وللإجابة على هذا السؤال نقول والله المستعان: ينبغي أن نستقبل هذه المواسم بما يلي:
1. بالتوبة الصادقة النصوح، وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، فإن الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه وتحجب قلبه عن مولاه، والتوبة عامة تكون في جميع الأوقات، وتتأكد في مواسم الخيرات.
ـ كما نستقبل مواسم الخير عامة بالعزم الصادق الجاد على اغتنامها بما يرضي الله، فمن صدق الله صدق الله معه، قال تعالي:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(العنكبوت: 69)
2. كما نستقبل مواسم الطاعـات بطلب العلم الشرعى المتضمن معرفة وظيفة الوقت أو المناسبة
أو الموسم، كتعلم أحكام العشر من ذي الحجة مثلاً، وأحكام الصيام عند دخول رمضان، وأحكام الحج عند دخول الحج؛ وذلك ليكون المسلم على بصيرة في عبادته، حتى لا يقع في البدع والمحدثات التي أُلْصِقَت ببعض المواسم والمناسبات الشرعية.
3. كما نستقبل مواسم الطاعات بطاعة الله وعبادته، وكثرة ذكره وتلاوة كتابه، وطلب الزُّلْفَى لديه ودعائه والتضرع إليه، والثناء عليه ومحبته ومحبة أوليـائه، ونصرته ونصرة دينه وكتـابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعباده الموحدين.
4. كما نستقبل مواسم الطاعات بالشكر لله عز وجل الذي هيأ للعبد فرصة جديدة للتزود من العمل الصالح، ومدَّ لَهُ في عمره لاكتساب مزيد من الأجور والأرباح، بينما حرم كثير من الناس من ذلك، فمات منهم من مات، ومرض منهم من مرض، وغفل منهم من غفل.
5. كما نستقبل مواسم الطاعات بالكرم والجود وبذل المعروف وسماحة النفس والإحسان إلى كل مسلم: من جار وصاحب وقريب وغريب، والإغضاء عن هفوات الإخوان، وإعانة ذوى الحاجات، والسعى في مصالح المسلمين، وصلة الرحم والتواضع لكل مسلم.
فيا أيها المتحسر على ما فاتك في رمضان…
إن ذلك الزمان الذى قد بلغك زمان شريف، يضاعف الله عز وجل فيهحسنات العمل الصالح
ويبارك الله أوقاته لمن أصلح نيته وأخلص لله تعالي سريرته، وعزم على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلموهذا فضل من الله تعالي لعلك تتأهب لقبوله.
فهذه نعمة من الله… عسـاك أن تكون أهْلاً لها، وإحسان من الله تعالى لا يناله إلا المشمرون،
ولا يبلغ فضيلته إلا المجتهدون… فعساك أن تكون من أولئك المقبولين … آمين.
ما يستحب فعله في هذه الأيام
أولاً: الـتـوبـة:
إلى الذين ذلّت أقدامهم وسقطوا في ذل المعصية وظلوا فيها زمناً طولاً، ها هو موسم الطاعات وها هو سوق الخيرات قد جاء بما فيه من المنح المباركات، فاغتنمه لتُضَاعَف لك فيه الحسنات ويمحي عنك فيه السيئات وترفع لك فيه الدرجات، ها هي أفضل أيام الدنيا أقبلت فلا تستحِ أن ترفع يديك إلى مولاك طالباً العفو والغفران والعتق من النيران، وأن يدخلك الجنان
واعلم أيها المذنب…
أن هذه الأمة لكرامتها على الله جعل توبتها الندم والإقلاع، فهي أسرع قبولاً وأسهل تناولاً.
فقد جاء في تفسير ابن المنذر ـ رحمه الله ـ:
أن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ كانوا مجتمعين عند ابن مسعود رضي الله عنه فتذاكروا بني إسرائيل وما أعطاهم الله من فضائل، فقال عبد الله بن مسعودرضي الله عنه: كان الرجل من بني إسرائيل إذا ما أذنب ذنباً كتب ذنبه على باب داره، وكتب معه كفارة ذلك الذنب، ليغفر ذلك الذنب. أما أنتم فجعل الله مغفرة ذنوبكم قولاً تقولونه بألسنتكم. ثم تلا قوله تعالي:
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * ُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }
(آل عمران: 135ـ 136)
فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه والله ما أُحِبُّ أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية.
وأخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:
أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزَنُوا وأكثروا، فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذى تقول وتدعوا إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة
ونزل:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
( الزمر:53)
فقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء كفرحه بهذه الآية.
وصدق ربنا حيث قال: { وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً}
(النساء:110)
ومن رحمته بنا أنه يبسط يده بالليل والنهار للمذنبين، وبابه دائماً لا يغلق، ورحمته واسعة فيا له من إله رحيم ورب عظيم.
