كان الوالدان يعيشان حياة هانئة تغمرها السعادة بعد أن رزقا بطفل في بداية مارس من هذا العام جعلهما يبذلان جهودا مضاعفة من أجل توفير حياة كريمة لهذا الضيف العزيز الذي ملأ حياتهما بالدفء والحنان، فأخذ الاثنان يعملان بلا كلل ولا ملل، ليعودا آخر اليوم ويمسحان متاعبهما بمجرد ابتسامه يتسابقان في اختطافها من سهيل الذي أصبح محور حياتيهما. ويقول أبو سهيل الذي روى لنا مأساة سهيل وكانت عيناه تذرفان الدموع والألم يعتصر قلبه على طفله الوحيد قائلا وبصوت يغمره الألم والحزن «حسبي الله ونعم الوكيل» أخبروني ماذا وقع لابني، ما حقيقة السبب الذي جعله بين الحياة والموت، «قلت لهم ان يخبروني بالحقيقة وسأعفوا عنهم لن أحملهم المسؤولية، أنا أتألم عندما أشاهد ولدي وهو على فراش المرض صامتا لا يحرك ساكنا
ولا أعرف ما إذا كان يشعر بي، أنا وأمه نقضي الساعات الطويلة بجواره نرقبه آملين أن يرمش جفنه أو أن يحرك أصبع قدميه ولكن دون جدوى، وما يلبث الطبيب يقضي على كل آمالنا حتى لا نتعلق بخيط أمل ضعيف قائلا سهيل» إذا ما كتبت له النجاة فإنه سيفقد النظر وسيعيش مع إعاقة ذهنية وحركية وذلك ما يلاحظ عليه حاليا، نتيجة الصدمة التي تعرض لها. وعن الواقعة يقول عبد الهادي «والد سهيل» قبل قرابة ثلاثة عشر يوماً اتصلت مالكة الحضانة بزوجتي وطلبت منها الحضور على الفور إلى قسم الطوارئ بمستشفى العين الحكومي، بعد أن نقل سهيل إلى الطوارئ وعلى الفور اتصلت بي زوجتي وأعلمتني.
شعرت وقتها أن الدنيا أظلمت في عيني وتوجهت إلى المستشفى لا أعرف كيف وأي طريق سلكت، طفلي عمره 6 أشهر ماذا يمكن أن يصيبه لم أتخيل الموقف وما كان يدور في مخيلتي انه قد يكون أصيب بالحمى أو أي من الأمراض التي من المتوقع أن يصاب بها الأطفال مع العلم أن ولدي لم يكن يعاني من أي عارض صحي ويمكنكم العودة لملفه الطبي بالمستشفى الذي ولد فيه. وفور وصولي وجدت الأطباء يتجمعون حوله يجرون له عمليات إنعاش القلب بعد أن وصل إلى المستشفى وقلبه يبدو متوقفا عن العمل، غير قادر على التنفس. تذكر الموقف فأجهش بالبكاء فالتقطت زوجته ثريا الحديث وهي تتصنع القوة وتحاول تهدئته قائلة كنا نتسابق كل صباح أنا وعبد الهادي عمن سيفوز بالابتسامة الأولى من سهيل وكانت ابتسامته بالنسبة لنا تشكل دافعا قويا للتوجه إلى عملنا،
وفي يوم الحادث قمت الساعة الخامسة والنصف صباحا وفزت يومها بالابتسامة الأولى، وأطعمت ولدي وجهزته وأخذت أتجهز بعد أن أيقظت والده للتوجه إلى العمل وعند السادسة والنصف انطلقنا من البيت وكان سهيل مستيقظا ولا يعاني من أي عارض صحي كنت أداعبه وأبوه يكلمه ويمنيه ويحدثه عن مستقبله الذي كان هاجسنا وكان الطفل يجيب بالابتسامات والحركة الطبيعية لرضيع في مثل سنه.
