قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون" "المائدة آية 35" فالآية هى دعوة لاتخاذ الوسائل النافعة والصالحة لوقاية الإنسان نفسه من المعاصى ومن الانحراف عن الصواب، والاستقامة، يقول سماحة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله ".. فالوسيلة: القربة وهى فعلية بمعنى مفعولة، أى متسول بها أى اتبعوا التقرب إليه، أى بالطاعة، و"إليه" متعلق بـ"الوسيلة" أى الوسيلة إلى الله تعالى، فالوسيلة أريد بها ما يبلغ به إلى الله، وقد علم المسلمون أن البلوغ إلى الله ليس بلوغ مسافة ولكنه بلوغ زلفى ورضى. فالتعريف فى الوسيلة تعريف الجنس، أى كل ما تعلمون أنه يقربكم إلى الله، أى ينيلكم رضاه وقبول أعمالكم لديه. فالوسيلة ما يقرّب العبد من الله بالعمل بأوامره ونواهيه.
وفى الحديث القدسى "ما تقرب إليّ عبدى بشيء أحب إلى مما افترضته عليه". والمجرور فى قوله "وابتغوا إليه الوسيلة" متعلق بـ"ابتغوا" ويجوز تلعقه بـ"الوسيلة" وقدم على متعلقه للحصر، أى لا تتوسلوا إلا إليه لا إلى غيره فيكون تعريضا بالمشركين لأن المسلمين لا يظن بهم ما يقتضى هذا الحصر.." وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة، فسلوا الله أن يؤتينى الوسيلة.." روى عن أبى سيعد الحذرى وهو حديث صحيح.
والمقصود أن فى الجنة ليس فوقها فى الشرف والرفعة درجة فمن طلبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلت له شفاعته. فمن الأحاديث الشريفة قوله عليه الصلاة والسلام "أكثروا الصلاة عليّ فإن صلاتكم مغفرة لذنوبكم، واطلبوا لى الدرجة والوسيلة، فإن وسيلتى عند ربى شفاعتى لكم"، وروى البخارى عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قال حين يسمع الأذان والإقامة اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وأعطه الوسيلة والدرجة الرفيعة والشفاعة يوم القيامة حلت له شفاعتي" "اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد صلاة تكون له رضاء، ولحقه أداء، وأعطه الوسيلة والفضيلة، والدرجة الرفيعة، وابعثه المقام المحمود الذى وعدته، وأجزه عنا ما هو أهله، وجازه أفضل ما جازيت نبيا عن أمته، آمين".
قال الله تعالى "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" "الإسراء آية 81". الإسلام أمر بدفع الشر بوسائل خيرة فالقاعدة الأساسية فى الأخلاق الإسلامية: دفع الشر بالخير، والإساءة بالحسنى. إذ قال الله تعالى "ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم" "فصلت آية 34" وقال عز وجل "ادفع بالتى هى أحسن السيئة" "المؤمنون آية 96" لذلك اتخذ العلماء قاعدة "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف".
فالإسلام اعتمد دفع الشر بالخير، والإساءة بالحسنى، ومن هذا المنطلق أقر أن تحترم الوسائل التربوية المقاصد الأخلاقية أى أن تكون الوسائل التربوية التى تتخذ للتربية الأخلاقية لنشر الأخلاق الرفيعة ملائمة للعملية التربوية النافعة والمفيدة، والصالحة، التى تؤتى الثمرة الطيبة. وأن تراعى الوسائل التربوية ملاءمتها لنشر التربية الأخلاقية وذلك بمراعاة اهتمامات الطفل فى مختلف مراحل عمره.
فالغزالى فى كتابه إحياء علوم الدين شبّه عمل المربى بعمل الطبيب، فالطبيب إذا عالج مرضاه بنفس العلاج الواحد فقد قبل أكثره، والشيخ لو أشار على جميع مريديه أو متقبليه بنمط واحد من الرياضة أهلكهم وأمات قلوبهم. فالمطلوب هو أن ينظر كل من الطبيب والشيخ فى مرض كل واحد من مرضاه، أو حالة كل سائل عن حالته حسب الحال، والعمر، والمزاج، وما تحتمله البنية. وذلك بأن يكون دواء الطبيب، أو توجيه الشيخ، إن اعتبرنا كل منهما باثا، أن يكون الكلام على قدر إدراك المتقبل فهناك فرق بين الكبير والصغير، وبين الذكى والغبي. وعلى هذا الأساس روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يا ابن عباس لا تحدث قوما حديثا لا تحتمله عقولهم".
فالإنسان عادة لا يندفع لتطبيق فكرة إذا لم يقتنع بها إلا إذا وقع إفهامه بأسلوب مقنع وهو مستعد لذلك. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خذوا من العمل ما تطيقون" "انظر فتح البارى شرح البخاري" كما قال "لا ينبغى لمؤمن أن يذل نفسه" قيل "كيف يذل نفسه يا رسول الله؟" قال "يتعرض من البلايا لما لا يطيق" "انظر منتخب كنز العمال" فالإسلام دين الحياة، لا يقف حائلا دون تحقيق الرغبات، بل يكره العسر، ويدعو إلى رفع الحرج، ويعتبر الكبت حماقة، وأن السعادة فى التوجيه الصحيح، قصد الحفاظ على سلامة الجسم، وتوفير راحة النفس والأمان.
ومن خصوصيات الإسلام اليسر والرفق بدليل قول الرسول عليه الصلاة والسلام "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفّروا" رواه البخارى ومسلم عن أنس وأيضا قوله عليه الصلاة والسلام "عليك بالرفق فإن الرفق لا يكون فى شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه" روى عن عائشة.
ولاكتمال التربية الأخلاقية أكد الإسلام على انتهاج السلوك الخير، والتمسك بالفضائل الرفيعة، والإشمئزاز من كل شر. ومعيار السلوك الأخلاقى فى الإسلام هى المبادئ والأخلاق العامة التى ذكرت فى القرآن وفى السنة النبوية قال الله تعالى "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين" "المائدة آية 15" وقوله تعالى "كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور" "إبراهيم آية 1"، وتأكيدا لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله" رواه الترمذي.
وقد أوضح سيد المرسلين المهمة التى كلف بها فقال عليه الصلاة والسلام "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" حديث صحيح روى عن أبى هريرة وفى رواية "… مكارم الأخلاق"، وقال "إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا" حيدث حسن روى عن أبى هريرة. وأكد عليه الصلاة والسلام "أدبنى ربى فأحسن تأديبي" حديث صحيح روى عن ابن مسعود. كما روى عن عائشة فى حديث صحيح "كان خلقه القرآن". فالمسلمون المؤمنون الصادقون كما قال الله تعالى "أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه" "الإسراء آية 57".