الابحار على رصيف الذكريات

مراهقة تبلغ من السن 16 عاما , موهوبة بتعبيرها , ملموسة الخيال, واسعة النطاق , تحب التعابير الوجهية من كل النواحي سوءا سلبية أو ايجابية .
إنها ريم, ريم تعيش مع أسرتها المكونة التي تتكون أم و أب و أربعة أخوات و أخوين أسرة مترابطة متماسكة , كل فرد متمسك بالآخر. ما عدا هذه المراهقة , لقد رأت الكثير في الدنيا من مشاكل و حوادث و غموض و تساؤلات و لقد أثر فيها ذلك حقا .
رثى بها الحال و بقيت منعزلة عن أسرتها وحيدة في عالمها.
بدأت هذه المراهقة مرحلة الغموض برسم أول لوحة لها تعبير عن أنامل الأسى الذي يحصل في المجتمع من قضايا و مشاكل و منها التربوية و السلوكية .
أبدعت برسم هذه اللوحة و وضعت كل مشاعر الحانية على تلك اللوحة و خبأت اللوحة لتكمل بها باقي اللوحات , ولكن في يوم من الأيام جاءت أختها نوف للبحث عن قرض ضائع لها , فذهبت لغرفة ريم للبحث عنه و لكن ما أن وضعت يديها على درج ريم و فتحته و وجدت تلك اللوحة الغامضة , أخذت نوف تتأمل و تتعمق في تلك اللوحة و جذبها شعور لا يتصف , و فجأة دخلت ريم إلى غرفتها لترتاح و لكن انصعقت من رؤية أختها نوف . تعجبت ريم من أختها نوف ظلت واقفة في مكانها و كأنها تلقت خبرا نزل على روحها كالصاعقة في ليلة تشوبها البرد و العواصف فاتجهت نحوها مسرعة و قائلة :نوف ماذا تفعلين في غرفتي ؟ و ماذا الذي تحملينه في يدك؟
نوف: امممم , لا لا , لا أفعل شيئا و إنما جئت للبحث عن قرض ضائع .
ريم: استأذني مني في المرة القادمة.
نوف: حسنا, سأفعل .
توجهت نوف إلى خارج غرفة ريم و لكن انتابها الفضول قائلةً : ريم ؟؟ يا ترى إلا ما ترمز تلك اللوحة ؟
ريم: لوحة ؟ أية لوحة؟ لا يوجد لدي أية لوحة.
نوف : ريم .. اللوحة التي في الدرج .
قالت ريم في نفسها: يا إلهي كيف علمت بتلك اللوحة ؟؟
ردت عليها قائلة ً: ألم تقولي أنك أتيت للبحت عن قرضك الضائع؟؟
نوف باستعجاب: امم نعم , نعم ألم تريه؟
ريم: لا لم أره ابحثي عنه حيدا في الجوار .
نوف: سأفعل .
ما إن ذهبت نوف على خارج الغرفة , ذهبت ريم لإغلاق باب غرفتها و أخذت تلك اللوحة و خبأتها في صندوقها الأسود الكبير الذي لا يعلم أحد بوجوده , يا ترى ماذا يوجد فيه ؟ و على ماذا يحتوي عليه؟
مع مرور الأيام سنعلم على ماذا يحتوي ذلك الصندوق الأسود الكبير .
في الصباح التالي استيقظت ريم للاستعداد للذهاب لمدرستها ,و لكن في كل مرة تبحر ريم إلى عالمها و تتخيل بأنها ستواجه تلك الفتيات اللواتي يجعلن يومها مفسدا .
و من ثم دخلت نوف إلى غرفة ريم قاطعة عليها حبل أفكارها عن عالمها قائلة ً: هيا يا ريم , أبي ينتظرنا بالخارج .
ريم: قادمة الآن .
واجهت ريم مشاكل وضغوطات نفسية و كانت تتعرض للإساءة و الإهانة يوميا , إلى أن اكتفت من ذلك فعليا .
لم تخبر ريم أحدا ً عن ذلك و إنما ظلت هكذا إلا اليوم , تشعر بأن شيئا ما سيحدث سيجعلها شخصا آخر.
