السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسباب الطلاق(2)
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
السابق .. أسباب الطلاق (1)
الحمد لله تفرد بالعزة والكبرياء،جعل القمر في السماء نوراً وجعل الشمس فيها ضياء،أحمده سبحانه وتعالى على نعمه وما أجزل لنا من العطاء،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنزه عن الأعوان والشركاء وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله خاتم الرسل والأنبياء صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج وجد في الاقتفاء.أما بعد:فأوصيكم معاشر الأتقياء الأنقياء بتقوى الله يقول ربكم في محكم التنزيل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}([1]).
أيها الأحبة في الله بدأت في الخطبة الماضية الحديث عن أسباب الطلاق جنبنا الله وإياكم شره وأود اليوم أن استكمل جانباً من الحديث عنها؛فمن تلك الأسباب سوء الاختيار كأن يسيطر على عقل الرجل عند البحث عن الزوجة عامل الجمال فقط ولا يضع أي اعتبار لعوامل أخرى،وقد تأتي تلك الجميلة غبية أو خرقاء،أو متعالية مغرورة بجمالها فتحول حياته إلى جحيم عندها يفيق ويبدأ في التفكير في الطلاق،أو قد يبحث عن ذات الجاه والنسب وأن تكون من أسرة غنية فتأتي وقد تعودت في بيت أهلها على مستوى من المعيشة لا يستطيع أن يوفره لها فيبدأ الشقاق والخلاف ويبدأ التفكير في الطلاق،أو قد يتزوج المرأة لمالها طمعاً في ثروتها التي ورثتها عن أبيها أو بأي سبب من الأسباب فإذا بصاحبة المال تعامله معاملة العبد المملوك فتستيقظ رجولته في وقت متأخر ويكون الطلاق،وكل هذه الأصناف وأشباهها أقول لهم لقد نصحكم نبيكم وحبيبكم صلوات ربي وسلامه عليه بقوله : ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ))(2). فالجمال يتبدل ولا يدوم والمال يفنى والنسب لا ينفع بغير دين؛فقولوا لي بربكم من لم تعرف حق ربها وخالقها ومنشأها من العدم كيف لها أن تعرف حق زوجها. فكل شيء من مواصفات الدنيا يفنى ويتبدل وتبقى ذات الدين شامخة عزيزة بنور ربها الذي تحمله في صدرها،بمبادئها ومعتقداتها الراسخة رسوخ الجبال فلا تتبدل ولا تتغير؛تبقى تلك التي أثنى عليها الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه بقوله: ((لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ وَلَأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ))(3). ومن الرجال من يبحث عن المرأة العاملة ليتزوج بها أملاً في أن تكون عوناً له على تحقيق حياة أفضل؛فيصدم بعضهم بطبيعة حياة المرأة العاملة؛فهو بحاجة إلى الاستيقاظ المبكر والخروج المبكر؛وقد يخرج جميع أفراد الأسرة دون تناول وجبة الصباح المهمة؛لكي يستطيع أن يوصل الأولاد إلى مدارسهم ويوصل المرأة إلى عملها، ومن ثم يصل لعمله في الوقت المناسب، وفي وقت الظهيرة قد يضطر إلى الخروج المبكر من العمل من أجل أن يبدأ رحلة جمع شتات أسرته من المدارس والعمل والعودة بهم مرة أخرى إلى المنزل، هو مضطر إلى ذلك وقد يضطر إلى ما هو أشد مرارة وأعظم بلاء وهو أن تذهب زوجته مع سائق أجنبي عنها؛مع ما يكتنف ذلك من مفاسد عظيمة، ثم إذا عادوا إلى البيت قد يشترون طعاماً من السوق أو قد تخرج تلك الزوجة العاملة طعاماً صنع بليل ليتم تسخينه مرة أخرى وأكله بكل ما يحمله من فوارق عن الطعام الطازج ، وينام الجميع منهكون وتأتي فترة المساء وقد تكون المرأة مشغولة أيضاً ببعض ما يتعلق بعملها، ويجد الرجل أن بيته تعتني به الخادمة،وثيابه تعتني بها الخادمة،وأطفاله ترعاهم الخادمة،فيمل هذه الحياة ويشتاق إلى حياة السكن والاستقرار يشتاق لأن يعود إلى البيت فيجد في استقباله امرأة متجملة متعطرة هادئة الأعصاب تخفف عنه الجهد الذي يجده خارج المنزل؛فيفكر في الطلاق،وقد يحدث للمرأة في عملها ما يستثير أعصابها وقد يحدث للرجل مثل ذلك فيعود الاثنان للمنزل بأعصاب متوترة وتكفي قضية تافهة تحدث في المنزل ليتفجر بركان الغضب بين الاثنين والذي قد تكون نهايته الطلاق؛وقد أثبتت الدراسات النفسية أن المرأة نتيجة عملها خارج المنزل يحدث لديها ما يسمى بصراع الأدوار فهي مطالبة بدورها كمرأة في المنزل ولن يرحمها الزوج أو المجتمع إن قصرت،وبين رغبتها في أن تقوم بدور الرجل الذي يعمل ويكسب فيسبب لها ذلك توتراً نفسياً وتكون عرضة للهياج والغضب لأتفه