المقــدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فقد وقفت على فتوى في أحد المواقع على الإنترنت عن حكم الغناء وقد ذكر المفتي أن الغناء والموسيقى والعود ونحوها من الأمور المباحة وأنه لا دليل على تحريمها، بل ذكر أن السنة تدل على إباحة الغناء وأن الغناء وسماعه رُوي عن جماعة من الصحابة والتابعين وأن أهل المدينة قد أجمعوا على جواز الغناء … إلى آخر كلام المفتي.
فاستعنت بالله تعالى وكتبت هذه الرسالة مبينًا فيها حكم الغناء ذاكرًا الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة مع ذكر مذاهب الأئمة الأربعة، ثم الرد على أهم حجج القائلين بالجواز علمًا بأني لم أكتب هذه الرسالة لخلو الساحة من مثلها بل الكتب المؤلفة عن الغناء كثيرة ولكن منها المطول الذي يصعب على أكثر الناس قراءته، ومنها المختصر الذي لا يوضح كثيرًا من المسائل المتعلقة بالموضوع فأردت أن أجمع بين الاختصار والتوضيح ليكون سهل التناول والاطلاع فأرجو أن أكون وُفِّقت لهذا الهدف وقد سميت هذه الرسالة «القول المقتضب في حكم الغناء وآلات الطرب».
أسأل الله تعالى أن يجعلها موافقة لشرعه خالصة لوجهه نافعة لعباده، كما أسأله تعالى أن يجزي فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح خير الجزاء على تفضله بالاطلاع على هذه الرسالة والتقديم لها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
سليمان بن محمد بن عبد الله الشتوي
الرياضي
في 3/9/1423هـ
* * *
الفصل الأول
الأدلة على تحريم الغناء وفيه مباحث
المبحث الأول: الأدلة من الكتاب.
المبحث الثاني: الأدلة من السنة.
المبحث الثالث: أقوال السلف في ذم الغناء.
المبحث الأول
الأدلة من الكتاب
1- قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 5] وفسر لهو الحديث بأنه الغناء، وقال ابن عباس هو الغناء وأشباهه، وقال ابن مسعود: هو والله الغناء.
وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه الغناء، وكذا قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وفسره أيضًا بالغناء خلق من التابعين منهم مجاهد وعكرمة والحسن وسعيد بن جبير وقتادة ومكحول وعمرو بن شعيب وميمون بن مهران( ).
فهؤلاء كبار علماء الصحابة والتابعين فسروا لهو الحديث بأنه الغناء، وحسبك تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ترجمان القرآن الذي دعا له النبي بقوله: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»( ).
قال إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله بعد ذكره لأقوال المفسرين في معنى لهو الحديث: والصواب من القول في ذلك أن يقال: عُني به كل ما كان من الحديث ملهيًا عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه أو رسوله ؛ لأن الله عم بقوله: {لَهْوَ الْحَدِيثِ} ولم يخصص بعضًا دون بعض، فذلك على عمومه حتى يأتي ما يدل على خصوصية، والغناء والشرك من ذلك( ).
وقال ابن كثير: لما ذكر الله تعالى حال السعداء وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه عطف بذكر حال الأشقياء الذي أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب( ).
وقال الشوكاني: لهو الحديث كل ما يلهي عن الخير من الغناء والملاهي والأحاديث المكذوبة وكل ما هو منكر …
وقيل: المراد شراء القينات المغنيات والمغنين، فيكون التقدير: من يشتري أهل لهو الحديث( ).
وقال الألوسي: وفي الآية عن الأكثرين ذم الغناء بأعلى صوت، وقد تضافرت الآثار وكلمات كثيرة من العلماء الأخيار على ذمه مطلقًا لا في مقام دون مقام( ).
2- قال تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] وقد فسر صوت الشيطان هنا بأنه الغناء، قال مجاهد: صوته هو الغناء والمزامير( )، وقال الحسن البصري: هو الدف والمزمار( )، وقال الضحاك: صوت المزمار( ).
3- قال تعالى في صفات عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] وفسر الزور هنا بعدة تفسيرات منها أنه الغناء.
قاله محمد ابن الحنفية ومكحول، وعن الحسن قال: الغناء والنياحة وعن مجاهد قال: لا يسمعون الغناء، وعن أبي الجحاف قال: الغناء( ).
4- قال تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم: 59-61] قال ابن عباس: السمود الغناء في لغة حمير، أسمد لنا أي غنّ لنا، وقال عكرمة: هو الغناء بالحميرية( ).
المبحث الثاني
الأدلة من السنة
1- عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري أنه سمع النبي يقول: «ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف …»( ).
وهذا الحديث وإن كان معلقًا فهو صحيح كما ذكر ذلك عدد من أئمة العلم، قال ابن الصلاح: «والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح»( ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والآلات الملهية قد صح فيها ما رواه البخاري في صححيه تعليقًا مجزومًا به داخلاً في شرطه( ).
وقال ابن القيم: هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه محتجًّا به( ).
وقال ابن رجب: ذكره البخاري في صحيحه بصيغة التعليق المجزوم به والأقرب أنه مسند فإن هشام بن عمار أحد شيوخ البخاري … وقال: فالحديث صحيح محفوظ عن هشام بن عمار( ).
وقال ابن حجر: «وهذا حديث صحيح لا علة ولا مطعن فيه»( ).
وقال الألباني: صححه البخاري وابن حبان والإسماعيلي وابن كثير والنووي وابن الوزير الصنعاني وابن رجب والسخاوي والأمير الصنعاني( ).
وهذا الحديث ضعفه ابن حزم وتبعه بعض المعاصرين وقد رد أهل العلم على ابن حزم وبينوا خطأه في تضعيفه.
قال ابن الصلاح: ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري عن رسول الله : «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف …» الحديث، من جهة أن البخاري أورده قائلاً فيه: قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام وجعله جوابًا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف، وأخطأ في ذلك من وجوه، والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح( ).
وقال ابن القيم: ولم يصنع من قدح في صحة هذا الحديث شيئًا كابن حزم نصرة لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي وزعم أنه منقطع؛ لأن البخاري لم يصل سنده به وجواب هذا الوهم من وجوه:
أحدها: أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه فإذا قال: قال هشام فهو بمنزلة قوله عن هشام.
الثاني: أنه لو لم يسمع منه فهو لم يستجز الجزم به عنه إلا وقد صح عنده أنه حدث به، وهذا كثيرًا ما يكون لكثرة من رواه عن ذلك الشيخ وشهرته فالبخاري أبعد خلق الله عن التدليس.
الثالث: أنه أدخله في كتاب المسمى بالصحيح محتجًّا به، فلولا صحته عنده لما فعل ذلك.
الرابع: أنه علقه بصيغة الجزم دون صيغة التمريض، فإذا توقف في الحديث أو لم يكن على شرطه يقول: ويروى عن رسول الله ويذكر عنه ونحو ذلك، فإذا قال: قال رسول الله فقد جزم وقطع بإضافته إليه.
الخامس: أنا لو ضربنا عن هذا كله صفحًا فالحديث متصل عند غيره.
قلت: ثم ذكره عند أبي داود وابن ماجه ثم قال: وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وعمران بن حصين وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة الباهلي وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنس بن مالك وعبد الرحمن بن سابط والغازي بن ربيعة، ثم ذكر أحاديثهم( ).
وقال ابن حجر: وهذا حديث صحيح لا علة له ولا مطعن له، وقد أعله أبو محمد بن حزم بالانقطاع بين البخاري وصدقة بن خالد وبالاختلاف في اسم أبي مالك وهذا كما تراه قد سقته من رواية تسعة عن هشام متصلاً فيهم مثل الحسن بن سفيان وعبدان وجعفر الفريابي وهؤلاء حفاظ أثبات، وأما الاختلاف في كنية الصحابي فالصحابة كلهم عدول، ثم قال: وله عندي شواهد أخر كرهت الإطالة بذكرها( ).
وقال ابن حجر الهيثمي: رواه البخاري تعليقًا ووصله الإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرج وأبو داود بأسانيد صحيحة وبهذا الذي تقرر من صحة الحديث من هذه الطرق اندفع قول ابن حزم: إن الحديث منقطع ولا حجة فيه، ولو فرض أن غير البخاري لم يذكره لأن ذكره له حجة لما قد تقرر عند الأئمة أن تعليقاته المجزوم بها صحيحة( ).
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: «إن الله حرم علي -أو حرم- الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام»( ).