ذهبت ريم إلى مدرستها في طريقها للصف , و لكن اعترضنها تلك الفتيات اللواتي يتعرضوا لها يوميا .
قالت إحدى الفتيات: أنت يا هذا, هل أعجبتك طريقتنا معك ؟
تجاهلت ريم ذلك النقاش , و لكن ما إحداهن قالت: يا ويلي , انتظري من يتجاهلنا .
ردت الأخرى: لا لا , ليست كذلك , و إنما فعلا ً أعجبتها طريقتنا معها , ألا يقولون إن السكوت من علامات الرضى ؟؟
طريقة ريم في التجاهل قد أغضبت إحداهن فعلا ً . ولكن ما إن سعت تلك الفتاة الغاضبة و أخذت إحدى دفتر مذكراتها , و ألقتها على رأس ريم المسكينة ,مما أدى ذلك سقوط كتب ريم .
شعرت ريم بالغضب , وأخذت مقص من محفظة أقلامها و خبأته ما بين يديها , متوجه نحوهن قائلة: من التي رمتني بدفتر مذكرتها؟
ردت الفتاة الغاضبة : و هل ستفعلين شيئا إن اعترفت لكِ ؟
ريم: قد لا تتخيلي ذلك فعلا ً.
قالت بعض الفتيات: سنذهب لا نريد أن نتسبب بالمشاكل . أسرعن و ذهبن لصفوفهن, و بقيت الفتاتين.
ذهبت إحداهن لريم و قالت : بالكاد استطيع أن أراك هنا لم لا تذهبين بعيدا عنا , أنتي حالك كحال الأخريات السخيفات المثيرات للشفقة .
غضبت ريم من هذا الكلام و قامت بأخذ رأس الفتاه و رطمته بإحدى خزانات المدرسة , إلى أن سقطت . صرخت الفتاه من شدة الألم , هرعت صديقتها لمساعدتها و لكم ريم أمسكت بشعر الفتاة الأخرى و قامت بقصه و أفسدت تسريحة شعرها .
كل من في المدرسة خرج و هرع لرؤية ما حدث ,حتى إن صعقوا منذ رؤية وجه الفتاه المغمور بالدماء.
استدعت المديرة هؤلاء الطالبات لمعرفة ماذا يجري ؟؟
ما أن اجتمعت الفتيات ليسيقوا الأحداث حتى اختلفن ذلك .
وضحوا للمديرة أن ريم هي من تعرضت لهم و اعترضت طريقهم, و أن هي التي تريد أن تنتقم منهم و تريد أن تأثر لذلك بسبب حدث سابق جرى معها . انصدمت ريم من سماع ذلك ,كانت ريم تريد توضيح بواعث هذه المشاجرة , كانت تريد أن تقول للمديرة أنهم ظلموها و أنهم اختلقن ذلك و لكن المديرة أبت أن تصدق ذلك . استدعت المديرة ولي أمر الطالبة (ريم ) للمدرسة .
كانت أم ريم خائفة جدا مما ستسمعه من المديرة . ذهبت أم ريم للمدرسة لتعرف ما المشكلة , ما أن دخلت إلى غرفة المديرة , رأت وجه تلك الفتاه المغمور بالدماء , فالتقطت أنفاسها بسرعة و جلست . شرحت لها المديرة عن ما حدث و انصدمت من سماع ذلك .فقد استغربت فعلا ً من ذلك , ابنتها , ابنتها تفعل ذلك؟
اقترحت المديرة بأن تأخذ ابنتها إلى طبيب نفسي ليعرف ما مشكلتها . و فعلا أخذت الأم ابنتها ريم إلى طبيب نفسي , و لكن ريم أبت ذلك و لكن أمها أجبرتها على الذهاب , و لحسن حظ ريم ,الطبيب المطلوب غير متواجد . لذا رجعا للمنزل قالت الأم : بالله عليك يا ريم أهذه فعلة تفعلينها؟
ريم : أمي دعيني اشرح أسبابي أولا لكي تفهمي ماذا حدث .
الأم : تشرحي ماذا؟ الأسباب واضحة كبيان الشمس .
