حذر الشارع من الظلم ونهى عنه أشدّ النهى,فقال : اتقواالظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة " رواه مسلم وفى الحديث القدسى قال الله عز وجل" ياعبادى انى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" والظلم له صور كثيرة فى واقع الناس, وعاقبته وخيمة فى الدنيا والآخرة, وعقوبته بالغة الأثر قد يعجلها الله لعبده وقد يؤخرها!!!
والظالم فى عذاب نفسى, وقلق دائم يطارده شؤم الظلم وان تظاهر بالفرح والسرور! ولا يزال ضميره يلاحقه ويؤنبه ولو بعد فوات السنين , ولا يُمكّن من التوبه والأنابه غالباً الا بعد ذهاب أهل الحقوق وتفرقهم! وهذا كاف فى الزجر عن الظلم ما يحصل للظالم فى آخر أمره من الحسرة والندامة, والخوف من المثول بين يدى الجبار العادل يوم القيامة, وكم رأينا وشاهدنا الكثير من الظالمين الذين ندموا فى آخر حياتهم وراحوا يبحثون ويسألون عمنّ يرخص لهم ويخرجهم من هذا المأزق الكبير !!
وكثير من الناس حين يسمع الحديث عن الظلم ينصرف ذهنه الى الظلم الحسى !!الظاهر من تعدى على الأموال والدماء والأعراض ونحو ذلك مما تنفرمنه الطباع السليمة ويعرفه الجاهل والعالم و الصغير والكبير , ولكن ثمّة نوعاً خفياً يتساهل فيه كثير من الناس ويخفى عليهم حتى الصالحين, وينتشر فى بعض البيئات المحافظة الا وهو الظلم الأجتماعى؟؟؟
وأعنى به الظلم المعنوى الذى: يصدر من بعض أفراد المجتمع تجاه الآخرين فى التعامل معهم والأنحياز عنهم وتفضيل غيرهم عليهم أو عدم تحقيق العدل معهم أوالإساءة إليهم , وهذا له صور كثيرة منها:
(1) ميل الوالد لبعض ولده:
وتفضيله على سائر الأولاد فى العطيه والقبله والثناء, والذكر والمدح, ونحوه من التعامل الجائر, ويتخذ ذلك عادة ويشتهر عنه هذ ا السلوك مما يوقع العداوة والبغضاء بين أولادة وينشب الحسد والبغى بينهم, الا اذا وقع ذلك طارئاً فى مناسبة فمعفو عنه ولا يؤاخذ به ولا يكاد يسلم منه أحد!!وقدروى النعمان بن بشيرقال أتى بى أبى الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال انى نحلت ابنى هذا غلاماً كان لى فقال الرسول: أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال: لا!قال: اتقوا الله واعدلوا فى أولادكم . فرجع أبى فردّ تلك الصدقة (متفق عليه) .
(2) جفاء الأخوة لأخيهم:
وترك ما يجب تجاهه من التكريم والسؤال عنه , وعدم دعوته فى المناسبات , وأخذ مشورته أو اقصاؤة, وعدم اخبارة بما يجد من الأفراح والأحزان, وعدم اكرام أهله, ..ونحو ذلك من التعامل الجائر,مع كونهم يبذلون البر والصلة والأحسان لغيره من الأخوة الذين ربما لايصلون الى مستواه وخلقه !!
وهذا كله يجعل الأخ يشعر أنه ليس أخاً لهم ولا تربطه بهم رابطة الرحم؟؟!
(3) ظلم أم الزوج للزوجه :
كجفائها وعد الثناء عليها, وانكار معروفها , وعدم مكافأتها على ما تقوم به من البرّ والأحسان , وانتقاصها والتهجم عليها فى مجامع النساء كلما سنحت الفرصة , وعدم دعوتها فى المناسبات الأجتماعية ,وأشدّ من ذلك أن تُزهدّ الأم ولدها فى زوجته وربما أفسدته عليها , وأمرته بطلاقها؟؟!!
