج من المربعات الجبلية والمتأثر برطوبة موسم الخريف، ويأتي في آخر الأنواع من حيث الجودة والكميات المستخرجة.
حضارة و تجارة
ومن الجماليات التي أضافتها صلالة إلى مفكرتها السياحية متحف «أرض اللبان» الواقع في منطقة البليد الأثرية، وعبر ممرات مائية ومشي بين أرجاء المكان الأثري يمكن التعرف على تاريخ يمتد قرونا، فقد دلت المكتشفات في منطقة البليد على وجود حضارة «المنجويين» التي قامت ما بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر الميلاديين، وتذكر كتب التاريخ أن مؤسس هذه الدولة احمد بن محمد المنجوي ونقل المنجويون مقر ظفار القديمة من مرباط إلى البليد، والآثار المكتشفة دلت على وجود نشاط تجاري واسع للتصدير والاستيراد كاللبان والخيول العربية الأصيلة والتوابل والمنتجات الزراعية الأخرى التي تشتهر بها صلالة، وزكرها عدد من المؤرخين مثل ماركو بولوو وزارها الرحالة ابن بطوطة. ويعود تاريخ البليد الواقعة إلى شرق مدينة صلالة إلى عصر ما قبل الإسلام، وبانبثاق النور المحمدي فإن المدينة عرفت ازدهارا معماريا تجلى في مسجدها الكبير، وزارها ابن بطوطة في القرن السابع للهجرة وعاد إليها بعد عشرين عاما ليصفها بأنها مدينة تكثر فيها المساجد وتصنع فيها أجود أنواع الحرير والملابس القطنية والكتان وتصدر أجود أنواع الخيول العربية إلى الهند، ومثلت البليد مركزا تجاريا مهما خلال القرن الرابع عشر للميلاد لتكون نقطة الوصل بين الهند وسواحل الشرق الإفريقي، وكانت على تواصل تجاري مع موانئ بلاد ما بين النهرين والصين والسند والهند واليمن وحضرموت.
مواقع أثرية
في عام 120 وبعد انتهاء حكم المنجويين قام أحمد بن محمد الحيوضي بتجديد بناء المدينة وأقام بها المسجد الكبير الذي ذكره المؤرخون، ويوجد به نحو 180 عمودا، وليتعرف السائح على عظمة هذا الموقع قام مكتب معالي مستشار جلالة السلطان بترميم وتطوير الموقع ليكون منتزها عاما للزوار وتم رصف طريق داخلي بطول 2200 متر وإنارته، ليتمكن الزائر من الوقوف على عظمة مدينة عمانية عريقة. كما توجد مواقع أثرية أخرى في «المغسيل» وآثار جدران قديمة ومقابر لما قبل الإسلام في «رزات» وبقايا قلعة قديمة ومقابر ما قبل الإسلام في «عين حمران» و»دحقة ناقة صالح» في «الحصيلة» وجدران وتقسيمات سواقي وبئر مياه في مدخل «وادي نحيز». فيما تنتشر في الطريق إلى صلالة استراحات يمكن الخلود إليها بعض الوقت، كي تكون الرحلة ممتعة بعيدا عن مفاجآت الطريق، فالعودة بسلامة هي الغنيمة الأكبر بعد رحلة سياحية تتبقى منها الذكريات الجميلة.
أرقام
في مسح حكومي لأعداد زوار «خريف صلالة» من 21 يونيو وحتى 18 يوليو من العام الماضي، شكل الزوار من دول الخليج -بما فيها السلطنة- النسبة الأكبر، حيث بلغ عددهم نحو 40 ألفا و582 سائحا، واحتل الزوار القادمين من ولايات السلطنة المرتبة الأولى، فيما جاء الزوار من الإمارات، في المرتبة الثانية وبلغ عددهم 9074 سائحا، تليها السعودية بنحو 3177 سائحا.-وأظهرت دراسة خاصة بـ»خريف صلالة» أن ما نسبته 92 % إلى 97 % من زوار المحافظة خلال الأعوام 2024 إلى 2024 قد أتوا من أجل الترفيه وقضاء العطلات، وأن ما نسبته 1 % إلى 2 % منهم فقط زاروا المحافظة بغرض زيارة الأقارب وكذلك بين 1 % و 2 % قاموا برحلات عمل.
بعضها تتشابه مع نظيرتها الخليجية
الرقصات الشعبية جمعت شمل اليمنيين وفرّقت جحافل البرتغاليين
مهيوب الكمالي، صنعاء – يعتبر الرقص الشعبي أحد أصناف وأشكال علم الفلكلور، وإبداع شعبي يختلف من زمن إلى آخر ومن منطقة جغرافية إلى أخرى، وقد حظيت الرقصات الشعبية في حضرموت باهتمام كبير من خلال تطويرها وهي كثيرة ومتعددة.. في حين اشتهرت حضرموت بـ»الدان» وهو في اللغة يأتي بمعنى «الدندنة بهيمنة الكلام، ودندن فلان نغم لا يفهم منه كلام، فإن لفظه ما يدل عليه الدان يمكن أن يكون إلى الهمهمة والتنغيم وليست إلى الشعر».
ويقوم الدان الحضرمي على أسس وأنواع هي «الريّض والحيقي والهبيش». ويبدأ الدان أول ما يبدأ بالهمهمة والنغم، ثم تأليف ووضع اللحن وترابط أجزائه بتفعيلة «دان»، ومن هذه الثلاثة الأحرف التي قد تختصر في النغمة أوتتطول أو تمد فإنها تبقى التفعيلة الجذرية لأصل نغمات وألحان الدان.