أخرج الإمام مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الله تعالي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".
أخرج الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" قال إبليس: أي ربِّ. لا أزال أغوى بني أدم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الله تعالي: لا أزال أغفر لهم ما استغفروني".
فهيا نستجيب لنداء رب العالمين …
حيث قال في كتابه الكريم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}(التحريم: 8)
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في مدارج السالكين (1/316):
والتوبة النصوح تتضمن ثلاثة أشياء: استغراق جميع الذنوب، وإجماع الندم والصدق، وتخليصها من الشوائب والعلل، وهي أكمل ما يكون من التوبة.
فهيا أخي الكريم … ما عليك إلا أن ترفع يدك إلى السماء في ذل وخشوع وتقول: يا رب هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير وليس لي سيِّدٌ سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين وابتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، أدعوك دعاء الخائف الضرير سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذل لك قلبه، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، أسـألك بعزك وذلـي، إلا غفرت لـي ورحمتني.
قل يا رب:
أذنبت كـل ذنوب لست أُنْكِرُهـا
وقـد رجوتك يـا ذا المَنِّ تغفرهـا
أرجوك تغفرها في الحشر يا سيدي
إذ كنت يا أملي في الأرض تسترها
ثانياً: الحج والعمرة:
يستحب في هذه الأيام الإكثار من جميع الأعمال الصالحة، غير أنه ورد استحباب بعض العبادات بخصوصها ومنها الحج والعمرة. كما قال تعالى:
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } (البقرة:197)
والحج والعمرة من أفضل الأعمال التي تفعل في هذه الأيام، ولقد رغب الشرع الحنيف في هاتين العبادتين العظيمتين وحث عليهما، وذلك لمن ملك زاداً وراحلة.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله ؟ قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور".
وبين لنا الشرع الحكيم أن من حج أو اعتمر خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللهصلى الله عليه وسلم يقول:"من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
بل لم يرض الله له ثواباً دون الجنة.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة".
وعند الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم
تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكِيرُ خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة ".
بل خذ هذه الهدية من رسول اللهصلى الله عليه وسلم
فقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن طريق جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"صلاة في مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف فيما سواه".
· كلمة لمن تقطع قلبه وذرفت عيناه شوقاً لبيت الله الحرام لكن يعجز عن ذلك:
أقول لهم: اعلموا أن من رحمة الله ـ تبارك وتعالي ـ بعباده أن جعل المتخلف عن الحج لعذر شريكاً لمن ذهب في الأجر، بل شرع الله لنا أعمالاً تعدل أجر الحج والعمرة منها:ـ
1. المكث في المسجد بعد صلاة الفجر حتى الشروق ثم صلاة ركعتين.
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح صححه الألبـاني في الصحيحة (3403) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" (وهو أيضاً في صحيح الترمذي: 586)
2. حضور صلاة الجماعة والمشي إلى صلاة التطوع:
فقد أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من مشي إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهى كحجة، ومن مشي إلى صـلاة تطوع
ـ في رواية أبي داود ـ أي صلاة الضحى ـ فهي كعمرة تامة". ( صحيح الجامع: 6556)
3. صلاة العشاء والغداة في جماعة:
أخرج الإمام مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن أناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا:
"يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوليس قد جعل الله لكم صلاة العشاء في جماعة تعدل حجة، وصلاة الغداة في جماعة تعدل عمرة".
4. حضور مجالس العلم في المساجد:
فقد أخرج الطبراني والحاكم عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يُعَلِّمه، كان كأجر حاج تاماً حجته".
5. الأذكار بعد الصلاة:
أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلى والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم، ولهم فَضْلٌ من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون، قال: ألا أحدثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين".
6. عمرة في رمضـان:
فقد أخرج الإمام مسلم عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان:
"ما منعك أن تكوني حججت معنا؟ قالت: ناضحان كان لأبي فلان ـ زوجها ـ حج هو وابنه على أحدهما وكان الآخر يسقي عليه غلامنا، قال: فعمرة في رمضان تقضي حجة ـ أو حجة معى".
7. بـرُّ الوالـديـن:
أخرج أبو يعلي بسند جيد:
أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها، فإن فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد".
هـديـة:
من عجز أن يقدم الهدي هناك فلا يعجز أن يقدمه في بلده كل جمعة.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
وإن عجزت أن تكون ممن يباهي الله بهم الملائكة هناك على أرض عرفات، فلا تعجز أن تكون ممن يباهي الله بهم الملائكة هنا في بلدك، في مجالس الذكر.
