تخطى إلى المحتوى

أختي العفيفة، افتحي عينيكِ كثيراً قبل الزواج وقليلاً بعده

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أختي العفيفة، افتحي عينيكِ كثيراً قبل الزواج وقليلاً بعده..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أسعد الله مساءكن أخواتي بكل خير ..

تتعدّد في أوساط المجتمع – وربما أروقة المحاكم أحياناً – الأسباب التي تجعل التوافق بين الزوجين يصل في نهاية المطاف إلى طريق مسدود، وبتعدّد الأسباب واختلافها من بيتٍ لآخر تطفو على سطح الواقع تحليلات صادقة من أطراف مختلفة، تتفق في مجملها على ضرورة إعادة النظر في المآل الذي وصل إليه حال كثير من البيوت اليوم، وذلك لتدارك سفينة المجتمع من الغرق وإيصالها إلى بر السعادة والاستقرار، ويُلاحَظ أن هذا التدارك يحظى باهتمام شريحة كبيرة من المتابعين للقضية، وبخاصة ممّن يعد فرحة غيره فرحة له، وحزن غيره بالمثل أيضاً..

ونظراً لأن أصابع الاتهام – الغير منصفة – في كثير من حالات الطلاق اليوم تتجه نحو الزوجة؛ إما بزعم عدم إحساسها بالمسؤولية في بيت زوجها أو عدم استشعارها لحياتها المختلفة في بيته عن تلك التي كانت تعيشها في بيت والدها، وإما بزعم عدم محاولتها تغيير طباع زوجها والتأثير عليه حتى يعيش واقعه الزوجي كما يجب، فقد اخترتُ – مستعيناً بالله – أن أكتب هذه الأسطر للأخت العفيفة التي لم تتزوج بعد، حرصاً على لفت انتباهها إلى ما يدور حولها أثناء فترة الخطبة، وأملاً في تيسير اتخاذها لقرارها حيال الخطبة بالقبول أو الرفض، حتى تصل إلى بر الأمان الذي يكفل لها عيشاً كريماً وواقعاً فاضلاً، تحيط بأبعاده وزواياه وتدرك أسراره وخفاياه..

أختي العفيفة،

لا يخفاكِ أن مِن العوائل مَن لا تزال تهمّش رأي مثيلاتكِ عند تقدّم الخطّاب لهنّ، بل والبعض منها تعد مجرد إبداء الفتاة لرأيها فيمن تقدّم لخطبتها جرأة غير مقبولة منها، وقد تتعرض بسببها للتوبيخ والاهانة وربما الضرب، ورغم هذا الواقع المرير الذي يعيد إلى الأذهان جاهلية ما قبل الإسلام إلا أنه يبقى منحصراً لدى من يحقّر المرأة ويضع من شأنها.. ولعل الواقع الآخر الأكثر إشراقاً عن السابق؛ والذي يحفظ للمرأة كرامتها وينصفها استناداً إلى العدل الرباني [ ولهنّ مثلُ الذي عليهنَّ بالمعروفِ ] يجعل الاستبشار بمنحكِ الحق في القبول أو الرفض أكثر واقعية إن أنتِ أحسنتِ التصرف أثناء فترة الخطبة.. وما هذه الأسطر إلا نواة صادقة لإيجاد الأرض الخصبة لكِ كي تقطفي منها غِراس الخير والبر عندما يُطرق الباب لطلب يدكِ، فتحسني حينها – بعون الله – انتقاء آرائكِ وإيصالها لولي أمركِ بما يمليه عليكِ يومكِ المتفائل، ويستشرفه لكِ غدكِ الحالم..

ولعلكِ توافقيني الرأي – أختي العفيفة – بأن أول ما يلزمكِ القيام به عند تقدّم أحدهم لخطبتكِ أن تستخيري الخالق سبحانه وتعالى وتسأليه العون والتوفيق، ثم بعد الاستخارة تعمدي إلى استشارة من تثقي بحصافة رأيه من أهلكِ وذويكِ، ثم توسعي دائرة الاستشارة لتتعدى محيط العائلة وتشمل الصديقات وغيرهن ممن تتوسمي لديهن النظرة الثاقبة والرأي السديد، وستساهم الآراء المتعدّدة من حولكِ في لفت انتباهكِ إلى ما قد يخفى عليكِ وقد لا توليه كثير اهتمامٍ، فما خاب من استخار ولا ندم من استشار، ويمكّنكِ ذلك كله من التروي والتأمل قبل البوح برأيكِ..