والكوبة هي الطبل كذا فسرها بعض رواه الحديث قال سفيان: قلت لعلي بن بذيمة –أحد رواة الحديث– ما الكوبة؟ قال الطبل( ).
وجزم الإمام أحمد بأن الكوبة هي الطبل حيث قال: أكره الطبل وهو الكوبة نهى عنه رسول الله ( ).
وقال الخطابي: الكوبة يفسر بالطبل ويقال: هو النرد ويدخل في معناه كل وتر ومزمار ونحو ذلك من الملاهي والغناء( ).
3- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة»( ).
قال ابن القيم: هذا الحديث من أجود ما يحتج به على تحريم الغناء كما في اللفظ الآخر الصحيح: «إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين …»( ).
4- عن جابر بن عبد الله عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله : «… إني لم أنْهَ عن البكاء ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة لطم وجوه وشق جيوب ورنة شيطان»( ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا الحديث من أجود ما يحتج به على تحريم الغناء كما في اللفظ المشهور عن جابر بن عبد الله عن النبي أنه قال: «إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة لهو ولعب ومزامير الشيطان …» فنهى عن الصوت الذي يُفعل عند النعمة كما نهى عن الصوت الذي يفعل عند المصيبة، والصوت الذي عند النعمة هو صوت الغناء( ).
وقال ابن القيم: فانظر إلى هذا النهي المؤكد بتسميته صوت الغناء صوتًا أحمقًا ولم يقتصر على ذلك حتى وصفه بالفجور، ولم يقتصر على ذلك حتى سماه من مزامير الشيطان … فإن لم يستفد التحريم من هذا لم نستفده من نهي أبدًا( ).
* * *
المبحث الثالث
أقوال السلف في ذم الغناء
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الدف حرام والمعازف حرام والكوبة حرام والمزمار حرام( ).
2- عن ابن مسعود قال: الغناء ينبت النفاق في القلب( ).
3- عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: إني لأبغض الغناء وأحب الرجز( ).
4- قال الضحاك: الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب( ).
5- قال فضيل بن عياض: الغناء رقية الزنا( ).
6- قال يزيد بن الوليد: يا بني أمية، إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر، فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا( ).
7- كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى مؤدب ولده: … وليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي، التي بِدْؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بهما ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب الماء( ).
8- وقال الشعبي: لعن الله المغني والمُغَنَّى له( ).
9- قال مكحول: من مات وعنده مغنية لم يصلَّ عليه( ).
* * *
الفصل الثاني
أقوال العلماء في حكم الغناء
وفيه عدة مباحث:
– المبحث الأول: حكاية الإجماع.
– المبحث الثاني: مذاهب الأئمة الأربعة.
وفيه مطالب:
المطلب الأول: مذهب الإمام أبي حنيفة.
المطلب الثاني: مذهب الإمام مالك.
المطلب الثالث: مذهب الإمام الشافعي.
المطلب الرابع: مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
– المبحث الثالث: أقوال بعض العلماء المعاصرين.
المبحث الأول
حكاية الإجماع
المقصود بالغناء هنا هو المقترن بآلات الطرب، المشتمل على الغزل وأوصاف النساء والخمور والمجون، فهذا قد اتفق الجمهور على تحريمه، بل حكى ابن الجوزي عن الطبري إجماع علماء الأمصار على كراهية الغناء والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري( ).
وقال: واتباع الجماعة أولى من اتباع رجلين مطعون عليهما. قال ابن القيم: يريد بهما إبراهيم بن سعد وعبيد الله بن الحسن( ).
وقد حكى ابن قدامة الإجماع على أن آلات اللهو كالطنبور والمزمار والشبابة آلة للمعصية( ).
وقال ابن القيم: وحكى أبو عمرو ابن الصلاح الإجماع على تحريم السماع الذي جمع الدف والشبابة فقال في فتاويه: وأما إباحة هذا السماع وتحليله فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين، ولم يثبت عن أحد -ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف- أنه أباح هذا السماع( ).
وقال القرطبي: الغناء المعتاد عند المشتهرين به الذي يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل والمجون الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن فهذا النوع إذا كان في شعر يُشَبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور والمحرمات لا يختلف في تحريمه؛ لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق( ).
وقال ابن حجر العسقلاني: قد حكى قوم الإجماع على تحريمها (يعني المعازف)( ).
وقال ابن حجر الهيثمي: الأوتار والمعازف كالطنبور والعود والصنج أي ذي الأوتار والرباب والجنك والكمنجة والسنطير والدريج وغير ذلك من الآلات المشهورة عند أهل اللهو والسفاهة والفسوق وهذه كلها محرمة بلا خلاف، ومن حكى فيها خلافًا فقد غلط أو غلب عليه هواه حتى أصمه وأعماه ومنعه هداه، وزل به عن سنن تقواه، وممن حكى الإجماع على تحريم ذلك كله الإمام أبو العباس القرطبي … وممن نقل الإجماع على ذلك أيضًا إمام أصحابنا المتأخرين أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي( ).
وبالغ القاضي عياض حيث حكى الإجماع على كفر مستحله( ).
المبحث الثاني
مذاهب الأئمة الأربعة
المطلب الأول: مذهب الإمام أبي حنيفة:
يعتبر الغناء من كبائر الذنوب في مذهب أبي حنيفة. قال في البداية وشرحه الهداية عند ذكر من لا تقبل شهادته: ولا تقبل شهادة من يغني للناس لأنه يجمع الناس على ارتكاب كبيرة( ).
وقال في الدر المختار وشرحه: … ومن يغني للناس؛ لأنه يجمعهم على كبيرة( ) يعني لا تقبل شهادة من يغني للناس.
وقال السرخسي: ولا تجوز الإجارة على تعليم الغناء والنوح لأن ذلك معصية( ).
وقال ابن الجوزي: وأما مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري عن أبي الطيب الطبري قال: كان أبو حنيفة يكره الغناء … ويجعل سماع الغناء من الذنوب. قال: وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة: إبراهيم والشعبي وحماد وسفيان الثوري وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك( ).
وكذلك قال أبو بكر الطرطوشي عن أبي حنيفة في حكم الغناء( ).
وقال ابن القيم: مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقوله فيه من أغلظ الأقوال، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية توجب الفسق وترد به الشهادة وأبلغ من ذلك أنهم قالوا: إن السماع فسق والتلذذ به كفر( ).
المطلب الثاني:
مذهب الإمام مالك رحمه الله أن الغناء من فعل الفساق؛ فعن إسحاق بن عيسى الطباع قال: سألت مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال: إنما يفعله عندنا الفساق( ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: بعد حكايته لقول مالك وهذا معروف في كتاب أصحاب مالك وهم أعلم بمذهبه ومذهب أهل المدينة من طائفة في المشرق لا علم لهم بمذاهب الفقهاء( ). اهـ.
وفي مذهب مالك: لا تقبل شهادة المغنَّي والمغنية إذا كانوا معروفين بذلك( ).
ولا تجوز الإجارة على تعليم الغناء( ).
وأن الغناء إن كان بقبيح القول أو بآلة فإنه يحرم ولو في الأعراس( ).
وقال أبو عبد الله الأبي: ولا خلاف في حرمة أجرة المغنية والنائحة( ).
قلت: وهذا يدل على تحريم الغناء لأنه لو كان جائزًا لجاز تعليمه والأجرة على ذلك.
وقال الحطاب: قال في المدخل في فصل المولود: ومذهب مالك أن الطار الذي فيه الصراصر محرم وكذلك الشبابة …
قال أصبغ: ما جاز للنساء مما جوز لهن من الدف والكبر في العرس فلا يجوز للرجال عمله، وما لا يجوز لهم عمله فلا يجوز لهم حضوره، ولا يجوز للنساء غير الكبر والدف ولا غناء معها ولا ضرب ولا برابط ولا مزمار وذلك حرام محرم في الفرح وغيره( ).
وذكر الدسوقي أن سماع الغناء يحرم إذا كان يثير الشهوة أو كان بكلام قبيح أو كان بآلة( ).
وقال أبو الطيب الطبري: أما مالك بن أنس فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه، وقال: إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له ردها بالعيب وهو مذهب سائر أهل المدينة إلا إبراهيم بن سعد وحده( ).
المطلب الثالث: مذهب الإمام الشافعي:
قال الإمام الشافعي: خلفت في العراق شيئًا أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يشغلون به الناس عن القرآن( ).
