تخطى إلى المحتوى

اعتقاد أهل السنة والجماعة في الجنة والنار .كل ما تريد أن تعرفه عنهما تجده هنا

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

المعالم العقدية في الجنة والنار عند أهل السنة

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .. أما بعد :

فمن آكد أمور الإيمان ، الإيمان بالجنة والنار .. وأنهما داري الجزاء ومثوى عباد الله عقوبة وثوابا خالدين فيهما أبدا بما كسبت أيدي الناس ..
والجنة هي قمة الفرح والسرور والنعيم الذي لا يدانيه ولا يماثله نعيم ..
والنار هي قمة الذل والبؤس والشقاء والعذاب الذي لا يدانيه عذاب ..
وقد يجمع هذا كله ويصوره أتم تصوير وأبلغه ، ذلك الحديث العظيم الذي رواه مسلم [2807] في صحيحه عن أنس بن مالك قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول لا والله يا رب ..
ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط ؟ وهل مر بك شدة قط ؟ فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط .

[COLOR="Red"]اعتقاد أهل السنة والجماعة في الجنة والنار. [/COLOR

]ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة :
الإيمان بالجنة والنار وأنهما حق من عند الله ، وأنهما مخلوقتان وموجدتان الآن ، وأن مكان الجنة فوق السماء السابعة وتحت عرش الرحمن ، وأن النار في مكان يعلمه الله ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآهما بعينيه ، وأن الله خلق لكل منهما أهلاً ، وأن لكل واحد في الدنيا منزلان أحدهما في الجنة والآخر في النار ، وأنه حف الجنة بالمكاره وحف النار بالشهوات ، وأنه أعطى النار نفسين في الصيف والشتاء ، وأنهما خالدتان لا يفنيان ، وأنهما عظيمتان في الاتساع وكبر الحجم .. كما نطقت بذلك الأدلة الصحيحة الصريحة في القرآن والسنة ..
وهذه نقاط بلغت أربعة عشرة مسألة جمعتها في عجالة عن بعض خصائصهما مشتركة .. لعل الله أن يبصر بها قلوبنا ، فيهدينا إلى العمل للجنة والفرار من النار ..
فنقول والله ولي التوفيق والسداد .

1- الجنة والنار حق
كما جاء في الصحيحين [البخاري 1120 ومسلم 199 ] عن ترجمان القرآن من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن ، أنت الحق ، وقولك الحق ، ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة حق .. الحديث . [ ورواه وأبو داود 766 وابن ماجة 1355 كلهم عن ابن عباس]وهذا من أساسيات الإيمان وثوابته ، إذ لو لم يكن جنة ولا نار .. لم يكن ليخاف العاصي من عقاب ، ولم يكن ليفرح المطيع بثواب .

2- وأنهما مخلوقتان وموجدتان الآن
ومن الأدلة على خلقهما ووجودهما أنه تعالى قال عن الجنة : ( وسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) [آل عمران-133]وقال عن النار: ( وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) [آل عمران-131]
قال ابن كثير : وقد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن لقوله تعالى : أُعِدَّتْ .. أي أرصدت وهيئت .. أهـ
وفي المسند والسنن من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
لما خلق الله الجنة قال لجبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها ، ثم حفها بالمكاره ثم قال يا جبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أي رب وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد ..
قال : فلما خلق الله النار قال يا جبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها ، فحفها بالشهوات ثم قال يا جبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أي رب وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها .
[ رواه أحمد 8379 بسند حسن وأبو داود 4731 والترمذي2560 والنسائي 3772]وفي صحيح مسلم [2844 ] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتدرون ما هذا ؟ قلنا الله ورسوله أعلم ..
قال : هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفا ، فالآن حين انتهى إلى قعرها .
ومعنى أرسله الله في جهنم من سبعين خريفاً : أي أنها مخلوقة موجودة .
وهناك كثير من الأحاديث المتواترة في هذا المعنى ..
وقد رأي النبي صلى الله عليه وسلم فيها قصراً لعمر ورأى مناديل سعد وسمع صوت خشخشة بلال في الجنة ورأى عمرو بن لحي يجر قصبه في النار وغير ذلك مما صح ونقل في الأخبار ..
وقد خالفت المعتزلة بجهلهم في هذه المسألة ، وقالوا أن الجنة والنار يخلقهما الله يوم القيامة !! وقد رد عليهم كثير من أئمة أهل السنة وبينوا جهلهم بالآثار والسنن .