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
خرج معاوية على حلقة في مسجد فقال: ما أجلسكم؟، فقالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آلله! ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم استحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديث مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا، قال: آلله! ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم استحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة".
تنبيه:
المقصود بمجالس الذكر: مجالس العلم، كما قال القرطبي ـ رحمه الله ـ: مجلس الذكر يعني مجلس علم وتذكير، وهي المجالس التي يُذكر فيها كلام الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأخبار السلف الصالح، وكلام الأئمة الزُّهاد المتقدمين المبرأة من التصنع والبدع، والمُنزَّهة عن المقاصد الردية والطمع.
وقال عطاء ـ رحمه الله ـ: إن مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام، كيف تبيع وتشتري وتصلِّي وتنكح وتُطلِّق وتحج… وأشباه ذلك.
ثالثاً: الصـيـــام:
فيستحب صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها عدا يوم العيد ( اليوم العاشر)
فقد أخرج الإمـام أحمد والنسائي بسند صحيح صححه الألبـاني عن هنيدة بن خالد
عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (حفصة) قالت:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسعَ ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر: أولَ اثنين من الشهر، والخميس". (صححه الألباني في صحيح أبي داود:2437)
وفي رواية أخرى:
"أربع لمن يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام عاشوراء، والعشرـ يعني من ذي الحجة ـ وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة".
قال النووي ـ رحمه الله ـ عن صوم أيام العشر:" إنه مُستحب استحباباً شديداً".
وكان ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ يصوم العشر
وممن قال بفضل صومه الحسن وابن سيرين وقتادة.
مـلاحـظـة:
البعض ينادي ويقول: إن الصيام في هذه الأيام لا يجوز، وإنه ممنوع غير مشروع،
ويستند للحديث الذي أخرجه مسلم أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:
"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط"،وفي رواية: " لم يصم العشر"
قال العلماء: فهذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا: الأيام التسعة من أول ذي الحجة ، قالوا: وهذا مما يُتأوَّل، فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحباباً شديداً، لاسيما التاسع، وهو يوم عرفة، وقد سبقت الأحاديث في فضله،
وثبت في صحيح البخاري أن رسول اللهصلى الله عليه وسلمقال:
"ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" ـ يعني أيام العشرـ
فيتأوّل قولها ـ رضي الله عنها ـ: " لم يصم العشر" أنه لم يصمهم لعارض مرضي أو سفر
أو غيرهما، أو أنها لم تره صائماً فيها، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر، ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد السابق ذكره. (انظر صحيح مسلم بشرح النووي" كتاب الاعتكاف").
وقد علل ابن حجر ـ رحمه الله ـترك الصوم في هذه الأيام لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يُفْرَض على أمته. ( الفتح: 2/534).
ويتَّضِح مما سبق استحباب صوم الأيام التسع من ذي الحجة. والله أعلم.
ويكفيك أن تعلم أخي…
إنه بصوم يوم في سبيل الله يُبَاعد بين العبد وبين النار كما بين السماء والأرض، أو سبعين خريفاً كما أخبر الصادق المصدوق.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً"
أي مسيرة سبعين عاماً.
وعند البخاري ومسلم أيضاً:
"من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض".
ومن المعلوم أن المسافة التي بين السماء والأرض خمسمائة عام كما أخبر الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم
سبحان الملك !!!
بصيام يوم واحد يباعد الله وجهك عن النار سبعين خريفاً
وفي رواية:"مائة عام"، وفي رواية:"خمسمائة عام"
في حين أن الله تعالي يقول في كتابة الكريم: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } (آل عمران:185)
إنها منح وعطايا وهدايا ربانية للأمة المحمدية فهيا … هيا اغتنمها قبل أن تأتيك المنية.
وقبل أن نغلق هذه الصفحة أُذَكِّرُك بصيام يوم عرفة ( لغير الحاج ) فإن الله يُكَفِّر به سنتين: سنة قبله، وسنة بعده. كما أخبر بذلك الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم
ففي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده"
فانظر أخي المسلم…
إلى سعة رحمة الله وفيض جوده وكرمه، أن جعل صيام يوم واحد سبباً لمغفرة ذنوب سنتين من الصغائر( أما الكبائر فتحتاج إلى توبة وندم وعزم على عدم العودة إليها أبداً وإقلاع عن المعصية )
فإن شق عليك أخي صيام أيام التسع الأولى من ذي الحجة، فلا تحرم نفسك من صيام يوم عرفة لما فيه من عظيم الأجر وجزيل المثوبة.