قال ابن الجوزي: وقد ذكر أبو منصور الأزهري المغبرة قوم يغبرون بذكر الله – عز وجل – بدعاء وتضرع وقد سمعوا ما يطربون فيه من الشعر في ذكر الله عز وجل تغبيرًا كأنهم إذا شاهدوها بالألحان طربوا ورقصوا فسموا مغبرة لهذا المعنى( ).
وقال ابن القيم: والتغبير هو عبارة عن التوقيع بقضيب أو نحوه على جلد يابس وإنشاد أشعار ربانية مرققة للقلوب ومحركة للسواكن ومع هذا سماهم بالزنادقة، فكيف لو رأى ما أحدثه هؤلاء الذين في زماننا من الاستماع والرقص على الدفوف والشبابات( ).
وقال الشافعي في الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين وكان يجمع عليهما ويغشى لذلك فهذا سفه ترد به شهادته وهو في الجارية أكثر من قبل أن فيه سفهًا ودياثة( ).
قال ابن الجوزي: وإنما جعل صاحبها سفيهًا فاسقًا لأنه دعا الناس إلى الباطل ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيهًا فاسقًا( ).
وقد صرح علماء الشافعية أن الغناء بالآلات المطربة حرام.
قال الشيرازي: ويكره الغناء وسماعه من غير آلة مطربة … ويحرم استعمال الآلات التي تطرب من غير غناء كالعود والطنبور والمعزفة والطبل والمزمار، ويجوز ضرب الدف في العرس والختان ودون غيرهما( ).
وقال البغوي: والغناء وسماعه من غير آلة مطربة مكروه … وأما الآلات المطربة كالعود والطنبور والصنج والطبل والمزمار فيحرم استعمالها والاستماع إلى أصواتها، وفي اليراع وجهان؛ أصحهما حرام كالمزمار، وضرب الدف مباح في الإملاكات والختان وحرام في غيرهما … وضرب القضيب على الوسائد حرام( ).
وذكر النووي أقسام الغناء فقال:
القسم الثاني: أن يغني ببعض آلات الغناء مما هو من شعار شاربي الخمر وهو مطرب كالطنبور والعود والصنج وسائر المعازف والأوتار ويحرم استعماله واستماعه( ).
وقال ابن الجوزي: وقد كان رؤساء أصحاب الشافعي ينكرون السماع وأما قدماؤهم فلا يعرف بينهم خلاف، وأما أكابر المتأخرين فعلى الإنكار منهم أبو الطيب الطبري وله في ذم الغناء والمنع منه كتاب مصنف … ومنهم القاضي أبو بكر محمد بن مظفر الشامي … قال: لا يجوز الغناء ولا سماعه ولا الضرب بالقضيب قال: ومن أضاف إلى الشافعي هذا فقد كذب عليه( ).
وقال ابن القيم: وصرح أصحابه -أصحاب الشافعي- العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله( ).
المطلب الرابع: مذهب الإمام أحمد بن حنبل:
قال ابن الجوزي: وروى المروزي عن أحمد بن حنبل أنه قال: كسب المخنث خبيث يكسبه بالغناء؛ وهذا لأن المخنث لا يغني بالقصائد الزهدية وإنما يغني بالغزل والنوح.
ثم قال ابن الجوزي: فبان من هذه الجملة أن الروايتين عن أحمد في الكراهة وعدمها تتعلق بالزهديات الملحنة، فأما الغناء المعروف اليوم فمحظور عنده كيف ولو علم ما أحدثه الناس من الزيادات( ).
وقال ابن القيم: وأما مذهب الإمام أحمد فقال عبد الله: سألت أبي عن الغناء فقال: الغناء ينبت النفاق في القلب؛ لا يعجبني، ثم ذكر قول الإمام مالك: إنما يفعله عندنا الفساق( ).
وقال ابن قدامة: الملاهي على ثلاث أضرب (أنواع):
محرم: وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها( ).
وقال المرداوي: قال في الرعاية: ويكره سماع الغناء والنوح بلا آلة لهو ويحرم معها…
وفي المستوعب والترغيب وغيرها يحرم مع آلة لهو بلا خلاف بيننا( ).
قلت: وبهذا يتبين اتفاق مذاهب الأئمة الأربعة على تحريم الغناء والمعازف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام( ).
* * *
المبحث الثالث
أقوال بعض العلماء المعاصرين
حيث إن الغناء وسماعه من المسائل القديمة الحديثة فكان من الطبيعي أن يتحدث عنه العلماء قديمًا وحديثًا، وقد ذكرنا فيما سبق أقوال العلماء السابقين، وسوف نذكر هنا بعض أقوال العلماء المعاصرين ومنهم:
1- سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم حيث قال: الغناء إذا كان بطبل أو طنبور أو عود فهو حرام، فإن كان بدون ذلك ففيه تفصيل: فغناء الغرام حرام الذي يذكر فيه أوصاف النساء ومثل حداء الأعراب لا بأس به ولا سيما عند الحاجة إليه( ).
2- اللجنة الدائمة للإفتاء: فقد ذكر في إحدى الفتاوى الصادرة عن اللجنة: أما الغناء والموسيقى والاستماع لهما فهي من المنكرات( ).
3- سماحة الشيخ ابن باز: حيث قال: الاستماع إلى الأغاني حرام ومنكر، ومن أسباب مرض القلوب وقسوتها وصدها عن ذكر الله وعن الصلاة، وقد فسر أكثر أهل العلم قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 5] بالغناء وكان عبد الله بن مسعود يقسم على أن لهو الحديث هو الغناء، وإذا كان مع الغناء آلة لهو كالربابة والعود والكمان والطبل- صار التحريم أشد، وذكر بعض العلماء أن الغناء بآلة لهو محرم إجماعًا( ).
4- سماحة الشيخ عبد الله بن حميد حيث قال: الأغاني التي تؤدي إلى الدعارة والخلاعة لا تجوز وكذلك الأغاني التي تؤديها المرأة بصوتها الرخيم فتثير النفوس لا تجوز سواء أمام الآلة أو الإذاعة أو غيرها( ).
5- الشيخ محمد بن صالح العثيمين يقول: استماع الموسيقى والأغاني حرام ولا شك في تحريمه، وقد جاء عن السلف من الصحابة والتابعين أن الغناء ينبت النفاق في القلب واستماع الغناء من لهو الحديث والركون إليه، وقد قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} قال ابن مسعود في تفسير الآية: والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء، وتفسير الصحابي حجة … ثم إن الاستماع إلى الأغاني والموسيقى وقوع فيما حذر منه النبي بقوله: «ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف».
وعلى هذا فإنني أوجه النصيحة إلى إخواني المسلمين بالحذر من استماع الأغاني والموسيقى وألا يغتروا بقول من قال من أهل العلم بإباحة المعازف؛ لأن الأدلة على تحريمه واضحة وصريحة( ).
6- الشيخ صالح الفوزان: يقول في رده على القرضاوي: الإسلام لم يبح الغناء بل حرمه بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة منه وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ}، ثم ذكر الأدلة من السنة وكلام الصحابة.
قلت: علمًا بأن الدكتور القرضاوي له رأي في الغناء المعروف اليوم حيث قال: وبهذا أعلن من أول الأمر أن الغناء بصورته التي يقدم بها اليوم في معظم التلفزيونات العربية والقنوات الفضائية بما يصحبه من رقص وخلاعة وصور مثيرة لفتيات مائلات مميلات كاسيات عاريات أو عاريات غير كاسيات أصبحت ملازمة للأغنية الحديثة. والغناء بهذه الصورة قد غدا في عداد المحرمات يبقين لا لذاته ولكن لما يصحبه من هذه المثيرات والمضلات( ).
* * *
الفصل الثالث
الإجابة عن حجج القائلين بالجواز
وفيه مباحث:
المبحث الأول: الإجابة عن الأحاديث التي احتجوا بها.
المبحث الثاني: الإجابة عن قولهم: إنه نقل عن بعض الصحابة والتابعين ما يدل على الجواز.
المبحث الثالث: الإجابة عن قولهم: إنه مذهب أهل المدينة.
المبحث الرابع: الإجابة عن قولهم: إن مذهب مالك بن أنس أباح الغناء.
المبحث الأول
الإجابة عن الأحاديث التي احتجوا بها
يحتج القائلون بجواز الغناء واستماعه ببعض الأحاديث والآثار وهذه الحجج عند التأمل لا تدل على ما ذهبوا إليه، إما لعدم دلالتها أو لعدم ثبوتها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومدار الحجج في هذا الباب ونحوه: إما على قياس فاسد وتشبيه الشيء بما ليس مثله وإما على جعل الخاص عامًّا وهو أيضًا من القياس الفاسد وإما احتجاجهم بما ليس بحجة أصلاً( ).