3- الجنة فوق السماء السابعة وتحت عرش الرحمن
قال تعالى: ( عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ ) [النجم- 15]
وفي صحيح البخاري [ 7423 ] عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة .
فثبت بهذا الحديث أن الجنة تحت عرش الرحمن ..
ونربطه بالحديث الآتي في قصة الإسراء في صحيح مسلم [ 162 ] من رواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم :
.. وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمارها كالقلال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة كل يوم وليلة .. الحديث ..
وثبت بهذا الحديث أن سدرة المنتهى فوق السماء السابعة ، وعليه فالجنة يقيناً – والعلم الحق عند الله – فوق السماء السابعة وتحت عرش الرحمن كما دل عليه هذين الحديثين .

4- وأن النار في مكان يعلمه الله
أما مكان النار فقيل فيه قوله تعالى : ( كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ* كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ) [ المطففين ]
قال ابن كثير : والصحيح أن سجيناً مأخوذ من السجن وهو الضيق ، فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق وكل ما تعالى منها اتسع ، فإن الأفلاك السبعة كل واحد منها أوسع وأعلى من الذي دونه ، وكذلك الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها حتى ينتهي السفول المطلق والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة ، ولما كان مصير الفجار إلى جهنم وهي أسفل السافلين كما قال تعالى : ( ثُمَّ رَدَدْنَـٰهُ أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ .. )
وقال هاهنا : ( كَلاَّ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ .. )
وهو يجمع الضيق والسفول كما قال تعالى :
( وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ) . اهـ
فالحق أنه لم يأت دليل صحيح يعين مكان جهنم الآن ، غير أننا على يقين بأن الله خلقها وأنها موجودة وأنها تأتي يوم القيامة من مكان آخر غير التي ستكون فيه يوم القيامة كما دلت الآيات والأحاديث ..
ولعل عدم إطلاعنا على مكان النار من حكمة الله تبارك وتعالى .. إذ إنه لو علم مكانها يقيناً لما فرح مخلوق على وجه الأرض .. والله تعالى أحكم وأعلم .

5- وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآهما حقاً
وفي ذلك أحاديث كثيرة .. منها : حديث ابن عباس في قصة الخسوف :
ففي الصحيحين [ البخاري 5197 ومسلم 907] قال النبي صلى الله عليه وسلم : إني رأيت الجنة أو أريت الجنة فتناولت منها عنقوداً ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظراً قط ورأيت أكثر أهلها النساء. الحديث .
وفي حديث الإسراء قال النبي صلى الله عليه وسلم : أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل يضع حافره عند منتهى طرفه فلم نزايل ظهره أنا وجبريل حتى أتيت بيت المقدس ففتحت لي أبواب السماء ورأيت الجنة والنار .
[ أنظره في صحيح الجامع الصغير للألباني 128 وقد حسنه ]وفي صحيح مسلم [ 426 والنسائي 1363] من حديث أنس قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا – ثم قال- والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً .. قلنا ما رأيت يا رسول الله ؟ قال رأيت الجنة والنار .
والأحاديث في هذا كثيرة مشهورة جمعها ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم وابن القيم في حادي الأرواح وغيرهما ..

6- وأنهما تتكلمان وتتحاجان
صح في الحديث أن النار تكلمت واشتكت إلى ربها فقالت : رب أكل بعضي بعضا . كما سيأتي بتمامه ..
وفي الصحيحين [البخاري 4850 ومسلم 2846] من حديث أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم ؟ قال الله تعالى للجنة : إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها .. فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله رجله فتقول قط قط قط .. فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا .. وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا .

7- وأن الله خلق لكل منهما أهلاً
كما في صحيح مسلم [2662] عن عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم :
يا عائشة إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلاً وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم .
[ ورواه أبو داود 4701 وابن ماجة 82 والنسائي 1946]وهذا الحديث مجمل بينه الحديث الصحيح الذي فيه أن أهل الجنة وأهل النار معلومين بأسمائهم وأسماء آبائهم وأسماء قبائلهم وأنهم مكتوبين في كتاب من عند رب العالمين ، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الكتابين كما رآهما بعض أصحابه رضي الله عنهم أجمعين ..
ففي المسند من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان ، فقال أتدرون ما هذان الكتابان ؟ فقلنا : لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا ..
فقال للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من رب العالمين تبارك وتعالى بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً ، ثم قال للذي في يساره : هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً ..
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلأي شيء إذاً نعمل إن كان أمراً قد فرغ منه ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سددوا وقاربوا ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل ، وإن صاحب النار ليختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل ، ثم قال بيده فقبضها ثم قال : فرغ ربكم عز وجل من العباد ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال : فريق في الجنة ، ونبذ باليسرى فقال : فريق في السعير .
[ رواه أحمد في المسند وصححه شاكر 6/132 رقم 6563 وصحيح الترمذى2/255 رقم1740 وقال الشيخ أحمد شاكر في شرحه : ظاهر الحديث أنهما كتابان حسيان حقيقيان وهما من عالم الغيب الذي أمرنا أن نؤمن به إيماناً وتسليماً. وراجع كذلك تحفة الأحوذي 6/296 للمباركفوري ]

