تاريخ النشر: الجمعة 08 أكتوبر 2024
أحمد محمد
توجهت دعاء، التي ما زالت عروساً في شهر العسل، إلى الطابق الأول حيث تقيم أسرة زوجها، نزلت درجات السلم في دلال، كأنها تريد أن تذكر من يراها بأنها ما زالت في فترة العرس ولا يعني أنها في اليوم الثلاثين من الزواج أنها أنهت فترة العسل، كانت في كامل زينتها، وتبدو هذه المرة أكثر جمالاً، ترمي لأن توجه رسالة واضحة إلى من حولها، بأنها تعيش في غمرة السعادة مع عريسها، خاصة أنها تزوجته بعد فترة خطبة استمرت أربع سنوات، منذ كان عمرها ستة عشر عاماً، فهي الآن في العشرين من عمرها، وحصلت منذ عامين على الشهادة المتوسطة فقد سبقها بالحصول عليها لأنه يكبرها بثمانية أعوام.
سألتها حماتها عن زوجها ولماذا لم يأت معها، فأخبرتها بأنه نائم، وسيأتي بعد إعداد طعام الغداء، وانشغلت المرأتان في تجهيز الأطعمة التي تليق بأسرة تعيش الأفراح والليالي الملاح، ومرت ساعتان على إعداد الطعام لكن العريس لم يحضر، ليس من عادته أن ينام كل هذه الفترة في هذا الوقت من النهار، فاستأذنت العروس في الصعود إلى الطابق العلوي لإيقاظه، وكما هبطت في دلال صعدت في دلال أيضاً، دقائق قليلة وجاءت تسبقها صرخاتها وراحت تولول بطريقة هستيرية ولم يفهم أحد حرفاً وحداً من الكلمات التي تفوهت بها واختلطت بصراخها ودموعها، إلا أن المشهد يؤكد أن الأمر جلل، ومع ذلك لا يمكنهم أن يتوقعوا ما حدث، هرولوا نحوها وهم يتدافعون، أرجلهم غير قادرة على حمل أجسادهم النحيلة، فخلال هذه الثواني توقفت عقولهم عن العمل وتعلقت عيونهم بها، ورغم قرب المسافة التي بينهم لا تجيب على تساؤلاتهم المتلهفة مما زاد القلق والخوف وعندما وصلوا أشارت بيدها إلى داخل غرفة النوم، وهم يتوقعون أي شيء إلا ما وقعت عليه عيونهم.
سقطت العروس على الأرض بينما أهل الدار في ذهول مما رأوا، ابنهم العريس الشاب غارق في دمائه فوق سريره، ونادوا عليه فلم يجب فقد كان بلا حراك، إنه جثة هامدة، لا شك أنه فارق الحياة، تعالت صرخات الجميع في كل أنحاء القرية التي هرع أبناؤها، يضربون الأكف ولا يصدقون ما تناهى إلى مسامعهم، فالرجل منذ أيام كان يختال في حفل عرسه، ومن حوله الشباب يزفونه ويرقصون ويغنون، وهو في كامل الفتوة والحيوية، تكاد الفرحة تقفز من عينيه وهو في ليلة العمر. الأسئلة التي ترددت على ألسنة الجميع حائرة، فمن ذا الذي فعل هذه الفعلة الخبيثة؟ ولا يجدون جواباً، خاصة أن الفتى على خلق ومسالم، ولا توجد أية خلافات بينه وبين أي من أبناء القرية كلها، وهو محبوب من الجميع، وهو الابن الوحيد لأبيه وأمه بعد خمس بنات، لذا كانت الأحزان غائرة عميقة، وهذه الأسباب نفسها حيرت رجال المباحث وصعبت مهمتهم في الكشف عن القاتل الذي تسلل في الظهيرة ووضح النهار من دون أن يشعر به أحد، ووصل إلى غرفة النوم خلسة، ويبدو أنه دخلها من النافذة، لأنها وجدت مفتوحة، والقتيل مسجي على ظهره ورصاصة واحدة اخترقت رأسه، كانت كافية لأن تنهي حياته، ويبدو أن القاتل وضع السلاح على أقرب مسافة من الرأس، حيث لم يسمع أحد صوت الطلقات.
