الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح
الخطبة الأولى
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :
جاء رجلُ إلى الحسن البصري يشكو إليه الجذب والقحط فأجابه قائلاً : " استغفر الله " ، ثم جاءه رجلُ آخر يشكو الحاجة والفقر فقال له : " استغفر الله " ، ثم جاءه ثالثُ يشكو قلة الولد فقال له : " استغفر الله " ،
فعجب القوم من إجابته فأرشدهم إلى الفقه الإيماني والفهم القرآني والهدي النبوي وتلا قول الحق جل وعلا :
{ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموالِ وبنين يجعل لكم جناتِ ويجعل لكم أنهاراً } .
تأمل – أخي المسلم – إلى هذا الفهم والفقه واليقين في إجابة هذا الإمام من أئمة التابعين ليس قولاً مجرداً ولا فلسفةً ولا هرطقة وإنما يقين ومعرفةُ وتجربةُ وتوكلُ واعتمادُ على الله سبحانه وتعالى .
فهل فكرت يوماً عندما يصيبك همٌ أو غمٌ ، أوعندما تقع في مشكلةِ ومعضلة هل فكرت في أن المخرج هو مد الحبال إلى الله – عز وجل – دعاءً وتوسلاً واستعانة وخفض الجبهة وتمريغها ذلاً وخضوعاً واستغفاراً واستكانة .
هل عرفنا مثل هذا النهج الذي كان عليه أسلافنا في واقع حياتهم ؟
تأمل كيف رأى الحسن البصري هذه الآية ورأى صدقها يقيناً في واقع الحياة فأرشد المسترشد ، وأجاب السائل إجابةً موجزةً إيمانيةً واقعيةً لمن أيقن بها وصدقها : { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموالِ وبنين ويجعل لكم جناتِ ويجعل لكم أنهارا } .
الخير عند الله في السماء يمسكه عن الناس لذنوبِ أحدثوها وفضائع وجرائم ارتكبوها ولولا شيوخ ركّع وأطفال رضع وبهائم رتع ومن يدعو الله – عز وجل – لحرم الناس القطرة ولأصيبوا بالسنين والجدب ولأنزل الله – عز وجل – عليهم السخط والعذاب .
من أين لك يا حسن البصري مثل هذا الفقه ؟ ..لقد تلقاه من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذين أخذوا عن النبي – عليه الصلاة والسلام – الذي ترجم لهم القرآن ترجمةَ عملية .
فهذا الحديث يكشف لنا عن سرِ من هذه الأسرار وهو من رواية عليِ بن أبي طالبِ قال :
كان الرجل يحدثني فأستحلفه على حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحدثني أبو بكرِ – رضي الله عنه – وصدق أبو بكرِ قال أبو بكرِ سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول :
( ما من رجلِ يذنب ذنباَ ثم يقوم فيتطهر فيحسن الوضوء ، ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله – عز وجل – إلا غفر له ثم تلا – عليه الصلاة والسلام – قول الحق جل وعلا : { والذين إذا فعلوا فاحشةَ أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يففر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } ) .
هذه الآية القرآنية وهذا هو التقريب والتفيهم النبوي وهذه هي الرواية الصحابية وذلك هو الفهم التابعي وتلك هي الحياة الإسلامية التي تربط بالله – سبحانه وتعالى – وتدرك أن الأمور كلها مغاليقها ومفاتيحها وأسبابها ومنعها بيد الله سبحانه وتعالى .
فانظر – رعاك الله – إلى آثار هذا الاستغفار في دفع الرزايا والبلايا والمشكلات والمعضلات الدنيوية ، وانظر إلى الأثر الذي ثبت في هذا الحديث من أثر الاستغفار في محو الذنوب والآثام وصقلها وإزالتها من صحائف المسلم بإذن الله عز وجل .
فإذاَ نحن في بابِ عظيمِ من أبواب نعم الله – عز وجل – وفي رحمةٍ واسعةٍ من رحمات المولى – سبحانه وتعالى – فأين نحن منها وأين فقهنا لنا وأين ارتباطنا بها وأين عملنا بمقتضياتها ؟
فوائد كثيرة ومنافع عديدة تفوتنا نفرط فيها نغفل عنها نتجاهلها تعصف بنا رياح الفتن تمر بنا زينة الدنيا نغرق في أوحال الشهوات نتعثر في المعاصي والسيئات وننسى أحبال النجاة وننسى سبل السلامة التي جعلها الله – عز وجل – قريبةٌ منا وساقها إلينا وأهداها لنا لتظل القلوب موصولةَ به لتظل الدموع تدرف خوفاَ وتضرعاَ وخضوعا لتظل الجباه تسجد تضرعاَ واستكانةَ لله – سبحانه وتعالى – ليظل عند المسلم سلاح من الله – سبحانه وتعالى – يستعين به على أمور دينه ودنياه .
