السـلام عليكـم ورحمـة الله وبـركـاتـه
مع اقتراب نهاية السنة الهجرية تنتشر رسائل الجوال بأن صحيفة الأعمال سوف تطوى بنهاية العام ،
وتحث على ختمه بالاستغفار والصيام ؛ فما حكم هذه الرسائل ؟
وهل صيام آخر يوم من السنة ، إذا وافق .الاثنين أو الخميس بدعة
الحمد لله
قد دلت السنة على أن أعمال العباد ترفع للعرض على الله عز وجل أولاً بأول ،
في كل يوم مرتين : مرة بالليل ومرة بالنهار :
ففي صحيح مسلم (179) عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ :
قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ :
( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنَامُ ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ،
يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ )
قال النووي رحمه الله : الْمَلائِكَة الْحَفَظَة يَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ اللَّيْل بَعْد اِنْقِضَائِهِ فِي أَوَّل النَّهَار ,
وَيَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ النَّهَار بَعْد اِنْقِضَائِهِ فِي أَوَّل اللَّيْل .
وروى البخاري (555) ومسلم (632) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ ،
ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ : كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟
فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " فيه : أَنَّ الأَعْمَال تُرْفَع آخِرَ النَّهَار ,
فَمَنْ كَانَ حِينَئِذٍ فِي طَاعَة بُورِكَ فِي رِزْقه وَفِي عَمَله ، وَاَللَّه أَعْلَم ،
وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ حِكْمَة الأَمْر بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَالاهْتِمَام بِهِمَا – يعني صلاتي الصبح والعصر – ) " انتهى .
ودلت السنة على أن أعمال كل أسبوع تعرض ـ أيضا ـ مرتين على الله عز وجل .
روى مسلم (2565 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ
فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ :
اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا ) .
ودلت السنة أيضا على أن أعمال كل عام ترفع إلى الله عز وجل جملة واحدة في شهر شعبان :
روى النسائي (2357) عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ :
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ؟!!
قَالَ : ( ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ،
وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ )
حسنه الألباني في صحيح الجامع .
فتلخص من هذه النصوص أن أعمال العباد تعرض على الله ثلاثة أنواع من العرض :
• العرض اليومي ، ويقع مرتين كل يوم .
• والعرض الأسبوعي ، ويقع مرتين أيضا : يوم الاثنين ويوم الخميس .
• العرض السنوي ، ويقع مرة واحدة في شهر شعبان .
قال ابن القيم رحمه الله : " عمل العام يرفع في شعبان ؛ كما أخبر به الصادق المصدوق
ويعرض عمل الأسبوع يوم الاثنين والخميس ،
وعمل اليوم يرفع في آخره قبل الليل ، وعمل الليل في آخره قبل النهار .
فهذا الرفع في اليوم والليلة أخص من الرفع في العام ،
وإذا انقضى الأجل رفع عمل العمر كله وطويت صحيفة العمل " انتهى
باختصار من "حاشية سنن أبي داود" .
وقد دلت أحاديث عرض الأعمال على الله تعالى على الترغيب في الازدياد من الطاعات في أوقات العرض ،
كما قال صلى الله عليه وسلم في صيام شعبان :
( فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) .
وفي سنن الترمذي (747) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ )
صححه الألباني في "إرواء الغليل" (949) .
وكان بعض التابعين يبكي إلى امرأته يوم الخميس وتبكي إليه ،
ويقول : اليوم تعرض أعمالنا على الله عز وجل !!
[ ذكره ابن رجب في لطائف المعارف ] .
ومما ذكرناه يتبين أنه لا مدخل لنهاية عام ينقضي ،
أو بداية عام جديد ، بِطَيِّ الصُّحف ،وعرض الأعمال على الله عز وجل ،
وإنما العرض بأنواعه التي أشرنا إليها ، قد حددت النصوص له أوقاتاً أخرى ،
ودلت النصوص أيضا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الإكثار من الطاعات في هذه الأوقات .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن التذكير بنهاية العام في نهايته :
" لا أصل لذلك ، وتخصيص نهايته بعبادة معينة كصيام بدعة منكرة " انتهى .
وأما صيام الاثنين أو الخميس ، إذا كان من عادة الإنسان ،
أو كان يصومه لأجل ما ورد من الترغيب في صيامهما ،
فلا يمنع منه موافقته لنهاية عام أو بدايته ،
بشرط ألا يصومه لأجل هذه الموافقة ، أو ظنا منه أن صيامهما في هذه المناسبة له فضل خاص .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجـواب
بميزان حسناتج