السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تربية النشأ والإسراف
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
في هذه تلك الظروف المريرة التى تمر بها أمتُنا الآن من صعابِ الدمار، ووقوفها على حافة من الهاوية ، وأصبحت الأمة تتخبط في تصوراتها وأنظمتها، وجبَ علينا أن نواجه بفكرٍ يقظ تلك الهجمات الشرسة على نظم التربية والتعليم التى هجمت علينا من الغرب . قال تعالى:
﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)﴾(الروم)
وقال رسول الله " صلى اللهُ عليه وسلم " :
«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»
إذن فإن المسؤولية على الآباء تصبح جد عظيمة، وعلى الراعي أن يتوخى الحذر و أبنائنا وفلذات أكبادنا أمانة في أعناقنا فهم رجال الإسلام وعدة المستقبل، وقد حثنا ديننا الحنيف بتعاهدهم وتفقد أحوالهم الدينية وتوجيههم لما فيه صلاحهم وتدريبهم على الثبات على عقائدهم والعمل بأوامر ربهم جل وعلا وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم واجتناب ما نهيا عنه ، والإلتزام بما أمرا به.
والتصور الإسلامي لتربية الأبناء يرتكز إرتكازاً كبيراً على الصحبة والصداقة وإحساس الأبناء بكيانهم ، فقد يكون التصور واضحًا، ولكن الأسلوب المستخدم لا يتناسب مع التصور الإسلامي،ومما يؤكد أهمية العناية بأبنائنا قول الله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة:
" مروهم لسبع واضربوهم عليه العشر "
ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في تربية الأبناء وتعليمهم في سن مبكرة، يدل على ذلك ما رواه الإمام البخاري رحمه الله بسنده قال:
" حدثنا علي بن عبدالله أخبرنا سفيان قال الوليد بن كثير أخبرني أنه سمع وهب بن كيسان أنه سمع عمر بن أبي سلمة يقول: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك)) فما زالت تلك طعمتي بعد.
وروى البخاري أيضا قال: حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كخ كخ ))ليطرحها ثم قال: ((أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة)).
فانظروا أخوتى وأخواتى.. انظروا كيف كان حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم الأبناء مما يؤكد مسئولية الوالدين وأولياء الأمور تجاه أبناءهم.
وهذه المسئولية لا تقتصر على حكم من الأحكام بل شاملة لجميع أوامر الشريعة وأحكامها.
وقد نهى الله تعالى ونهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في كل شيء، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى:
{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماًمحسوراً}
وقوله تعالى: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين},
وقوله جل وعلا: {ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً}،
وقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن الفضول في الطعام:
((ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ))
وقوله "صلى الله عليه وسلم" في النهي عن الفضول في الحديث:
(( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال )).
هذه النصوص من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم تحثنا جميعا على عدم الفضول والبعد عن الإسراف في كل شيء.
وفي عصورنا المتأخرة غفل كثير من الناس عن تدبر كتاب الله تعالى والعمل بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فوقعوا فيما نهوا عنه من الإسراف في كل شيء والفضول في كل شيء.
ومن أهم هذه الأمور التي أسرف فيها الكبير والصغير والرجل والأنثى: الوقت الذي هو أثمن ما يمتلكه الإنسان، فهو أغلى من الذهب والفضة بل من الطعام والشراب؛ لأنه هو حياة الإنسان وهلاكه وهو سعادة الإنسان وشقاوته، فمتى ما عمر فيما يرضي الله جل وعلا أكسب سعادة وتوفيقا وجنة بإذن الله جل وعلا، ومتى ما أهدر هذا الوقت في طاعة الشيطان وغضب الرحمن كان وبالًا وحسرة وندامة على صاحبه في الدنيا والآخر -نسأل الله السلامة والعافية-.
وإن من المؤسف أن نرى الكثير ممن لم يثمن الوقت ولم يعرف قدره فيقضي الساعات الطوال فيما لا نفع له به ولا خير له كالحديث في أعراض المسلمين أو استماع آلات اللهو والنظر إليها أو نحو ذلك مما يقتل الوقت ولا طائل فائدة فيه، وهذا هو مفهوم الإسراف في الوقت.
ومنها ذلك أيضاالإسراف في الطعام والماء ونحوها، فتجد الرجل يصنع الطعام لاثنين أو ثلاثة ما يكفي عشرة أو أكثر، فإذا فرغوا من الأكل وضعوا ما تبقى في صندوق القمامة.
وأما الإسراف في الماء فحدث ولا حرج، ومن أراد أن يتثبت مما أقول فليحضر إلى إحدى دورات المياه فيمسجد من المساجد ولينظر فقط كيف يتوضأ الكثير جداً من الناس.
وإن لنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد كان صلى الله عليه وسلم يكفيه المُد من الماء للوضوء والصاع للغسل، وقد أنكر على أحد أصحابه إسرافه الماء، يدل على ذلك ما رواه ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يتوضأ فقال: ((لا تسرف لا تسرف)) ,
وروي أيضا عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ((ما هذا السرف؟))، فقال: أفي الوضوء أسراف؟ قال: ((نعم، وإن كنت على نهر جارٍ))،
ونحن اليوم لا نبالي في صرف الماء ولا نلقي لذلك بالًا ولا نثمن أنه ينقل إلينا بجهود هذه الحكومة الرشيدة من البحار وتصرف الملايين لنقله وتحليته. فلندرك أنه من أعظم النعم ومن يضمن بقاء واستمرار هذه النعمة إذا لم نشكرها بالمحافظة عليها وحمد الله عليها.
فعلينا أن نراجع أنفسنا وأن نتقيد بشريعة ربنا جل وعلا وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم، وعلينا أن نتعاهد من ولانا عليهم الله من الناشئة شبابا وفتيات فنغرس في نفوسهم حب الاعتدال وننشأهم على فقه هذه التوجيهات الربانية والأوامر النبوية الكريمة ونحبب إليهم العلم بها.
وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ،
اللهّم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ،
اللهّـــم آميـــن .