أثر عظيم من الآثار لهذا الاستغفار ورد في حديث أبي سعيدِ الخدري – رضي الله عنه – وهو عند الحاكم والطبراني بسندِ حسن أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال :
" يقول إبليس لله – عز وجل – بعزتك وجلالك لا أبرح أغويهم ما رأيت الأرواح فيهم " .
هذه مهمته وهذا قسمه الذي خلده القرآن بأن يغوي بني أدم :
" بعزتك وجلالك لا أبرح أغويهم ما رأيت الأرواح فيهم " فيقول الحق جل وعلا :
( فبعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني ) .
فهذا السلاح رد لكيد الشيطان في نحره وإغاضةُ له بفضل الله – سبحانه وتعالى – الذي ساقه لعباده المؤمنين وحرم منه ذلك الإبليس اللعين الذي تكبر عن الخضوع والذلة والصغار والاندحار لله رب العالمين .
فأنت كلما استغفرت الله – عز وجل – كأنما تسدد سهماَ أو تضرب بسيفِ بتار في إبليس عليه لعنة الله – عز وجل – فلا يصيب من المؤمن غرةً أو سهوةً أو غفلةً حتى يتذكر القلب المؤمن : { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفُ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } .
هذه اليقظة الإيمانية تدعوك إلى الاستغفار تدعوك إلى أن تواجه هذا الشيطان اللعين بهذا العطاء الرباني وتلك المنحة الإلهية التي خص الله – سبحانه وتعالى – به عباده المؤمنين .
وأثرُ رابع عظيم ينتظره الإنسان في وقتٍ يكون فيه أشد احتياجاً إلى ما ينفعه بين يدي الله – عز وجل – في وقتٍ تنقطع فيه الأسباب وتنعدم فيه الإعانة يحتاج حينئذٍ إلى ذلك الاستغفار الذي لهج به لسانه ، وخفق به قلبه ، وظهر على سمته وخضوعه وخشوعه وخشيته من ربه هذا حديث الزبير أخرجه الطبراني في الدعاء بسندٍ حسن والبيهقي بسندِ لا بأس به عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ( من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار ) .
من أحب أن تسره صحيفته يوم القيامة فليكثر فيها من الاستغفار ، وعند ابن ماجه بسندِ صحيح وعند النسائي في عمل اليوم والليلة بسندِ صحيح أيضاَ عن عبد الله بن بسر – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراَ كثيرا ) .
كل ذلك من أقوال سيد الخلق – صلى الله عليه وسلم – وانظر إلى تطبيقه العملي فهذا حديث السنن يروي فيه الصحابة أنهم كانوا يعدون للنبي – صلى الله عليه وسلم – في المجلس الواحد أنه يقول : ( أستغفرك وأتوب إليك في المجلس سبعين مرة وفي بعض الروايات مائة مرة ) .
وفي حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ( إني لأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة ) . وفي بعض الروايات : ( مائة مرة ) .
فلو تذكرنا – أحبتنا الكرام – هل نستغفر في يومنا وليلتنا مثل هذا العدد ؟ وهل استغفارنا لو استغفرنا مثل هذا العدد مثل استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهل حاجتنا ونحن مثقلون بالذنوب والخطايا مثل حاجة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للاستغفار وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟
فقد كان – عليه الصلاة والسلام – دائماَ في عبادةِ وتقربِ وتضرعِ لله عز وجل وازديادِ في الخير فيستغفر إن لم يكن زاد في الخير لا يستغفر من ذنبِ وقع فيه وقال بعض أهل العلم في هذا أيضاَ : " إنه السهو الذي ليس فيه عملُ باطل لكنه يستغفر أن لم يشغل كل وقتِ بطاعةِ وذكرِ واستغفارِ وتهليلِ وتسبيحِ لله عز وجل " .
وقيل ايضاً :
"
إن هذا الاستغفار منه تشريع لأمته تعليمُ لهذه الأمة التي يمتد أمدها إلى قيام الساعة أن تعلن دائماَ أنها ذات أوبةِ ورجعةِ إلى الله عز وجل وأنها ذات طلبِ واستجداءِ واستعانةِ بالله سبحانه وتعالى " .