8- وأن لكل واحد منزل في الجنة وآخر في النار
كما روى ابن ماجة عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ما منكم من أحد إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى : أولئك هم الوارثون .
[رواه ابن ماجة4341 وابن أبي حاتم كما عند ابن كثير وصححه الألباني في الصحيحة 2279]ومعنى الحديث كما هو ظاهر : أن الله كتب لكل واحد من أهل الدنيا منزلان أحدهما في الجنة لو عمل الصالحات ، والآخر في النار لو عمل السيئات ..
فإذا دخل رجل الجنة بقي له بيت في النار فيرثه الكافر .. وإذا دخل رجل النار بقي له بيت في الجنة فيرثه المؤمن .. والعلم عند الله ..
فإن قيل :
لماذا يخلق الله له منزلان وفي علم الله أنه سيكون في الجنة أو في النار ؟
فالجواب والله أعلم : أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغنا في حديث سيأتي في بعض صور نعيم أهل الجنة ، أن المؤمن وهو في الجنة سيرى مكانه في النار لو عمل السيئات فيزداد شكراً على نعمة الله وعلى نجاته من النار ..
وأن الضال سيرى مكانه في الجنة لو كان عمل الصالحات فيزداد حسرة على عذابه .. وفي هذين الصورتين زيادة فرح وسرور أهل الجنة وزيادة عذاب وحسرة أهل النار .. نسأل الله العافية .

9- وأنه حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ..
في الصحيحين [ البخاري 6487 ومسلم 2823 ] من حديث أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره.
وفي رواية مسلم : حفت بدل حجبت .
يقول ابن حجر : وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس والحض على الطاعات وان كرهتها النفوس وشق عليها.

10- وجعل للنار نفسين في الصيف والشتاء
كما في الصحيحين [ البخاري 3087 ومسلم 615 ، 617 ] من حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
اشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير.
وفي رواية للبخاري : فأشد ما تجدون من الحر فمن سمومها وأشد ما تجدون من البرد فمن زمهريرها .
وأن الجنة يشتم رائحتها أهل الإيمان والجهاد ..
كما في مسند أحمد [2/194] وسنن الترمذي [3200] والنسائي [ كبرى 8291] بسند صحيح عن أنس قال : غاب عمى أنس بن النضر عن قتال بدر فلما قدم قال : غبت عن أول قتال قاتل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المشركين ، لئن أشهدني الله قتالا ليرين الله ما أصنع ، فلما كان يوم أحد انكشف الناس فقال : اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعنى المشركين وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعنى المسلمين ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ فقال : أي سعد والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد واها لريح الجنة قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس : فوجدناه بين القتلى ، به بضع وثمانون من بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم قد مثلوا به فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه قال أنس : فكنا نقول : أنزلت هذه الآية ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) [الأحزاب-23] أنها فيه وفى أصحابه .
لأن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف كما في مسند أحمد [4/396] وصحيح مسلم [1902] من حديث أبي موسى مرفوعا : إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف .
فيالها من نعمة يستحقها أهلها ..

