السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
متى تغرد ابنتي في عش الزوجية؟
منال عبدالعزيز السالم
مقالات متعلقة
ما أكثرَ ما تتساءل الأمُّ التي بلغتْ ابنتها مبلغَ النساء، وبدأ الخُطَّاب يَطرقون بابها: متى أزوِّجُ ابنتي؟ ما العمر المناسب للزَّواج؟
حقيقةً؛ إنَّ تحديدَ عُمْرٍ مُناسب للزواج أمرٌ غير ممكن؛ لأنَّه يَختلفُ من فتاة إلى أخرى، بل قد يَختلفُ حتى بين الأختين؛ ذلك أنَّ تحديد عُمْرٍ مُناسبٍ لتزويج الفتاة ليس خاضعًا لأعراف ولا لتقاليد، وليس مجاملةً لعريس يَمْلِكُ رصيدًا يَسيلُ له اللعابُ، ولا مُجاراةً لزميلاتها وصويحباتها اللواتي غَرَّدْنَ في عُشِّ الزوجيَّة قبلها،- ولا خوفًا عليها من الانحراف؛ لأنَّ انحرافها في حال فَشلِ زواجها أخطر؛ إنَّما يكون الوقتُ مناسبًا لتزويج الفتاة مَتى كانت جاهزةً للحياة الزوجية، متى تعلمتْ التغريد الكثير، من الأمَّهات من تركتْ ابنتها على الرفِّ لا تُعِدُّها لهذا العُشِّ، ولم تجهزْها للعيش فيه، ثم تَرميها في أحضان أولِ عريسٍ مُناسبٍ دون إعداد ولا تعليم ولا تأهيل، فتواجه الصعوبات، وتعارك المشكلات.
والبعض من الأمَّهات يَظنُّ أن الفتاةَ قادرة على التغريد في عُشِّ الزوجية متى تَمكَّنتْ من القيام بشؤون المنزل ورعاية الأسرة، رغم أهمية الإعداد المهني – إن صحَّ التعبير – للفتاة، إلاَّ أننا لا نعني أن تُلِمَّ الفتاة بكل شؤون المنزل، وتُجيدَ فن الطَّهي وكَيّ الثياب، وتنظيف المنزل وتَلميع المرايا، وتَنسيق التُّحف وتعطير المفارش؛ لكن يكفي أن تَعرفَ منه ما يُجمِّل صورتها أمام زوجها؛ لأنها ستتعلمُ الكثير فيما بعد، والحبُّ الذي ينشأُ بينهما لاحقًا سيدفعُها ولا شكَّ لأن تُبدعَ في رعاية شؤونه والقيام بحقه، لكنَّ المعيار الأهم هو: هل هي جاهزة نفسيًّا واجتماعيًّا للزواج؟ للرحيل عن عُشِّ أهلها والعيش في عُشِّ آخر مُنفصل، تقودُه هي بعد أن كانت في عُشِّ أهلها مُقادة مُطيعة؟ هل تَعي معنى الزواج والمسؤوليات التي تَنتظرُها؟ وتُقدِّسُ هذه العلاقة وتعتبرها عبادةً تَتقربُ بها إلى مولاها؟ أم تَنظرُ لها أنَّها هُروبٌ من بعض المنغِّصات التي تُكَدِّر حياتها مع أهلها؟ أو تظنُّ الزواج مَلجأً تَحتمي به من نظرة المجتمع للفتاة التي يتأخَّرُ زواجُها؟ ماذا تظنُّ أنَّّ زوجَها يحتاج منها لتسعده؟ أتراه محتاجًا فقط إلى كلامٍ معسول ومواقف رومانسية وثياب مُغرية ومثيرة؟ أم هو يَحتاجُ مع هذا كلِّه إلى صبرٍ واحتمال للعثرة وغفران للزلَّة، وإلى تأييد ومساندة في ظروف الحياة، وتنازل وقت الأزمة، في حدود ما تَحفظُ به الحقوق الضروريَّة- والواجبات الأساسية؟
