تخطى إلى المحتوى

فضل تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره

فضل تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره
الحمد لله الذي أنزَل على عبده الكتاب تبيانًا لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعدُ:
فإنه يتأكد على المسلم الراجي رحمة ربِّه، الخائف من عذابه، أن يكثر من تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره؛ تقرُّبًا إلى الله – تعالى – وطلَبًا لمرضاته، وتعَرُّضًا لفضله وثوابه؛ فإنَّ القرآن الكريم خيرُ كتاب، أنزل على أشرف رسول، إلى خير أمة أُخرجتْ للناس، بأفضل الشرائع وأسمحها، وأسماها وأكملها.
أنزل القرآنَ لكي يقرأَه المسلمُ ويتدبره، ويتفكر في معانيه، وأوامره ونواهيه، ثم يعمل به، فيكون حجة له عند ربه، وشفيعًا له يوم القيامة.
وقد تكَفَّلَ الله لمن قرأ القرآن وعمِل بما فيه ألاَّ يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، بقوله – تعالى -: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى﴾ [طه: 123]، ولْيحذر المسلمُ من الإعراض عن تلاوة كتاب الله وتدبره والعمل بما فيه، وقد توَعَّد الله المعْرضين عنه بقوله – تعالى -: ﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا﴾ [ طه: 100] وبقوله – تعالى -: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [ طه: 124].
وفي فضْل القرآن:قال الله – تعالى -: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [ النحل: 89]، وقال – تعالى -: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: 15 – 16]، وقال – تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [ يونس: 57]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»؛ رواه البخاري في صحيحه، وقال – عليه الصلاة والسلام -: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه»؛ رواه مسلم، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة وآل عمران، تحاجَّانِ عن صاحبهما»؛ رواه مسلم، وقال – عليه الصلاة والسلام -: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف؛ بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتِّل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»؛ رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وقال – عليه الصلاة والسلام -: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به، مع السفَرة الكرام البَرَرة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاقٌّ، له أجران»؛ متفق عليه.
والمراد بالسَّفَرة: الرسل من الملائكة، والبَرَرة: المطيعون لله – تعالى – ويتتعتع: يتردد في قراءته (له أجران): أجر القراءة، وأجر المشَقَّة.
وقال – صلى الله عليه وسلم -: «لا حسَد إلا في اثنتَين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار»؛ متفق عليه.
والآناء: الساعات، والمراد بالحسد هنا: الغبطة، وهي تَمَنِّي مثل ما للغَيْر.
فاحْرِص – أيها المسلم – وفَّقك الله لما يرضيه على تعلُّم القرآن وتلاوته بنية خالصة لله – تعالى – واحرص على تعلُّم معانيه والعمل به؛ لتنال ما وعد الله به أهل القرآن من الفضل العظيم، والثواب الجسيم، والدرجات العلا، والنعيم المقيم، فقد كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا تعلَّموا عشر آيات من كتاب الله – تعالى – لَم يتجاوزوهن حتى يتعلَّموا معانيهن والعمل بهن.
وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن؛ كما قال – تعالى -:﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن﴾[البقرة : 185]، وفي الصحيحين عن ابن عباس: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يلتقي هو وجبريل في رمضان في كل ليلة، فيدارسه القرآن.
فدلَّ على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على مَن هو أحفظ له منه، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان.
وفيه فضل الاجتماع في المساجد لتلاوة القرآن ومدارسته؛ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلتْ عليهم السكينة، وغشيتْهم الرحمة، وحفَّتْهم الملائكة، وذَكَرهم الله فيمن عنده»؛ رواه مسلم.
وفي حديث ابن عباس المتقدم: أن المدارسة بين النبي – صلى الله عليه وسلم – وبين جبريل كانت ليلاً، فدلَّ على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً؛ فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر؛ كما قال – تعالى -: ﴿إن ناشئة الليل هي أشد وطئًا وأقوم قيلاً﴾[المزمِّل: 6].
ويستحب قراءة القرآن على أكمل الأحوال متطهرًا، مستقبل القبلة، متحريًا بها أفضل الأوقات؛ كالليل، وبعد المغرب، وبعد الفجر، وتجوز القراءة قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا، وماشيًا وراكبًا؛ لقوله – تعالى -: ﴿الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم﴾[آل عمران : 191] والقرآن أعظم الذكر.
ثم اعلم – أيها المسلم – أنَّ تلاوة القرآن التي ينتفع بها صاحبُها هي التلاوة المصحوبة بالتدَبُّر والتفهُّم لمعانيه وأوامره ونواهيه، بحيث إذا مر القارئ بآية يأمره الله فيها بأمر ائتَمَر به وامتَثَلَه، وإذا مر بآية ينهاه الله فيها عن شيء، انتهى عنه وترَكه، وإذا مرَّ بآية رحمة سأل الله ورجا رحمته، وإذا مرَّ بآية عذاب استعاذ بالله وخاف من عقابه، فهذا الذي يتدبَّر القرآن ويعمل به، يكون حجة له، أما الذي لا يعمل به، فإنه لا ينتفع به ويكون حجة عليه؛ قال الله – تعالى -: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29].
اللهم اجعلنا وجميع المسلمين من أهل القرآن، الذين هم أهلُكَ وخاصتك يا أرحم الراحمين، واجعله حجَّة لنا لا حجة علينا يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