وقال ابن القيم عن هذه الآثار: صحيحها لا يدل، وما هو صريح في الدلالة فكذب موضوع على رسول الله ( ).
وسوف نستعرض في هذا المبحث أهم هذه الأدلة، ثم نذكر أجوبة العلماء عليها:
أولاً: حديث الجارتين اللتين كانتا تغنيان في بيت عائشة رضي الله عنها بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، فأنكر عليهما أبو بكر رضي الله عنه وقال: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله ؟ فقال رسول الله : «دعهما يا أبا بكر؛ فإن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا»( ).
الجواب: قال ابن القيم رحمه الله: هذا الحديث من أكبر الحجج عليك، فإن الصديق سمى الغناء مزمور الشيطان ولم ينكر عليه النبي هذه التسمية وأقر الجويريتين على فعله إذ هما جويريتان صغيرتان دون البلوغ غير مكلفتين قد أظهرتا الفرح والسرور يوم العيد بنوع ما من أنواع غناء العرب ولا سيما الصغار منهن في بيت جارية حديثة السن بشعر من شعر العرب في الشجاعة ومكارم الأخلاق ومدحها وذم الجبن ومساوئ الأخلاق … ثم نحن نرخص في كثير من أنواع الغناء مثل هذا ومثل الغناء في النكاح للنساء والصبيان إذا خلا من الآلات المحرمة( ).
وقال أبو الطيب الطبري: هذا الحديث حجتنا لأن أبا بكر سمى ذلك مزمور الشيطان ولم ينكر النبي على أبي بكر قوله، وإنما منعه من التغليظ في الإنكار لحسن رفعته لا سيما في يوم العيد وقد كانت عائشة رضي الله عنه صغيرة في ذلك الوقت ولم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء( ).
وقال ابن الجوزي: إنهم ينشدون الشعر وسمى ذلك غناءً لنوع يثبت في الإنشاد، وترجيع مثل ذلك لا يخرج الطباع عن الاعتدال وكيف يحتج بذلك الواقع في الزمان السليم عند قلوب صافية على هذه الأصوات المطربة الواقعة في زمان كدر عند نفوس قد تملكها الهوى ما هذا إلا مغالطة للفهم … وأين الغناء بما تقولت به الأنصار يوم بعاث من غناء أمرد مستحسن بآلة مستطابة وصناعة تجذب إليها النفس وغزليات يذكر فيها الغزال والغزالة والخال والخد والقد …( ).
وقال ابن حجر ما معناه: إن أبا بكر ظن أن الرسول نائمًا فأنكر على الجاريتين مستصحبًا لما تقرر عنده من منع الغناء واللهو فأوضح له النبي الحال وعرفه الحكم مقرونًا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس( ).
ثانيًا: قولهم إنه ثبت عن النبي أنه سمع الحداء، وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه رخص في الحداء، والغناء والحداء كل منهما إنشاد بأصوات مطربة.
الجواب: أن هذا يدل على جواز الحداء فقط فلا يستدل به على جواز الغناء.
قال ابن القيم: قد اتفق الناس على جواز الحداء وثبت أن عامر بن الأكوع كان يحدو بالصحابة؛ ففي الصحيحين( ) عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله فسرنا ليلاً، فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنياتك وكان عامر شاعرًا فنزل يحدو بالقوم يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فقال رسول الله : «من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع قال: يرحمه الله» وفي الصحيح حديث أنجشة الذي كان يحدو بالنبي وذكر الحديث حتى قال النبي : «رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير»( ).
فمن الذي حرم الحداء حتى يحتجوا عليه بفعله بين يدي النبي ؟! وأما قولكم: إن الغناء إن لم يكنه فهما رضيعا لبان. وهما في بابها أخوان- فمِن أبطل الباطل، وهو من جنس استدلالكم على حل الغناء والسماع بسماع النبي الشعر واستنشاده له، وهل هذا إلا من أفسد القياس وأبطله، وإذا كان الأمر كما تقولون فلمَ سمع رسول الله وأصحابه الحداء والشعر، ولم ينقل -والعياذ بالله- عن أحد منهم قط استماع الغناء وحضوره وإقامته… فقياس الغناء على الحداء من جنس قياس الربا على البيع( ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما الحداء فقد ذكر الاتفاق قياس الربا على البيع( ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما الحداء فقد ذكر الاتفاق على جوازه فلا يحتج به في موارده( ).
وقال ابن حجر الهيثمي: قال جمع من الشافعية والمالكية منهم الأذرعي في توسطه والقرطبي في شرح مسلم: الغناء إنشادًا واستماعًا على قسمين:
* ما اعتاد الناس استعماله لمحاولة عمل وحمل ثقيل وقطع مفاوز سفر؛ ترويحًا للنفوس وتنشيطًا لها كحداء الأعراب بإبلهم وغناء النساء لتسكين صغارهن ولعب الجواري بلعبهن، فهذا إذا سلم المغنى به من فحش وذكر محرم كوصف الخمور والقينات- لا شك في جوازه ولا يختلف فيه … ومن ثم ارتجز النبي وأصحابه في بناء المسجد وحفر الخندق كما هو مشهور، وقد أمر النبي نساء الأنصار أن يقلن في عرس لهن: أتيناكم أتيناكم … ويؤيد ما نقله من نفي الخلاف في هذا القسم أن ابن عبد البر وغيره قالوا: لا خلاف في إباحة الحداء واستماعه وهو ما يقال خلف نحو الإبل من الشعر سوى الرجز وغيره لينشطها على السير( ).
ثالثًا: في مسند الإمام أحمد وغيره أن النبي قال لعائشة رضي الله عنها: «أهديتم الجارية إلى بيتها؟ قالت: نعم،
قال: فهلا بعثتم معها من يغنيهم يقول: أتيناكم أتيناكم … فحيونا نحييكم، فإن الأنصار قوم فيهم غزل»( ) فهذا ندب من النبي إلى الغناء.
الجواب: قال ابن القيم: هذا الحديث أولاً ضعفه الإمام أحمد ولم يصححه، ثم لو صح فهو ترخيص في الغناء العارض وهو في الأعراس للنساء بغناء الأعراب وأين ذلك من هذا السماع أو الغناء المعتاد، فبينه وبين غناء الأعراب المرخص فيه كما بين المسكر والشراب الحلال وكما بين الميتة والمذكاة. وأيضًا فإن غاية ما فيه قول الشعر أتيناكم أتيناكم، ومَن حرم مثل هذا وإن سمي غناء؟ ثم لو ثبت أنه غناء لم يلزم منه الرخصة للرجال ولا في عموم الأحوال( ).
وقال ابن رجب: وعلى ذلك أيضًا حمل العلماء قول من رخص في الغناء من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم وقالوا: إنما أرادوا الأشعار التي لا تتضمن ما يهيج الطباع إلى الهوى وقريب من ذلك الحداء وليس في شيء من ذلك ما يحرك النفوس إلى شهوتها المحرمة( ).
قلت: هذا الحديث يدل على جواز الغناء في الأعراس بما لا يثير الغرائز ويهيج الشهوات كما يجوز ضرب الدف قال النبي : «فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف»( ).
وقال الإمام أحمد: أرجو أن لا يكون بالدف بأس في العرس ونحوه( ).
قلت: لكن هذه الأحاديث تدل على أن جواز الغناء والضرب بالدف خاص في الأعراس ونحوها لا تصلح دليلاً على جواز الغناء مطلقًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الرخصة في الغناء في أوقات الأفراح للنساء والصبيان أمرٌ مضت به السنة كما يرخص لهم في غير ذلك من اللعب، ولكن لا يجعل الخاص عامًّا( ).
وقال أيضًا: وهذه نفوس النساء والصبيان فهن اللواتي كن يغنين في ذلك على عهد النبي وخلفائه ويضربن بالدف، وأما الرجال فلم يكن ذلك فيهم، بل كان السلف يسمون الرجل المغني مخنثًا؛ لتشبيهه بالنساء( ).
وقال الألباني: إن الذين كانوا يضربون بالدف إنما هم النساء لا الرجال، وبمناسبة الزفاف … أو بمناسبة العيد … ولهذا قال الحليمي -وهو من كبار علماء الشافعية-: «وضرب الدف لا يحل إلا للنساء؛ لأنه الأصل من أعمالهن، وقد لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء( )».
قلت: وبهذا يتبين أن هذا الحديث ليس حجة على جواز الغناء مطلقًا، وإنما يدل على جوازه في الأعراس وبمثل هذه الكلمات البريئة.
