تخطى إلى المحتوى

خطر الابتداع في الدين

بقلم : محمد حاج عيسى الجزائري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فإن الله تعالى أمرنا أن نعبده، وأرسل إلينا نبيه صلى الله عليه وسلم ليبين لنا طريق هذه العبادة فنتبعه فيها، ولذلك كان الدين مبنيا على أصلين:
أن لا نعبد إلا الله وأن لا نعبده إلا بما شرع، ومن خالف الأصل الأول وقع في الشرك، ومن خالف الأصل الثاني وقع في الابتداع، وحقيقة البدعة وخلاصتها التقرب إلى الله تعالى بما ليس من دينه، والبدعة مضادة للدين الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة»، وفي هذه المقالة المقتضبة بيان لخطر الابتداع على دين المرء، عسى أن يعظم الناس شأن هذه المخالفة، وأن يحرصوا على اتباع السنة وأن ينبذوا جميع أنواع البدع القولية والعملية، الحقيقية والإضافية.
1-العمل المبتدع غير متقبل
إن العمل المبتدع مردود على صاحبه غير متقبل لقوله صلى الله عليه وسلم: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ» (متفق عليه)، قال النووي:"وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات". وقال ابن رجب: " فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله فعمله باطل مردود". ويصدق على كل مبتدع في الدين قوله تعالىالَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (الكهف: 104)، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه:"الاقتصاد في السنة أحسنُ من الاجتهاد في البدعة". ووردت عن بعض السلف عبارات شديدة في هذا المعنى كقول الحسن البصري:"صاحب البدعة لا يقبل الله له صلاة ولا صياما ولا حجا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا".
2-الابتداع سبب الضلال في الدنيا
قال النبي صلى الله عليه وسلم:« وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» (رواه مسلم) والضلالة ضد الهداية التي هي أعظم نعم الله تعالى على العبد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:« إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» (متفق عليه). عن ابن مسعود قَالَ:« خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطًّا ثُمَّ قَالَ هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ إِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ»(رواه أحمد).
3-الابتداع سبب الهلاك في الآخرة
قال تعالى فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63) أي فليحذر الذين يخالفون سبيل النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته، أن تصيبهم فتنة في الدنيا أو عذاب أليم في الآخرة.
ومن أعظم الوعيد لمن خالف السنة وطريق السلف قوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:115) وقال صلى الله عليه وسلم :« قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلاَّ هالك» (ابن ماجه وصححه الألبانِي).
4-الابتداع يميت السنن
إن من أعظم آثار البدعة على الدين إماتة السنن، لأن البدعة ترفع ما يقابلها من السنة، وما قامت بدعة إلا على نقض سنة، وإذا عمت البدع صارت السنة غريبة وأهلها غرباء، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: "ما أتى على الناس عام إلاَّ أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنة حتى تحيا البدع، وتموت السنن». وقال بعض السلف:«ما أحدث قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ". قال صلى الله عليه وسلم:« فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإنَّ كل بدعة ضلالة» (رواه أبو داود والترمذي وصححه).
5-الابتداع طعن في كمال الدين
إن أكبر نعم الله عز وجل علينا كمال هذا الدين، فلا حاجة لعبد إلى دين غير الإسلام، ولا إلى نبي غير محمد صلى الله عليه وسلم، الذي لا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرّمه، ولا دين إلا ما شرعه، قال تعالى وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:89) فما ترك شيئًا من أمر الدين إلاَّ وقد دلنا عليه في القرآن، إمَّا دلالة واضحة، وإمَّا مجملة يُتلقى بيانَها من الرسول صلى الله عليه وسلم، أو من الإجماع أو آثار السلف الصالح، وقال صلى الله عليه وسلم :« إنَّه لم يكن نبيٌّ قبلي إلاَّ كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم » (مسلم)، وقال أبو ذر:" لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا" (رواه أحمد وصححه الألباني).
6-الابتداع اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم
روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت :"من حدثك أن محمدًا كتم شيئًا مما أنزل عليه فقد كذب". وقال الإمام مالك رحمه الله :"من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة؛ فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة؛ لأنَّ الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )(المائدة:3)، فما لم يكن يومئذ ديناً؛ فلا يكون اليوم دينًا". وقال لمن أراد أن يحرم من المسجد بدلا ذي الحليفة: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة، فقال : وأي فتنة هذه ؟ إنما هي أميال أزيدها . قال : "وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصَّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! إني سمعت الله يقول فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )".
7-الابتداع قول على الله بغير علم
قال تعالى قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33) قال ابن كثير رحمه الله:"وأغلظ من كلِّ ذلك، وهو القول على الله بلا علم، فيدخل في هذا كل كافر، وكل مبتدع أيضًا".
8-الابتداع تشريع من دون الله تعالى
والمبتدع مع طعنه في كمال الدين وقوله على الله بلا علم قد نصَّب نفسه مشرعا من دون الله، والدين دين الله تعالى وليس لأحد أن يزيد فيه أو ينقص منه، قال تعالى أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه) (الشورى:21).
9-البدعة بريد الكفر
إن مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم إبطال شرائع الجاهلية المبتدعة التي أوصلت أصحابها إلى الشرك بالله تعالى، وقد توغل أناس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في بدع التصوف فوقعوا في الشرك الصريح من عبادة القبور والطواف بها والاستغاثة بأهلها ، وأوصل كثيرا منهم إلى استباحة الحرام وإسقاط الواجبات، وربما زعموا أن الله تعالى يحل فيهم ويوحي إليهم وكل هذا من الكفر البواح.
10-الابتداع سبب تفريق الأمة
ومن آثار الابتداع التفرق والتدابر والتباغض، وقد قال تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (آل عمران:103) وقال أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) قال قتادة:"ولعمري لو كان أمر الخوارج هُدىً لاجتمع، ولكنّه كان ضلالاً فتفرق، وكذلك الأمر إذا كان من عند غير الله وجدت فيه اختلافًا كثيرًا".
11-الابتداع طريق اليهود والنصارى
إن الابتداع طريق اليهود والنصارى، أي طريقهم في تبديل الدين وتحريفه، وطريقهم في مجانبة سبيل الأنبياء والمرسلين، وطريقهم في اتباع من ليس قوله حجة في الدين، كما قال تعالى يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) (المائدة:13)، وقال : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّه)(التوبة:31).
12- الابتداع يوجب براءة النبي صلى الله عليه وسلم
قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام:159) قال البغوي: "هم أهل البدع والأهواء". وقال نبينا صلى الله عليه وسلم ردا على من استقل عبادته وأراد أن يزيد عليها :" فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي"(متفق عليه).
13-الابتداع سبب الطرد من حوض النبي صلى الله عليه وسلم
قال النبي صلى الله عليه وسلم :« أنا فرطكم على الحوض، وليختلجنَّ رجال دوني فأقول: يا ربِّ أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم غيروا وبدّلوا. فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: سحقًا سحقًا لمن غيَّر وبدّل» (متفق عليه) "الفرط" السابق ، و"يختلج رجال" بمعنى يجذبون ويطردون ، و"سحقا" بمعنى بعدا .
14-الابتداع سبب حلول اللعنة
قال النبي صلى الله عليه وسلم :« ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (أبو داود والنسائي وصححه الألباني)، والمحدث المفسد في الأرض مبتدعا كان أو غيره، فالمراد بالحدث كل ما خالف الشرع والسنة، والإيواء معناه الرضا ببدعته وإقرارها وعدم إنكارها . وقال صلى الله عليه وسلم عن المدينة النبوية:« ومَنْ أحْدَث فيها حدثا أو آوى مُحْدِثا فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة لا يقبل منه صَرْفٌ ولا عدْل » (متفق عليه) والصَّرْف : التوبة لأنها صرفٌ للنفس عن الفجور إلى البر ، والعَدْل : الفِدْية .
15-الابتداع سبب الحرمان من التوبة
قال تعالى: ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (القصص:50) فالمبتدع لا يوفق للتوبة ولا يعان عليها ما دام متبعا لهواه لا يريد الحق، وجاء في هذا المعنى الأثر:« إنَّ الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة » (وصححه الألبانيُّ مرفوعا). والمبتدع يحسب أنه على الهدى فكيف يتوب منه؟ ولهذا قال الثوري: "البدعة أحبُّ إلى إبليس من المعصية، المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها".
لا يوفق للتوبة خاصة إذا كان من دعاتها وترأس فيها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:« وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» (رواه مسلم).
نسأل الله تعالى أن يعافينا من البدع وأهلها، فيا أيها المسلمون اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، فإنه "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها" كما قال الإمام مالك رحمه الله. ولا صلاح لأحوال الأمة إلا باتباع السنة، ولا نجاة للعباد إلا بذلك، وقال الأوزاعي:"اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم".

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

يزاج الله خير

في ميزان حسناتج انشاء الله
ويزاج الله خير

حياكم خواتي

بارك الله فيكن

للفائده

نفعنا الله واياكم

الله يجازيج الخير

جعلها الله في ميزان حسناتج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.