وممّا يجدر بكِ الحرص على مراعاته في أيام الخطبة الأولى أن تراعي التكافؤ الاجتماعي بينكِ وبين الخاطب على مختلف الأصعدة، إذ كلما تقاربت عادات عائلتا الطرفين وتساوت طبقاتهما الاجتماعية والمالية كان ذلك أحرى لتوافقهما وتقارب أفكارهما، ومراعاتكِ لذلك في أيام الخطبة الأولى يسهل عليكِ اتخاذ قرار الرفض إن وجدتِ تباعداً بينكِ وبين الخاطب قد يسبب لكما المتاعب مستقبلاً..

ويلزمكِ – أختي العفيفة – أن تجعلي أمر خطبتكِ وما يترتب عليها من قراراتٍ مُناطٌ بأهلكِ وولي أمركِ تحديداً، حتى يكون التحاور بين أهلكِ وأهل الخاطب مستنداً إلى آراء الرجال وما يترتب على نقاشاتهم حول إتمام الأمر من عدمه، فلا يباري الرجال في آرائهم إلا الرجال..

كما يحسن منكِ أن تشعري أهلكِ بالجدية والحزم تجاه الخطبة، فإن كان المتقدم شخصاً مناسباً وقد وجدتِ به من الصفات ما يُرغّب في الاقتران به حرصتِ على التمسك به وعدم التفريط فيه، وإن كان في المقابل شخصاً غير مناسبٍ حرصتِ على تبيين ذلك لذويكِ وأهلكِ حتى لا يطول الموضوع وهو لا يحتمل الإطالة إذ الرفض هو الرأي الذي تجديه الأنسب والأمثل..

ومما يترتب على جديتكِ في التعامل مع الخطبة، أن تضعي سعادتكِ المستقبلية نصب عينيكِ جيداً حال تفكيركِ بالموافقة من عدمها، ويساعدكِ على التطلع إليها عدم مجاملتكِ – في اتخاذ القرار – لمن حولكِ أياً كانوا، فقد يكون الخاطب صديقاً لأخيكِ أو أخاً لصديقتكِ أو ابناً لأحد زملاء والدكِ، وتكون هذه الصلة أحياناً من أسباب موافقة الفتاة على الخاطب دون أن تقتنع به غاية الاقتناع، وهذا خطأ قد تكون له عواقبه الوخيمة يوماً ما..

وتجدر الإشارة إلى لفت انتباهكِ – أختي العفيفة – عند سؤال أهلكِ عن الخاطب أن تطلبي منهم معرفة أي جزئية في حياته قد يترتب على معرفتكِ بها إتمام الأمر أو إيقافه، وحريٌ بمن يسأل عنه أن يتجنب سؤال أهله وأصدقائه إلا المنصف منهم، فهم في الغالب يجمّلوا صورته ويذكروه بما ليس فيه، ومن أنسب الذين يتم سؤالهم عنه إمام المسجد القريب من بيته وكذلك جيرانه وبعض مُدرائه في العمل..

ولعل المقام يُناسب أن انبهكِ إلى ضرورة أن ينصب تركيزكِ على الجوانب الرئيسية في شخصية الخاطب أثناء السؤال عنه، كالتزامه ومحافظته على الصلاة جماعة وبره بوالديه وعاداته واهتماماته، وأن تغضي الطرف عن الجوانب الثانوية في حياته والمظاهر بخاصة، فنوع سيارته أو المكان الذي سيقيم فيه حفل الزفاف وغيرها تعد من المكملات التي لا يحسن تقديمها على غيرها من الجوانب الأخرى في شخصية الخاطب، والتي على ضوئها تُحدّد إمكانية موافقتكِ من عدمها..

كما أشير إلى ضرورة اهتمامكِ بمثلث الاستقرار الزوجي الذي تتحقق نتائجه المثمرة بتوفر أضلاعه الثلاثة لدى الخاطب، وأعني بأضلاعه الدين ثم الخلق والمال، فالمتدين والخلوق والمقتدر كلها صفات يجب أن تتوفر في شخصية نصفكِ الآخر حتى تستطيعي العيش معه بسعادة ووئام، مع اطمئنانكِ بوجود رادعٍ من دينٍ أو خُلقٍ يُـلزمه بالإحسان إليكِ وإنزالكِ المنزلة التي شرعها الإسلام لكِ كزوجة..