11- وأنهما خالدتان لا تفنيان
خلود الجنة مما أجمع عليه العلماء من أهل السنة والجماعة ..
وخلود النار كذلك أيضاً لولا قول من قال – كما نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم – بفنائها وخرابها وخروج أهلها ..
قال الأمير الصنعاني في كتابه الماتع رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (1/63) عن هذه المسألة الكبيرة والخطيرة :
واستوفى المقال فيها العلامة ابن القيم في كتابه حادي الأرواح إلى ديار الأفراح نقلا عن شيخه العلامة شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية فإنه حامل لوائها ومشيد بنائها وحاشد خيل الأدلة منها ورجلها ودقها وجلها وكثيرها وقليلها وأقر كلامه تلميذه ابن القيم وقال في آخرها إنها مسألة أكبر من الدنيا وما فيها بأضعاف مضاعفة هذا كلامه في آخر المسألة في حادي الأرواح وإن كان في الهدي النبوي أشار إشارة محتملة لخلاف ذلك .. اهـ
فالبعض يرى أن موقف ابن تيمية وابن القيم غير واضح في هذه المسألة ، ومنهم من قال أنهما كانا يميلان أولا لهذا القول ..
والحقيقة التي تنتج بالاستقراء لمؤلفاتهما أنهما ليسا بأصحاب هذا القول ، وإن كانت هناك بعض النصوص في كلامهما وتقريراتهما تدل على ذلك ، إلا أن المبهم منها يرد للواضح فيزول الإشكال . وليس ها هنا محل بسط ذلك ..

وحقيقة : أن من يرى أسلوب ابن القيم في الحجاج والتقرير وتوجيه الأدلة في كتابه حادي الأرواح وغيره ، يكاد أن يميل للقول بهذه المسألة ..
ولكن سرعان ما يظهر الحق جليا مع مذهب الجمهور وهو خلود الجنة والنار خلوداً أبدياً لا انقطاع له . وأدلة هذا الأمر كالآتي :
من الآيات في خلود الجنة قوله تعالى :
( لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ ) [آل عمران-15]
وقوله : ( لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ ) [آل عمران-192]وقوله : ( وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ) [النساء-13]
والآيات في هذا المعنى كثيرة ومتنوعة ..
ومن الأحاديث ما رواه مسلم [2837] عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ينادي مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبداً .
وحديث الصحيحين في ذبح الموت أمام أهل الجنة وأهل النار وقوله :
يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت .
والأحاديث فيه كثيرة أيضاً ..
وأما الآيات في خلود النار وأصحابها ، فقد قال تعالى : ( خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ ) [البقرة-162]وقال تعالى : ( إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً ) [النساء 168-169]وقال تعالى : ( وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ) [الجن-22]وقال تعالى : ( إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ) [الأحزاب 64-65] وغيرها من الآيات ..
ومن الأحاديث ما ذكرناه أيضاً في قصة ذبح الموت ..
وفي الصحيحين [ البخاري 5778 ومسلم 109 ] عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً .
وإذ ثبت بالأدلة خلود أهل الجنة والنار فمن ذلك قطعاً خلود الجنة والنار ، وهذا أمر بدهي لا يحتاج إلى توضيح .
واعتمد الذين قالوا بفناء النار على ثلاث آيات في كتاب الله ..
وهن قوله تعالى عن الكفار : ( قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ ) [الأنعام-128]وقوله : ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ) [هود 106-107] فقالوا : إن هذا الاستثناء يفيد عدم الدوام ..
وفي قوله عن الكفار : ( لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ) [النبأ-23]قالوا الحقبة وقت زمني محدود مهما طال أمده ..
واستدلوا بروايات عن بعض الصحابة منها عن الحسن عن عمر قال :
لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه .
وعن ابن مسعود قال : ليأتين عليها – أي النار – زمان ليس فيها أحد .
وقد رد الأئمة الأجلة من السلف في رد هذا المذهب على أصحابه في مؤلفات عدة مفردة وفي أخرى في بعض الفصول ..
والحق أن الفريق القائل بفناء النار توهموا أدلة في الكتاب العزيز وتأويلها على غير ما أرادوا .. كما أنهم اعتمدوا على آثار واهية يقوونها ببعض الأحاديث الصحيحة وهي في غير ما أشاروا إليه ..
كما قالوا في الحديث : إن رحمتي غلبت غضبي .. أن من لوازم ذلك أن تسبق رحمته غضبه على أهل النار فيخرجون منها بعد أن يزول عذابها وينطفئ لهبها .
وقد قرروا ذلك بكلام كثير من جهة النظر ..
وللرد الإجمالي عليهم نقول :
أولاً : الآيتان السابقتان واللتان يحملان الاستثناء المذكور في قوله : ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ )
قال الجمهور من علماء التفسير : أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ممن يخرجهم الله من النار كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها ، وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديماً وحديثاً في تفسير هذه الآية الكريمة .
وهناك قول بأن المدة التي استثناها هي مدة البرزخ في القبور إلى البعث .. ومعلوم أنه عذاب على الكافرين ما دامت السماوات والأرض قبل أن تتبدل ..
كما قال عن فرعون وقومه : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) [غافر-46]وهو قول وجيه ، وليس هناك مانع من حمل الآية عليه ..
وما قيل في الآية الأولى يقال في الآية الثانية .
وأما الآية الثالثة : وهي قوله : ( لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ) ففيها أقوال ثلاثة :
القول الأول : ما نقله ابن كثير عن خالد بن معدان قال :
هذه الآية : ( لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ) وقوله تعالى ( إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ ) في أهل التوحيد . وهو رأي الكثير من السلف أيضاً ..
القول الثاني : وهو أن يكون قوله تعالى : ( لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ) متعلقاً بقوله تعالى : ( لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً ) ثم يحدث الله لهم بعد ذلك عذاباً من شكل آخر ونوع آخر . وهذا قاله ابن جرير ..
القول الثالث : أن الأحقاب ليس لها مدة إلا الخلود وإن عرف مقدارها .
قاله قتادة والربيع بن أنس ، وقد روى ابن جرير عن الحسن وقد سأل عن الآية فقال : أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار ، ولكن ذكروا أن الحقب سبعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون .
وعن قتادة قال : هو ما لا انقطاع له وكلما مضى حقب جاء حقب بعده .
وقال الربيع بن أنس : لا يعلم عدة هذه الأحقاب إلا الله عز وجل .
ذلك التفسير المختار لهذه الآيات عند جمهور السلف ..
وأما الأثر عن عمر وابن مسعود وغيرهما مما ورد عن الصحابة فإنه لم يصح السند إليهم ، وقد ضعفها جمهور العلماء .
[ وانظر للتوسع السلسلة الضعيفة تحت الحديث 342 وتخريج العقيدة الطحاوية ص 428 ]والحاصل أن الجنة والنار خالدتان بأهلهما على الدوام ..
والمسألة منثورة في كتب العقائد والفرق ..
ومن قول السفاريني في عقيدته :
واجزم بأن النار كالجنة في *** وجودها وأنها لم تتلف .
وقال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله :
والنار والجنة حق وهما *** موجودتان لا فناء لهما .
والله أعلم .