الأسباب،وتتعاظم المشكلة يوم استلام المرتب؛حيث يأتي الأب ويريد نصيبه من مرتب ابنته وهو يقول ابنتي صرفت عليها سنوات طويلة وقد حان الوقت لترد لي بعض ما صرفت! ويأتي الزوج يريد نصيبه مقابل تحمله مشاق الحياة مع المرأة العاملة،وأن يحقق الهدف الذي تزوجها من أجله،والزوجة تأبى لأنها تريد أن تتمتع بمال كسبته بعرق جبينها؛ وعندها ينبعث إعصار المشكلات الرهيب الذي قد يطيح بذلك البيت؛ومن هنا أهمس في أذن كل زوجة عاملة بل وفي أذن المجتمع فأقول إن سبب كل ذلك هو عدم تقيد المرأة بوصية من خلقها وهو العالم بما يصلحها يوم أن قال سبحانه وبحمده : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ..}(4). أقول للمرأة أنت بعد زواجك قد انتقلت لتؤدي مهمة عظيمة ستسألين عنها أمام الله ألا وهي رعاية بيتك وزوجك وأولادك نبهك لذلك نبيك وحبيبك يوم أن قال : ((ِ..وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا..))(5).وقد تقولي من يقوم بخدمة المجتمع التي يحتاج إليها من تعليم البنات وتطبيب النساء ونحوها فأقول لك هناك الكثير من الفتيات غير المتزوجات ومن العوانس ومن الأرامل من تبحث عن وظيفة فلا تجدها بسبب محاولتك القيام بوظيفتين ! فالله سبحانه لم يكلفك بالعمل والإنفاق فلما تتعبين نفسك وتهدمين بيتك وقد تعملين ويأخذ أجرك غيرك! ولا يظن ظان أيها الأحبة في الله أني متحامل على المرأة العاملة ولكن الناظر المنصف للإحصائيات يجد تلازماً عجيباً بين زيادة النساء العاملات وزيادة نسب الطلاق! وقد يتسبب عمل المرأة في طلاقها من جهة أخرى حيث هناك من الرجال من وقف مع امرأته حتى أتمت الثانوية وأكملت الجامعة وتخرجت وتعينت ثم بعد التعيين تغير حالها ؛ فبدأت تطالب بإلغاء قوامة الرجل عليها وأنها أصبحت تنفق مثل ما ينفق، كانت نظرتها للحياة أنها تظل مع الرجل ما دامت في حاجته وحاجة النفقة عليها فلما أصبحت ذات دخل ما عادت ترى أن هناك سبباً لتحمل الرجل في أي أمر وترى أن في الطلاق حرية لها؛ بل أصبحنا نسمع في مجتمعنا بنساء يقمن حفلات في فنادق راقية بمناسبة طلاقهن ! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{ وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}(6).
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من أسباب الطلاق أيضاً بناء البيوت عن طريق العلاقة الآثمة فكم من رجل تعرف على فتاة عن طريق الهاتف أو الأسواق أو غيرها من سبل التعارف المحرم ، وذلك لقناعته أو قناعتها بأن الزواج لا يمكن إلا بعد تعارف وحب،وحصل بينهما ما حصل وتحركت مشاعر الحب كما يسمونها بينهما وتزوجا،ثم بعد الزواج بدأت تغتال الرجل الوساوس والشكوك؛ فكلما رن الهاتف قال هذه مكالمة لرجل آخر كما كانت تكلمني من قبل وكلما خرجت،وكلما دخلت انتابته الوساوس والظنون حتى تنتهي تلك الوساوس بالطلاق،وغالب الزيجات عن ذلك الطريق القذر نهايتها الطلاق،ومن أسباب الطلاق الزواج من بيئة لا يعرفها الرجل ولا تتناسب معه وأكثر ما يتم ذلك عن طريق الخاطبات وقد أو ضحت دراسة علمية أن أكثر الزيجات عن هذا الطريق مصيرها الطلاق والفشل، فينبغي للرجل الاختيار من أسرة يعرفها ويعرف تاريخها وعاداتها وحياتها،ومن أسباب الطلاق تربية البنت كتربية الولد حيث تذهب للمدرسة وتعود لتذاكر وتنام وتعود للمدرسة فتكبر وتتزوج وهي لا تفقه في أمور المنزل من نظافة وطبخ ورعاية أطفال وزوج ونحوهاشيئاً فيملها الزوج فيطلقها،وفي المقابل قد ينشأ الولد على عدم تحمل المسؤولية فهو في بيت أبيه حتى رغيف العيش يشتريه السائق فيتزوج فيشعر بثقل العبء فلا يستطيع الاستمرار ويحدث الطلاق،ومن أكبر المشكلات أيضاً حينما يتزوج الشاب والفتاة وكلاهما بعيد عن الدين ثم يعود أحدهما إلى الله ويمتنع الآخر ولا يكتفي بذلك بل يحاول أن يسحب الطرف المهتدي مرة أخرى إلى طريق الضلالة والشيطان وتحصل المشكلات التي قد تنتهي بالطلاق،وأسباب الطلاق أحبتي كثيرة عديدة واكتفي بما ذكرت ونسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال أمة محمد صلى الله عليه وسلم أجمعين.
———————
([1]) آل عمران (2)البخاري،النكاح،ح(4700).(8)ابن ماجة،النكاح،ح(1849).(44)الأحزاب:33.(5)البخاري،كتاب في الاستقراض…، ح(2232).(6)النساء:128.
منقول
المصدر: موقع صيد الفوائد
لا إله إلا أنت وحدك لاشريك لك.. لك الحمد ولك الشكر وأنت على كل شيء قدير