وذكر في ذلك أيضاَ قولُ آخر وهو :
أن استغفاره – صلى الله عليه وسلم – استغفارُ لأمته ؛ فإنه كان – عليه الصلاة والسلام – دائم الدعاء لأمته ودائم السؤال لربه في حق أمته ) … وقد جاء قول الحق سبحانه وتعالى : { استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } .
فهذا رسولنا – صلى الله عليه وسلم – يقول : ( إنه لن يغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة ) .
وهذا التطبيق العملي يجعل القلب في انصقالٍ دائمٍ وفي حياةٍ وارتباطٍ قوي بالله سبحانه وتعالى .
وانظر كذلك إلى الأثر العظيم المهم من آثار الاستغفار وهو دفع العذاب ورفع المصائب ، مصداقاً لقول الله عز وجل : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم و ما كان الله يعذبهم وهم يستغفرون } .
وقد ورد في معنى ذلك آثار وأحاديث فيها ضعف لكن المعنى الذي في الآية واضح بين أن الاستغفار من أسباب رفع العذاب وعدم نزول نقمة رب الأرباب سبحانه وتعالى .
وهذا رسولنا – صلى الله عليه وسلم – يبين هذا في حديثِ صحيحِ عظيم يخطئ بعض الناس فهمه ويسيؤن تصوره واستخدامه وهو حديثه عليه الصلاة والسلام الذي يقول فيه كما في صحيح مسلم : ( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا فتستغفروا لذهب الله بكم ولجاء بقومِ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر الله لهم ) .
ليس في الحديث دعوةُ لمقارفة الذنب والاستغفار من بعد ، وإنما في الحديث تصويرُ لطبيعة الإنسان في غفلته ووقوعه في زلته وطبيعة ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن إذا وقع في الخطأ أن يبادر بالاستغفار ؛ فإن لم يفعل ذلك لم يكن متحققاً بمعنى العبودية لم يظهر مظاهر التذلل والخضوع لم يبتهل لرب الأرباب لم يعظم ربه – سبحانه وتعالى – لم يعرف حقيقة أسماء الله الحسنى التواب الغفار الرحيم إلى غير ذلك من أسمائه العظيمة الجليلة الحسنة فلذلك جعل الله عز وجل بتبليغ رسوله – صلى الله عليه وسلم – أن الغفلة عن هذا الاستغفار مع ما هو مقرر من طبيعة وقوع العبد من طبيعة غفلته أنها نوعُ مما يستحق به العقاب ونوع مما يظهر جحود أولئك القوم الذي لم يقروا ولم يظهروا ولم يبرزوا عبودية الله .
ألا ترى شعائر الإسلام وهي تعلن العبودية لله وتظهر تذلل العباد لله في صلاة الاستسقاء في الصلوات الخمس في غيرها من الأمور التي يريد الله عز وجل ويحب أن يظهر تذلل عباده له وتضرعهم إليه وابتهالهم وافتقارهم إلى ما عنده سبحانه وتعالى .
وأثر سابعُ أيضاَ يتعلق بهذا القلب الذي كثرة فيه في هذا العصر الظلمات وتكالبت عليه الشبهات ، وغشيته الشهوات ، وتزينت له المحرمات وواجهته كثيرٌ وكثير من الفتن العظيمة ،كيف نحافظ على وضاءته ؟ كيف نحسن صيانته ؟ أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي وحسنه من حديث الأغر من حديث أنسِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن العبد إذا أخطأ خطيئةَ نكتة في قلبه – أي جاء أثرها من سوادها وظلمتها وانعدام تأثر القلب بالآيات وانعدام تأثر القلب بالمواعظ والشواهد الحية في واقع الحياة – نكتة فيه نكت فإن نزع واستغفر صقلت فإن عادت زيد فيها حتى تعلو قلبه وذلك الران الذي قال الله عنه : { كلا بل ران على قلوبهم } ) .
فهذه فائدةُ عظمى من فوائد هذا الاستغفار أيضا فنحن عندما نتأمل في هذه النصوص ، وفي تلك التطبيقات العملية في حياة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه الكرام على ما كانوا عليه من الفضل والسبق في أعمال الخير وعلى ما كانوا عليه من الترفع من الدنايا والبعد عن الخطايا والبكاء على الذنوب ، ودوام التوبة والاستغفار رأينا سوء حالنا وأدركنا خطر وضعنا فنحن الذين نكثر الذنوب وكأنا قد أمنا العقوبة عليها ، ونلهو ونسهو عن التوبة والاستغفار وكأننا قد استغنينا عنها .