– مسألة : فيمن دخل الجنة أو النار قبل يوم القيامة
ثبت أنه قد دخل الجنة قبل يوم القيامة نبي الله آدم وأمنا حواء ..
ويؤسس ذلك على خلاف قديم فيما إذا كانت الجنة التي أدخلها آدم هل هي جنة الخلد أم جنة في الأرض ؟ والجمهور على أنها الجنة التي في السماء وهي جنة المأوى ، وأدلة القائلين بأنها جنة أخرى في السماء أو الأرض – على خلاف بينهما – أقوى وأوضح كما ذكرها ابن القيم وابن كثير وغيرهما ..
وما قيل من دخول صاحب يس الجنة كما قال تعالى : ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ) [يس-26]أو الشهداء عموماً لقوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [آل عمران-169] فإنما ذلك بالروح لا بالجسد كما روى مسلم [1887] مرفوعاً قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهداء : أرواحهم في جوف طير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل .
والمعروف والمشاهد أن جثث الشهداء في الأرض ، فثبت بأن المقصود دخول أرواحهم فقط ، كما صح [ من حديث البراء بن عازب رواه أحمد في المسند رقم 18063] أن المؤمن في قبره يبشر بالجنة فيأتيه من نعيمها والكافر يبشر بالنار فيأتيه من لهيبها .
وهذا لا يستلزم دخولهم الجنة والنار حقيقة كما هو ظاهر .
وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة الإسراء كما رواه البخاري في أول كتاب الصلاة ، وعلى أساس أن جمهور العلماء من السلف والخلف يقولون أن الإسراء بالروح والجسد معاً .
أما دخول النار حقيقة ففيه أحاديث خاصة وعامة ..
فمن الخاصة حديث عمرو بن لحي فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح يجر قصبه في النار ..
وحديث المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها وهما في الصحيحين .
ومن العام أحاديث كثيرة منها ما جاء عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
بينا أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا فقالا اصعد فقلت إني لا أطيقه فقالا إنا سنسهله لك فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة قلت ما هذه الأصوات ؟ قالوا هذا عواء أهل النار ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما قال قلت من هؤلاء قالا : الذين يفطرون قبل تحلة صومهم .. الحديث .
[ قال المنذري: رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وصححه الألباني ]وظاهره أنه رؤيا منامية ، ورؤيا الأنبياء حق ووحي كما ورد .
والأعم من ذلك أيضاً ما جاء في الصحيحين [ البخاري 3241 ومسلم 2738] عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء .
ولا ندري هل دخلها هؤلاء بأجسامهم حقيقة أم لا ..

