تخطى إلى المحتوى

التوبه .

التوبة
يقول الله تعالى :

"قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ "سورة الزمر اية 53

هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة دَعْوَة لِجَمِيعِ الْعُصَاة مِنْ الْكَفَرَة وَغَيْرهمْ إِلَى التَّوْبَة وَالْإِنَابَة وَإِخْبَار بِأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا لِمَنْ تَابَ مِنْهَا وَرَجَعَ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مَهْمَا كَانَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ وَكَانَتْ مِثْل زَبَد الْبَحْر وَلَا يَصِحّ حَمْل هَذِهِ عَلَى غَيْر تَوْبَة لِأَنَّ الشِّرْك لَا يُغْفَر لِمَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ

عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر قَالَ " إِنَّ إِبْلِيس – لَعَنَهُ اللَّه تَعَالَى – قَالَ يَا رَبّ إِنَّك أَخْرَجْتنِي مِنْ الْجَنَّة مِنْ أَجْلِ آدَم وَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُهُ إِلَّا بِسُلْطَانِك قَالَ فَأَنْتَ مُسَلَّط قَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَد إِلَّا وُلِدَ لَك مِثْله قَالَ يَا رَبّ زِدْنِي قَالَ أَجْعَلُ صُدُورَهُمْ مَسَاكِن لَكُمْ وَتَجْرُونَ مِنْهُمْ مَجْرَى الدَّم قَالَ يَا رَبّ زِدْنِي قَالَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجْلِك وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَان إِلَّا غُرُورًا فَقَالَ آدَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَا رَبّ قَدْ سَلَّطْته عَلِيّ وَإِنِّي لَا أَمْتَنِع إِلَّا بِك قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يُولَد لَك وَلَد إِلَّا وَكَّلْت بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ مِنْ قُرَنَاء السُّوء قَالَ يَا رَبّ زِدْنِي قَالَ الْحَسَنَة عَشْر أَوْ أَزِيد وَالسَّيِّئَة وَاحِدَة أَوْ أَمْحُوهَا قَالَ يَا رَبّ زِدْنِي قَالَ بَاب التَّوْبَة مَفْتُوح مَا كَانَ الرُّوح فِي الْجَسَد قَالَ يَا رَبّ زِدْنِي قَالَ " يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحِيم "


يقول الشيخ العريفى :

أربع مسائل مهمة تتعلق بالتوبة ..

المسألة الأولى :
أن المعاصي التي تجب التوبة منها تتفاوت ..
فأكبرها وأعظمها .. الشرك بالله ..
كمن يدعو غير الله في قضاء الحاجات .. ويستغيث بالأولياء في كشف الكربات .. أو يقف عند القبور سائلاً أهلها الحاجات ..

والله يقول : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } ..
* * * * * * * * *

ومن الشرك : تعليق التمائم الشركية .. في الأجساد أو على الأولاد .. أو في السيارات والبيوت .. لدفع العين أو غيرها ..
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد : ( من علَّق تميمة فقد أشرك ) ..
* * * * * * * * *

ومن الشرك : الحلف بغير الله تعالى :
فلا يجوز الحلف بالكعبة .. ولا بالأمانة .. ولا بالشرف .. ولا ببركة فلان .. ولا بحياة فلان ..ولا بجاه النبي .. ولا بجاه الولي .. ولا بالآباء والأمهات .. كل ذلك حرام ..
وقد روى أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال : "من حلف بغير الله فقد أشرك" ..
ومن جرى على لسانه شيء من هذا بغير قصد .. فكفارته أن يقول : لا إله إلا الله، كما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل : لا إله إلا الله ) ..
* * * * * * * * *

ومن أكبر الذنوب ..
استعمال السحر والكهانة والعرافة ..
أما السحر فإنه من أكبر الكبائر .. وقد يصل إلى حد كفر ..
ولا يجوز الذهاب إلى السحرة ..
قال صلى الله عليه وسلم كما في المسند : "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد" صلى الله عليه وسلم..
وقال فيما رواه مسلم : ( من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) ..
ومن ذلك اللجوء إلى أبراج الحظ في الجرائد والمجلات .. أو الاتصال هاتفياً على بعض من يدعي معرفة الغيب .. أو سؤالُهم .. كل ذلك حرام ..
* * * * * * * * *

ومن أكبر الذنوب بل من الكفر .. ترك الصلاة ..
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم : "بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة " ..
وإذا حكمنا على تارك الصلاة بالكفر .. فهذا يقتضي أنه تنطبق عليه أحكام المرتدين ..
فلا يصح أن يُزوَّج .. فإن عُقد له وهو لا يصلي فالنكاح باطل .. وإذا ترك الصلاة بعد أن عُقد له فإن نكاحه ينفسخ ولا تحل له الزوجة ..
وإذا ذبح لا تؤكل ذبيحته لأنها حرام .. ولا يدخل مكة ..