وعند الساعة السابعة وصلنا إلى دار الحضانة وسلمته بيدي إلى المربية وكان ولدي بخير، وتوجهت أنا إلى عملي، ولأننا كنا في أول أيام الأسبوع كنت شديدة الانشغال ولم املك الفرصة لكي أفكر في ابني، واستمر الحال حتى الساعة الواحدة ظهرا عندما اتصلت بي مالكة الحضانة لتخبرني أن سهيل تم نقله إلى المستشفى وأن علي الحضور على الفور إلى قسم الطوارئ، صدمت سألتها عن ما حدث فرفضت أن توضح لي الأمر وطلبت مني الحضور على الفور قائلة «الحقيه» مشيرة إلى أن حالته خطيرة،
وأقفلت الخط فعاودت الاتصال بها لأنني لم استطع الحراك شعرت وقتها أن ساقي شلتا، شل لساني وتفكيري كنت أتمنى أن تعاود الاتصال وأن تخبرني أنها مجرد دعابة أو أنها اتصلت بالغلط ولكنها ردت علي لتؤكد لي أن الموقف خطير فتوجهت على الفور إلى الطوارئ لأجد الأطباء يقفون حول سهيل الذي استطعت رؤيته بالكاد.
ويلتقط الحديث والد سهيل «عبد الهادي» كانوا يحاولون إنعاش القلب وقاموا باستخراج الطعام، بعد أن ذكرت مالكة الحضانة أن الولد تم إطعامه وكان طبيعيا إلى أن وقع ما وقع ونقل إلى المستشفى فأخرج الأطباء ما كان في معدته في محاولة لمعرفة السبب في توقف التنفس وخوفا من وجود شيء عالق في الحنجرة، ولكنها كانت مجرد سوائل يميل لونها إلى الاصفرار.
وبعد أن عادت دقات القلب تم ربطه بأجهزة التنفس الصناعي واستدعي له طبيب أطفال متخصص أجزم في بداية الأمر أن سهيل لن يعيش وأن حالته خطرة، وتم تحويله إلى الأشعة التي تناولت كل جسمه لمعرفة المشكلة وبعد الفحوصات تبين أن ولدي أصيب في رأسه ما تسبب في حدوث نزيف داخلي قريب من المخ، هو الذي أدى إلى توقف التنفس وعمل القلب، وحول لونه إلى الأزرق.
بعد ذلك نقل الطفل إلى العناية المركزة وهاهو الآن وبعد مرور قرابة الأسبوعين لم يحدث أي تحسن عدا عن فرصة بقائه على قيد الحياة ولكنه سيفقد القدرة على النظر، بالإضافة إلى إصابته بشلل رباعي وإعاقة ذهنية.
ويرفع عبد الهادي يديه إلى السماء طالبا من الله أن يمن على فلذة كبده بالشفاء «اللهم أننا لا نسألك رد القضاء وإنما نسألك اللطف فيه يارب» وعاد ليقول أرجوكم أخبروني ما وقع لولدي، أشعر أنني عاجز، أشعر أنني في داخلي ألم كبير لأن ولدي غير قادر على أن يخبرني عن حقيقة ما حدث له بسبب صغر سنه، لم يستطع أن يدافع عن نفسه وأن يمنع ما وقع له،
وأنا على يقين تام أن ما وقع لابني ليس نتيجة مرض ألم به بل هو بفعل فاعل وهذا ما أشار إليه تقرير الطبيب الذي اشرف على حالة سهيل وإن ادعوا أنهم لا علاقة لهم بما وقع للطفل وجعله يغيب عن الوعي، ويعلم الله ما إذا كانت ستكتب له النجاة أم لا.
ومن جهتها روت «ف.م» مالكة دار الحضانة ما حدث للطفل قائلة «لا يجوز أن توجه لي أصابع الاتهام لأن أمه أحضرته في الصباح وهو يبكي وعندها سألتها المربية عن صحته، وأن شكله لا يوحي بأنه طبيعي، أكدت لها أم سهيل أنه بخير ولا يعاني من أي عارض، وعند الساعة التاسعة كان الولد غير طبيعي مع العلم أنني يومها أشرفت عليه بنفسي وطلبت من المعلمات أن يحضرنه.
