تخطى إلى المحتوى

تربية الآباء أولاً!

  • بواسطة

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تاريخ النشر: الإثنين 22 نوفمبر 2024
خورشيد حرفوش

لعل أهم التحديات الخطيرة التي يواجهها العمل التربوي هي تعدد المؤسسات الاجتماعية المدعوة لأن تسهم فيه، ويمكن للأسرة أن تحقق غاية التربية في توحيد مجرى العمل التربوي- وبالتالي توحيد الذات التي يسير فيها هذا العمل، والذات المقصودة هنا هي الطفل، وإلا وجد نفسه وقد جرفه التيار العام بتمزقاته المختلفة. إن المهمة الأساسية للتربية هي إعادة الاتساق والانسجام بين مساهمات المؤسسات المختلفة، ولعل الأسرة هي الركيزة الأولى المخول لها القيام بهذا الدور. فقد ظهر حديثاً العديد من الاتجاهات التي تهدف إلى إدخال روح التربية الحديثة إلى العائلة نفسها، وهي تعني»تربية الآباء» أي إعداد آباء المستقبل لدورهم كمربين. فتربية الأبناء تتطلب وفق هذا المفهوم تربية الآباء أولاً.

ويتضمن الدور التربوي للأسرة نوعاً من المسؤولية تجاه التعليم الذي يتلقاه الطفل في المدرسة. فعلى الرغم من أن المدرسة هي مؤسسة للتربية والتعليم الرسمي في المقام الأول، إلا أنه لا مجال لفاعليتها إلا بمؤازرة الأسرة وتعاونها بشكل مباشر، فالأسرة هي التي تلحق الطفل بالمدرسة، وتتابع شؤونه الدراسية، ويقوم الوالدان وكذلك الأخوة بمساعدة الطفل على فهم الدروس والمقررات وأداء الواجبات المدرسية، وفي حالة عدم توافر المستوى الثقافي لدى الكبار نجدهم يحثون الأطفال على الاجتهاد في المذاكرة وتشجيعهم على النجاح والتفوق، بل وتكشف البحوث التربوية عن أن آباء اليوم يقضون وقتاً أطول في مساعدة أبنائهم على استذكار الدروس مما كان يفعل الآباء في الماضي، ويرجع ذلك إلى ارتفاع المستوى الثقافي والتعليمي للآباء وزيادة أهمية التعليم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

وإذا نظرنا إلى المؤثرات المرتبطة بما تقوم به الأسرة من الإشراف على الطفل ومتابعته فيما يتعلق بأداء الواجبات المدرسية في المنزل، نجد أن معطيات بعض البحوث تشير إلى أن الأم لها دور أكثر فاعلية من الأب، وفي حالات اشتراك الزوجين معاً في الإشراف على تعليم أبنائهما، فإن هذا الاشتراك يتزايد بين الأسر التي تنتمي إلى الطبقات المتوسطة، أما قيام الإخوة بالإشراف على أخوتهم الأصغر فيبدو واضحاً في الطبقات الدنيا. ربما يرجع ذلك إلى انخفاض المستوى الثقافي والوعي لدى الآباء في تلك الطبقات. ولما كانت المدرسة أكثر المؤسسات التربوية تفاعلاً مع الأسرة تؤثر فيها وتتأثر بها، فإن التعاون بين الجانبين ضرورة تربوية لا تلغي دور المجتمع في هذه العلاقة، فأي تعليم يحصل عليه الطالب في المدرسة لا يمكن أن يحقق أهدافه ما لم يكن هناك تعاون بين البيت والمدرسة والمجتمع، إن العلاقة بين هذه الأطراف الثلاثة ينبغي أن تكون ذات صفة تبادلية، فلا يعمل أحدهم بمعزل عن الآخرين، إذ إن التربية المدرسية وظيفة اجتماعية لا توجد في فراغ وإنما توجد في وسط اجتماعي وتراث ثقافي يمد المدرسة بالكثير مما يتعلمه التلاميذ، ويلعب التفاعل بين النظام المدرسي والمجتمع تأثيراً كبيراً في صحة وفاعلية السياسة التربوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.