تخطى إلى المحتوى

غيرة عاشة أم المؤمنين رضي الله عنها من فوائد دروس.علي العمري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين، وسيد ولد آدم أجمين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

مما كان يلفت نظري في سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المدينة تحديدا أنه كان يزور المقابر في بداية قدومه للمدينة، وفي وسط جلوسه في المدينة ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يزورها، بل ويأمر بزيارتها. وفي آخر حياته كذلك عليه الصلاة والسلام كان يُكثر من زيارة المقابر، فهذا له حكمة.

أول قدومه المدينة كان يُكثر الزيارة، وفي وسطها كذلك، وفي آخر حياته عليه الصلاة والسلام.

والأعجب من ذلك كما قلت، والأمر بأن يزور هذه المقابر؛ كتربية عملية من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، ففي يوم من الأيام كان في بيت عائشة عليه الصلاة والسلام، فأمر الله جبريل عليه السلام أن ينزل فيُخبر النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بزيارة المقابر. ونزل جبريل، ولكن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الآن في بيتها، في ملابس البيت… فكيف يُخبر جبريل الرسول عليه الصلاة والسلام. فتكلم جبريل، فاستمع له النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وعرف من خارج المنزل، فهيأ نفسه عليه الصلاة والسلام وأخذ حذاءه الشريف ووضعه بجوار مكان نومه؛ حتى لا تحس عائشة بهذا الأمر، ثم إنه أخذ طرف الإزار ووضعه جهة الحذاء ليتسلل شيئا فشيئا، وكان عليه الصلاة والسلام يذكر الله سبحانه وتعالى..

لما تأكد أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قد نامت، تحرك بهدوء عليه الصلاة والسلام، وفتح باب منزله وخرج واتجه صوب بقيع الغرقد.. المقابر التي فيها صحابة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن سبقه بإحسان. فرفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يديه وأخذ يدعو لهم ويقول:

"السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون. غفر الله لنا ولكم. يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين".

عائشة ـ رضي الله عنها ـ أحست بحركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في البيت، وهو لمَّا نظر ورأى أنها قد نامت تحرك، لكن هي في الحقيقة لم تَنَمْ، هي أحسَّت بالموقف، فصنعت كأنها نائمة، فلما خرج النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ هي تبعته، فلبست ملابس الحشمة، وكانت سوداء وقد غطت كافة جسمها وخرجت تتبع النبي صلى الله عليه وسلم بحركة هادئة؛ بحيث لا ينظر إليها ولا يراقبها.. لما تأكدت تماما ونظرت إليه زارت المقابر الآن وتأكدت من الأمر.. فلما رجع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى بيته رأى منظرا في سواد، فهي لاحظت أنه في خلفها النبي عليه الصلاة والسلام.. فأسرعت شوية، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أحست بحركة الأقدام أسرعت أكثر، فهرول النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يرى المنظر.. ما الأمر؟ فقامت فهرولت هي رضي الله عنها وأرضاها!! فدخلت البيت مباشرة، ووضعت نفسها يعني بدون تغيير ملابس الخروج بملابس النوم.. الآن فكان صدرها يتحرك..

فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا عائش! مالية حاشية رابية؟

يعني إيه سر الصدر هذا يتحرك هكذا؟!

فقالت: لا شيء يا رسول الله.

فقال: إما أن تخبريني أو يخبرني الله سبحانه وتعالى. يعني سرك ما في بير! يا إما تخبريني الخبر، أو ينزل وحي السماء فيخبرني بالقضية.. فأخبرته ـ رضي الله عنها ـ وأرضاها. فقال: شفتك اتحركت في آخر الليل وين رايح؟ هي الآن كل همهما تزور مين من الزوجات! وما جاء في بالها أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذاهب للمقابر.. فلما رأته قد خرج أخذت تتبع وتتأكد أين هو؟ فقالت له يعني هذه الحقيقة..

فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يده وضرب على صدرها.. وكأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ يشير إلى أمر وهو؛ أنك فكرتي تفكيرا غير صحيح.. وأنا زوجك وما معقول يعني أخرج من البيت في وقت غير وقتك وحاجة لغير حاجتك.. إنما في علة معينة في سبب معين، وأنتِ تعرفين أني رسول الله، ولكنها شكّت رضي الله عنها وأرضاها، والمرأة أحيانا ـ وإن كان هذا رسول الله، مَنْ يشك فيه أصلا؟ ـ لكن تبقى قضية الزوجة وقضية الغيرة..

