السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسباب الطلاق (1)
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
الحمد لله استوى على عرشه فوق سبع سموات طباق ، وجعل الأرض مهداً وأجرى فوقها ماء يراق، أحمده سبحانه وأشكره حث على الألفة والوئام والوفاق ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعد عباده المؤمنين المتقين جنات بها ثمر حلو المذاق، وتوعد من أعرض عن دينه بعذاب في النار لا يطاق،وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله بغض للأمة أمر الطلاق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .أما بعد :
فيقول الله جل وعلا في محكم التنزيل موصي عباده المؤمنين:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}([1]).
طالق ..طالق..طالق..ثلاث كلمات يطلقها الزوج ظناً منه أنه بتلك الكلمات قد أنهى ساعات من الحياة التعيسة وما يدري ذلك المسكين أنه قد أطلق ثلاث رصاصات على سعادته وسعادة أبنائه وزوجته وعلى الاستقرار الاجتماعي في بلده ، وقد تكون الزوجة هي التي دفعته لذلك دفعاً فبعض الزوجات تمسك بخناق زوجها وتشدد عليه في طلب الطلاق وتتحدى رجولته فتقول له : إن كنت رجلاً فطلقني الآن ؛ ثم إذا وقع الطلاق تقشعت تلك الحجب التي وضعها الشيطان على عقل الزوجة والزوج وأحياناً حتى على عقل من دفعهما إلى ارتكاب تلك الحماقة من والدين أو أقرباء أو أصدقاء ، فإذا بالأبناء يعيشون ممزقين بين أبوين منفصلين ، وإذا بالمرأة تجلس تتجرع مرارة لقب مطلقة في المجتمع ،وإذا بالزوج يعاني الوحدة والألم على انهدام بيته وتشتت أسرته ، وإذا بمشكلة المجتمع تتعاظم وإليكم بعض الأرقام والإحصائيات التي تدمي القلب الحي وتبكي الوجدان:عدد العوانس في السعودية بلغ مليون ونصف المليون عانس(2)، في مدينة جدة وحدها أربعمائة ألف فتاة في سن الزواج من السادسة عشر حتى الثلاثين عام(3)، عدد حالات الطلاق بلغت ثمانية عشر ألف حالة في العام بمعدل خمسين امرأة تطلق في اليوم الواحد(2)،وقد نشرت جريدة المدينة الأسبوع الماضي بأن المعدل قد أرتفع ليصبح معدل الطلاق مائة وسبعة عشر امرأة تطلق يومياً، فإذا أضيف إلى ذلك عدد الأرامل نتيجة حوادث السيارات المرتفعة،وغلاء المهور، وارتفاع تكاليف الزواج،وتعنت الأباء والأمهات في المواصفات التي يضعونها لزوج ابنتهم أو الطلبات التي يطلبونها منه،وتأخر السن الوظيفي للشاب، ومحاربة التعدد،فماذا ينتج عن ذلك؟ تتكدس النساء في البيوت يعانين من شوق للأمومة وإلى حضن الزوج الدافئ الحنون ويصطلين بنار العواطف المشتعلة ، ومما يجعل المرء يشعر بالقلق من تحول هذه القوارير الناعمة المكدسة إلى قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة فتحرق المجتمع؛ تلك الهجمة الشرسة على العفة والأخلاق من خلال القنوات الفضائية، والشبكة العنكبوتية،ودعاة السوء الذين ينادون للرذيلة تحت غطاء تحرير المرأة وإعطائها حقوقها، والكلام المعسول لذئاب البشر ولصوص الأعراض، ويسهم في حدوث المأساة تجار باعوا أخراهم بدنياهم فأغرقوا الأسواق بأنواع من الحجاب هي للتبرج أقرب وملابس كاسية عارية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فيا قومي أفيقوا قبل أن تستعر النار وتستعصي على الإطفاء ويتسع الخرق على الراقع وتعض أصابع الندم !