قال الطيبي ـ رحمه الله ـ تعليقاً على الحديث السابق:
وكان القياس أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم " أرجو من الله " موضع كلمة "أحتسب" وعدّاه بعلى التي للوجوب علي سبيل الوعد مبالغة في تحقيق حصوله". أهـ
ـ يكفر السنة التي قبله: يعني الصغائر المكتسبة فيها
ـ يكفر السنة التي بعده: بمعنى أن الله تعالي يحفظه من أن يذنب فيها. أو أن يعطي من الثواب ما يكون كفارة لذنوبها. أو أن يكفرها حقيقة ولو وقع فيها ، ويكون المكفِّر مقدماً على المكفَّر.
أما الحجاج فلا ينبغي لهم أن يصوموا هذا اليوم لأنهم أضياف الرحمن، والكريم لا يجوع أضيافه
فقد أخرج أبو داود وابن ماجة:
" نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات".
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلمكما عند البخاري:
أنه أفطر بعرفة ـ أرسلت إليه أم الفضل بلبن فشرب.
لطيفة:
إذا نظرت إلى الحديث الذي فيه أن صيام يوم عرفة يكفر الله به سنتين، وجدت أن:
صيام 12 ساعة تقريباً = مغفرة 24 شهر.
فيكون صيام ساعة = مغفرة شهرين.
يعني كل 60 دقيقة = 60 يوم
إذن صيام دقيقة = مغفرة يوم.
فهل هناك عاقل يضيع دقيقة واحدة من هذا اليوم.
وتتمة للفائدة فإنه يستحب في يوم عرفة الآتي:
1. حفظ الجوارح من المحرمات في هذا اليوم:
أخرج الإمام أحمد بسند فيه مقال، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن يوم عرفة:" إن هذا اليوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه: غُفر له"
( صححه الشيخ/ أحمد شاكر ـ رحمه الله ـ )
2. الإكثار من شهادة التوحيد بإخلاص وصدق:
فإنها أصل الدين وأساسه وركيزة بنائه
ففي مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال:
كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو علي كل شيء قدير"
وفي الموطأ وسنن الترمذي أن النبيصلى الله عليه وسلم قال:
"خير الدعـاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، [ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير]".( صحيح الترمذي:2837)
قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ كما في التمهيد (6/41):
وفي الحديث دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب، وأن أفضل الذكر"لا إله إلا الله". أهـ
وقال الخطابي ـ رحمه الله ـ معلقاً على الحديث:
ومعناه: أكثر ما أَفْتَتِح به دعائي، وأقدمه أمامي من ثنائي على الله عز وجلوذلك أن الداعي يفتتح دعاءه بالثناء على الله سبحانه وتعالى ويقدمه أمام مسألته فَسُمِّي الثناء دعاءً. أهـ
3. كثرة الدعاء بالمغفرة والعتق:
فإنه يُرجى إجابة الدعاء فيه، فقد روى ابن أبي الدنيا عن علي رضي الله عنه أنه قال:
" ليس يوم أكثر فيه عتق للرقاب من يوم عرفة، فأكثروا فيه أن تقولوا: اللهم اعتق رقبتي من النار، ووسع لي من الرزق الحلال، واصرف عني فسقة الإنس والجان".
وعند مسلم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء " .
ولنحذر من الذنوب التي تمنع المغفرة والعتق فيه وقبول الدعاء ومنها:
الإصرار على عدم التوبة والوقوع في الكبائر والذنوب، والرجوع إلى المعصية بعد انقضاء الطاعة والاختيال والكبر.
لما أخرجه البزار والطبراني من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"ما يُرى يوم أكثر عتقاً ولا عتيقاً من يوم عرفة لا يغفر الله فيه لمختال "
ـ والمختال : هو المتعاظم في نفسه المتكبر.
قال الله تعالي:{ ِإنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }(لقمان:18)
رابعاً: قـيــام اللـيـل:
قال البعض: كما يستحب صيام يومها فيستحب قيام ليلها.
فقيام الليل من الأعمال الصالحة التي تستحب في هذه العشر، ولكن ينبغي عدم تخصيص ليلة العيد بالقيام دون غيرها.
قال ابن رجب في لطائف المعارف صـ 462:
وأما قيام الليالي العشر فمستحب، واستحبه الشافعي وغيره من العلماء.
وثبت عن سعيد بن جبير كما في سنن الدرامي بسند حسن:
أنه كانإذا دخل العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه.
وروى عنه ـ رحمه الله ـ أنه قال:لا تطفئوا سُرجكم ليالي العشر، تعجبه العبادة.
وقيام الليل جمع خصال الخير
فقد أخرج الترمذي بسند حسن عن أبي إمامة الباهليرضي الله عنه أن النبيصلى الله عليه وسلم قال:
" عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات ومنهاة للإثم". ( صحيح الترمذي: 3549)
بل انظر إلى هذا الفضل الذي أعده الله لمن يقوم الليل.