ولذلك البعض للأسف عنده نظرة غريبة في شأن الزوجة أو شأن المرأة، لم يفهم بعد معنى كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شأن الزوجات. يقول: "إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، إن أخذت تُقيمه كسرته…" الشجرة الآن واللا الغصن.. إذا كان مائلا قاس شوي.. وأخذت تقيمه ينكسر، العود يعني إن أخذت تقيمه كسرته.. "..وكسرها طلاقها، وإن تركتها تركتها.." على عوجها فيبقى العود هذا أعوج، فكأن المرأة باقية على العوج… هذا، ثم قال عليه الصلاة والسلام: "فاستوصوا بالنساء خيرا"

الآن لما الزوج يعني يزعل أو يغضب من الزوجة.. يعني أنتِ أصلا مخلوقة من ضلع أعوج، وأنتِ أصلا عوجة… النبي هكذا وصفكم!

هو النبي عليه الصلاة والسلام عندما وصف لم يقصد الانتقاص عليه الصلاة والسلام.. وحاشاه! إنما قصد أن المرأة خلقت بأمر الله سبحانه وتعالى، هذا خلق الله، ومن أحسن من الله خلقة! خلق الإنسان في أحسن تقويم، ولكن عندها مواصفات خاصة.. من ضمن هذه المواصفات أنها تتأثر بسرعة، ولذلك.. "إن المرأة خلقت من ضلع أعوج" يعني عندها مواصفات: سريعة الغضب، سريعة التأثر.. ومثل العود اللي يعني يتأثر مباشرة، فلو أخذت تقومه بأن يعني تبادر بالمزاعلة والمغاضبة، فإنك تكسرها.. وكسرها هو الطلاق، فلا تكسرها، وإن تركت المرأة على حالتها الطبيعية (العاطفة الجياشة، الغيرة الشديدة) فما هو المطلوب منك؟ "فاستوصوا بالنساء خيرا".. يعني يا من عرفتم طبيعة المرأة، ما هو المطلوب منك؟ إن أنت تقول خلاص هذا وضعكم؟ لا، المطلوب أن تزيد أنت الاهتمام.. "فاستوصوا بالنساء خيرًا"

والإمام ابن حبان ـ رحمه الله ـ زاد عبارة فيقول: "فدارها تعش بها". هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم بعد "فاستوصوا بالنساء خيرا"..

شفت ثلاث كلمات "فدارها تعش بها"، يعني إن أردت أن تعيش مع الزوجة فدارها.. لاطفها أعطها بعض الهدايا.. أخطأتْ يومًا مشِّي لها الأمور، يعني عديها.. أخوانا الشامين يقولون: "لا تدق عليها". يعني لا تشد عليها. فمشِّي مثل هذه الأمور..

"دارها تعش بها"

فلاحظ، كيف أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعامل مع زوجته، وفي نفس الوقت ربَّاها.. يعني أحيانا ترى الزوجة تحتاج إلى تربية.. إذا أنا والله خرجت أو رحت أو كذا.. فضرب عليه الصلاة والسلام طبعا ضربا خفيفا على صدرها؛ ليبين لها أنك أخطأتي في هذا الموقف، فعليك أن لا تشُكّي فيّ، وكذلك الزوجة التي راقبت زوجها.. يعني البعض يقول: كيف خرجت عائشة رضي الله عنها وأرضاها؟ هي رأت سلوكا معينا تريد أن تتأكد، فيسمح للزوجة أن أحيانا تتأكد من أمر فيه ريبة أو فيه شك. لكن ما معقول كل شوية تفتح الجوال، واللا تشوف الثوب، واللا ترى أنت وين رايح، وفي أي مطعم أنت جالس… لا، لكن أمر حقيقة فيه ريبة، لكن الأمر العادي ما في مشكلة..

لكن خروج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بيتها، وفي وقت منتصف الليل.. وهي لاحظت الحركات أصلا ـ يعني الحذاء ـ عند وقت الخروج، ولاحظت أن الإزار يتحرك.. فهذا أمر دعاها للتفكير.. كل هذا لم ينكر عليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما كان الإنكار على أن كان عندك ريبة وشك، وأنتِ تعرفين سيرتي وتعرفين سلوكي معكِ..

ومما يلحظ كذلك أن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين خرجت من البيت، خرجت تتأكد عن بعض الأوضاع، تشوف بعض الأمور.. لم يمنعها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: كيف خرجتِ من بيتك؟ بل تركها النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وشأنها.

ومما يلحظ أيضا في هذا الموقف العجيب أن الإنسان المضطرب يعني أعضاؤه كلها ما تكون طبيعية، فهي كانت حاشية رابية.. صدرها يتحرك، وجسمها يتحرك؛ بسبب القلق.. فالإنسان القلق، الإنسان الخائف.. يحصل عنده هذا الأمر، مثل ما ذكرنا قصة الصحابي الجليل ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ لما شرب كوب اللبن، كوب لبن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ من غير إذنه.. الصاحبان اللذان لم يشربا ناما قريرا العين بينما هو لم يستطع أن ينام..

