وقد رد أهل العلم على أهل الكلام وبينوا مفاسد هذه القاعدة وأنها تأتي على الإسلام من أساسه قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لا يتصور عند أهل السنة تعارض الأدلة الصحيحة العلمية لا السمعية ولا العقلية، والكتاب والسنة يدل بالإخبار تارة، ويدل بالتنبيه تارة، والإرشاد والبيان للأدلة العقلية تارة، وخلاصة ما عند أرباب النظر العقلي في الإلهيات من الأدلة اليقينية والمعارف الإلهية قد جاء بها الكتاب والسنة مع زيادات وتكميلات لم يهتد إليها إلا من هداه الله بخطابه، فكان ما جاء به الرسول من الأدلة العقلية والمعارف اليقينية فوق ما في عقول جميع العقلاء من الأولين والآخرين، وهذه الجملة لها بسط عظيم قد بسط في مواضع متعددة).
وقال في كتاب "درء تعارض العقل والنقل": ( ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط، وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع… ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط، بل السمع الذي يقال إنه يخالفه إما حديث موضوع أو دلالة ضعيفة فلا يصلح أن يكون دليلا لو تجرد عن معارضة العقل الصريح، فكيف إذا خالفه صريح المعقول…) وقال أيضا : (العارضون لكلام الله ورسوله من المشهورين في الإسلام ينتهي أمرهم إلى التأويل أو التفويض). ومراده بالتأويل: التأويل الفاسد.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (إذا تعارض النقل وهذه العقول أخذ بالنقل الصحيح ورمي بهذه العقول تحت الأقدام، وحطت حيث حطها الله وأصحابها).
وقال أيضا: ( إن هذه المعارضة بين العقل والنقل هي أصل كل فساد في العالم وهي ضد دعوة الرسل من كل وجه… وأتباع إبليس أو نائب من نوابه قدموا العقل على النقل…).
وقد توسع رحمه الله في كتابه " الصواعق المرسلة" في الرد على من قدم العقل على النقل ورد ذلك من أكثر من مئاتي وجها وقد بنى كتابه الصواعق" على كسر الطواغيت الثلاثة ومنها طاغوت تقديم العقل على النقل… وعلى كل فتقديم العقل على النقل يؤدي إلى إبطال الشرائع الإلهية وإبطال النبوات وإرسال الرسل وتكذيب رب العالمين، بل وإلى إبطال العقل نفسه فالواجب أن يعلم أن العقل له قدرة محدودة كما أن الشخص سمعه محدود وبصره محدود كذلك عقله.
ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال: ( كما أن نور العين لا يرى إلا مع ظهور نور قدامه، فكذلك نور العقل لا يهتدي به إلا إذا طلعت عليه شمس الرسالة…).
وهذه حقيقة من لم يدركها ويوفق لها يخشى عليه بمن قدموا العقل على النقل، فهاهم في قعر جهنم ينوحون على أنفسهم، قال تعالى: " وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير". وقد من الله على أهل السنة بالعافية من هذا الانحراف العظيم، فهم يستعملون عقولهم فيما خلقت له، ويجنبونها ما حظر عليها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكل من خالف صحيح المنقول فقد خالف أيضا صريح المعقول وكان أولى بمن قال الله فيهم: "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير").
وقال في كتاب "النبوات": (وأهل البدع الذين ابتدعوا أصول دين يخالف ذلك ليس فيما ابتدعوه لا هدى ولا دين حق، وكل ما خالفوه من الشرع فقد خالفوا فيه العقل أيضا؛ فإن الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء هو حق وصدق وتدل عليه الأدلة العقلية، فهو ثابت بالسمع والعقل والذين خالفوا الرسل ليس معهم سمع ولا عقل).
أختم هذه القاعدة بقول عظيم لشيخ الإسلام ابن تيمية قال: ( الناس لا يفصل بينهم النزاع إلا كتاب منزل من السماء، وإذا ردوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل).
وانشالله تستفيدون من الموضوع … ولا تحرموني من ردودكم الطيبة …
في البداية أود أن أشكرك جزيل الشكر على اختيارك الرائع لهذا الموضوع وطرحه هنا وهذا إن دل على شيء فهو يدل على مدى فقهك وثقافتك الدينية..
تقديم العقل على النقل …
من خالق هذا العقل .. ولم خلقه وميز به ابن آدم ..
قد يتسلل بعض الحاقدين والمفسدين إلى العقول المسلمة ليجعلوها متقدمة على ماشرع الله عزوجل وليقودوها إلى التفكير في المحظور مما يوصل إلى الجنون أحيانًا!!
وانا أتابع الشيخ الدكتور. محمد العريفي في إحدى حلقاته، ذكر أنه لا بد ان نطيع الله ورسوله في أي أمر وفي كل أمر وبدون تفكير ومن ثم أن نفكر بتلك الأمور بشكل منطقي … فسبحان الله نجدها مطابقة للمنطق ولتفكير العقل السليم المتصل بفطرة سليمة..لذا .. ننقاد ونطيع ومن ثم نفكر
ولو أننا فعلنا عكس ذلك … كأن تقول لأحدهم اترك سماع الأغاني على سبيل المثال فيقول لك … لا أستطيع لا بد أن اقتنع ومن ثم أتركها … أي انه يريد التفكير بمنطق وإيجاد أضرارها والحكمة من تحريمها ومن ثم يتركها أو يلازمها .. وهذا خطأ فادح يقع به الكثيرون للأسف
وكما أن للناس أذواق … فاللناس عقول أيضًا…
وهل من شرع في كتاب الله ينبعُ
……….. إلا وكان على الأنام سلامـًا…
أعتذر للإطالة ولكن الموضوع رائع ويستحق النقاش
جزاك الله خيرا وبارك فيك
احترامي
الريم السروحي