أيها الأحبة في الله سأركز حديثي إليكم بإذن الله في هذه الجمعة ولعله في جمع تالية حول قضية الطلاق وأسبابها وأول سبب لانتشار هذا الداء المفزع البعد عن ديننا الذي شرعه الله لنا وصدق الله يوم أن قال : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(4).وأي ضنك أشد من خراب البيوت وتشتت الأسر وضياع الأبناء؟. وقد يقول قائل أي بعد عن الدين ونحن في بلد الإسلام ؟ فأقول له : لو أن شركة تعمل في مجال كهرباء البيوت هل تقبل بأن يعمل لديها كهربائي في مجال السيارات مع أن لديه مبادئ الكهرباء ؟ لا شك أنها لا تقبل به وإن قبلت به فإنها ستعطيه دورات في مجال كهرباء المنازل، فقولوا لي بربكم من الذي يعطي دورات للشباب أو الفتيات المقبلين على الزواج في أحكام الإسلام التي تنظم الحياة الزوجية ؟ لا يكفي أن كلاً منهما يصلي ويقرأ القرآن ويتصدق ونحو ذلك ، فهذه من أساسيات الإسلام ولكنه الآن قادم على بناء مؤسسة الزوجية وهي أخطر مؤسسة في المجتمع فكيف يقدم عليه وهو جاهل بتنظيم الإسلام لها ، نعم قد تعطى الفتاة دورات في فن الطبخ وفي فن الزينة والتعطر وفي فن اللباس والأناقة و قد يصاحب ذلك دورة تهدم كل ما سبق كيف تفرض شخصيتها على زوجها ،كيف تجعله يحقق مطالبها،كيف…وكيف..من أساليب هدم الأسرة لا بنائها، فإلى الأزواج والزوجات أقول لهم من هذا المكان اتقوا الله فإن رابطة الزواج رابطة عظيمة أكد لنا ذلك وشدد عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع يوم أن قال : ((اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ))(5). عقد الزواج عقد عظيم بني على المودة والرحمة ، وليس على المودة فقط التي يعبر عنها اليوم بالحب أخبرنا بذلك ربنا وخالقنا يوم أن قال : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(6).وكم من النساء اليوم تقول أريد الطلاق من زوجي فلم أعد أحبه ! وكم من رجل إذا سئل عن سبب طلاق زوجته قال لم أعد أحبها ! وقد حدث مثل هذا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد جاءه رجل قال يا أمير المؤمنين أريد فراق زوجتي قال: ولما؟ قال: لم أعد أحبها! فأجابه الفاروق أو كل البيوت تبنى على الحب ألم تسمع قول الله تعالى {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} فإذا ذهبت المودة فأين الرحمة؟ ونحن نوجه سؤال الفاروق رضي الله عنه لكل من يسعى للطلاق بحجة عدم الحب فنقول له أين الرحمة؟ نقول له هل تضمن أن تجد من تحبها وتحبك إذا فارقت زوجتك وشريكة حياتك؟ ما يدريك قد يعلق قلبك بامرأة وتحبها حباً جنونياً ولكنها ترد عليك بنفس المنطق أريد الطلاق لأني لا أحبك ؟ فتكون عقوبة لك وتجرح قلبك كما جرحت قلباً من قبل ، ونفس الأمر ينطبق على النساء.وكم من زوج طلق زوجته لذلك السبب فأكرمها الله بزوج أحبها وأكرمها وبات هو يعض أصابع الندم ، وكم من زوجة فعلت ذلك فأكرم الله الزوج بزوجة تحبه وتكرمه وظلت هي حبيسة جدران أهلها أو سلط الله عليها زوجاً عرَّفها قيمة الزوج الأول. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم{ …وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(7).
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وإني مخاطب الرجال بخطاب فلا يجدوا في أنفسهم علي أقول لهم إن كثرة حالات الطلاق في المجتمع تدل مع الأسف على سوء استخدام الرجل لحق أعطاه الله إياه فمهما كان من أمر فإن المسؤولية الكبرى تقع على الرجال، أقول لهم إن الله لم يجعل الطلاق في أيديكم ليكون أسرع الحلول بل وضع لكم سلماً في تأديب المرأة منها الموعظة ثم الهجر ثم الضرب غير المبرح، ثم التحكيم ، والتعدد، فلما تلجأ أخي الزوج إلى الطلاق مباشرة؟ أتريد أن أخبرك لما ذا ؟ لأنه هدف عدوك الأكبر أخرج الأمام مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ قَالَ الْأَعْمَشُ أُرَاهُ قَالَ فَيَلْتَزِمُهُ))(7). ورسولك وحبيبك صلى الله عليه وسلم ماذا يقول : ((لَا يَفْرَكْ-أي لا يبغض- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ أَوْ قَالَ غَيْرَهُ))(8).وقد يقول حاضر أتعبتمونا معاشر الخطباء تحدثونا بما يهيج نفوسنا فأين الحل ؟ فأقول له صدقت والله ، ولكن وإن كان الحل أكبر منا لكن هناك ما نستطيع فعله في هذا الجانب؛حيث يمكن لثلاثة إلى خمسة من أهل الحي ممن تتوفر فيهم الأهلية لذلك أن يشكلوا لجنة مهمتها الإصلاح بين الزوجين، أو توعية الأسر في جانب الحياة الأسرية وقد وجد مثل ذلك في دول مقاربة ونجح فمن وجد في نفسه الكفاءة والرغبة لذلك فليتقدم .
—————————–
([1]) النساء:1.(2)الوطن،26/5/1423هـ،(3)الشرق الأوسط،1/1/1423هـ.(4)طه:124.(5)أبو داود، المناسك،1628.(6)الروم:21.(7) البقرة:216.(7)مسلم،صفة القيامة،ح(5032).(8)مسلم،الرضاع،2672.
تابع .. أسباب الطلاق(2)
منقول
المصدر: موقع صيد الفوائد.
مشكوورة ويزااج اللهكل خيير..
لا إله إلا أنت وحدك لاشريك لك.. لك الحمد ولك الشكر وأنت على كل شيء قدير