متى أنزل القرآن؟ ولماذا أنزل؟
ابتدئ بإنزال القرآن الكريم على النَّبي صلى الله عليه وسلمفي ليلة القدر من رمضان؛ كما قال – تعالى -: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ﴾ [البقرة: 185]، وقال – تعالى -: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ [القدر: 1]، وكان في ذلك مزيد فضْل لرمضان؛ حيث خص بإنزال القرآن فيه.
أنزل القرآن لكي يقرأَه المسلمون، ويتعلموا معانيه، ويعرفوا ما فيه من أوامر فيمتثلوها، ونواهٍ فيجتنبوها، وأحكامٍ فيُطَبِّقوها، وأخبارٍ فيصدقوها، وما فيه من وعْد بالثواب فيرجوه، ومن وعيد بالعقاب فيخافوه، وبذلك يتَحَقَّق إيمانُهم، ويتمُّ إسلامُهم، ويستحقون الثواب العظيم، ويسلمون من العذاب الأليم، فالقُرآن حجَّة لك إن عملتَ به، وحجة عليك إن لَم تعمل به.
فتقرَّب – أيها المسلم – إلى الله – تعالى – بتلاوة كتابه آناء الليل والنهار، فمَن قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وتقرب إليه بفهم كلامه، ومعرفة معانيه وأوامره ونواهيه، وأحكامه وحدوده، وحلاله وحرامه، ووعده ووعيده، وثوابه وعقابه، فقبيحٌ بشخص يقرأ كلامًا لا يعرف معناه، لو أتاك خطاب من صديق لك لَم تطمئنَّ نفسُك حتى تقرأه، وتعرف معناه، فكيف بكلام ربك الذي فيه سعادتُك ونجاتك؟! ثم إذا قرأتَه وعرفتَ معناه، وجب عليك أن تعمل به في جميع شؤونك؛ امتثالاً لأمر ربك، وطَلَبًا لمرضاته وثوابه الكريم، وخوفًا من سخطه وعقابه الأليم، فقد تكفَّل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضلَّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة بقوله – تعالى -: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: 123]، فإذا قصر المسلم في قراءة القرآن، أو قصَّر في العمل به، فقد هجَرَهُ: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30].
وفي فضل القرآن قال الله – تعالى -: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: 89]، وقال – تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 57]، وقال صلى الله عليه وسلم((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))؛ رواه البخاري، وقال – عليه الصلاة والسلام -: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلاَّ نزلتْ عليهم السكينة، وغشيتْهم الرحمة، وحفَّتْهم الملائكة، وذَكَرَهُم الله فيمَن عنده))؛ رواه مسلم، وقال: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))؛ رواه مسلم.
وفضائل كلام الله وفوائده لا تُحصى، اللهم اجعلنا وجميع المسلمين من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، يا أرحم الراحمين، واجعله حجة لنا لا حجة علينا، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، وصلى الله على محمد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.