رابعًا: حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن أمة سوداء أتت رسول الله -وقد رجع من بعض مغازيه- فقالت: إني كنت نذرت إن ردك الله صالحًا -وفي رواية: سالمًا- أن أضرب عندك بالدف (وأتغنى) قال: «إن كنتِ فعلتِ -وفي رواية نذرتِ- فافعلي، وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي»( ).
الجواب: قال ابن القيم: احتمل ضرب المرأة التي نذرت إن نجاه الله أن تضرب على رأسه بالدف لما في إعطائها ذلك الحظ من فرحها به وسرورها بمقدمه وسلامته التي هو زيادة في إيمانها ومحبتها لله ورسوله وانبساط نفسها وانقيادها لما تؤمر به من الخير العظيم الذي ضرب الدف فيه كقطرة سقطت في بحر( ).
وقال الخطابي: ضرب الدف ليس مما يعد في باب الطاعات التي يتعلق بها النذور، وأحسن حاله أن يكون من باب المباح غير أنه لما اتصل بإظهار الفرح بسلامة مقدم رسول الله حين قدم المدينة من بعض غزواته وكانت فيه مساءة الكفار وإرغام المنافقين صار فعله كبعض القرب التي من نوافل الطاعات، ولهذا أبيح ضرب الدف( ).
ويرى الألباني أن هذه حادثة عين لا عموم لها فقال: والذي يبدو لي في ذلك أن نذرها لما كان فرحًا منها بقدومه عليه السلام صالحًا سالمًا منتصرًا- اغتفر لها السبب الذي نذرته لإظهار فرحها خصوصية له دون الناس جميعًا، فلا يؤخذ منه جواز الدف في الأفراح كلها؛ لأنه ليس هناك من يفرح به كالفرح به ولمنافاة ذلك لعموم الأدلة المحرمة للمعازف والدفوف وغيرها إلا ما استثني( ).
قلت: وما ورد في استعمال الدف سواء قيل: إنه في كل حادثة سرور أو قيل: إن هذه حالة عين لا عموم لها- لا يدل على جواز استعمال آلات اللهو والمعازف؛ لأن الأدلة الصحيحة الصريحة على تحريمها، فلا يعدل عن هذا الحكم إلا بدليل صحيح صريح.
خامسًا: عن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر سمع صوت زمارة راعٍ فوضع إصبعيه في أذنيه وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول: يا نافع أتسمع؟ فأقول: نعم فيمضي حتى قلت: لا فوضع يديه وأعاد راحلته إلى الطريق وقال: رأيت رسول الله سمع زمارة راع فصنع مثل هذا( ).
قالوا: فلو كان حرامًا ما أباح رسول الله لابن عمر سماعه ولا أباح ابن عمر لنافع سماعه، ولكنه عليه السلام كره لنفسه كل شيء ليس من التقرب إلى الله … فلو كان ذلك حرامًا لما اقتصر النبي عليه السلام أن يسد أذنيه عنه دون أن يأمر بتركه وينهى عنه.
الجواب: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذا الحديث إن كان ثابتًا فلا حجة فيه على إباحة الشبابة بل هو على النهي عنها أولى من وجوه:
أحدها: أن المحرم هو الاستماع لا السماع فالرجل لو يسمع الكفر والكذب والغيبة والغناء والشبابة من غير قصد منه بل كان مجتازًا بطريق فسمع ذلك- لم يأثم باتفاق المسلمين … فلو كان الرجل مارًّا فسمع القرآن من غير أن يستمع إليه لم يؤجر على ذلك وإنما يؤجر على الاستماع الذي يقصد كما قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] فإذا عرف أن الأمر والنهي والوعد والوعيد يتعلق بالاستماع لا بالسماع فالنبي كان مارًّا مجتازًا لم يكن مستمعًا، وكذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما مع النبي ونافع مع ابن عمر سامعًا لا مستمعًا فلم يكن عليه سد أذنيه.
الوجه الثاني: أنه إنما سد النبي أذنيه مبالغة في التحفظ حتى لا يسمع أصلاً، فتبين بذلك أن الامتناع من أن يسمع ذلك خير من السماع وإن لم يكن في السماع إثمًا ولو كان الصوت مباحًا لما كان يسد أذنيه عن سماع المباح بل سد أذنيه لئلا يسمعه وإن لم يكن السماع محرمًا دل على أن الامتناع من الاستماع أولى فيكون على المنع من الاستماع أدل منه على الأذن فيه( ).
وقال ابن عبد الهادي: وهذا لا يدل على إباحة؛ لأن المحظور هو قصد الاستماع لا مجرد إدراك الصوت؛ لأنه لا يدخل تحت تكليف فهو كشم مُحرِم طِيبًا فإنما يحرم عليه قصده لا ما جاءت به ريح لشمه.
وكنظرة فجأة بخلاف تتبع نظرة فمحرم، وتقريره الراعي لا يدل على إباحة؛ لأنها قضية عين فلعله سمعه بلا رؤية أو بعيدًا منه على رأس جبل أو مكان لا يمكن الوصول إليه أو لعل الراعي لم يكن مكلفًا فلم يتعين الإنكار عليه( ).
وقال الخطابي: المزمار الذي سمعه ابن عمر هو صفارة الرعاة وقد جاء ذلك مذكورًا في هذا الحديث من غير هذه الرواية وهذا وإن كان مكروهًا فقد دل هذا الصنع على أنه ليس في غلظ الحرمة كسائر الزمور والمزاهر والملاهي التي يستعملها أهل الخلاعة والمجون ولو كان كذلك لأشبه أن لا يقتصر في ذلك على سد السامع فقط دون أن يبلغ فيه النكير مبلغ الردع والتنكيل( ).
وقال ابن القيم: هذا الحديث هو إلى أن يكون حجة عليكم أقرب من أن يكون حجة لكم من سماع ما حرمه الله ورسوله فإن سد النبي لأذنيه من أبين الأدلة على أن هذا الصوت منكر وهو من الأصوات التي ينبغي سد الأذن عند سماعها لأنها مما يبغضه الله ورسوله وسد الأذنين عند هذا الصوت نظير غض بصره عند رؤيته المحرمات، وأما كونه لم يأمر نافعًا بسد أذنيه عنده فلأن المحرم إنما هو الاستماع والإصغاء لا السماع من غير إصغاء واستماع فلا يجب على الإنسان سد أذنيه عند سماع الأصوات المحرمة وإنما الذي يحرم قصد استماعها والإصغاء إليها …
ثم ذكر رحمه الله أمثلة على الفرق بين قصد الفعل وحصوله بدون قصد فقال: فرق الفقهاء في سجود التلاوة بين السامع والمستمع فاستحبوه للمستمع ومنهم من أوجبه عليه بخلاف السامع … وكذلك شم الطيب بالنسبة للمحرم فإنه يحرم عليه قصد شمه واستنشاقه ولكن لو حملته الريح وألقته في خياشيمه فلا يجب عليه سد أنفه وكذلك اللمس إنما المحرم منه قصد مس بشرته بشرة المحرم فلو وقعت بشرته على بشرة المحرم من غير قصد لزحمة أو غيرها لم يكن ذلك حرامًا( ).
وقال ابن رجب: وإنما لم يأمر ابن عمر بسد أذنه لأنه لم يكن مستمعًا بل سامعًا والسامع من غير استماع لا يوصف فعله بالتحريم؛ لأنه من غير قصد منه وإن كان الأولى له سد أذنيه حتى لا يسمع ومعلوم أن زمارة الراعي لا تهيج الطباع للهو فكيف حال ما يهيج الطباع ويغيرها ويدعوها إلى المعاصي( ). اهـ.
وهناك أجوبة أخرى تركتها خشية الإطالة …
المبحث الثاني
الإجابة عن قولهم: إنه نقل عن بعض الصحابة كابن عمرو وعبد الله بن جعفر وكذلك نقل عن بعض التابعين ما يدل على الجواز.
والجواب عن هذه الحجة من وجوه أربعة:
الوجه الأول: قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [النساء: 59]. فأمر الله بالرد إلى الكتاب والسنة قد دلا على تحريم الغناء وسماعه وإذا ثبت الحكم في الكتاب والسنة أو أحدهما فليس لأحد قول بعدهما ولا يحتج بقول أحد عليهما.
الوجه الثاني: إن كان نقل عن بعض الصحابة ما يدل على الجواز فقد ثبت النقل عن العلماء الأجلاء من الصحابة كابن مسعود وابن عباس وجابر وغيرهم( ) ما يدل على التحريم وليس اتباع من قال بالجواز بأولى من اتباع من قال بالتحريم؛ لأن القول بالتحريم هو الموافق للكتاب والسنة ولأن القائلين به هم المشهورون بالعلم الذين رضيهم المسلمون قدوة وأئمة يعتمدون على علمهم وفتاويهم.