ماذا يُرضيها من زوجها؟ وماذا تريد منه؟ هل هي النَّهِمَةُ الجائعة لكلِّ شىء: الحب والدلال والسَّحر الحلال، وإلى النُّزهات والرحلات والسفر في كل إجازة ومُناسبة لكلِّ أرضٍ وبلد؟ وإلى الهدايا والعطايا والمفاجآت؟- وأن يُفَرِّغَ عقله وقلبه وحتى جيبه لها هي فقط؟ هل تَنتظرُ منه الكمال وتُطالبُه بما وفَّره زوجُ الصديقة والزميلة، وقد أقسمتْ ألاَّ يفوقَها أحدٌ، ولا تتميزُ عنها مَخلوقة؟
أم هي تلك القانعة العاقلة، التي تَطلبُ ما تحتاج، وتُراعي الظروف، ولا تُقارنُ زوجَها بغيره، مُوقنةً أنَّ الاختلاف طبيعةٌ بشريَّة، وأنَّ الكمال لله – عز وجل – وحدَه، تَفرحُ بأخلاقه ومواقفه أكثر من فرحها بهداياه وهباته، وتَفخرُ باستقامته أكثر من فخرها بالمكان الذي سافرتْ إليه برفقته في الإجازة الماضية، كيف تَنظرُ للعلاقة بين الزوجين؟ مشاركة وحب؟ تعاون وألْفة؟ هل تَراها تنافسًا على القِوامة والسيادة والهيمنة؟ أم يَجبُ أن تعلمَ أنَّ القِوامة بيد الرجل، وليس لها أن تنازعَه فيها – وهذا لا يَعني أن تستسلمَ له استسلامًا تسحقُ معه كرامتها، وتدوس به كبرياءها – كيف تتعامل مع المشكلات؟ هل تُضخِّمُها، وتعطيها أكبر مما تَستحقُّ، وتَفقدُ معها توازنها، بل تَسمحُ لها أن تقتلَ الأمل فيها، وتزرع فيها اليأس، والقُنوط؟ أو تلك التي تَقفُ عاجزةً عن حلِّ المشكلات، وفَهم أسبابها، ولا تَدري كيف تستشير، ولا كيف تختار القرار؟
أم هي الواعية الناضجة التي تَرى المشكلة بحجمها الفِعلي بلا تضخيم، ولا تلوين، تلك التي تَدرسُ المشكلة، وتَتقصَّى أسبابها، وتبحثُ عن الحلول التي تنهي المشكلة، وتمحو آثارها؟
وحيث إن هذه المهارة ليس من المتوقع أن تكونَ فتاة في مُقتبل عُمرها مُتمكنةً فيها، فنسألُ: هل هي مُدركة لأهمية الاستشارة؟ والأهم: من تَستشيرُ؟ ومتى؟ كيف تنظرُ لأهل الزوج؟ وكيف تَرسمُ علاقتها بهم؟ هل تَراهم أعداء ومنافسين، أم أهلاً ومحبِّين؟
هل تعتقدُ أن اهتمام الرجل بأهله، وقضاءه لحوائجهم، وتوفيره لمتطلباتهم علامةُ رجولة وشهامة ووفاء؟ أم تَراها مُؤشر خطر، ونذير شر، وعَرَضًا لوباء؟
من هنا يتَّضحُ أن تحديد عُمرٍ مُعين للزواج يَختلفُ باختلاف درجة النُّضج النفسيِّ والاجتماعيِّ، وليس حدًّا ائتمانيًّا، أو تاريخ صلاحيَّة يَنبغي التأكدُ من عدم تجاوزه، والأمُّ الواعية تعدُّ ابنتها لهذه الحياة، وتَسقيها هذه المفاهيم، وتُعمِّقُ لديها هذه القيم والأفكار، وتكون لها قُدوة صالحة في ذلك؛ فالفتاة تَميلُ إلى أن تَتقمصَ شخصية والدتها في حياتها الجديدة، في تعاملها مع الزوج أو مع أهله، أو في مواقفها أثناء الاختلاف والشجار وغيرها، ويُمكنُ للأمِّ أن تَربطَ هذه المبادئ بسلوكيات الفتاة، وممارساتها داخل الأسرة، فتُثْني على الحسن، وتُقَوِّمَ القبيح، فإذا رأتها تُضخِّمُ المشكلات حذَّرتها، ودلَّتها على الرِّفق، وإن رأتها تتنازلُ عن حقٍّ لها؛ لتسير دفَّةُ الحياة عزَّزتها، وبذا تَصلُ الفتاة لمرحلة النضج، وأصبحت تَحملُ المؤهلات التي تُعينُها – بعد توفيق الله، جل وعلا- على التغريد في عُشِّها.
يعطيج العافية حبوبة