ولو مات أحد من أقاربه فلا حق له في الميراث ..
وإذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين .. ويحشر يوم القيامة مع الكفار ..
ولا يدخل الجنة .. ولا يحل لأهله أن يدعوا له بالرحمة والمغفرة لأنه كافر ..
* * * * * * * * *

ومن أكبر المعاصي ..
الزنا .. وهو أعظم الذنوب بعد الشرك والقتل .. قال تعالى : { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً } ..
وفي عصرنا فتحت كثير من أبواب الفاحشة .. ففشا التبرج والاختلاط ومجلات الخنا .. وأفلام الفحش ..
فنسألك اللهم رحمتك ولطفك .. وسترك وعصمة من عندك ..
طهر قلوبنا .. وتحصن فروجنا .. واجعل بيننا وبين الحرام برزخاً .. وحجراً محجوراً ..
* * * * * * * * *

ومن المعاصي :
أكل أموال الناس .. أو أكل الربا .. { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } ..
وهذا كاف في بيان شناعة هذه الجريمة عند الله عز وجل .
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم : لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء " ..
وصح في مستدرك الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال : " الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم "..
وصح في مسند الإمام أحمد : ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية " ..
فاتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ..
* * * * * * * * *

ومن المعاصي : شرب المسكرات .. أو تعاطي المخدرات ..
قال صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم : ( إن على الله عز وجل عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال " قالوا : يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : " عرق أهل النار أو عصارة أهل النار "..
وصح عند الطبراني .. أنه صلى الله عليه وسلم قال : " من مات مدمن خمر لقي الله وهو كعابد وثن " ..
وقد تنوعت المسكرات .. وتعددت أسماؤها .. فأطلقوا عليها البيرة والعرق والشمبانيا .. وغيرَ ذلك ..
* * * * * * * * *

ومن المعاصي : سماع الغناء :
وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري معلقاً :" ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف … "..
وصح عند الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ .. وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف " ..
ومما زاد البلاء في عصرنا دخولُ الموسيقى .. في أشياء كثيرة كالساعات .. والأجراس .. وألعاب الأطفال .. والكمبيوتر .. وأجهزة الهاتف .. والله المستعان .
وغير ذلك من المعاصي .. ويجب نصيحة أهلها .. { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } ..
* * * * * * * * *

المسألة الثانية :
أن بعض الناس إذا أراد أن يتوب من معصية سماع الحرام مثلاً .. قال له الشيطان .. لا يصح أن تتوب منها وأنت مقيم على معصية التدخين .. أو التساهل بالصلاة ..

فإما أم تتوب منها كلها .. أو لا تتعب نفسك ..
وهذا باطل .. فإن لكل ذنب توبة .. فيمكن أن تقبل التوبة من الزنا .. مع وجود معاص أخرى .. ولكن عليه أن يجتهد في التوبة من الذنوب كلها ..
واعلم أن الوقوع في الذنب مرة أخرى بعد التوبة منه .. لا يعني أن التوبة بطلت وأن العبد ييأس ويعود إلى المعاصي .. لا .. بل يسارع إلى توبة أخرى ..

وصح في السنن .. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ) ثم قرأ هذه الآية : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) ..
* * * * * * * * *

المسألة الثالثة :
شروط التوبة خمسة ..
أولها : الإقلاع عن الذنب فوراً ..
وثانيها : الندم على ما فات ..
وثالثها : العزم على عدم العودة ..
ورابعها : إرجاع حقوق من ظلمهم .. أو طلب البراءة منهم ..

أما الخامس فهو :
أن تكون التوبة في وقت المهلة .. فلا تقبل عند الموت .. ولا تأمن متى ينزل بك ..
ولا تقبل عند طلوع الشمس من مغربها ..
* * * * * * * * *

المسألة الأخيرة ..
من أهم عوامل الثبات على التوبة .. مفارقة مكان المنكر ..
بل ومفارقة الأصحاب الذين يذكرونك به .. أو يدعونك إليه ..

أسأل الله بأسمائه الحسنى .. أن يقسم لنا من خشيته ما يحول به بيننا وبين معصيته .. ومن طاعته ما يبلغنا به جنته .. وأن يغفر لنا ذنوبنا .. وإسرافنا في أمرنا .. وأن يغنينا بحلاله عن حرامه .. وبفضله عمن سواه .. وأن يتقبل توبتنا .. ويغسل حوبتنا .. إنه سميع مجيب .. وصلى وسلم على النبي الأمي محمد .. وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين

يجزاج الله الف خير

من ميزان حسناتج يارب
ربي يوفقج

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.