الوجه الثالث: أن العلماء ردوا هذا النقل وأجابوا عنه بأجوبة كثيرة منها:
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما النقل عن ابن عمر رضي الله عنهما فباطل، بل المحفوظ عن ابن عمر ذمه للغناء ونهيه عنه وكذلك سائر الصحابة كابن مسعود وابن عباس وجابر وغيرهم ممن ائتم بهم المسلمون في دينهم، وأما ما يذكر من فعل عبد الله بن جعفر في أنه كانت له جارية يسمع غناءها في بيته فعبد الله بن جعفر ليس ممن يصلح أن يعارض قوله في الدين -فضلاً عن فعله- لقول ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر وأمثالهم ومن احتج بفعل مثل عبد الله في الدين في مثل هذا لزمه أن يحتج بفعل معاوية في قتاله لعلي وبفعل ابن الزبير في قتاله في الفرقة وأمثال ذلك مما لا يصلح لأهل العلم والدين أن يدخلوه في أدلة الدين والشرع.
ثم الذي فعله عبد الله بن جعفر كان في داره لم يكن يجتمع عنده على ذلك ولا يسمعه إلا من مملوكته ولا يعده دينًا وطاعة بل هو عنده من الباطل( ).
2- وقال ابن القيم: أما من نقل عن ابن عمر فإنه نقل باطل والمحفوظ عن ابن عمر ذمه للغناء ونهيه عنه … وهذه سيرة ابن عمر وأخباره ومناقبه وفتاويه بين الأمة هل تجد فيها أنه عمل هذا السماع أو حضره أو رخص، فقد نزه الله سمع ابن عمر عنه … وأما ما نقلت عن عبد الله بن جعفر فلا ريب أنه قد نقل عنه ذلك لكن المنقول عنه أنه كانت له جارية تغنيه في بيته فيستمع بسماع غنائها هذا غاية ما نقل عنه وليس ابن جعفر ممن يعارض به أركان الأمة كابن مسعود وابن عباس وجابر ومن احتج بفعل عبد الله بن الزبير في قتاله في الفرقة وبمثل مروان بن الحكم في خطبته يوم العيد قبل الصلاة وأمثال ذلك مما لا يصلح لأهل العلم والدين أن يدخلوه في أدلة الشرع …( ).
3- قال الأذرعي: وما نسب إلى أولئك الصحابة أكثره لم يثبت ولو ثبت منه شيء لم يظهر منه أن ذلك الصحابي يبيح الغناء المتنازع فيه( ).
4- قال الإمام أبو القاسم الدولقي: إنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه سمع الغناء -أي المتنازع فيه- ولا جمع له جموعًا ولا دعا الناس إليه ولا حضره في ملأ ولا خلوة ولا أثنى عليه بل ذمه وقبحه وذم الاجتماع إليه( ).
5- قال ابن حجر الهيثمي: وأن من نقل عن الصحابة وغيرهم أنهم نصوا على إباحة الغناء المتنازع فيه فقد أخطأ خطأً قبيحًا وغلط غلطًا فاحشًا( ).
ورد على من قال نقله سماعه عن فلان، وذكر جماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم فقال: إن هذا كله نقل باطل واحتجاج بالتمويهات والتلبيسات( ).
قلت: ومن ذلك أنه نقل عن سعيد بن المسيب والشعبي أنهما لا يريان بالغناء بأسًا وهذا غير صحيح بل المعروف عنهما خلاف ذلك، قال سعيد بن المسيب: إني لأبغض الغناء وأحب الرجز( ).
وقال الشعبي: لعن المغني والمغنى له( ).
وكذلك المنقول عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله ذم الغناء والنهي عنه( ).
6- أن الشوكاني نقل أقوال المبيحين لسماع الغناء ومع ذلك لم يقل بها وهذا دليل على أنه لم يقبلها بل ردها وقال بتحريم الغناء عند شرحه لأحاديث باب الدف واللهو في النكاح حيث قال: وفي ذلك دليل على أنه يجوز في النكاح ضرب الأدفاف ورفع الأصوات بشيء من الكلام، نحو أتيناكم أتيناكم، ونحوه لا بالأغاني المهيجة للشرور المشتملة على وصف الجمال والفجور ومعاقرة الخمور، فإن ذلك يحرم في النكاح كما يحرم في غيره( ).
7- قال الشيخ صالح الفوزان في رده على القرضاوي: وقول المؤلف وقد روى عن كثير من الصحابة والتابعين أنهم استمعوا الغناء ولم يروا به بأسًا. هذه دعوى منه نحن نطالبه بإبراز الأسانيد الصحيحة إلى هؤلاء الصحابة والتابعين بإثبات ما نسبه إليهم وأن هذا الغناء المنسوب إليهم استماعه هو من جنس ما يغني به هؤلاء من إلهاب النفوس الباعث على الوجد والغرام والمشتمل على أوصاف المحاسن من النساء وأنى له ذلك، ومجرد الدعوى لا يثبت به حكم( ).
8- أن الذي ثبت عن الصحابة أنهم سمعوا الغناء من غير آلة وفي بعض المناسبات وبكلام حسن الحداء في السفر والتشويق للدار الآخرة والتنشيط على الجهاد في سبيل الله أو عمل شاق ونحو ذلك ما سبق ذكره( ).
قال الشوكاني: وما كان الغناء الواقع في زمن العرب في الغالب إلا بأشعار فيها ذكر الحرب وصفات الطن والضرب، ومدح صفات الشجاعة والكرم( ).
وقال الألباني بعد ذكره للأحاديث التي تدل على ذلك: وفي هذه الأحاديث والآثار دلالة ظاهرة على جواز الغناء بدون آلة في بعض المناسبات كالتذكير بالموت أو الشوق إلى الأهل والوطن والترويح عن النفس والالتهاء عن وعثاء السفر ومشاقه ونحو ذلك مما لا يتخذ مهنة ولا يُخرج عن حد الاعتدال( ).
الوجه الرابع: لو ثبت هذا عن بعض الصحابة فهل نحن مأمورن باتباع الصحابة أو باتباع الكتاب والسنة؟
وهل فعل الصحابي وقوله يعتبر حجة إذا كان يخالف الكتاب والسنة؟( )
وبهذه الوجوه السابقة يبطل الاستدلال بفعل أحد من الصحابة أو التابعين على جواز الغناء، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
المبحث الثالث
الإجابة عن قولهم: إنه مذهب أهل المدينة
الجواب: أن هذا القول غير صحيح.
قال ابن رجب: وقد حكى زكريا بن يحيى الساجي في كتابه «اختلاف العلماء» اتفاق العلماء على النهي عن الغناء إلا إبراهيم بن سعد المدني وعبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة، وهذا في الغناء دون سماع آلات الملاهي فإنه لا يعرف عن أحد من السلف الرخصة فيه، وإنما يعرف ذلك عن بعض المتأخرين من الظاهرية والصوفية ممن لا يعتد به … وقد قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع قال: سألت مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء؟ فقال: «إنما يفعله عندنا الفساق»( ) وكذا قال إبراهيم بن المنذر الحزامي( ) وهو من علماء أهل المدينة، فتبين بهذا موافقة علماء أهل المدينة المعتبرين لعلماء سائر الأمصار في النهي عن الغناء وذمه( ).
قال الطبري: فقد أجمع علماء الأمصار على كراهية الغناء والمنع منه، وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري( ).
وقال أيضًا: واتباع الجماعة أولى من اتباع رجلين مطعون عليهما، قال ابن القيم: يريد بهما إبراهيم بن سعد وعبيد الله بن الحسن ( ).
وقال ابن حجر الهيثمي: وأما ما حكاه ابن طاهر من إجماع أهل المدينة فهو من كذبه وخرافاته( ).
وقال الأذرعي: وهذا من ابن طاهر مجازفة وإنما فعل ذلك بالمدينة أهل المجانة والبطالة( ).
وقال سعيد بن إدريس: الواقع أنه تبين لنا من خلال دراستنا لهذه النقطة بالذات أنه لم يصح أثرٌ واحد يدل على إجماع أهل المدينة وكل ما نقله الشوكاني وابن طاهر وغيرهما من إجماع أهل المدينة على إباحة العود باطلٌ، ترده الآثار التي تقدمت عن ابن عمر وأنس بن مالك وعائشة وسعيد ابن المسيب والقاسم بن محمد وفضيل بن عياض، بل لم أجد أحدًا أباح الغناء سوى إبراهيم بن سعد، وقد عدَّ العلماء ذلك من شذوذه( ).