اتشحت القرية بالسواد وأعلنت الحداد، وتزداد الدموع عندما تقع العيون على هذه الأرملة الصغيرة التي فقدت زوجها في قمة الفرحة، التي تحولت إلى مأساة، كانت الهزة أكبر من أي احتمال، وكلما تم استجوابها في قسم الشرطة أو في تحقيقات النيابة تصاب بحالة هستيرية لأن المحقق يطلب منها أن تذكر بالتفصيل اللحظات الأخيرة مع زوجها، وبصفتها آخر من شاهد القتيل وأول من اكتشف الجريمة، فتتذكر المشهد المرعب وإن لم يغب عن مخيلتها، بل يطاردها في أحلامها فتقوم فزعة من نومها الذي لا تستطيع أن تستغرق فيه منذ هذه المأساة. ويرفع خبراء الأدلة الجنائية البصمات من مسرح الحادث، لا توجد إلا بصمات الزوجة وشخص آخر مجهول، لكن المؤكد أن الزوجة لم تكن في مكان الحادث وقت وقوعه، بشهادة جميع من كانوا في الدار، ويمضي أكثر من أربعة أسابيع دون الحصول على دليل يؤدي إلى مرتكب الجريمة، لكن تأتي مكالمة هاتفية من محمول الزوجة في وقت الجريمة لتحل اللغز الصعب، الاتصال كان مع “عمر” حبيبها الأول قبل زواجها، ولا مبرر لأن تهاتف رجلاً غريباً وهي في شهر العسل.
وجاءت المفاجآت تتوالى كالعاصفة بعدما فشلت العروس في أن تثبت على أقوال واحدة حول هذا الاتصال، فانهارت هذه المرة، لا حزناً كما كانت تدعي من قبل وإنما لأن السر انكشف، ودست رأسها بين يديها وراحت تعترف.
قالت وقد تحجرت دموعها، لقد فقدت كل شيء، الزوج الذي قتل والحبيب الذي كنت أعشقه، فقبل خطبتي ارتبطت بقصة حب مع جاري “عمر” كان كل حياتي، لا أرى في الدنيا غيره، ملك كل أحاسيسي، وفى بوعده وتقدم لخطبتي، لكن أسرتي رفضته لظروفه المادية المتواضعة، لم يمنحوه أي فرصة أو محاولة، قطعوا عليه الطريق لأي محاولة وقضوا على كل آمالنا، شعرت كما لو أنهم فصلوا روحي عن جسدي، ولم يعد لحياتي طعم، وكانت الطامة الكبرى، عندما تقدم “رمضان” لخطبتي ووافقت أسرتي عليه، حينها فقدت الأمل تماماً. واستمرت الخطبة أكثر من أربع سنوات، كنت في كل يوم أتمنى فسخها لأي سبب، لكن ما نيل المطالب بالتمني، وفي النهاية تم الزواج، أو تم إعدامي وطوال هذه السنين لم تنقطع علاقتي بحبيبي، نفكر معاً في مخرج، وبعد الزواج تأججت النيران داخلنا، لم نعد نحتمل، لا بد من اتخاذ قرار حاسم بأن نتخلص من زوجي الذي أجبرت عليه ولم تنقطع الاتصالات بيننا، كنت اطمئن عليه مرات عدة في اليوم الواحد، أعرف عنه كل شيء وهو أيضاً، وعندما حرّقنا الشوق بدأنا التنفيذ.
الخطة التي وضعناها حرصنا فيها على ألا تشير أصابع الاتهام إلى أي منا لا هو ولا أنا وأن نستغل وقت الظهيرة عندما ينام زوجي فأترك باب المسكن مفتوحاً و”عمر” يتسلل إليه من فوق أسطح المنازل المتجاورة المتلاصقة، في الوقت الذي أكون فيه مع أسرة زوجي لإبعاد الشبهات عني، وبذلك نخرج من الموقف مثل الشعرة من العجين، وبعدها نتزوج وكأن شيئاً لم يكن. في يوم الحادث وبعد أن تهيأت الظروف، اتصلت به وأخبرته بالترتيبات، وجلست أترقب وحاولت أن أسيطر على تصرفاتي واعتقدت أنني نجحت في تمثيل الأحزان في البداية، وكلما مرت ساعة ولم يتم القبض عليّ ولم يتم كشف اللعبة الخطرة، أتوهم أنني نجوت. وألقي القبض على العاشق القاتل وعند المواجهة مع المرأة الماكرة بادرها بقوله: ضيعتيني! قالت: بل أنت الذي ضيعتني، واقتادهما الحراس، كل منهما إلى محبسه ينتظران كلمة العدالة، التي قد تكون الإعدام
اقرأ المزيد : الأرملة القاتلة – جريدة الاتحاد https://www.alittihad.ae/details.php?…#ixzz11m7IWkXW
قصة واقعية … بأحداث تشابه ما كنا نقرأه في روايات قصص أجاثا كريستي و الفريد هتشكوك…
اللهم ارحمنا وارحم موتى المسلمين
شكرا ياغالية ….
الحمد لله على نعمة العقل