ففي صحيح ابن حبان عن أبى مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إن في الجنة غرفاً يُري ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام".
خامساً: الذكر والاستغفـار:
فالذكر والاستغفار مشروعان طوال العام، في العشر وفي غيرها، بالليل والنهار، في السفر والحضر
يقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:
إن الله لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، وعذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله. أهـ
قال تعالى:{فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}(النساء:103)
أي: بالليل والنهار، في البر والبحر، في السفر والحضر، والغِنَى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية وعل كل حال. امتثالاً لقوله تعالي:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً }(الأحزاب:41)
بل جعل الذكر ودرجته أفضل من درجة الإنفاق أو الجهاد في سبيل الله.
فقد أخرج الترمذي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليكِكُم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِق(الفضة)، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقهم، قالوا: بلي يا رسول الله، قال: ذكر الله تعالي " (صحيح الترمذي: 3377)
وعند البيهقي من حديث معاذ رضي الله عنه قال:قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم
ما عمل آدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل
ورواه أحمد بسند صحيح صححه الألباني في صحيح الجامع (2629) موقوفاً على معاذ بن جبل.
ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله ـ تعالي ـ
وأخرج البيهقي من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من ساعة تمر بابن آدم لا يذكر الله فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة".
فالذكر أحبتي في الله … مستحب طوال العام، إلا أنه يتأكد استحبابه في هذه الأيام ـ يعني العشر ـ فيستحب فيها التهليل والتكبير والتحميد.
فقد قال ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في لطائف المعارف صـ462:
وأما استحباب الإكثار من الذكر فيها، فقد دل عليه قول اللهعز وجل {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ }
(الحج: 25)
فإن الأيام المعلومات: هي أيام العشر عند جمهور العلماء، أما الأيام المعدودات: فهي أيام التشريق والتي جاء ذكرها في قوله تعالى:{وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ….. }(البقرة:203)
ومما يدل على استحباب الذكر في الأيام العشر:ـ
ما أخرجه أحمد والطبراني بسند فيه مقال:إلا أنهصححه الأرنؤوط من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير".
قال البخاري ـ رحمه الله ـ: وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج مِنَى بالتكبير.
وكان ابن عمر وأبو هريرة ـ رضي الله عنهم ـ يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.
وروي نافع عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ:
أنه كان يكبر بمِنَى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيام جميعاً.
ويقول البخاري أيضاً: وكانت ميمونة تكبر يوم النحر, وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق، ومع الرجال في المسجد
وكان عطاء بن أبي رباح يكبر في العشر في الطريق وفي السوق.
وقال جعفر بن سليمان: رأيت ثابت البناني يقطع حديثه في مجلس العلم ثم يقول:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد.وقال: إنها أيام الذكر.
وقال جعفر بن سليمان أيضاً:
ورأيت مالك بن دينار يفعل ذلك . (تنبيه الغافلين صــ328، 329).
وقـفـة:
اختلف العلماء: هل يشرع إظهار التكبير والجهر به في الأسواق وفي غيرها في العشر؟
فأنكره طائفة، واستحبه أحمد والشافعي، لكن الشافعي خصه بحال رؤية بهيمة الأنعام، وأحمد يستحبه مطلقاً.
وعلى هذا فيستحب رفع الأصوات في الأسواق والبيوت والطرقات والمساجد وغيرها
لقوله تعالي:{ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ( البقرة: 185)
فعلينا نحن المسلمين أن نحيي هذه السنة التي هُجِرت في هذه الأيام وتكاد تنسى حتى من أهل الصلاح والخير، بخلاف ما كان عليه السلف الصالح، فهل من مشمر لإحياء هذه السنة؛ حتى يكتب له الأجر العظيم الذي أخبر عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
فقد أخرج ابن ماجة بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلمقال:
" من أحيا سنة من سنتي قد أُمِيتَتْ بعدي، فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً " ( صحيح ابن ماجة:173)
ـ ويجوز الذكر بما تيسر من التكبير والتحميد والتسبيح وسائر الأدعية المشروعة.
ملاحظة:
يُشرع في هذه الأيـام التكبير المطلق في جميع الأوقـات من ليل أو نهـار إلى صلاة العيد
ويشرع التكبير المقيد: وهو الذي يكون بعد الصلوات المكتوبة التي تصلي في جماعة،
وقيل: عقب كل صلاة: فريضة أو نافلة، ويبدأ ـ لغير الحجاج ـ من فجر يوم عرفة، وللحجاج من ظهر يوم النحر، ويستمر إلى صلاة العصر أخر أيام التشريق.
