ثلاث وقفات مع الاستسقاء
حسام بن عبدالعزيز الجبرين
الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله؛ يَفعل ما يشاء، ويَحكم ما يريد، لا إله إلا الله الوَلِي الحميد، لا إله إلا الله الواسع المجيد، لا إله إلا الله المرجو للإحسان والإفضال والمزيد.
سبحانه مُفَرِّج الكُربات، ومُجيب الدعوات، والقائم بأرزاق المخلوقات.
أمَّا بعدُ:
فيا أيها الكرام، أوصيكم ونفسي بوصيَّة الله لنا ولِمَن قَبلنا: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].
أيها المصلُّون، ها نحن نستسقي بعد أنْ تأخَّرَ المطر عن بلادنا؛ اقتداءً بسُنَّة نبيِّنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – نطلب من ربِّنا الغيثَ، وها هنا وقفاتٌ ثلاث:
الوقفة الأولى: ضرورة إظهار الافتِقار لله، والتضرُّع له – سبحانه – فبعض الناس حين يسأل ربَّه السُّقْيَا، يطلبه ويسأله غيرَ مُفتقرٍ ولا مُنكسِرٍ كما ينبغي، وربُّنا يريد منَّا الانكسارَ والتضرُّع؛ ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ﴾ [الأنعام: 43]، وفي الآية الأخرى يقول – سبحانه -: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [الأنعام: 42].
فلنسأل الله مُستَشعِرين ضَعفنا وحاجتنا؛ فالانكسار سببٌ لإجابة الدعاء، وقد ذَكَر بعضُ أهْل العلم أنَّ الانكسار هو السرُّ في إجابة دعوة المسافر والمظلوم والصائم.
الوقفة الثانية: أهميَّة الغيث، نعم، حتى وإنْ كانتْ خَزانات المياه ملأى من مشاريع التحْلِيَة؛ لأنَّ المطرَ رحمةٌ، فربُّنا – سبحانه – سَمَّى المطر رحمة؛ ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28]، وقال: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 50]، ووصَفَه بالرِّزْق؛ ﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [الجاثية: 5]، إذ بالمطر ينبتُ الزرع ويدرُّ الضَّرْع، ووصَفَ الله المطر بالطهور؛ قال – سبحانه -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ [الفرقان: 48]، ووصَفَه الله بأنَّه مُبارَك، والبركة: كَثَرة الخير؛ ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا ﴾ [ق: 9]، وقد جَعَل الله من الماء كلَّ شيء حيٍّ.
الأمطار نفْعٌ لأهل الماشية وأهْل الزراعة، الأمطار أُنْسٌ وسعادة لكلِّ أحد، وصدَق الله: ﴿ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الروم: 48].
أيها الكرام، في الأمطار والسيول عِبَرٌ وآيات كثيرة، ولا أدَلُّ على ذلك ممَّا جاء في القرآن الكريم؛ من الآيات الكثيرة التي جاءتْ بشأْنه، بَدْءًا بنشوئِه وتكوُّنه، ونزوله وتحوُّله، وجَرَيَانه في الأوْدِيَة، وما يَحمله من غُثاء وزَبَد، ثم إخراجِ الأرض زينتَها من نباتها وأزهارها، ثم اصفرارِه وذَرِّ الرياح له، كلُّ هذا ذَكَره الله في كتابه، وضرَبَ لنا به الأمثال المتعدِّدة، فكم من الفوائد العظيمة المتنوِّعة التي تحصل بالأمطار؛ فوائدَ دينيَّة وصِحيَّة، وبيئيَّة وتجاريَّة، وراحة نفسيَّة… وغير ذلك كثير.
فإذا تذكَّر الواحد هذه المنافع وغيرها واستشعرَها، عَلِم ضرورتنا إلى السُّقْيا.
الوقفة الثالثة: الأخْذ بالأسباب الشرعيَّة للسُّقْيا، وجِماع ذلك التقوى؛ ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].
ومن التقوى التوبةُ والاستغفارُ؛ ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ [هود: 52].
إخواني، كلُّنا ذَوو خطأ، لكنَّ الفَرْق بين عباد الله أنَّ منهم من هو مُسْرِف في المعاصي، ومنهم من هو مُقِلٌّ منها، ومنهم بين ذلك، ثم هم بعد الوقوع في الخطيئة منهم سريع الندم والرجوع ويُكثِر من الطاعات، ومنهم بطيءٌ عن ذلك أو مُصِرٌّ، فالتوبة من وظائف العُمر المتكرِّرة، وعندما يُبتَلى الواحد منَّا بمعصية، فإنَّه يُوصَى بأمرين: التوبة من هذا الذنب، وعَمل طاعة لله؛ قال – سبحانه -: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114]، ولا سيَّما ونحن في عشرٍ فاضلةٍ هي أفضل أيَّام السَّنة.
وأختمُ الحديث بهذا الحديث الذي أخرَجَه الشيخان: يقول – عليه الصلاة والسلام -: ((ما منكم من أحدٍ إلاَّ سيكلِّمه ربُّه، ليس بينه وبينه تُرْجمان، فينظر أيْمنَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم من عمله، وينظر أشْأَم منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تِلقاء وجْهه، فاتَّقوا النار ولو بشِقِّ تمرة))؛ وزاد مسلم: ((ولو بكلمةٍ طيِّبة)).
ربَّنا ظلمنا أنفسنا، اللهم إنك عفو، اللهم اغفر لنا، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم إنَّا نسألك بأنَّا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد، اللهم أغثْنا، اللهم أنزلْ علينا من بركات السماء، وأنْبِتْ لنا الزرع.
منقول