آليات عملية لحل الخلافات الزوجية
لأنه أعظم رباط خلقه الله بين البشر -رباط العلاقة الزوجية- كان الاهتمام بهذه العلاقة في كل مراحلها، سواء قبل أن تبدأ في مرحلة الاختيار أو بعد أن تبدأ، وسواء في أثناء الخطبة أو العقد أو الزفاف، ولأن الخلاف بين البشر وارد والخلاف بين طرفي العلاقة الزوجية أمر لا مفر منه.
كان التعامل مع هذه الحالات من الخلاف هو الموضوع، والجديد الذي نحاول أن نقدمه في هذا الموضوع الذي تحدث فيه الكثيرون حتى يتصور البعض أنه لا جديد هو أننا سنتحدث بصورة عملية نابعة من واقع خبرة التعامل مع المشاكل الزوجية من خلال مركز الاستشارات النفسية والاجتماعية أو من خلال رسائل قراء صفحة المشاكل والحلول؛ لذا سنعرض لبعض العناوين التي نتصور لها أهمية في حل الخلافات بصورة عملية تفاعلية تصيب الهدف، وهو أن تكون الحياة الزوجية أكثر هدوءًا واستقرارا وأكثر بعدًّا عن الأزمات والمشاكل قدر الإمكان.
1- من يغير من؟.. أو من يتغير؟!
هل التغيير مطلوب من أحد طرفي العلاقة الزوجية دون الآخر؟ هل زوجك على ما تعودينه؟ وهل لا بد من أن تذبح القطة لزوجتك من أول ليلة؟ إن هذا السؤال هو أحد أسباب الخلافات واحتدامها والإجابة عليه هي أحد أهم أسباب تجنب الخلافات وحلها، وهي أن طرفي الزواج مطلوب منهما معا أن يتغيرا ويتكيفا، لأنهما يجب أن يدركا أنهما بعد الزواج هما غيرهما قبل الزواج. ومن يتصور أنه سيحتفظ بكل صفاته ولن يتغير أو أنه سيغير الطرف الآخر فهو يسير في طريق الصدام.
2- وسيبقى الاختلاف ما بقيت الحياة
وهي نقطة مكملة للنقطة السابقة ولكن أفردها للتأكيد على أن الحياة الزوجية لا تعني التطابق فهذا أمر مستحيل، ولكن تعني أن يدرك كل طرف أن الطرف الثاني مختلف، وحديث الرسول المعجزة حول خلق المرأة من ضلع أعوج هو الإشارة الرائعة لكيفية التعامل مع هذا الاختلاف.
3- القبول بتوزيع الأدوار.
وهذا الاختلاف ليس اختلاف تصادم ولكنه اختلاف تنوع وتكامل؛ فقوامة الرجل هي قوامة الاحتواء الذي يؤدي لشعور المرأة بالأمان في كنفه وليست قوامة القوة الغاشمة والسيطرة… وهي بتلك الصورة لا تنقص من قدر المرأة بل تسعى المرأة إليها ولا تشعر بالاطمئنان إلا في كنفها وفي إطارها، الرجل مسئول عن زوجته وأولاده وبيته مسئولية القائد والمدير والمعلم والراعي، وعندها يصبح دور المرأة هو بث روح الحب والمودة والسكينة بحيث تستمر الحياة الزوجية، وتصمد أمام الخلافات فتكون القيادة دور الزوج ويكون الاستمرار دور الزوجة، وعدم القبول بالدور سبب لمشاكل كثيرة يكون حلها ببساطة أن يلتزم كل طرف بدوره.
4- الحوار المتبادل والتواصل المستمر
كل ما سبق يسلمنا إلى حالة من التواصل الذي لا ينقطع والذي يحرص عليه الطرفان؛ فالحديث لا ينقطع في كل تفاصيل الحياة… الزوج يحكي ما حدث له في العمل والزوجة تحكي ما جرى لها في غياب الزوج ثم يجمعهما الحديث المشترك حول وقائع الحياة وأحداثها… ومشاركة بالقول والفعل في كل ما يخص الآخر… ثم الحوار عند الخلاف سيكون في مجراه الطبيعي استمرارا للتواصل وليس دعوة نلجأ إليها عند حدوث الخلاف في إطار في التفاهم الموجود والاحترام المتبادل.