وهذا الحسن البصري يخاطبنا مرةً أخرى ، ويقول مخاطباً لذلك الجيل الذي كان فيه ولذلك العهد لذي كان فيه من الخير والصلاح ما فيه يقول : " لقد أدركت أقواماً – يعني الصحابة الكرام رضوان الله عليهم – كانوا أخوف ألا تقبل منهم حسناتهم منكم من ان تحاسبوا على سيئاتكم " يقصد الذين يحدثهم : لستم في خوفِ من المحاسبة على السيئات وأنتم تعلمونها وأنتم ترونها وأنتم تقعون فيها ، وقد كان القوم من قبلكم قد أمنوا هذا ؛ لأنهم لم يقعوا في تلك المعاصي ولكنهم عندهم خوفُ أعظم وهو ألا تقبل منهم الحسنات ، فأين نحن من هذه القلوب الحية والمواقف التي كانت في سير أسلافنا رضوان الله عليهم بل أين نحن من أمرِ أعظم وأجل من هذا أين نحن من هذه الرحمة الواسعة والنعمة العظيمة التي يقدمها الله لنا ويسوقها إلينا ، ثم نغفل عنها كأن لا نعظم ربنا كأن لا نفتقر إليه كأن لا ندرك عبوديتنا له – سبحانه وتعالى – كأن قدر أدبرنا بظهورنا وأعرضنا بغفلتنا وسهونا وشهواتنا عن باب ربنا الذي فتحه لنا ، وعن دعائه الذي دعانا إليه من الاستغفار والتوبة الدائمة إليه ، ولذلك قد قال أهل العلم في معنى هذه الأحاديث إن الله – عز وجل – قد فتح الباب لعلمه بطبيعة العبد وأنه يحتاج إلى ذلك الاستغفار ؛ فإنه قد ورد في الصحيح عند الإمام مسلم :
( أن عبداً أذنب ذنباً فقال يا رب أذنبت ذنباَ فاغفرلي فقال الله – عز وجل – لملائكته : علِمَ عبدي أن له رب يغفر الذنب ويؤاخذ به فاستغفرني أشهدكم أني قد غفرت له ، ثم أذنب ذنباَ فقال يا رب أذنبت ذنباَ فاغفرلي فقال الله – عز وجل – : علم عبدي أن له رب يغفر الذنب ويؤاخذ بالذنب أشهدكم أني قد غفرت له ، ثم ثالثةَ فيعاد القول فليعمل عبدي ما شاء فإني أغفر له ) . . ( يا ابن أدم لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة ) .
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه **** من جود كفيك ما علمتني الطلب
وهذا مصداق قول الله – عز وجل – في قصة أدم أن الله – عز وجل – هو الذي علّمه الكلمات : { فتلقى أدم من ربه كلماتِ فتاب عليه } .
علّمه الاستغفار حتى يغفر له فضل من الله سبحانه وتعالى عظيم لماذا ؟
لأنه يعلم طبيعة الإنسان وغفلته وما يقع منه من سهوِ : { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } .
الخطبة الثانية
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :
عباد الله أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله ؛ فإن تقوى الله أعظم زادِ يقدم به العبد على مولاه ؛ وإن من التقوى دوام الأوبة ومتابعة التوبة والإكثار من الاستغفار فإنها أبواب الرحمة الربانية التي فتحها سبحانه وتعالى فضلاً منه ومنةً على عباده ولم يجعل لذلك حداً ينتهى إليه ولا وقت يتوقف عنده فكيف بنا نغفل عن هذه الأبواب وعن هذه النعم وكيف بنا نغفل فنغوص في أوحار المعاصي لا ندرك ما يوقفنا هذا الهوي وهذا الانزلاق ولا ندرك الأسباب التي بإذن الله عز وجل نتوصل بها إلى الاستمساك بأمر الله والاعتصام به من تلك الزلات ومن وساوس الشيطان ونزغات الهوى ومضلات الفتن .
قد جعل الله لنا سبل النجاة ورسم لنا طريق السلامة فأين نحن منها قد غفلنا عنها والله سبحانه وتعالى قد جعل الفضل عظيما حتى لا يتاعظم مذنبَ ذنبه .