فالتحقيق في المسألة إن شاء الله : أنه قد علم يقيناً أن الله خلق الجنة والنار ، وأنهما موجودتان الآن ، وإذا ثبت مما نقلناه من أحاديث أن أرواح الشهداء تدخل الجنة وأرواح الكافرين تدخل النار حقيقة ، فدخول أرواح المؤمنين الجنة وأرواح الكافرين النار في صورة من صور البشر التي كانوا عليها ..
كما أفاد كلام ابن القيم في كتابه الروح :
أن الأرواح تأخذ شكل الجسد وهيئته بعد مفارقتها له وأن الله سبحانه سوى نفس الإنسان كما سوى بدنه بل سوى بدنه كالقالب لنفسه فتسوية البدن تابع لتسوية النفس .. وساق أدلة قوية على ذلك فليراجعها من أراد الزيادة .
فيكون دخول المؤمن الجنة ودخول الكافر النار بروحه لا بجسده ، وما يقع عليه من نعيم وعذاب يقع على الروح والجسد معا قبل يوم القيامة ، كما رجح هذا الأخير جمهور أهل السنة ..
وإذ قد جاء عن رسول الله أنه رأى فيهما أناسا يعذبون وآخرون ينعمون رؤيا عين ، فلابد وأن يكون هذا دخولا حقيقيا للروح في هيئة الجسد ..
ومن حجج الذين أنكروا وجود الجنة والنار الآن وأن الله يخلقهما يوم القيامة أنهم قالوا : كيف يخلقهما وهما معطلتان من أهلهما ؟
فيكون هذا الذي قلناه رداً عليهم وجمعاً بين الأدلة .. والله اعلم .

12- ما يوجد من الجنة والنار في الدنيا
ثبت أن الحر وشدة البرد وهو الزمهرير من نار الآخرة كما مر معنا في حديث الصحيحين [ البخاري 3260 و 538 ومسلم 617 ] قول النبي صلى الله عليه وسلم عن النار : فأشد ما تجدون من الحر فمن سمومها وأشد ما تجدون من البرد فمن زمهريرها .
ومنه حديث أبي ذر في الصحيحين [ البخاري 3258 ومسلم 616 ] وأبي سعيد في البخاري مرفوعا : أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم .
وثبت كذلك أن الحمى من نار جهنم كما روى البخاري عن عائشة وابن عمر مرفوعا : الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء .
[ متفق عليه رواه البخاري 3263 ومسلم 2210]وصح من حديث أبي هريرة مرفوعا : ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حر جهنم ، قيل : يا رسول الله ! إن كانت لكافية ؟ قال : فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها .
[ رواه مسلم 7344 وأحمد 8126 والترمذي 2589 ]أما ما ورد عما هو في الدنيا وأصله من الجنة فكثير ..
منها : أنهار سيحان وجيحان والفرات والنيل ..
كما في حديث أبي هريرة عند مسلم [2839] قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة .
قال الإمام النووي في شرح الحديث بعد أن أثبت أن سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون ورد على القاضي عياض في ذلك :
والأصح أن الحديث على ظاهره وهذه الأنهار لها مادة من الجنة ، والجنة مخلوقة اليوم عند أهل السنة ، وقد ذكر مسلم في كتاب الإيمان في حديث الإسراء : أن الفرات والنيل يخرجان من الجنة وفي البخاري : من أصل سدرة المنتهى .. اهـ من النووي .
ومنها الحجر الأسود :
كما في حديث أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس في الأرض من الجنة إلا ثلاثة أشياء : غرس العجوة وأوراق ( وأواق ) تنزل في الفرات كل يوم من بركة الجنة ، والحجر ( أي الحجر الأسود ) .
[ انظر الحديث وتخريجه في الصحيحة رقم 3111 ]
وأما قوله عن الحجر الأسود : وما على الأرض من الجنة غيره [ الصحيحة 3355 ] فقد بين الألباني رحمه الله أن المراد ما على الأرض من الحجارة غيره في الجنة . والله أعلم .
ومنها الركن والمقام :
وفيه حديث عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله تعالى نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب .
[ رواه الترمذي 878 وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم : 1633 ]ومنها قوائم المنبر النبوي وفيه حديثين في المسند :
الأول : عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قوائم منبري رواتب في الجنة .
والثاني : عن سهل بن سعد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
منبري على ترعة من ترع الجنة ، فقلت له ما الترعة يا أبا العباس؟ قال الباب .
[ الحديثان في المسند وصححهما الألباني في الصحيحة برقم 2050 و 2363]
والله أعلى وأعلم .

