الأول : الكراهة ، وقد نص عليه كثير من الفقهاء في كتب الفقه ، وبعضهم يستدل عليه بالحديث السابق ، المشار إلى ضعفه ، وبعضهم يستدل عليه ببعض الآثار السلفية ، والتجربة الطبية .
جاء عن خَوَّات بن جبير من الصحابة أنه قال عن النوم بعد آخر النهار إنه حُمق .
وجاء عن مكحول من التابعين أنه كان يكره النوم بعد العصر ، ويخاف على صاحبه من الوسواس . انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (5/339)
ونقل المروذي قال : سمعت أبا عبد الله – يعني الإمام أحمد بن حنبل – يكره للرجل أن ينام بعد العصر ، يخاف على عقله .
نقله ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/159) وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/22)
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/219) :
" ونوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل ، ويفسد اللون ويورث الطحال ويرخي العصب ، ويكسل ويضعف الشهوة ، إلا في الصيف وقت الهاجرة .
وأردؤه نوم أول النهار ، وأردأ منه النوم آخره بعد العصر .
ورأى عبد الله بن عباس ابنا له نائما نومة الصبحة فقال له : قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق ؟
… قال بعض السلف : من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه " انتهى .
وانظر "مطالب أولي النهى" (1/62) ، "غذاء الألباب" (2/358) ، "كشاف القناع" (1/79) ، "الآداب الشرعية" ابن مفلح (3/159) ، "أدب الدنيا والدين" (355-356) ، "شرح معاني الآثار" (1/99)
الثاني : هو الجواز ، لأن الأصل هو الإباحة ، ولم يرد النهي عنه في حديث صحيح ، والأحكام الشرعية تؤخذ من الأحاديث الصحيحة ، لا من الأحاديث الضعيفة فضلا عن المكذوبة ، ولا من آراء الناس .
يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (حديث رقم/39) بعد أن أورد عن الليث بن سعد الفقيه المصري المعروف ، إنكاره النهي عن نومة العصر ، وقوله لمن سأله : مالك تنام بعد العصر ؟ لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل – علق على ذلك الشيخ رحمه الله قائلا :
" ولقد أعجبني جواب الليث هذا ، فإنه يدل على فقه وعلم ، ولا عجب ، فهو من أئمة المسلمين ، والفقهاء المعروفين ، وإني لأعلم أن كثيرا من المشايخ اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر ، ولو كانوا بحاجة إليه ، فإذا قيل له : الحديث فيه ضعيف ، أجابك على الفور : يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال !
فتأمل الفرق بين فقه السلف ، وعلم الخلف ! " انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/148) :
" سمعت من أناس تحريم النوم بعد العصر ، هل ذلك صحيح ؟
فجاء الجواب :
" النوم بعد العصر من العادات التي يعتادها بعض الناس ، ولا بأس بذلك ، والأحاديث التي في النهي عن النوم بعد العصر ليست بصحيحة " انتهى .
وهذا القول هو الراجح ، لعدم صحة النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما ما جاء عن السلف من الآثار التي تنهى عن نومة العصر ، فهي محمولة على الكراهة من جهة الطب لا من جهة الشرع ، يعني لما اشتهر عند العرب قديما وبين بعض الأطباء الأوائل أن النوم بعد العصر غير صحي ، وقد يؤدي إلى إضرار في البدن ، فكرهوا للإنسان النوم بعد العصر كي لا يضر نفسه ، من غير نسبة ذلك إلى السنة والتشريع .
فيرجع في الأمر إلى الطب ، فإن ثبت من جهته الضرر والأذى ، كره للمرء أن يضر نفسه ، وأما الشرع فلم يثبت فيه النهي عن ذلك ابتداء .
منقول من موقع إسلام سؤال و جواب لفضيلة الشيخ محمد صالح المنجد
يزاج الله خير
يزاج الله خير