5- الخصام الشريف
أ- لا للضرب تحت الحزام
ويحتاج منا إلى أن نكون شرفاء في خلافنا… فطالما الخلاف وارد… وهو حدث طبيعي في حياتنا فلا داعي لتعميقه…. فإذا كان الخلاف بسبب محدد واضح فلا داعي لاستدعاء الماضي بكل أحداثه وشعارنا هنا هو لا للضرب تحت الحزام…
ب- الانسحاب أفضل
ولذا وحتى لا يتصاعد الخلاف ويدخل في مساحات غير مرغوب فيها يجب أن نتعلم الانسحاب؛ فعندما يبدأ الخلاف يفضل أن يتفق الطرفان على أن ينسحبا من أمام بعضهما لعدة ساعات ويعودا وقد هدأت نفوسهما وأصبحا قادرين على الحوار والتفاهم بهدوء… فلا داعي لأن يقف أحدهما للآخر مصرا على أن يعرف ماذا حدث أو لماذا حدث أو لإجابته على أسئلته الغاضبة؛ فمع الغضب سيشتعل الموقف ويزداد تعقيدا حيث ستكون الكلمات والألفاظ غير محسوبة وربما كان هم كل طرف لحظتها أن ينتقم لنفسه ويؤذي الطرف الآخر بأقصى درجة، فيستخدم ما يدرك أنه يغيظ الطرف الآخر في حين أنه لو هدأ ما كان ليقول ذلك أو حتى يفكر أن يتفوه به.
ج- لا لتدخل الآخرين
وبهذه الطريقة الهادئة سيستطيع الزوجان أن يحددا نقطة الخلاف وسببه، وبالتالي طريقة العلاج بخطوات عملية وهكذا يحجم الخلاف ولا يمتد؛ ولذلك فإن من الأمور المهمة هو ألا ندخل الآخرين في خلافاتنا…. فحياتنا الزوجية بصورة عامة هي أمر خاص لا داعي لأن يطلع عليه أحد؛ فكل أحداثها هي خصوصيات لا تنشر لأي أحد كائنا من كان، سواء كان أخا أو أختا أو أما أو أبا أو صديقا أو صديقة، والخلافات جزء أشد خصوصية… لأن تدخل الآخرين الذين لا يدركون أبعاد العلاقة بين الزوجين وما يقربهما يؤدي إلى تفاقم الأمور… لأن مسألة القدرة على التدخل لحل الخلاف بين زوجين هي قدرة خاصة تحتاج إلى خبرة وعلم وموهبة لا تتوفر للكثيرين ممن ندخلهم في حياتنا.. بل وسيتدخل كل بوجهة نظره الخاصة وبخلفيته النفسية مع أو ضد أحد الأطراف ليتسع الخلاف.
الرصيد العاطفي
لا بد من وجود رصيد عاطفي في بنك الحياة الزوجية يسحب منه الزوجان عند حدوث الخلاف؛ لذا يجب أن يحرص كل منهما على زيادة رصيده لدى الآخر حتى لا يصبح السحب على المكشوف عندما ينفد رصيد أحد الزوجين لدى الآخر وعندها يصل الخلاف إلى نقطة اللاعودة… لأن العودة تحتاج إلى تذكر اللحظات الجميلة والكلمات الحلوة والمواقف المشتركة… لذا فلا يبخل أحدهما على الآخر بكلمات المديح… لأنه عندما يحتدم الخلاف فلن يهدئه إلا تذكر لحظة جميلة أو كلمة حلوة أو موقف تضحية… إنه الرصيد العاطفي الذي يغطي النفقات التي تحتاجها توترات الحياة اليومية، وإياك أن ينفد رصيدك لدى شريكك وأنت لا تشعر وتفاجأ بنفسك بغير غطاء عاطفي.