ريم : أمي أفهم من ذلك أنك تصدقين ما سمعتي ؟
الأم : بل ما أرى يا ريم . لم أتوقع ذلك منك . إنني حزينة عليك .
ريم : لكن أمي……..
الأم: لا أريد أن أسمع المزيد , اذهبي من هنا حالا ً .
ريم : أمي فقط اسمعيني………………….
الأم: ألم تسمعي ما قلت لكِ ؟
ذهبت ريم إلى غرفتها و الحزن بادي على وجهها , لأنها مظلومة و لا أحد يسمعها. و أغلقت الغرفة عليها . جلست قليلا ً ثم ارتاحت لعلها تجد أملا ً في ذلك .
كانت ريم مطمئنة لعدم ذهابها إلى الطبيب . لأنها لا تريد أن يشعر أو يعرف ماذا حل بجسدها المتألم . الذي أصيب بالكدمات و الضربات و الجروح و الآثار التي خلفنها تلك الفتيات الشرسات المستأذبات .
فتحت ريم إحدى مذكراتها اليومية , وبدأت بصفحة بيضاء جديدة تكتب فيها : اعلم بأن هناك أشخاص يمكن أن يفهموني . أعلم بأن هناك أشخاص يمكن أ ن يتمعنوا بداخلي . أعلم بأن هناك أشخاص يمكن أن يشجعونني على أن أقف على قدمي و أحارب الخوف الذي يتجسد في عروقي و شرياني , و لكنني لم أعلم بأن غايتهم هو التعرف على ما يضعفني و ما يخيفني ليستغلوه لصالحهم. اشعر إني ضعت لعالم آخر , أريد أن أتحاشى الذين استغلوني لغرضهم , لا أريد أن أرى تلك الوجوه التي كانت في البداية تشكل لي مصدراً لأخفف بها عبئي و همي .
نعم هذه أنا , أنا التي كانت تريد أن تستقبل مشاعر صادقة لتعبر عن حزنها….. و لكن رثى بي الحال فقط لوجودي لهذا المكان هو فقط زينة و مظهراً و جانب للاستخفاف فيه .
أغلقت ريم صفحة ذكرياتها و وضعتها في ذاك الصندوق. لم تكن ريم تعلم بماذا سيحدث لها لاحقا ً لنتعرف على ذلك .
جاء أبيها من الخارج مهلك متعب , هو عصبي المزاج , حاد الطباع. طيب القلب متفهم للأمور قليلاً , ولكن نظرته للأمور سلبية .
استقبلته أم ريم من على الباب أخذت حقيبة عمله محدثته : أهلا بعودتك .
الأب أهلا بكِ .
الأم : أردت محادثتك قليلا بموضوع .
الأب : خير .. ماذا هنالك ؟؟
الأم: خير إن شاء الله . هناك مشكلة حدثت في مدرسة ابنتك .
الأب : مدرسة ابنتي ؟ مشكلة ؟ ماذا حدث ؟ ماذا هنالك؟
أخبرته الأم بما حدث من الألف إلى الياء, و الأب غير مستوعب لذلك أبداً فقال للأم : دعيها تحضر لأتفاهم معها .
الأم : لك ذلك .
أخبرت الأم ابنتها بأن أبيها يريدها ليتفاهم معها , وذهبت ريم إلى قاعة الهلاك المظلم حيت لا تعلم بأن هناك أشد العقاب سوف تحصل عليه . رأت أبيها و وجدت ملامح وجهه ليست كالمعتاد. فانقض عليها أبيها بالضرب المهلك و المبرح .حتى أن خرجت ريم من تلك القاعة تلتقط أنفاسها الأخيرة و كأن شيئاً ما يتآكلها من الداخل ليشبع رغبته فيها .
كالمعتاد أغلقت ريم الباب عليها و ظلت تبكي حتى أن نامت و استيقظت للصباح التالي و ذهبت للمدرسة , و ما أن المديرة استدعتها لرؤيتها , فذهبت إلى هناك و رأت هناك فتاة تعرفها من قبل . جلست ريم و ناظريها للأسفل و من ثم قالت المديرة : اخرجي ذلك المعطف .