فكل إنسان يحدث عنده خطأ، تحدث عنده معصية.. ما يرتاح في النوم ما يرتاح في جلوسه؛ لأن هذا من تدبير الله سبحانه وتعالى، ليس بأمر الإنسان أبدا.. الذي يقع في الأخطاء ويقع في تجاوزات لا يعينه الله سبحانه وتعالى، ولا يجعل له التوفيق والثبات.. ويوجد هذا على فلتات لسانه أو على قسمات وجهه..

ومما كان يحرص عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شأن التربية العملية الإيمانية في زيارة المقابر أنه أخذ الصحابة مرة من المرات وهم يتبعون جنازة، وانتهت هذه الجنازة.. دفنت، فأشار النبي عليه الصلاة والسلام ووعظ عند المقبرة موعظة قصيرة تناسب الحالة، تناسب الموقف.. فقال عليه الصلاة والسلام، وهو يشير إلى القبر: "ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيد هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم".

يقول: ركعتين خفيفتين لو أنكم صليتموها أحب إلى الله سبحانه وتعالى من أن يقوم هذا الإنسان من قبره ويعيش، لو أنك بس صليت ركعتين هما عند الله سبحانه وتعالى عظيم.. وصاحب القبر هذا الميت لو قام من قبره وصلى ركعتين خفيفتين لكانتا له بالدنيا كلها.. ركعتان خفيفتان مما تحقرون يعني أنت تستحقر هاتين الركعتين.. كأنها ما لها قيمة عند الله.. وتنفلون؛ يعني هي نافلة.. أحب إلى هذا أي الميت من بقية أعمالكم، يعني نفسه ما يطلع إلى هذه الدنيا إلا يصلي هاتين الركعتين ويموت بعدها.. فقيمة الركعتين عند الله سبحانه وتعالى.

وهذه رسالة إلى كل مسلم، إلى كل مؤمن.. أنه هذا الزمن هو زمن العمل. ولذلك هناك في تفاوت في الآخرة {ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما تعملون}.

في فرق بين الإنسان الذي يُكثر من طاعة الله سبحانه وتعالى والإنسان الذي يغفل وينسى الله سبحانه وتعالى كثيرا..

"ركعتان خفيفتان.." يعني لا تستحقر العمل الصالح، في قيام الليل قمت.. توضأ وصل لله سبحانه وتعالى مثل ما ذكرنا رواية عمر بن عبس، عندما قام فتوضأ وأثنى على الله بما له أهل، وانشغل عن الدنيا وفرغ نفسه لله سبحانه وتعالى.. قال له عليه الصلاة والسلام: "رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".. فماذا يريد الإنسان أكثر من ذلك؟ يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.. ثم إنه بالركعتين الخفيفتين ترفع درجات عند الله.. إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة.. وفي قصة ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه وأرضاه "أعنّي على نفسك بكثرة السجود".. يعني كان يقول: أريد مرافقتك بالجنة.. المرافقة أنت تقوم، أنت بالعمل، أن تبادر بالسجود لله سبحانه وتعالى.. ولذلك تعجب ـ كما قلت لكم ـ من عليّ بن أبي طالب في صلاة الفجر، لما أشار على إخوانه من الصحابة؛ والله ما أرى القوم باتوا إلا غافلين.. أي ما قاموا الليل، ما كان أحد أصلا يناقش قضية الصلاة، الصلاة فريضة.. ما كان يناقشها أحد.. إنما كانوا يناقشون قيام الليل، النوافل.. هذه التي كانوا يحزنون عليها كثيرا أنهم لم يؤدوها.. فكيف بالله عليكم اليوم المسلم الذي يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأنا مسلم وهو لا يصلي الفريضة؟! يعني تذهب صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر!! بعضهم أحيانا أيام لا يصلي أو يخرج وقت الصلاة.. هل هذا هو المسلم الحقيقي الذي يريد أن يدخل الجنة ويريد أن يرافق النبي عليه الصلاة والسلام؟

ولذلك لا نستغرب عندما نسمع العبارة العظيمة المؤثرة عندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: أمتي.. أمتي! يعني هؤلاء أمتي.. أريد أن يدخلوا الجنة، فيقال للنبي عليه الصلاة والسلام: "لا تدري ماذا أحدثوا بعدك".. أنت كنت تأمرهم بالصلاة وتصلي أمامهم، وتقول: "اضربوهم عليها لسبع.." لكنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على ذكره وشكره، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

اللهم صلي على محمدوعلى آله وصحبه أجمعين

خليجية المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المكنونة .. ~ خليجية
اللهم صلي على محمدوعلى آله وصحبه أجمعين

جزاك الله خيرا على المرور

تسلمين ع الطح المفيد

خليجيةا
للهم صلي وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
جزاج الله الف الف الف خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.