كلما دخلت قسم العناية المركزة بالمستشفى أرى دروساً أتعلم منها وأرى تضحيات عظيمة قلّ من يفهمها
حينما أرى أماً قد خارت قواها والتعب أنهكها والسهر على ولدها أضناها فتراها قد وضعت رأسها على حافة سرير ابنها لعلها تظفر بثوانٍ تذوق فيها غفوة فتتساءل ما الذي حملها على ذلك ؟ وما الذي جعلها تصبر على هذا الألم ؟
إنها مشاعر لا تخطها أقلام ولا يصفها كلام إنها مشاعر الوالدين فهل ياترى يدرك هذا الصغير ذاك الشعور العظيم والقلب الكبير الذي تحمله تلك الأم له ؟ أم أنه لا يدري ولا يبالي فتراه إذا كبر يحترم الناس ولا يحترم والديه ويرفع صوته عليهما
فيأتيه القرآن مذكراً ولمشاعره محركاً ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً )
فافتحي قلبك واسمعي بفؤادك واستشعري بجنانك كلام الله عز وجل فمهما تناسينا فالقرآن يذكرنا بتلك التضحيات التي مهما فعلنا فلن نوفيها لهما
ولأجل هذا حمل رجل أمه لا على السيارة ولا على الطائرة بل على ظهره ليحج بها جاء من مكان بعيد وفي ذاك الحر والزحام الشديد ثم قال لابن عمر وهي على ظهره هل تراني وفيت حقها ؟ فرد ابن عمر قائلاً ( ولا زفرة من زفراتها عند ولادتك )
اعلمي أختي الكريمة أن للوالدين من الفضل والإحسان ما ليس لغيرهما من القيام بالمؤنة والتربية والتعب الجسمي والفكري من أجل راحتك إن الوالدين يسهران لتنامي ويتعبان لتستريحي ويجوعان لتشبعي
ولن يعرف قدر الوالدين إلا من رزق بالأولاد ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين مقدماً على الجهاد في سبيل الله ففي الصحيحين ( عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها ، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين ، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله ، قال حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني )
ولقد قرن الله سبحانه وتعالى عبادته وعدم الشرك به بالإحسان للوالدين
فقال تعالى ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى )
هذا بيان منزلة البر وعظيم مرتبته
أما آثار البر فهي الثواب الجزيل في الآخرة والجزاء بمثله في الدنيا فإن من بر بوالديه بر به أولاده
ومن ثوابه في الدنيا تفريج الكربات والسعة في الرزق وطول العمر وحسن الخاتمة
وكما يكون بر الوالدين في الحياة يكون أيضاً بعد الممات
( عن أبي أسيد قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني سلمة وأنا عنده فقال يا رسول الله إن أبوي قد هلكا فهل بقي لي بعد موتهما من برهما شيء؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهودهما من بعدهما وإكرام صديقهما وصلة رحمهما التي لا رحم لك إلا من قبلهما قال الرجل ما أكثر هذا يا رسول الله وأطيبه قال فاعمل به ) رواه ابن حبان
وفي الحديث الآخر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) رواه مسلم
ويرزقنا بر الوالدين ويصلح ذريتناااا
ويرزقنا بر الوالدين ويصلح ذريتناااا