قلت: وبهذا يتبين أن قولهم: إن مذهب أهل المدينة إباحة الغناء غير صحيح.
المبحث الرابع
الإجابة عن قولهم: إن مذهب مالك بن أنس أباح الغناء بالمعازف
وأن مالك ضرب الطبل
الجواب: قد سبق مذهب مالك وأنه قال: إنما يفعله عندنا الفساق، وقال: إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له ردها بالعيب( ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما نقلهم لإباحته عن مالك وأهل الحجاز كلهم فهذا غلط من أسوأ الغلط، فإن أئمة الحجاز على كراهته وذمه، ومالك نفسه لم يختلف قوله وقول أصحابه في ذمه وكراهته، بل هو من المبالغين في ذلك، وقد ذكر محمد بن طاهر في مسألة السماع حكاية عن مالك أنه ضرب بطبل وأنشد بيتًا، وهذه الحكاية مما لا يتنازع أهل المعرفة في أنها كذب على مالك( ).
وقال أيضًا: ومن ذكر عن مالك أنه ضرب بالعود فقد افترى عليه( ).
وقال ابن القيم: وأما نقلك لإباحته عن مالك بن أنس وأهل الحجاز كلهم- فهذا من أقبح الغلط وأفحشه؛ فإن مالكًا نفسه لم يختلف قوله وقول أصحابه في ذمه والمنع وكراهته، بل هو من المبالغين في ذلك الشاهدين على أهله بالفسق، ولهذا لما سأله إسحاق بن عيسى الطباع عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء قال: «إنما يفعله عندنا الفساق» ومؤلفات أصحابه في تحريمه شاهدة بذلك( ).
وقال سعيد بن إدريس: أما ما نسب إلى إمام دار الهجرة مالك بن أنس أنه أباح الغناء والعود فباطل مردود، وما حكاه الخطيب في تاريخه أن جماعة اجتمعوا ومعهم مالك ومعه دف مربع وهو يغنيهم- حكاية باطلة من وجوه:
1- أنه قد نظرنا في سندها التي أخرجها به الخطيب فوجدناه تالفًا؛ لأن فيه عبيد الله بن سعد، قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به.
2- إن هذه القصة تخالف سيرة الإمام مالك المشهور بالورع والصلاح والزهد( ).
قلت: وبهذا تبين أن قولهم: إن مذهب مالك أباح الغناء وأن مالك ضرب الطبل- قول غير صحيح وأنه افتراء على الإمام مالك.
وبعد فهذه أهم الحجج التي احتجوا بها على جواز الغناء، وهي كما ترى حججًا واهية أوهى من بيت العنكبوت، وهناك حجج أخرى أوهى منها تركتها خشية الإطالة، ولكنها كما قيل: حجج تهافت كالزجاج تخالها حقًّا وكل كاسر مكسور.
الخاتمة
من خلال بحث هذه المسألة يتضح عدة أمور ألخصها فيما يلي:
1- أن الغناء وسماعه ينقسم إلى ثلاثة أقسام.
أ- الغناء بدون آلات المعازف وبكلام حسن الحداء في السفر وما يعين على عمل شاق ويحمس للجهاد ونحوه- فهذا جائز، وعليه ما ورد عن الصحابة والتابعين.
ب- الغناء مع الدف بكلام حسن برئ فهذا جائز للنساء في الأعراس ونحو ذلك.
ج- الغناء المصحوب بآلات المعازف كالعود والكمنجة ونحوها- فهذا قد اتفقت المذاهب الأربعة على تحريمه بدلالة الكتاب والسنة، وعليه يحمل ذم السلف للغناء.
2- أن حديث أبي مالك الأشعري الذي أخرجه البخاري معلقًا والذي يدل على تحريم الغناء والمعازف- صحيح، لا مطعن فيه.
3- أن ما نُقل عن بعض الصحابة والتابعين أنهم سمعوا الغناء أكثره لا يثبت وما ثبت منه فلا يدل عل الجواز لمخالفته الكتاب والسنة.
4- أن جميع الآثار التي استدلوا بها على جواز الغناء بالمعازف- لا تدل على ما ذهبوا إليه، إما لعدم ثبوتها وإما لعدم دلالتها.
5- أن ما نقل عن مالك وأهل المدينة من إباحة الغناء- غير صحيح.
6- يجب على العالم وطالب العلم أن يتقي الله -عز وجل- وأن يسلك مسلك الإنصاف، وأن يجتهد في معرفة الصواب، ويحذر من اتباع الهوى الذي يعميه ويصمه ويصده عن معرفة الحق فيضل ويُضل.
هذا، ونسأل الله أن يعصمنا من فتنة القول والعمل وأن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويزرقنا اجتنابه، إنه على كل شيء قدير.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * *
فهرس المصادر
1- إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع، للعلامة محمد بن علي الشوكاني، مطبوع ضمن الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني، تحقيق محمد حلاق، مكتبة الجيل الجديد، صنعاء، ط2، 1445.
2- الأحاديث المختارة، ضياء الدين محمد المقدسي، تحقيق عبد الملك بن دهين، مكتبة النهضة، مكة، ط1، 1410هـ.
3- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، لابن قيم الجوزية، تصحيح وتحقيق محمد عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت، مكتبة الخاني الرياض، ط1، 1407هـ.
4- الاستقامة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، نشر وتوزيع مؤسسة قرطبة، الطبعة الثانية.
5- الأصول من علم الأصول مع شرحه للشيخ محمد بن عثيمين، تخريج وتحقيق نشأت المصري، دار البصيرة، مصر.
6- الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام للشيخ صالح الفوزان، مكتبة المعارف، الرياض، ط5، 1407هـ.
7- الأم، للإمام الشافعي، دار الفكر، بيروت طبعة 1410هـ.
8- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأبي بكر أحمد الخلال، تحقيق عبد القادر عطا، دار الاعتصام.
9- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للعلامة علاء الدين علي بن سليمان المرداوي، تحقيق محمد حامد الفقي – مكتبة السنة النبوية – ط1، 1347هـ.
10- البداية (فقه حنفي) المطبوع مع شرح الهداية، للدغيناني – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – ص1، 1410هـ.
11- البحر المحيط، تأليف محمد بن يوسف الشهير بابن حيان الأندلسي، عناية صدقي محمد جميل، المكتبة التجارية لمصطفى الباز، مكة.
12- تحريم آلات الطرب – محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة الدليل، الجبيل ط2، 1416هـ.
13- تحريم النرد والشطرنج والملاهي، للإمام أبي بكر الآجري، تحقيق محمد سعيد إدريس، توزيع إدارة البحوث والإفتاء بالرياض، ط1، 1402هـ.
14- تحريم النرد والشطرنج والملاهي للآجري تحقيق عمر غراب، دار البخاري، بريدة، ط2، 1407هـ.
15- الترغيب والترهيب، للحافظ المنذري، تحقيق محيي الدين مستر وآخرين، دار ابن كثير ودار الكلم الطيب، دمشق ومؤسسة علوم القرآن عجمان، ط2، 1417هـ.
16- تغليق التعليق على صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر الإسلامي – دار عمار، الأردن ط1، 1405ﻫ.
17- تفسير ابن جرير الطبراني المسمى جامع البيان في تأويل القرآن للإمام المفسر محمد بن جرير الطبرني، نشر دار الفكر، بيروت، 1405هـ.
18- تفسير القرآن العظيم للإمام عماد الدين إسماعيل ابن كثير القرشي، تحقيق سامي محمد السلامة، دار طيبة، الرياض، ط1، 1418هـ.
19- تفسير القرآن لأبي المظفر السمعاني، تحقيق ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس دار الوطن للنشر، الرياض، ط1، 1418هـ.
20- تلبيس إبليس، لأبي الفرج ابن الجوزي، دار الكتب العلمية، بيروت.
21- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، للحافظ ابن عمر يوسف بن عبد البر القرطبي تحقيق وتعليق مصطفى العلوي ومحمد البكري، 1387هـ.
22- التهذيب في فقه الإمام الشافعي، لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت ط1، 1412هـ.
23- جواهر الإكيل شرح مختصر خليل للعلامة صالح عبد السميع الأبي الأزهري دار المعرفة، بيروت.
24- الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد الأنصاري القرطبي، بدون طبع ونشر.
25- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، طبع دار إحياء الكتب العربية، عيسى الحلبي وشركاه.
26- الدر المختار مع شرح حاشية رد المختار (حاشية ابن عابدين) مكتبة مطبعة مصطفى الحلبي بمصر، ط3، 1404هـ.