وظللت أسألهن عن وضع الطفل لأني لاحظت أنه غير طبيعي فأكدن لي أنه بخير وعلى الرغم من ذلك طلبت منهن مراقبته والتأكد من سلامته، وكان ذلك حتى قرابة الساعة العاشرة والنصف صباحا، عندما توجهت إلى منزلي لإرضاع طفلي بعد أن أطعمت المربية الطفل وأدخلته إلى حجرة مخصصة لنوم الرضع.
وقبل أن أصل إلى بيتي والذي يقع بجوار الحضانة اتصلت بي المربية وأبلغتني أن الطفل لا يستطيع التنفس ويصدر حشرجات قويه في محاولة منه للتنفس، فعدت على الفور وأخذت الرضيع وتوجهت به إلى طوارئ مستشفى العين الحكومي وفي الطريق كان يصدر أصواتا تدل على أنه يختنق وتحول لونه إلى الأزرق وفور وصولي طلبت من الأطباء سرعة معاينته وكنت كالمجنونة لأني شعرت أن وضع الطفل الصحي سيء.
لقد تعاملت مع الطفل من مبدأ إنساني بحت أضف إلى ذلك أنني أملك قلب أم، هم يقولون ان ما حدث له بفاعل فاعل وأنا هنا أجزم أن الطفل لم يتعرض لأي إساءة من طاقم الحضانة، لأنني كنت قريبة منه في ذلك اليوم تحديدا ورأيته أنا بنفسي وهو يتشنج وان عينيه تنقلبان إلى الأعلى ويخرج من فمه ماء مع تحول لونه إلى الأزرق ذلك كان ونحن في الطريق إلى المستشفى، وما عدا ذلك غير صحيح.
ومن جهته ذكر الطبيب المعالج الذي اشرف على حالة سهيل في تقرير مكتوب أن ما تعرض له الطفل كان عبارة عن نزيف أمامي جانبي من اليسار وتجمع دم بين الطبقة الخارجية والوسطى جهة اليمين، مع وجود تجمع للدم في الغشاء الدماغي، مستبعدا وجود أي تشوهات خلقية عند الولادة وهذا ما أثبتته الفحوص التي أجريت للرضيع سهيل وكانت جميعها سلبية، كما أثبتت الفحوص الأخرى وجود إصابة متعددة أو مشتركة يمكن وصفها بأعراض صدمة قوية.
وذكر الطبيب في تقريره أن المريض وصل عند الساعة الواحدة وربع ظهرا، وكان يعاني من شبه توقف في القلب وصعوبة كبيرة في التنفس، وذكر موظف الحضانة الذي أحضره إلى المستشفى أن الطفل تناول طعامه دون ذكر الوقت وكانت حالته جيدة بعد الأكل، إلا أنه تحول للون الأزرق عند الأطراف وبدأ ينهج لذلك أحضروه للعلاج، وأجري للطفل التنفس الصناعي وتناول جرعتين من علاج ساعد على تسريع دقات القلب.
وقال أجريت فحوصات للدم كشفت عن حالة نقص قلوية في الدم، وما دون ذلك فكان طبيعيا، وعلى ضوء النتائج أجري تخطيط للدماغ أظهر وجود نزيف، وشخص الطبيب الحالة على أساس أنها كانت عبارة عن إصابة في الدماغ نتيجة صدمة غير عرضية قوية، وربما نتيجة لاهتزاز قوي وقع للرضيع، ما أدى إلى إصابة دماغية حادة مع ضغط جمجمي متزايد، وعلى ضوئه تم نقل الرضيع إلى وحدة العناية المركزة بقسم الأطفال.
وفيما مازال سهيل يتلقى الرعاية الصحية في غرفة العناية المركزة توجه والداه إلى الشرطة لفتح بلاغ لمعرفة المتسبب في ما حدث للطفل، وعليه أحالت الشرطة القضية إلى النيابة العامة للتحقيق في الواقعة، ومعرفة ما إذا كانت إصابته ناتجة عن مرض ألم به، أم كانت بفعل فاعل وهذا ما يؤكده والدي سهيل
الله يشفيه و يصبر اهله على ما ابتلاهم
الله يشفيه و يصبر اهله على ما ابتلاهم