ويجدر بكِ – أختي العفيفة – أن تحرصي أتمّ الحرص وألزمه على احترام آراء والديكِ واخوتكِ في الخاطب، واحذري أن تقدمي رأيكِ على آرائهم وتستقلي به عن الأخذ بما رأوه مناسباً لكِ، وإن وجدتِ بأن آراءهم قد جانبت الصواب فليكن حواركِ معهم بالحسنى، وبما تشعري أنه سيغيّر من مواقفهم، بعيداً عن المشاحنات وتبادل الاتهامات..

واعلمي – رعاكِ الله – أن تقدّم الخُطّاب لطلب يدكِ في مرحلة مبكّرة من عمركِ ماهو إلا دليل على حسن سمعتكِ وعلو قدركِ لدى المجتمع المحيط بكِ، وعليه فلا حرج عليكِ أن تتزوجي في سن مبكرة إذا علمتِ من ولي أمركِ بأن الخاطب مناسباً لكِ ومثله لا يُرد، ولا حرج كذلك من أن تتزوجي مع مواصلتكِ للدراسة، فلا تعارض بين الأمرين إلا لدى من ديدنه تصعيب الأمور وتعقيدها..

أختي العفيفة،

وبعد إبحارنا سوياً مع بعض الأسطر التي يحسن منكِ الاطلاع عليها قبل الخطبة وأثنائها؛ أصل وإياكِ إلى لبّ الموضوع وجوهره، والمتمثل في العنوان الذي اخترتُه له: "افتحي عينيكِ كثيراً قبل الزواج وقليلاً بعده" ..

فكما مرّ معنا آنفاً، فإنه يجب عليكِ وعلى أهلكِ عند السؤال عن الخاطب أن تُكثروا من السؤال عنه لدى كل من له صلة به، ولا ملامة عليكم في ذلك، فهو لم يتقدم لكِ إلا بعد أن استوفى عنكِ كل صغيرة وكبيرة وربما عرف أدق تفاصيل شخصيتكِ، ولك الحق في معرفته عن قرب كما سبقكِ بذلك، ويجدر بكم أن تحرصوا غاية الحرص على عدم الاستعجال في إبداء الموافقة مالم تتأكدوا تمام التأكد من ملاءمة الخاطب لكِ، وهذا التروي هو المقصود بطلبي منكِ فتح عينيكِ كثيراً قبل الزواج، حتى تتأكدي من مناسبة الخاطب لكِ وتقارب طباعكما وأفكاركما وإمكانية التوافق بينكِ وبينه على مختلف الأصعدة..

وإذا أتمّ الله لكِ – أختي العفيفة – أمر الزواج وأصبحت متربعة على عرش الزوجية في بيت زوجكِ فمن اللائق بكِ – إن أردتِ حياة لا تعكّرها الخلافات – أن تغضّي الطرف عمّا قد تجديه من نقص أو قصور في شخصية زوجكِ مما لا يقدح في رجولته وخُلُقه، وكلّما رأيتِ منه نقصاً فلتذكري ما به من إيجابيات تجبر نقصه ولتذكري ما بكِ من سلبيات لم يعلمها عنكِ، وإياكِ والقدح في ذوقه واختياراته فقد كنتِ يوماً ما أحد اختياراته، واعلمي – رعاكِ الله – أن خير ما يحبّبكِ إلى زوجكِ لزوم طاعته ولين الجانب له في غير معصية.. وغض الطرف الذي مرّ معنا قبل قليل هو المقصود بطلبي منكِ فتح عينيكِ قليلاً بعد الزواج، حتى تسير دفّة الحياة بينكِ وبينه بكل حب وود ووئام..

قال الله تعالى:[ ومِن آياتهِ أن خلقَ لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعلَ بينكم مودةً ورحمةً إنَّ في ذلكَ لآياتٍ لقومٍ يتفكرون ]يسر الله لكِ أموركِ وسخر لكِ الزوج الصالح وجعله قرة عين لكِ .

شكرا عالطرح

جزاك الله خير

كلام رائع بصراحة وكلة ذوق واحترام ،،
مشكورة ع الطرح

الله يوفقج

يزاج الله خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.