ولكن حقيقة التوكل لا تنافي فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سببًا، بل إن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سببًا سواء أن كانت شريعة أم حسية هي من تمام التوكل ومن تمام الإيمان بحكمة الله -عز وجل-؛ لأن الله –تعالى- قد جعل لكل شيء سببًا، وهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو سيد المتوكلين كان يلبس الدروع في الحرب، ويتوقى البرد، ويأكل ويشرب لإبقاء حياته ونمو جسمه، وفي أُحد ظاهر بين درعين –أي: لبس درعين-.
فهؤلاء الذين يزعمون أن حقيقة التوكل بترك الأسباب والاعتماد على الله -عز وجل- هم في الواقع خاطئون؛ فإن الذي أمر بالتوكل عليه له الحكمة البالغة في تقديره وفي شرعه، قد جعل للأمور سببًا تحصل به.
ولهذا لو قال قائل: أنا سأتوكل على الله تعالى في حصول الرزق، وسأبقى في بيتي لا أبحث عن الرزق؛ قلنا: إن هذا ليس بصحيح، وليس توكلًا حقيقًا؛ فإن الذي أمرك بالتوكل عليه هو الذي قال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].
ولو قال قائل: إنا سأتوكل في حصول الولد أو في حصول الزوجة، ولم يشرع في طلب الزوجة وخطبتها؛ لعدَّه الناس سفيهًا، ولكان فعله هذا منافيًا لما تقتضيه حكمة الله -عز وجل-.
ولو أن أحدًا أكل السم، وقال إني أتوكل على الله –تعالى- في أن لا يضرني هذا السم؛ لكان هذا غير متوكل حقيقة؛ لأن الذي أمرنا بالتوكل عليه سبحانه وتعالى هو الذي قال لنا: {وَلَا تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
والمهم أن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى أسبابًا لا ينافي كمال التوكل، بل هو من كماله، وأن التعرض للمهلكات لا يعدُّ هذا من توكل الإنسان على الله، بل هو خلاف ما أمر الله -عز وجل- به.
للشيخ: محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-
.
.
.
بارك الله فيج اختي
يزآج الله خير
وسلمتي .. ~