13- عظم اتساع الجنة والنار
قال تعالى : ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) [آل عمران-133]
وقال تعالى : ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) [الحديد-21]قال ابن كثير :
أي كما أعدت النار للكافرين .. وقد قيل إن معنى قوله ( وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ) تنبيها على اتساع طولها كما قال في صفة فرش الجنة ( بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ) أي فما ظنك بالظهائر ؟
وقيل : بل عرضها كطولها لأنها قبة تحت العرش والشيء المقبب والمستدير عرضه كطوله وقد دل على ذلك ما ثبت في الصحيح : إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وسقفها عرش الرحمن .. الحديث .
وفي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أرأيت جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت هذا الليل قد كان ثم ليس شيء أين جعل ؟ قال : الله أعلم .. قال : فإن الله يفعل ما يشاء .
[ أنظره في صحيح ابن حبان 1/306 وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم ورواه الحاكم 1/92 وصححه ]وعن طارق بن شهاب : إن ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة عرضها السموات والأرض فأين النار ؟ فقال لهم عمر : أرأيتم إذا جاء النهار أين الليل ؟ وإذا جاء الليل أين النهار ؟ فقالوا : لقد نزعت مثلها من التوراة .
وجاء مثله عن ابن عباس أن رجلا من أهل الكتاب قال : يقولون { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ } فأين النار ؟ فقال رضي الله عنهما : أين يكون الليل إذا جاء النهار ؟ وأين يكون النهار إذا جاء الليل ؟
قال ابن كثير : وهذا يحتمل معنيين :
أحدهما : أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار أن لا يكون في مكان وإن كنا لا نعلمه وكذلك النار تكون حيث يشاء الله عز وجل وهذا أظهر كما تقدم في حديث أبي هريرة .
الثاني : أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب فإن الليل يكون من الجانب الآخر فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السموات تحت العرش وعرضها كما قال الله عز وجل { كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ } والنار في أسفل سافلين فلا تنافي بين كونها كعرض السموات والأرض وبين وجود النار والله أعلم .
وقال البغوي : وإنما ذكر العرض على المبالغة لأن طول كل شئ في الأغلب أكثر من عرضه يقول : هذه صفة عرضها فكيف طولها ؟
قال الزهري : إنما وصف عرضها فأما طولها فلا يعلمه إلا الله .
وسئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن الجنة : أفي السماء أم في الأرض ؟
فقال : وأي أرض وسماء تسع الجنة ؟ قيل : فأين هي ؟ قال : فوق السموات السبع تحت العرش .
وقال قتادة : كانوا يرون أن الجنة فوق السموات السبع وأن جهنم تحت الأرضين السبع .

14- مجيء الجنة والنار يوم القيامة
والجنة والنار تأتيان يوم القيامة ، كما قال تعالى :
) وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ([الشعراء 90-91]فتأتي جهنم يومئذٍ بأمر الله ليعاين الكفار ما كذبوا به من قبل ..
قال تعالى: ) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِين ( [الشعراء-91]) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى ([النازعات-36]) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً ([الكهف-100]) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ([الفجر-23]وروى مسلم [ 2842 ] والترمذي [ 2573 ] من حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها .
وأن لها عند الحشر تغيظ وزفير عندما ترى أهلها كما قال تعالى :
) إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ( [الفرقان-12]ومن حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول: إني وكلت بثلاثة : بكل جبار عنيد ، وبكل من ادعى مع الله إلهاً آخر ، وبالمصورين .
وفي رواية أخرى صحيحة :
وبمن قتل نفساً بغير نفس ، فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم .
[ رواه أحمد 11374 و 8411 والترمذي 2574 وصححهما الألباني في الصحيحة ]
وتقرب الجنة يومئذٍ ليراها من آمن بها وصدق ..
قال تعالى : ) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيد ([ق-31]وقوله تعالى ) وََأُزْلِفَتِ ( بمعنى أدنيت وقربت من المتقين ..
) غَيْرَ بَعِيدٍ ( بحيث تشاهد وينظر ما فيها ، من النعيم المقيم ، والحبرة والسرور وإنما أزلفت وقربت لأجل المتقين لربهم ، التاركين للشرك ، كبيره وصغيره ، الممتثلين لأوامر ربهم ، المنقادين له .
وقيل ) غَيْرَ بَعِيدٍ ( يوم القيامة ليس ببعيد لأنه واقع لا محالة وكل ما هو آت قريب .. والأول هو الأليق بظاهر الآية والسياق . والله أعلم .