(أفاده عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ـ رحمه الله ـ وانظر أيضاً الفتح:2/535)
فهيا… أخوتي في الله…
أكثر من ذكره فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره، فلا يُتَصَوَّر أن إنساناً يزعم محبة الله ثم لا يذكره.
وعليك أخي وأختي أن تكثر كذلك من الاستغفار.
فقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من أحب أن تسره صحيفته فليكثر من الاستغفار". (صححه الألباني في الصحيحة:2299)
بل يستطيع الإنسان أن يتحصل على ملايين من الحسنات في أقل من دقيقة، وذلك بأن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات.
فقد أخرج الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة "
(صححه الألباني وشعيب الأرنؤوط، وضعفه البعض)
ويستحب لك كذلك في هذه الأيام أن تكثر من الصلاة علي النبي العدنان صلى الله عليه وسلم
فيكفيك أنك إذا صليت عليه صلاة صلّى الله عليك بها عشر.
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من صلّى علىّ واحدة صلي الله عليه عشراً ".
وهناك من الفضائل العظيمة والأجور الكبيرة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس هذا محلها لكن يكفيك هذا الحديث، وأن تعلم أن الله يصلي عليك عشراً إذا صليت علي النبي مرة، وصلاة الله علي العبد هي ذكره في الملأ الأعلى، والثناء عليه.
فيا أيها الأحبة…{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ …… }(الحديد:16)
سادساً: المحافظة على الصلوات المكتوبات والإكثار من النوافل:
وقبل الكلام عن الصلاة لنا وقفه مع الوضوء وما فيه من فضل
ـ فالوضوء يخرج الإنسان من خطيئته كيوم ولدته أمه.
فقد أخرج الإمام مسلم عن عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال:
يا نبي الله ما الوضوء؟ حدثني عنه، قال: ما منكم رجل يقرب وَضوءه فيتمضمض، ويستنشق فينْتَثر إلا خرتْ خطايا وجهه وفيه(فمه) وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء. ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلَّى فحمد الله وأثنى عليه ومجَّده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته كهيئة يوم ولدته أمه".
وفي صحيح مسلم أيضاً عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره".
وفي رواية: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ ثم قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: من توضأ هكذا غُفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة".
ـ ثم انظر إلى ثواب الدعاء بعد الوضوء ولا تتعجب
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله [ اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين] فُتِحَت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء".
(الحديث في مسلم بدون الزيادة وبين القوسين، وهو في صحيح الجامع: 6167)
ـ ثم انظر إلى ثواب الترديد وراء المؤذن وهذا فيه من الأجر العظيم
فقد أخرج النسائي ـ بسند حسن ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
"كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بلال ينادي، فلما سكت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال مثل ما قال هذا يقيناً دخل الجنة".
ـ بل إذا سئل الله تعالي شيئاً أعطاه
فقد أخرج أبو داود والنسائي بسند حسن عن عبد الله بن عمروـ رضي الله عنها ـ
أن رجلاً قال: "يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل كما يقولون، فإذا انتهيت فَسَلْ تُعطه".
ـ والترديد خلف المؤذن سبب لشفاعة النبيصلى الله عليه وسلم
ففي صحيح البخاري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا علىّ، فإنه من صلي علىّ صلا ة صلي الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة، حلت له الشفاعة".
ـ ولا تنسى أخي الكريم وأختي الكريمة الدعاء بين الأذان والإقامة فإنه مستجاب
كما أخبر الحبيب النبي صلى الله عليه وسلمفقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد".
ـ ثم انظر إلى ثواب المشي إلى المسجد
لأن الله يكتب لك بكل خطوة حسنة ويُمحي عنك خطيئة، ويرفع لك درجة.
فقد أخرج الإمام أحمد من حديـث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قـال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من راح إلى مسجد الجماعة، فخطوةٌ تمحو سيئة، وخطوةٌ تكتب له حسنة ذاهباً وراجعاً".
وعند مسـلم:
"من تطهر في بيته ثم مشي إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خُطوتَاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة".
وعند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلك الرباط. فذلكم الرباط".
هدية:
أخرج ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من غدا إلى المسجد أو راح، أعدّ الله له نُزلاً في الجنة كلما غدا أو راح"
(صحيح ابن حبان: 2037)
ـ بل وانظر إلى ثواب السعي والمجيء يوم الجمعة.
فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحـاكم بسند صحيح وهو في صحيح الترغيب (693) عن أوس بن أوس قـال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من غسّل يوم الجمعة واغتسل، وبكّر وابتكر، ومشي ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها". (ضعفه البعض)
ـ غسل واغتسل: قال البعض: هو من باب التوكيد وكلاهما بمعني واحد بدليل قوله:
ومشي ولم يركب.