ريم : لماذا ؟؟
المديرة : من دون حوار ……..هيا أسرعي.
لم تكن ريم تريد فعل ذلك حتى لا ترى المديرة جسمها المنهال و المتعب من الضرب , بسبب ما خلفته الفتيات و أبيها .
أخذت ريم معطفها , ورأت تلك الأمور الفظيعة و قالت : من الذي فعل لكِ ذلك ؟
ريم: لا أحد .
المديرة : حاوريني من الذي فعل لكِ ذلك ؟
ريم : لا أريد البوح بذلك .
المديرة : لا بأس بذلك , لكن أنتِ تدافعين عن الفتيات.
ريم بدهشة : كيف علمت بذلك؟
المديرة : ليس هذا المهم , بل المهم إنهن سيحصلن على جزائهن . أسفه مما سببته لكِ من متاعب اعذريني لم أكن أعلم بذلك . أرجوك أن تسامحيني .
ريم : أريد الذهاب إلى الصف لقد تأخرت على الحصة .
المديرة : اذهبي و لكن أرجو أن تسامحينني . و جزاك الله خيرا .
ذهبت ريم إلى الصف لتكمل باقي الحصة . ولكن رن الجرس و كانت تتساءل كيف علمت بذلك . و السبب هو إن تلك الفتاه هي من أخبرت المديرة بذلك .
انتهى اليوم الدراسي و ذهبت ريم إلى المنزل . بعد عدة سنوات أصبحت ريم كبيرة بحيث أصبح عمرها في الثاني و العشرين . و ما زالت تحتفظ بتلك الذكريات المرّة و المؤلمة و الحزينة . قد علمت ريم بأن هناك عريس يريد أن يتزوجها و يبدأ حياه مع فتاه تفهم مشاعره و تستقبله بكل صدق و معاني . لم تكن ريم تريد ذلك حتى لا يحدث لها مثلما حدث معها في المدرسة عند المديرة. و لكن أجبروها أهلها بالزواج به حتى لا يرو ابنتهم التي سببت لهم الكثير من المشاكل .
و ها قد تزوجت به و ذهبت لبيتها الجديد , إنها ليلتها مع زوجها راشد , لم تكن ريم تريد أن تكون معه في نفس الغرفة و إنما أبت و لكن حدثها قائلاَ: لا تخافي هذه هي سنه الحياة .
ريم : ليس السبب هذا , و إنما أريد النوم وحدي.
راشد :لا يجوز ذلك يا ريم .
ريم: اعلم ذلك و لكن …………
راشد : هل هناك من خطب ما؟؟
ريم : لا لكن …….
راشد : لكن ماذا ؟ .
صمتت ريم و لكن أبى راشد إلا ويعرف الحقيقة حتى اقترب خطوات منها و صرخت به : اتركني وحيدة أنت لا تعلم ما الذي حدث لي ؟؟ لا تعلم ما الذي عشته من حياة قاسية و صعبة .
راشد: إذا اخبريني ماذا حدث ؟
لا مفر من الحقيقة ولا مخرج للهروب, استسلمت ريم و أخبرته بالحقيقة المؤلمة . و تفاجأ من ذلك . كيف فعل أهلها به هكذا و زوجوه من بنت جسدها لا يعلم حاله إلا الله .
بقيت ريم تبكي من حالها و لكن راشد فتح قلبه لها و ضمها إلى بر الأمان حيث رست فيه بكل اطمئنان . و بدأت حياتها الجديدة معه .
علم راشد بوجود ذلك الصندوق الكبير. و أخذه و أعلمها بأن يجب حرقة بكامله حتى لا تعود تلك الذكريات المؤلمة مرة أخرى.
ها أنا أخبركم بأن الصندوق كان يحمل لها كل الآهات الآلام و الذكريات القديمة . هذه هي الذكريات التي أبحرت ريم عليها و نجت منذ آخر لحظة لها. و عاشت مع من يكن لها احترام وتقدير.

ملاحظة: القصة من تأليفي

قصة جميلة ..
أحببت نهايتها السعيدة ،
أسلوب طيب و سلس ، ننتظر منك المزيد يا sasha

خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.