حضور وغياب
ساعدت مجموعة عوامل على تعدد وتطور الرقصات الشعبية في حضرموت، جاء ذكرها في كتاب «الرقص الشعبي بحضرموت» لمؤلفه سعيد عمر فرحان- رئيس فرقة الفنون الشعبية، يقول فيه: «إن الموقع الجغرافي للمحافظة وازدهار الحركة الثقافية والفكرية، وهجرات الحضارم إلى بلدان كثيرة وتعدد الحرف التي يمارسها أبناء المحافظة وإقامة العديد من الزيارات في مواسم مختلفة، فضلا عن الدور المتميز الذي لعبته فرق الرقص -أهمها فرقة الفنون الشعبية بالمحافظة- في تطوير هذه الرقصات». وتتميز محافظة حضرموت عن غيرها من المحافظات بوجود عدد كبير من الرقصات الشعبية لكن الملاحظ أن بعض الرقصات قد أخذت تتوارى عن الأنظار وتغيب كليا الآن! لما اعترى الحياة الاجتماعية من تبدل حضاري، بيد أن رقصات أخرى كرقصات «العدة، والشبواني، والغياظي» ظلت حاضرة تحتفظ بمكانتها بما تتميز به من خصائص فنية بما تحدثه في النفوس من الطرب والإمتاع بما كانت تحدثه في الماضي.
رقصة العدة
أطلق الباحث جعفر محمد السقاف لقب «لعبة الفتوة الشعبية» على رقصة «العدة» وهي تعبير عن الفروسية فقد جسدت رقصة العدة دورها الشعبي في جمع الشمل والتكتل للهجوم بواسطتها على البرتغاليين الغزاة. فسلاح الراقصين لايتجاوز أدوات الرقصة من عصي ودرقة وسكاكين في مواجهة جحافل الغزو البرتغالي علي مدن المنطقة، وذلك في العاشر من شهر ربيع الثاني سنة 929هـ – الموافق 1523م. أما الباحث عبدالله صالح حداد فقد ذكر في بحثـــــه عن أدوات رقصــة العــدة «ان أزياء اللاعبين الراقصين التي هي عبارة عن «قرمة وفوطة ورمان» ويحمل كل لاعب عصا غليظة ودرقة وسكينا وسط العصرة، وأما الآلات والأدوات المستعملة في رقصة العدة هي الهاجر، وهو طبل كبير ورئيسي -المرواس الطبل الصغير- ودرقة وعود وطاسة». ومن أبرز شعراء رقصة العدة في حضرموت ومؤلفيها المعاصرين: عمر مبارك قزيل من مدينة الشحر، ومحمد فرج بانبوع من مدينة المكلا، وعوض عبيد باعبود من مدينة غيل باوزير. كما يعتبر الشعراء: مستور حمادي من سيئون، وعيد فرج باحريز من المكلا، وعمر بن شيخ بن طاهر من غيل باوزير، من عمالقة رقصة الشبواني. حيث يقول عمر بن شيخ، في إحدى داناته: «مسكين بن طاهر من المعشرة ووس ولا له ولا القهوة لي هو عسل مدبوس».
جلسة الدان
يرى المختصون في التراث اليمني، أن هناك رقصات تربط اليمن بدول المنطقة في الجزيرة والخليج، خاصة رقصات البحر المتشابهة في ألحانها وشلاتها وحركاتها، كالفنون المتصلة بالبيئة البحرية كمواسم الصيد وغيرها.. فيما يعتقد أن كلمة «دان» مشتقة ربما من «الدانة» أي اللؤلؤة. وتؤكد كتب التراث الغنائي أن الدان «نغمات موسيقية وإيقاعات فنيه تطرب وتبعث على الشجن، وهو أكثر انتشارا في حضرموت لأنه يعبر بصدق عن إحساس الناس وأمانيهم وتطلعاتهم وهمومهم وآلامهم ومشاعرهم العاطفية». وتنطلق النغمات مع توقيعات ألحانه وتقاسيمها الغنائية المنسابة مع الكلمات الرقيقة العذبة والمعبرة، فالدان نغم ولحن له صفة الأصالة لدى كل فئات طبقات المجتمع الحضرمي، وهو نوع من الشعر المغنى بأوزان غير مقيدة بما يقوله النحاة ولقد سموه في الأندلس بالموشحات وسماه الحضارم الدان. ويرى الأدباء أن لفظة الدان جاءت في كثير من أشعار الشعراء الشعبيين، وكثير منهم باشروا أغانيهم بترديد كلمة «دان ودان». وللدان جلسات في حضرموت وطقوسها صارمة، إذ تتبع لنظام وتقاليد راسخة فهي تكون في أماكن محددة لا يحضرها إلا عدد محدد من أهل الذوق وعشاق هذا الفن، ويأخذ المغني جلسته في صدر المجلس، ويجلس في وضع الحبوة (محتبي) ويبدأ بالتحضير للغناء بالدندنة ومع تنوع نغمات الدان، يبدأ في رفع وتيرة صوته تدريجيا كلما استحسن صوته ويبدأ التفاعل ويضع كفيه خلف أذنيه لترجيع صدى صوت الدندنة ليضخم سماعها فيها.
الاتحاد-دنيا
الله على صلالة و أيامها و ذكرياتها .. تولهت عليها والله
ويعطيج العافيـة..
نحن الحمدالله كل سنه نسير صلااااله