وهنا يجب التنويه بنقطة يقع فيها الكثير من الأزواج والزوجات وهي إصرارهم على أن يكون الرصيد العاطفي من عملة واحدة قد انتهت صلاحيتها أو لم تعد هي الصالحة في هذا الوقت… ونقصد بذلك اختلاف التفاعل العاطفي بين الزوجين باختلاف الوقت، ونعني بذلك أن الزوجة التي تنتظر من زوجها اهتماما مشابها لاهتمامه في أثناء فترة الخطوبة أو الزواج الذي ينتظر في زوجته أن تكون على حالها في أثناء عقد الزواج… أو اهتماما به مثل قبل وجود الأطفال…
هذا التوقع غير الصحيح من الطرفين يؤدي إلى عدم رؤية كل طرف لما يقدمه الطرف الآخر لأنه يصر أن يكون غطاؤه مثل غطائه السابق في فترة سابقة، سواء كانت خطبة أو عقد زواج أو بداية الزواج قبل الإنجاب… ولا يدرك أن شكل العطاء ونوعيته تختلف فلكل وقت طبيعة ما يقدم فيه.
المسئولية المشتركة
لا يكون هم الزوجين عند حدوث الخلاف هو البحث عن المسئول عنه ومن بدأه ويضيع الجهد في محاولة كل طرف في التنصل مما حدث وتأكيد مسئولية الطرف الآخر الكاملة عن حدوثه، لهذا فضلا على أنه يزيد من تفاقم الخلافات ويقيمها ويضيع اللغة المشتركة بين الطرفين فإنه أيضا لا يؤدي إلى أي نتيجة إيجابية… لأن الأمر ببساطة هو أنه عند حدوث خلاف بين الزوجين فبغض النظر عن تفاصيل الخلاف فإن مسئوليتهما عن حدوثه هي مسئولية مشتركة… بنسبة متساوية هذا الإدراك لهذا الأمر بهذه الصورة يوفر الطاقة لتتحول إلى حدوث الإصلاح وتجاوز الخلاف… ولذا ليبدأ الطرفان بإعلان مسئوليتهما المشتركة عما حدث بل ويفضل أن يوضح كل طرف مظاهر هذه المسئولية بنفسه ويوضح هذا الخطأ من جانبه حتى يتحرك الطرفان في وضع الإجراءات لضمان عدم تكرار ذلك، وبالتالي يكون تحديد أسباب الخلاف ليس من أجل إدانة الطرف الآخر ولكن من أجل إيجاد الحلول المشتركة.
التغافل
نحن لسنا بصدد توقيع اتفاق دولي لترسيم الحدود بين دولتين قد طالت بينهما الحرب بل بين زوجين قد أفضى بعضهما إلى بعض نفسيا وجسديا؛ لذا فليتغافل كل منهما عن الآخر وليعتذر كل منهما للآخر… وليبادر كل منهما للاعتذار.. لأن الاعتذار هو دلالة القوة والمسئولية وليس الضعف والإهانة… فإذا كان بين البشر في علاقتهم العامة الأفضل هو من يبدأ بالسلام فإن بين الزوجين الأفضل هو من يبدأ بالاعتذار، وما أورع أن يجد الطرفان أنفسهما وهما يعتذران في نفس الوقت؛ لأنهما أدركا أن المسئولية مشتركة في استمرار الحياة الزوجية؛ فالطرفان يجب أن يسعيا للتقارب وللتغيير من أنفسهما وليس طرفا واحدا تحت ادعاء أنه البادئ أو المسئول وحده أو أنه يستمرئ الخطأ ولن ينصلح حاله أو أن هذا دلالة على الإذلال أو القهر من جهة طرف نحو الطرف الآخر… مقولات كلها تزيد الأمور تعقيدا ويحلها أن ندرك أننا مسئولون عن الخلاف مثلما أننا مسئولون عن حله.
//::///:://
تم النقل
موضوع طويل لكن مفيد جدا لا تتكاسلون عن قرايته ^_^