الخاتمة : وفيها مجمل وصف الجنة

الجنة هي الدار التي أعدها الله لعباده المتقين .. ولا نستطيع أن نقدر ما فيها من نعيم مقيم غير أننا نقول كما قال ابن القيم في الحادي :
" أنها دار غرسها الله بيده ، وجعلها مقراً لأحبابه وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه ، ووصف نعيمها بالفوز العظيم ، وملكها بالملك الكبير ، وأودعها جميع الخير بحذافيره ، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص .. " اهـ
فالجنة أرضها وتربتها من المسك والزعفران ، وسقفها تحت عرش الرحمن ، وبلاطها المسك الأزفر ، وحصبائها اللؤلؤ والجوهر ..
وفيها بيوت من قصب وقصور من ذهب وغرف من فوقها غرف مبنية ، وبنائها لبنة من فضة ولبنة من ذهب ، تجري من تحتها الأنهار ، وخيام منصوبة كالدرة المجوفة طولها ستين ميلاً .
ولها ثمانية أبواب ، لكل بابٍ أهل عمل يدخلون منه بفضل ربهم ..
وأما سعة الأبواب فبين المصراعين مسيرة أربعين عاماً ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام ..
وأما أشجارها فما أكثرها وأبهاها .. فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة ، وفيها شجرة طوبى التي يمشي الراكب المسرع في ظلها مائة عام لا يقطعها ..
وثمرها أمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل ..
فيها أنهار وعيون ، أنهار من ماء صاف لا يشوبه كدر ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى .
وفيها نهر الكوثر ووصفه يطول مع عيون وماء مسكوب .
وطعامهم فاكهة مما يتخيرون ، ولحم طير مما يشتهون .
وشرابهم من عين التسنيم والزنجبيل والكافور وختامه مسك لذة للشاربين ، وآنيتها وأكوابها وصحائفها من الذهب في بياض الفضة وفي صفاء القوارير .
ولباس أهلها السندس والحرير ، وفراشها الإستبرق ، وأسرتها مزررة بالذهب ، وحليتهم الذهب واللؤلؤ وعلى رؤوسهم التيجان .
تعرف في وجوه أهلها النضرة والنعيم والفرح والسرور والجمال والحبور.
هم في الجنان خالدون لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم ..
يسمعون غناء الحور العين .. وكلام رب العالمين .. فهم في روضة يحبرون ..
ولهم الزوجات من الحور العين مع صالح نسائهم من المؤمنين ..
والحور كواعب أترابا يرى مخ سوقهن شفافية وبياضاً وضوءاً ..
بكراً كلهن لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان ، وهن خيرات حسان ..
عرباً متحببات عاشقات مطيعات .. مطهرات من الحيض والنفاس والبول والغائط ، قصرت الزوجة طرفها على حبيبها من أهل الجنة لا تنظر لسواه ..
وخدمهم ولدان مخلدون .. إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤ مكنون ..
وفوق كل هذا النعيم .. يرون رب العالمين ، فيكشف لهم الحجاب ويرونه تعالى كما أراد فيخاطبهم بكلامه ، ويرضى عليهم ولا يسخط أبداً ، فينسون كل لذة رأوها في الجنة أمام لذة النظر إلى وجهه الكريم ..
وبالجملة : فـ " الجنة لا خطر لها ، هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وفاكهة كثيرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، في مقام أبدي في دار سلامة ، وخير ونعمة في درر عالية بهية ".
[ معناه في حديث مرفوع عند ابن ماجة بسند ضعيف ]وفي كل هذه الفقرات والكلمات أدلة صحيحة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
جعلنا الله من أهلها ومن خير سكانها .. اللهم آمين ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
والله أعلى وأعلم ..
وأستغفر الله من الخطأ والزلل .

بقلم عادل سليمان القطاوي

ما شاء الله سبحان الله يزاج الله خير الغاليه كل هذا فالجنه

بارك الله فيك ونفع بك

بارك الله فيكِ و أثابكِ خيراً ،
سبحان الله و بحمدهِ ، سبحان الله العظيمَ

وفيك بارك الله تعالى ونفعك بما علمك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.