27- الدر المنثور، لعبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1403هـ.
28- ذم الملاهي لابن أبي الدنيا، تحقيق محمد عطا، دار الاعتصام.
29- روضة الطالبين للإمام يحيى بن شرف النووي، تحقيق عادل عبد الموجود وأحمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت ط1، 1415هـ.
30- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، للعلامة محمود الألوسي، دار الفكر للطباعة والنشر.
31- زاد المسير لأبي الفرج جمال الدين بن عبد الرحمن الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1404هـ.
32- سنن أبي داود للإمام سليمان بن الأشعث السجستاني في دارسة وفهرسة كمال يوسف الحوشة، دار الجنان بيروت، ط1، 1409هـ.
33- سنن ابن ماجه للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر.
34- سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سوري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر.
35- السنن الكبرى لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق د. عبد الغفار البنداري وسيد كسروي دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ.
36- السنن الكبرى للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، بذيله الجوهر النقي، دار المعرفة، بيروت، فهرسة يوسف الدمشقي.
37- سنن النسائي لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، بشرح السيوفي، وحاشية السنوي تحقيق وترقيم مكتب تحقيق التراث الإسلامي، المعرفة، بيروت، ط2، 1412هـ.
38- شرح السنن للإمام المحدث الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق وتعليق شعيب الأرناءوط ومحمد الشاويش، المكتب الإسلامي، ط2، 1403هـ.
39- شرح صحيح مسلم، لأبي عبد الله الأبي، مكتبة طبرين، الرياض.
40- شرح الورقات، تأليف عبد الله الفوزان، دار المسلم للنشر، الرياض، ط2، 1414هـ.
41- الشرح الصغير، للسيد أحمد الدردير، المطبوع مع لغة السالك، ضبط وتصحيح محمد عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415هـ.
42- صحيح ابن حبان (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان) تقديم كمال الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1407هـ.
43- صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، المطبوع مع فتح الباري، دار الريان للتراث، القاهرة ط5، 1409هـ.
44- صحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي.
45- علوم الحديث لابن الصلاح تحقيق وتخريج نور الدين عنـز، نشر المكتبة العلمية، بيروت لبنان 1401هـ.
46- عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد العظيم أبادي، مع شرح ابن القيم، ضبط وتحقيق محمد عثمان، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، ط3، 1399هـ.
47- فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، جمع وترتيب محمد بن قاسم، ط1، 1399هـ.
48- فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد، إعداد عمر بن محمد القاسم، دار القاسم، الرياض ط1، 1418هـ.
49- فتاوى الشيخ ابن عثيمين، إعداد وترتيب أشرف بن عبد المقصود، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، 1411هـ.
50- فتاوى وسائل ابن الصلاح، تقي الدين أبو عمر وعثمان بن الصلاح، دار المعرفة، بيروت توزيع مكتبة المعارف بالرياض، ط1، 1406هـ.
51- فتاوى هيئة كبار العلماء جمع وترتيب صفوت الشوادفي، الناشر دار التقوى ودار حراء بلبيس.
52- فتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق محب الدين الخطيب، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار الريان للتراث، القاهرة، ط2، 1409هـ.
53- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير، للإمام محمد بن علي الشوكاني، تحقيق سيد إبراهيم، طبع ونشر وتوزيع دار الحديث بالقاهرة، ط1، 1413هـ.
54- فقه الغناء في ضوء القرآن والسنة، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة القاهرة، ط1، 1445هـ.
55- كتاب الدعوة- الفتاوى مؤسسة الدعوة الصحفية، الرياض ط2، 1408هـ.
56- كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع، لأبي العباس ابن حجر المكي الهيثمي تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1406هـ.
57- الكلام على مسألة السماع لابن القيم، تحقيق راشد الحمد، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1409هـ.
58- المبسوط، لشمس الدين محمد بن أحمد السرخسي، دار المعرفة، بيروت 1406هـ.
59- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لنور الدين الهيثمي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1402هـ.
60- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم.
61- مختصر زوائد مسند البزار، للحافظ ابن حجر، تحقيق صبري بن عبد الخالق مؤسسة الكتب الثقافية ط1، 1412هـ.
62- المدرسة الكبرى للإمام مالك بن أنس، دار صادر.
63- المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد الله الحاكم وبذيله تلخيص الذهبي، بإشراف يوسف الدعشلي، دار المعرفة بيروت لبنان.
64- سند أبي داود الطيالسي للحافظ سليمان بن داود، دار المعرفة، بيروت.
65- مسند أبي يعلى الموصلي تحقيق وإرشاد الحق الأثري، دار القبلة للثقافة، جدة ومؤسسة علوم القرآن، بيروت، ط1، 1408هـ.
66- مسند الإمام أحمد، تحقيق أحمد شاكر، دار المعارف بمصر، ط2، 1374هـ.
67- مسند الإمام أحمد، تحقيق شعيب الأرناءوط وآخرين، إشراف/ عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1416هـ.
68- مسند الإمام أحمد، بها حشية كنز العمال، دار صادر، بيروت.
69- مسند البزار لأبي بكر أحمد بن عمرو البزار، تحقيق محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم ومؤسسة القرآن، ط1، 1409هـ.
70- المصنف للحافظ أبي بكر بن عبد الرزاق الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط2، 1403هـ.
71- المصنف في الأحاديث والآثار، للحافظ أبي بكر بن أبي شعبة، تقديم وضبط كمال يوسف الحوت، دار التاج، بيروت، ط1، 1409هـ.
72- المطالب العالية بزوايد المسانيد الثمانية للحافظ ابن حجر، تحقيق غنيم بن عباس، دار الوطن، الرياض، ط1، 1418هـ.
73- معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة، تأليف محمد بن حسين الجيزاني دار ابن الجوزي، الدمام، ط1، 1416هـ.
74- معالم السنن لأبي سليمان الخطابي، المطبوع مع سنن أبي داود، إعداد وتعليق عزت عبيد الدعاس، نشر وتوزيع محمد علي السيد، حمص، ط1، 1388هـ.
75- المعجم الكبير، للحافظ سلمان بن أحمد الطبراني، تحقيق وتخريج حمدي السلفي نشر مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
76- معونة أولي النهى شرح المنتهى، تأليف محمد بن أحمد الفتوحي، تحقيق عبد المالك بن وهيب، دار خضر للطباعة والنشر.
77- الغني على مختصر الخرفي، لموفق الدين ابن قدامة المطبوع مع الشرح الكبير دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ.
78- المنتخب من مسند عبد الله بن حميد، تحقيق السيد صبيحي السامرائي محمود الصعيدي. عالم الكتب، ط1، 1408هـ.
79- المهذب في فقه الإمام الشافعي لأبي إسحاق الشيرازي، تحقيق د. محمد الرحيلي، دار القلم دمشق، والدار الشامية، بيروت، ط1، 1412هـ.
80- مواهب الجليل شرح مختصر خليل لأبي عبد الله محمد المغربي الحطاب، ضبط وتخريج زكريا عمران، ط1، 1416هـ.
81- نزهة الأسماع في مسألة السماع للإمام ابن رجب الحنبلي، تحقيق أم عبد الله بنت محروس وإشراف أبي عبد الله الحداد، دار العاصمة الرياض، ط1، 1407هـ.
82- نصب الراية – جمال الدين الزيلعي – دار الحديث.
83- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، للإمام محمد بن علي الشوكاني تخريج وتعليق عصام الدين الصبابطي، طبع ونشر دار الحديث، القاهرة، ط1، 1413هـ.
الفهرس
المقــدمة 5
الفصل الأول
المبحث الأول: الأدلة من الكتاب 8
المبحث الثاني: الأدلة من السنة 11
المبحث الثالث: أقوال السلف في ذم الغناء 18
الفصل الثاني
المبحث الأول: حكاية الإجماع 21
المبحث الثاني: مذاهب الأئمة الأربعة 23
المبحث الثالث: أقوال بعض العلماء المعاصرين 30
الفصل الثالث
المبحث الأول: الإجابة عن الأحاديث التي احتجوا بها 34
المبحث الثاني: الإجابة عن قولهم: إنه نقل عن بعض الصحابة 46
المبحث الثالث: الإجابة عن قولهم: إنه مذهب أهل المدينة 52
المبحث الرابع: الإجابة عن قولهم: إن مذهب مالك بن أنس أباح الغناء بالمعازف وأن مالك ضرب الطبل 54
الخاتمة 56
فهرس المصادر 58
الفهرس 68