* وفى نظرى أن الباعث للأم على هذا السلوك أمور منها عدم محبتها لأبنها ,فلا تحتمل كل ما جاء من طرفه!! أو غيرتها الشديدة من زوجة ابنها ,وللأسف أن هذه الصورة شائعة فى مجتمعنا , ويصدق ذلك أيضاً فى أم الزوجةمع زوج أبنتها؟!!!
(4) جفاء الزوجة لأم زوجها :
والتقصير فى السؤال عنها وزيارتها , وتزهيد زوجها فى امه وأهله !! وعدم أحتمال هفوات الأم اليسيره العابرة !وربما تطاولت عليها فى الكلام والفعال !والأنكار على الزوج فى بذل ماله لأمه وأهله ونحو ذلك..!
وفى المقابل تبالغ فى بذل مالها ووقتها لأهلها , وربط أبنائها بهم , وحث الزوج دائماً على صلتهم ولو كان على حساب صلته بأهله وأمه! وهذا التصرف كثير فى الزوجات , و الأعتدال أمر مطلوب شرعاً, وأشدّ من ذلك أن تبغضّ الزوجة زوجها فى أهله , وتربى أبنآئها على كراهيتهم!!
والحاصل أن للظلم الأجتماعى صوراً متنوعه ذكرت أهمها, وأبرزها, وأكثرها انتشاراً !! وغرضى من ذلك التنبيه على هذه المسأله المهمة التى تساهل فيها الكثير من الناس وخفى عليهم أمرها, ولم أذكر الأمور الظاهرة كالعقوق, والقطيعة, وغيرها؟؟
وكثير ممن وقع فى شيئ من هذا الظلم يتأول تصرفاته ويسوّغ لنفسه هذا التعامل ؟
والواجب على المسلم أن يحاسب نفسه ويقف معها فى ختام كل ليلة , ويتأمل تعاملاته مع أقاربه وجيرانه وزملاءه ,….
ويجب أن يعلم المسلم أن حبه لأحد لايقتضى الغلو والمبالغة فيه وعدم نصحه كما أن بغضه أو عدم ارتياحه لأحد لا يسوّغ له ظلمه , أو التعدى عليه أو ترك ما يجب له من التكريم والصله وهذا هو العدل الذى قامت به السموات والأرض وأمر به الشرع " واذا قلتم فاعدلوا , اعدلوا هو أقرب للتقوى " وقال الرسول صلى الله عليه وسلم " أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماًما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما "رواه الترمذي واستغربه0
والمتأمل فى كثير من حالات العقوق والقطيعة والأختلاف , يجد أن السبب الأكبر فى وقوعها هو حصول الظلم ابتداءٍِ واستمراره على المظلوم , والسكوت على ذلك, وعدم معالجة الموضوع ؟!!حتى عظم وحصل مالم تحمد عقباه!
وأحب أن الفت النظر هنا أن كل من شارك الظالم فى ظلمه بسكوته أو تأييده معنوياً فهو مؤ آخذ شرعاً وتناله المسؤولية؟وكان الواجب عليه أن ينصر المظلوم, وينصح الظالم كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم"انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"ولايعذر أحد بترك النصيحة,
ومما يندى له الجبين أننا فقدنا الناصح فى كثير من أحوالنا الا من وفقه الله لذلك!!
وكثر فينا النممامون والمغتابون والساعون فى قطع حبال الوصال والأخوة….
ومما يجدر التنبيه عليه أن كثيراً من الوعاظ والمتكلمين فى حلّ المشاكل الأجتماعية يوجهون الخطاب فقط للمظلوم ويوصونه بالصبر والرفق! ولكنهم يغفلون عن توجيه الخطاب أولاً للظالم وزجره ونهيه , وكفّه وتهديده عن الوقوع فى الظلم؟!!مما يضع الأمر فى نصابه ويهوّن على المظلوم مصابه!!
خالد سعود البليــهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة