تخطى إلى المحتوى

عبادة الله والأمور التي تعين على تحقيقها

بسم الله الرحمن الرحيم

عبادة الله والأمور التي تعين على تحقيقها

الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

معاشر المؤمنين، اتقوا الله – تعالى – فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

عباد الله:

إن مقصود إيجاد الخليقة والغايةَ من خَلْق الثقلين معرفةُ الله – تعالى -وعبادته، ودليل المعرفة قول الله – تبارك وتعالى -: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق : 12]، ودليل العبادة قول الله – تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات : 56]، فالله – تعالى – خَلَقَ الثقلين؛ ليعرفوه بآياته وأسمائه وصفاته، وعظمته وجلاله وكماله, وأنه الخالق المدبِّر والرَّب العظيم والموجد لهذه الكائنات، والمالك لجميع المخلوقات، فيؤمن بذلك كله إقرارًا وتوحيدًا وإيمانًا وإثباتًا, وتوحيد في العبادة بأن تُخلص العبادة لله، وأن يفرد وحده – سبحانه – بالطاعة، فلا يعبد إلا الله، ولا يصرف شيء من العبادة لأحد سواه.

عباد الله:

العبادة التي خلق الله الخلق لأجلها وأوجدهم لتحقيقها، هي: اسم جامع لكل ما يحبُّه الله ويرضاه؛ من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، والعبادة منها ما يكون بالقلب؛ كالرجاء والخوف والإنابة والتوكل وغير ذلك، ومنها ما يكون باللسان؛ كذكر الله – جل وعلا – وتلاوة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكل قول سديد يحبه الله, ومنها ما يكون بالجوارح؛ من فعلٍ للطاعات، وقيام بالعبادات، وتحقيق للقُربات التي أمر الله – تبارك وتعالى – عباده بها، ودعاهم إلى فِعلها، وكما أن العبادة – عباد الله – تتناول فعل المأمور، فإنها كذلك تتناول ترك المحظور، فتركُ المحرَّمات ومجانبتها، والبعد عنها من العبادة التي أمر الله – تبارك وتعالى – عباده بها، ولهذا قال – صلى الله عليه وسلم -: ((مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))، وفي الحديث قال – عليه الصلاة والسلام -: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)).

عباد الله:

العبادة لا يقبلها الله من العابد إلا إذا أقامها على شرطين عظيمين وأساسين متينين؛ إخلاص للمعبود، ومتابعة للرسول، كما قال الله – تبارك وتعالى -: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، والله – جلّ وعلا – لا يقبل العبادة من العامل إذا لم تكن خالصة له، وفي الحديث القُدسي يقول الله – جلّ وعلا -: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معيَ فيه غيري، تركته وشركه))، وهو – جلّ وعلا – لا يقبل العبادة إن لم تكن موافقة هدي النبي الكريم، ونهج الرسول العظيم – صلوات الله وسلامه عليه – والعبادة التي لا تكون موافقة هدي النبي – عليه الصلاة والسلام – مردودة على صاحبها غير مقبولة منه، وفي الصحيحين أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ))، والله – تعالى – يقول: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود : 7]، قال الفضيل بن عياض – رحمه الله – في معنى هذه الآية: "أخلصه وأصوبه"، قيل يا أبا علي، وما أخلصه وأصوبه، قال: "إن العمل إذا كان خالصًا، ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل، والخالص ما كان لله والصواب ما كان على السُّنَّة".

عباد الله:

العبادة أنواع كثيرة وصنوف عديدة جاء بيانها في كتاب الله وسُنَّة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأعظم العبادة شأنًا وأرفعها مكانًا مباني الإسلام الخمسة المبيَّنة في قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((بُني الإسلام على خمس؛ شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام))؛ متفق عليه.

عباد الله:

ثم إنَّ كل عبادة يتقرَّب بها العامل إلى الله؛ من صلاة وصيام، وحج وغير ذلك يجب أن تُقام على أركان قلبيَّة ثلاثة عظيمة، وهي حبُّ الله، ورجاء ثوابه، وخوفُ عقابه، فكل عبادة نأتي بها وكل طاعة نتقرَّب إلى الله بها لا بد وأن تكون قائمة على هذه الأركان الثلاثة؛ الحب والرجاء والخوف، فنحن نعبد الله حبًّا لله ورجاء لثوابه وخوفًا من عقابه، نصلي حبًّا لله ورجاءً لثوابه وخوفًا من عقابه، نصوم حبًّا لله ورجاءً لثوابه وخوفًا من عقابه، وهكذا في كل الطاعات، وجميع العبادات، وهذا ما ذكره الله – تعالى – في قوله – سبحانه -: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء : 57].

عباد الله:

العُبَّاد وعُمَّال الآخرة والسائرون في رضا الله – تبارك وتعالى – هم في حقيقة الأمر في مضمار سباق، وفي مَيدان منافسة، ولهذا قال – صلى الله عليه وسلم -: ((سبق المفرِّدون))، قالوا: وما المفردون يا رسول الله، قال: ((الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات))، فالعاملون للآخرة والقائمون بعبادة الله هم في حقيقة الأمر أنَّهم يعيشون هذه الحياة الدنيا في مَيدان سباق، وفي ميدان مُسارعة، قال الله – جلّ وعلا -: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]، وقال – جلّ وعلا -: ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون : 61]، والآيات في هذا المعنى كثيرة عديدة.

عباد الله:

من يعمل للآخرة مجتهدًا في عبادة الله، ساعيًا في التقرُّب إلى الله بما يحبُّه الله ويرضاه من صالح الأعمال وسديد الأقوال، فإنه يفوز بالأرباح العظيمة والمكاسب الكبيرة، والنتائج المثمرة العظيمة في الدنيا والآخرة، وهذا من مِنَّة الله – جلّ وعلا – على عباده المؤمنين وحزبه الصادقين وأوليائه المقرَّبين، وثمار العبادة والقيام بالطاعة كثيرة عديدة يطول عدُّها، ويحتاج الأمر إلى وقت كثير لسردها، والله – تعالى – يقول: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، اللهم وفِّقنا لعبادتك، وأعنَّا على طاعتك، واهدنا يا ربَّنا إلى سواء السبيل، اللهم وبصِّرنا بديننا، وأعنَّا على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام، وأصلح لنا – إلهنا – ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل لنا الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله – صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله:

إن من مقامات عباد الله العظيمة في تقرُّبهم إلى الله ومحافظتهم على طاعة الله، عنايتهم الفائقة ورعايتهم الكبيرة لمنازل السائرين ومقامات العابدين، ولهذا فإن العابد لله – جلّ وعلا – يحتاج إلى أمور عظيمة تُعينه على القيام بالعبادة، وتيسِّر له المحافظة على الطاعة، ومن ذلك عباد الله:

الصبر بأنواعه الثلاثة؛ صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله، ومما يحتاج إليه العابد حاجة عظيمة، بل حاجة مُلحة التوكل على الله، والاستعانة بالله، والاعتماد على الله في طلب مصالحه الدينية والدنيوية، ولهذا قال النبي لمعاذ – رضي الله عنه -: ((يا معاذ إني أحبُّك، فلا تدعنَّ دُبر كل صلاة أن تقول: ((اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك))، وإذا كانت العبادة ثقيلة على العبد، فإن أعظم ما يسهلها ويليِّنها على قلبه ذكر الله – تبارك وتعالى – وفي الترمذي عن عبدالله بن بسر – رضي الله عنه – أن رجلاً أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله إن شرائع الدين قد كثرت علي، فأوصني، فقال – عليه الصلاة والسلام -: ((لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله))، والحديث دليل على أنَّ من فوائد الذِّكر العظيمة وآثاره العامة أنه يُسهل الطاعة، ويُعين على القيام بالعبادة، ويذللها للعبد تذليلاً بإذن الله – جل وعلا.

ومن مقامات العابدين العظيمة شكر الله على نعمه وحمده على عطاياه، ومِنَنه وأعظم مِنن الله علينا – عباد الله – توفيقه لنا في الدخول في هذا الدين، وأنَّا كنَّا من أهل الصلاة والصيام، فهذه نعمة عظيمة ومنَّة جسيمة، والمؤمن شاكر لنعمة الله حامد لله – جلّ وعلا – على نعمه وعطاياه، والشكر مُؤذن بالمزيد والله – جلّ وعلا – يقول: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، اللهم أوزعنا شكر نعمك، اللهم أوزعنا شكر نعمك، ووفقنا لاستعمال نعمك في طاعتك وما يقرِّب إليك، وجنبنا إلهنا منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء؛ إنك سميع الدعاء، وأنت أهل الرجاء، وأنت وليُّنا ونعم الوكيل.

هذا وصلوا وسلموا – رعاكم الله – على محمد بن عبدالله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب : 56]، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((من صلّى عليَّ واحدة، صلى الله عليه بها عشرًا))، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد, وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي الحسنين علي، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك، وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين, اللهم أمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبُّ وترضى، وأعنه اللهم على البر والتقوى وسدّده في أقواله وأعماله، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين, اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سُنَّة نبيِّك محمد – صلى الله عليه وسلم – واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين, اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولها, اللهم إنا نسألك الهدى والتقوى والعفة والغنى.

اللهم لك أسلمنا، وبك أمنَّا، وعليك توكلنا، وإليك أنبنا، وبك خاصمنا، نعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلنا، فأنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون، اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك اللهم من كل شر خزائنه بيدك، ونسألك اللهم الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات؛ الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين وتبْ على التائبين، اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم وفرج همّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدنين، اللهم وارفع عنَّا الغلاء و الوباء والزلازل، والفتن والمحن والفتن كلها ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا أرحم الراحمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكوننَّ من الخاسرين.

عباد الله اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

خليجية

جزاج الله خير وفي ميزات حسناتج

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.