وقال البعض: معني غسّل: أي أوجب على أهله الغسل قبل خروجه واغتسل هو.
وقال آخرون: إنما هو "غَسَل" بالتخفيف ومعناه: غسل رأسه ثم اغتسل جميعه، وهذا من باب التأكيد على غسل الرأس، لأن العرب لهم شعور، فربما تغيرت رائحتها من الحر والعرق، فيحتاج إلى زيادة تنظيف، فلا يكفي إفاضة الماء عليها كما يكفي في بقية الجسد.
ـ ثم نأتي إلى بيت القصيد ألا وهي الصلاة:
وهذا عام في كل الأيام، إلا أنه في هذه الأيام يستحب التبكير إلى الفرائض، والإكثار من النوافل فإن ذلك من أفضل القربات.
فقد أخرج مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة".
وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقي من درنه شيء؟ قالوا: لايبقى من درنه شيء، قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا".
ـ بل من حافظ على هذه الصلوات الخمس ليس له جزاء إلا الجنة.
فقد أخرج أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة".
ـ بل انظر إلى كلمة ( آمين ) وما فيها من الفضل.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا قال الإمامغير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه".
ـ بل انظر إلى الذكر بعد الصلاة وما فيه من الأجر والفضل.
فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
"جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون. قال: ألا أحدثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين".
ـ بل انظر إلى فضل صلاة النافلة
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أم حبيبة ـ بنت أبي سفيان ـ رضي الله عنها ـ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما من عبد مسلم يصلي لله تعـالي في كل يومٍ ثِنْتَي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة
إلا بني الله له بيتاً في الجنة أو [إلا بُني له بيت في الجنة] "
وعند النسائي من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة دخل الجنة: أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر".
ـ بل انظر إلى ركعتي الفجر وما فيها من فضل وأجر
فقد أخرج البخاري من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
ـ بل بالمحافظة على النوافل قبل الظهر وبعده يحرم الإنسان على النار
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن أم حبيبة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من يحافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرّمه الله علي النار".
سابعاً: قراءة القرآن:
قال تعالي:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} (الإسراء:82)
وقال تعالي:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ }
(فاطر:29)
ـ فَبِقِرآة القرآن تتحصل على جبال من الحسنات.
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن أَلِفٌ حرف، ولام حرف، وميم حرف "(صحيح الترمذي: 2910)
فمثلاً عندما تقرأ البسملة: " بسم الله الرحمن الرحيم " فهي تسعة عشر حرفاً، فلك بها تسعون ومائة حسنة. وعندما تقرأ : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}بدون البسملة، وهي سبعة وأربعون حرفاً، فلك بها سبعون حسنة وأربعمائة. فتصبح سورة الإخلاص بالبسملة: ستة وستون حرفاً، بكل حرف عشر حسنات، فتتحصل بقرآتها على ستمائة وستين حسنةً.
فإذا ختمت القرآن في هذه العشر ـ حيث تقرأ كل يوم ثلاثة أجزاء ـ وبحساب أن لكل حرف عشر حسنات فهذا يعدل حوالى نصف مليون حسنةٍ يومياً، أضف إلى ذلك أن هذه الأيام المباركة تضاعف فيها الحسنات .
ـ بل انظر إلى هذا الفضل العظيم، وهو أنك تستطيع أن تتحصل على ملايين من الحسنات في أقل من دقيقة.
فقد أخرج الترمذي عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" من قرأ:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}عدلت له ربع القرآن، ومن قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} عدلت له ثلث القرآن."
بل خذ هذه الهدية:
أخرج النسائي وابن حبان بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من قرأ آية الكرسي، دُبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت" .
(صححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ، وضعفه بعض أهل العلم)
تنبيه:
لا يكن همك أن تختم القرآن في أسرع وقت مع عدم التدبر والتفكر والوقوف على أحكامه وعجائبه.
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل (التمر الردئ)، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة.
وسئلت أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ:
كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن؟
قالت: تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله عز وجل فقال:
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }(الزمر:23)
ثامناً: الصـدقـة:
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من تَصدَّق بعدل تمرة من كسب طيب ـ ولا يقبل الله إلا الطيب ـ فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل".
وعند البخاري ومسلم من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمنَ منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يري إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة ".
وفي رواية: "من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق ثمرة فليفعل".
وفي رواية: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة".
ـ ومن أراد أن يُغْفَر له خطاياه فليتصدق.
فقد أخرج أبو يعلي بسند صحيح:"والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار".
واعلم… أن مالك الحقيقي هو الذي تقدمه بين يديك وتتصدق به، وما تتركه فهو للورثة.
فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: فإن ماله ما قدّم، ومال وارثه ما أخّر"
وصدق ربنا حيث قال: { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً } (المزمل:20)
تاسعاً: صلة الرحم:
ـ من أراد أن يَصِلَهُ الله تعالي فليصل رحمه
فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله".
ـ ومن أراد أن يدخل الجنة فليصل رحمه
فقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" يا أيها الناس. أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام" .
فهيا من الآن صل من قطعك، واسأل عمّن هجرك ولو بالهاتف، فهذا من صلة الأرحام.
فقد أخرج البيهقي بسند حسن حسنه الألباني عن ابن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"بِلُّوا أرحامكم وَلَوْ بالسلام".
عاشراً: إصلاح ذات البين:
فعلى الإنسان أن يصلح بين أخَوين متشاحنين، أو يصلح بينه وبين أقاربه أو جيرانه أو أصدقائه، فإصلاح ذات البين أجره عظيم، وفساد ذات البين وزره كبير.
فقد أخرج أبو داود وغيره بسند صحيح عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ألا أخبركم بأفضل من درجة القيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلي يـا رسول الله،
قال: إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة".
ـ وانظر إلى فضل المحبة في الله والصفاء بين الأخوة
فقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن ابن مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا واعلموا أن لله عز وجل عباد ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم وقربهم من الله عز وجل فجثا رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله أنعتهم لنا، جلهم لنا ـ يعني صِفْهم لنا ـ فسُر وجه النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الأعرابي، فقال صلى الله عليه وسلم هم ناس من نوازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور يجلسون عليها فيجعل وجوههم نوراً وثيابهم نوراً، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
ـ النوازع: جمع نازع وهو الرجل القريب.
وقبل أن نفترق لا تنسى أن تتقرب إلى الله في هذه الأوقات، وفي غيرها من الأوقات بالمحافظة على الواجبات، فهي من أفضل القربات التي يتقرب بها العبد لرب الأرض والسماوات. وينبغي أداؤها في أوقاتها وإحسانها، وذلك بالإخلاص فيها وإتمامها على الصفة الشرعية الثابتة عن رسول الله
بالجملة…
فهذه الواجبات من أحب وأهم الأشياء التي يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل وأهم ما ينشغل بها العبد في حياته، وإذا أراد العبد أن ينال محبة الله تعالى فليتقرب إليه بالسنن والنوافل.
فقد أخرج البخاري عن أبي هريرةرضي الله عنهقال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم
" إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطيَنّه، ولئن استعاذني لأُعِيذنّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن [ قَبْض ] نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته"
قال الحافظ بن حجر ـ رحمه الله ـ في فتح الباري(11/351):
"وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به: امتثال الأمر، واحترام الأمر وتعظيمه بالانقياد إليه، وإظهار عظمة الربوبية، وذل العبودية، فكان التقرب بذلك أعظم العمل"
نــداء:
يا مَن تطمع في العتق من النار… ويا مَن ترجو مغفرة العزيز الغفار.
ها هي الفرصة قبل فوات الأوان، فاغتنمها وأكثر من الأعمال الصالحة في هذه الأيام من نوافل العبادات: كالصلاة، والصدقة، وقراءة القرآن، والقيام، والاعتكاف في المساجد، وبر الوالـدين، وصلة الرحم، ومساعدة الضعفاء والمساكين، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، والرفق واللين مع الأهل والأصحاب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر… ونحو ذلك.
فإنها من الأعمال التي تضاعف في هذه الأيام.
قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ:
لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل واحد قادراً على مشاهدته كل عام، فرض الله على المستطيع الحج مرة واحدة في عُمُرِهِ، وجعل موسم العشر مشتركاً بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج.
فمن عرف ما يطلب هان عليه كل ما يبذل، ومن فاته هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عرفه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليبيت عزمه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه، ومن لم يمكنه القيام بأرجاء الخيف، فليقم لله بحق الرجاء والخوف، ومن لم يقدر على نحر هديه بمِنى، فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى، ومن لم يصل إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد.
رأى بعض الصالحين الحجاج في وقت خروجهم فوقف يبكي ويقول:
واضعفاه.. ثم تنفس وقال: هذه حسرة من انقطع عن الوصول إلى البيت، فكيف تكون حسرة من انقطع عن الوصول إلى رب البيت .
فهيا…هيا، الغنيمة…الغنيمة بانتهاز الفرص في هذه الأيام العظيمة، فما منها عوض، ولا تساويها قيمة.
__________________
لكن اذا كنت نزلتيه على أجزاء احس بيكون وايد احسن علشان نستمتع أكثر ويكون اسهل بالقراءة.