لكن هذا الاستغفار يحتاج إلى أن ندرك معانيه وأن نعرف حقيقته فإن الله عز وجل قد قال في سياق الآية القرآنية :
{ ولم يصروا على ما فعلوا } .
قال أهل العلم فيه دليلَ على أن الاستغفار المقبول هو الذي يقع به الإقلاع عن الذنب مع استحضار الندم في القلب والاستغفار باللسان .
وليس مجرد ذكر هذه الكلمات كما نسمع في أدبار الصلوات أصوات الصفير بحرف السين أس أس ولا نسمع استغفاراً يستحضره القلب ولا ندرك حقيقة ما نحن فيه من هذه المعاني .
وانظر إلى ذلك الاستغفار المأثور في أدبار الصلوات فهذه الصلاةلا شيء فيها يستغفر منه إن الاستغفار يبين لنا حقيقتنا فنحن نستغفر في عبادتنا مما وقع فيها من تقصير وما وقع فيها من قصورِ عن الكمال ومما وقع فيها من غفلةِ وسهوة قلبِ وعدم استحضار المعاني التي يجب استحضارها في تلك الصلاة أو تلك العبادة .
وكل ذلك جبرَ وكل ذلك إعانةَ فإن في هذا الاستغفار تلك الفوائد العظيمة والمنافع الجليلة والأبواب الواسعة .
أخرج الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه عن سول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة والجلالة أنه قال :
( يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يا بن آدم لو لقيتني بقراب الأرض معصيةً ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لقيتك بقرابها مغفرة ) .
فأي فضلِ أعظم من هذا فهل يقابل هذا الفضل من الله بالاستهتار من العباد والغفلة ومزيد المعصية من المسلمين رغم ما أعطاهم الله عز وجل .
وانظر إلى جوامع كلم المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف يجعلك تتعلم كيف تستغفر الله ومن أي شيءِ تستغفر الله إن بعض الناس اليوم إذا قلت له قل:
" استغفر الله " ، قال : وأي شيءِ فعلت ؟ .
سبحان الله ! أما كان في قلبك خاطر سوء أما مرة بك نيةَ غير سليمة أما تلفظت بكلمة غير حسنة أما فعلت فعلاً أما نظرت نظرةً كلنا ذاك الرجل المذنب .
فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدعو بهذا الدعاء الخاشع الجامع الذي يرويه الإمام مسلم من حديث أبي موسى الأشعري عن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يدعو فيقول :
( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني اللهم أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءِ قدير ) .
فنسأل الله – عز وجل – دوام المغفرة واجعلوا القلوب حجةً حاضرة واجعلوا لكل ذنبِ أو غفلةِ استغفاراً وتوبة فإن الله سبحانه وتعالى يقبل ذلك ويجعل من وراء ذلك خيراً في تفريج هموم الدنيا وتكثير أسباب الرزق فيها ويجعل من وراء ذلك خيراً في دفع العذاب ورفع المصائب عن المسلمين فإنهم ما استغفروا الله إلا رفع الله عز وجل عنهم من البلاء كما ورد في الأثر : إن الدعاء والقضاء ليعتلجان فيما بين السماء والأرض ؛ فإنه لا يرد القضاء إلا الدعاء بقضاءِ قد أحكمه الله – عز وجل – وكتبه في اللوح المحفوظ .
فانظروا – رحمكم الله – إلى ما تبتغون من أمور الدنيا ، وإلى ما يعرض لكم من مصائبها فاعلموا أن أعظم الأسباب هي أسباب الطاعة وأسباب الإنابة والاستغفار لله سبحانه وتعالى .
ياكثير العفو عن من كثر الذنب لديه
جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم لديه
أنا ضيفٌ وجزاء الضيف إحسانٌ إليه
والله – عز وجل – لا يخيّب من دعاه ولا يرد من رجاه ؛ لأنه – سبحانه وتعالى – قد فتح الأبواب ، وجعل رحمته أوسع وأعظم من غضبه وأسبق من غضبه سبحانه وتعالى .
لئن ضاق عني عفوك الواسع الذي **** أريد لإســرافي فإني لتالف
اللهم إجعلنا من المستغفرين وإغفر لنا وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ,,,
جزيتِ خيراً أخيتي الحبيبة وغفر لنا ولكِ ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه
اللهم إجعلنا من المستغفرين وإغفر لنا وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ,,,
جزيتِ خيراً أخيتي الحبيبة وغفر لنا ولكِ ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه