وعن شداد بن أوس رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أخرجه البخاري.
وهذا حديث عظيم، حديث شداد بن أوس رضي الله عنه، وليس له في صحيح البخاري إلا هذا الحديث، مثل ما تقدم في تميم الداري، ليس له في صحيح مسلم إلا حديث الدين النصيحة، حديث أيضا عياض بن حمار ليس له في صحيح مسلم، إلا الحديث: إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحدٌ على أحد وهو مطول واختصره المصنف رحمه الله.
وهذا الحديث في حديث سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ورواه أيضا أبو داود من حديث بريدة بإسناد لا بأس به أيضا بهذا اللفظ تماما سواء بهذا اللفظ، ورواه أيضا النسائي من حديث جابر، وفيه: تعلموا سيد الاستغفار وهذا يبين أن السيادة تكون في الأدعية، وذلك أن السيد هو الرجل الذي جمع الخصال أو من جمع الخصال الحسنة، ويوكل إليه الأمور المهمة، ويجمع فضائل الأخلاق ومحاسن الأعمال، وكانوا في الجاهلية، إذا جمع الرجل خصالا من الكرم والشجاعة والوفاء، وما أشبه ذلك من الحسن سموه سيدا، فالسيادة في كل شيء بحسبه.
وهذا دعاء جمع أنواعا وخصالا من الخير ولهذا كان سيد الاستغفار: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك" اعتراف أول شيء توحيد، وثناء بهذا التوحيد، ثم اعتراف أو إخبار عنه، خلقتني، وأنا عبدك خبر، وأنت حينما تنظر في هذه الأدعية تراها تأتي كثيرا على الثناء عليه سبحانه وتعالى ثم الخبر عن العبد، وهذا هو أحسن ما يكون أن يثني العبد على ربه سبحانه وتعالى، ثم يخبر بحال ضعفه "خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك" لكن مع ذلك لضعفي ما استطعت.
ثم قال: "أبوء لك – أعترف – بنعمتك علي، وأبوء بذنبي" أعترف بذنبي وتقصيري، نعمك كثيرة متواترة على عبدك الضعيف لكنه مقيم على المعاصي وهو معترف، والاعتراف من العبد دلالة خير، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فاستغفري فإن العبد إذا اعترف بالذنب تاب الله عليه أو إذا أذنب فتاب تاب الله عليه، يقوله النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة في الحديث الطويل في قصة الإفك.
"أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي – ثم قال: – فاغفر لي" سؤال طلب دعاء طلب، ثم عرف الحق لله عز وجل "إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" أيضا خبر عاد إلى الثناء والخبر إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي، دعاء مسألة، أو حينما يسأل ربه يغفر له: "إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" كما في حديث أبي بكر في الصحيحين + أوصاه النبي عليه الصلاة والسلام: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وفي اللفظ الآخر عند مسلم: كبيرا. ثم قال: "وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" كما في هذا الحديث "فاغفر لي" كما في هذا الحديث "فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" شوف، فاغفر لي مغفرة من عندك المغفرة من عنده سبحانه وتعالى لكن مغفرة لا يقتضيها عمل، وليس مني سبب إنما هو محض فضل منه سبحانه وتعالى، ولهذا إذا كان المغفرة محض فضل من الله عز وجل ما أعظمها وما أوسعها لأن عمل العبد مهما كان، كما في الصحيحين: لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل .
المسألة إلى رحمته ومغفرته سبحانه وتعالى، ولهذا سأل في حديث أبي بكر: "فاغفر لي" يعني رحمة تبتدئ بها أنت وتمن بها لا يقتضيها عمل، وإن كان الله عز وجل لا يظلم عبدا عملا عمله بل يعطيه موفرا بل يضاعفه سبحانه وتعالى، لكن للعبد عليه أن يكون معترفا بظلمه وتقصيره، ويعلم أن عمله مهما كان لا يقوم بشكر نعمه سبحانه وتعالى فضلا عن تكفير سيئاته، فهو دائر بين أمور تحتويه من نفس أمارة بالسوء والهوى والشيطان والضعف، فليس له إلا عتبة الاعتراف، والتقصير وأنه مقصر أي معفر "الظالم لنفسه" المسيء، ولهذا في نفس الحديث وهي زيادة لو أن المصنف ذكرها لكان أحسن: وأنه إذا قالها العبد حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة وإن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة وجاءت في حديث بريدة أيضا، وهذا يبين أنه يقال من أذكار الصباح والمساء هذا الذكر،
اللهم انت ربّي
لا اله الا انت
خلقتني وأنا عبدك
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت
أعوذ بك من شر ما صنعت
أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي
فاغفرلي
فإنه لا يغفر الذنوب الا انت
وصلى الله على سيدنا محمد
وعلى آله وصحـبه وســلم
__________________