لشيخ نبيل العوضي من شريط (( رحل الرجل ))
أيُّ مسكين ذلك الذين يجلس فإذا به بملكين أسودين أزرقين ينتهرانه فيقولان له: من ربك؟ فيجيب إجابة المستيقظ: ربي الله.. ما دينك؟ ديني الإسلام؛ لأنه عندما كان يسمع: الله أكبر! كان الله عنده أكبر من كل شيء، وعندما كان يسمع: الصلاة خير من النوم، رمى الفراش وهب مسرعاً إلى المسجد، وعندما كان يخر ساجداً لله فيقول: سبحان ربي الأعلى، كان في قلبه أن الله هو الأعلى من كل شيء في قلبه وفي حياته، وإن سأل فلا يسأل إلا عن شيء هو موافق لشرع الله، شراء السيارة حرام أم حلال.. وما حكم الشرع فيه؟ هذه الصلاة هل هي بدعة أو سنة وما حكم الشرع فيها؟ كان لا يسأل إلا عن دين الله؛ ولهذا إذا سئل: ماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟
فيقول: هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي، وجاء في بعض الروايات: فيفتح له باب إلى النار، فينظر إلى النار، فيقال له: هذا مكانك لو عصيت الله، نار يأكل بعضها بعضاً، سوداء مظلمة، ثم يغلق الباب ويفتح له باب إلى الجنة، فيقال له: هذا مكانك، انظر لعلك لا زلت فوق رأسه في المقبرة، وبعضهم يمشي عليه وهو ينظر إلى قصره في الجنة، ينظر إلى الأنهار والأشجار، ثم يغلق الباب، فيقول: ربِ أقم الساعة! ربِ أقم الساعة! ربِ أقم الساعة، فيأتيه رجل طيب الثياب، حسن الوجه، طيب الرائحة، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، والله ما علمتك إلا سريعاً لطاعة الله بطيئاً إلى معصيته.
نعم. تعصي الله؛ لكنك تخاف؛ كل الناس يخطئون ويعصون لكنك إن عصيت فلا تحرص على المعصية.. إن عصيت الله فإنك ترجع بعد المعصية؛ تندم.. تتوب.. تخر ساجداً لله.. تبكي.. تستغفر الله.. تنكسر وتنطرح بين يديه.
يقول: والله ما علمتك إلا بطيئاً إلى معصية الله، سريعاً إلى طاعته، فيجلس عنده، فيقال له: نم نومة العروس، فيأتيه من ريح الجنة ويفرش له من فراش الجنة مد بصره.
خروج المؤمن من قبره إلى المحشر
الله أكبر! الناس فوقه يظنونه في حفرة ضيقة.. ونحن المساكين وليس هو.. نحن في عذاب وليس هو، فقد فتح له في قبره مد بصره، وفرش له من الجنة، وتأتيه رائحة من الجنة، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، يبكون وهم يخرجون من المقبرة، وهو يدعو الله أن تقوم الساعة، ينام نومة ثم يستيقظ.. على ماذا؟ يستيقظ حين يسمع صيحة فوقه؛ فإذا بالقبر ينشق، ثم إذا به يخرج يستمع إلى الناس وهم يبكون، والبعض منهم يدعو ثبوراً، والبعض منهم يضرب نفسه، حتى يقول المجرمون: يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [يس:52]^؟ فيرد عليهم: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس:52]^ هذا الذي كنا نقرأه في كتاب الله.. هذا الذي كنا نسمع به في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقال لهم: أيها الناس! هلموا إلى ربكم، فيقف تحت ظل العرش.. أرأيت! الأمر سريع، يقف تحت ظل عرش الرحمن.. إنه من السبعة الأصناف.. من هم؟ رجل قلبه معلق بالمساجد، نشأ في عبادة الله، شاب أتته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، الشهوة تدعوه، كان عنده قوة وجرأة لكنه يخاف الله، فإن كان من هؤلاء السبعة, فيكون تحت ظل عرش الرحمن.
ما دينك؟
ما تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟
ثم تعاد الأسئلة مرة أخرى.. من ربك؟
فيقول: هاه هاه لا أدري، كان يعرف في الدنيا لكنه نسي.. ما دينك؟
لا أدري، إنه رسوب في الاختبار.
ماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟
فيقول: لا أدري.
فيقول له الملك: ومحمد رسول الله؟
فيقول: كنت أسمع الناس يقولون كلاماً فأقول مثلهم، فيقال له: لا دريت ولا تليت، وانتهى الاختبار؛ فإذا بمرزبة على رأسه لو ضرب بها جبل لهدته، ثم يعود مرة أخرى، فيضرب ضربة ثانية يسمعها كل من حول القبر إلا الجن والإنس، ولو سمعه من حول القبر من الجن والإنس لصعقوا.
لا حول ولا قوة إلا بالله.. يصيح صيحة، تخيل مطرقة! قال بعضهم: لو حملها أهل منى ما استطاعوا حملها، ثم بعدها يفتح له باب من الجنة، فيقال له: هذا مكانك لو أطعت الله، انظر القصر! الأمر كان سهلاً جداً، خمس صلوات فرضهن الله، خمس في العمل وخمسون في الأجر.. طاعة الوالدين، صلة رحم، طيب الكلام، عف عن الحرام، حرم الله عليك الزنا وأباح لك الزواج بأربع.
الله أكبر! الحلال كثير والحرام قليل لكنك أبيت، فيغلق عليه باب الجنة ويفتح له باب إلى النار، فيقال: هذا مكانك، قد أبدلك الله به ذلك المكان، فإذ به يرى الشرر يتطاير، والنار السوداء المظلمة يأكل بعضها بعضاً، يرى الحميم والزقوم والغسلين.. فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه في القبر حتى تختلف أضلاعه، ثم ماذا؟
يأتيه رجل -تخيل- قبيح المنظر، منتن الريح والثياب، فيقول له: من أنت؛ فوجهك الوجه يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، والله ما علمتك إلا سريعاً في معصية الله.. نعم! كلما اتصل بك أحد تذهب مباشرة إلى المعصية؛ كلما تفتح جريدة ونظرت دعوة إلى المنكر ذهبت إليها سريعاً، بطيئاً إلى طاعة الله إذا دعيت إليها.
الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله! يطيع الله لكن ببطء، يقوم للصلاة لكنه كسلان، ينفق لكنه كاره، يصلي ويتظاهر بالصلاة أمام الناس، وليس في قلبه حب لله، ولا خوف من الله، ولا رجاء في رحمة الله أبداً، إنما هي مظاهر، بطيء التفاعل في طاعة الله، فإذا به يقول: رب لا تقم الساعة.. رب لا تقم الساعة.. رب لا تقم الساعة!
خروج العاصي من قبره إلى المحشر
هل ينام؟ هل الوقت عليه قصير؟
لا والله! يجلس مع الذي بجانبه والقبر قد اختلف عليه حتى اختلفت أضلاعه، ويأتيه من حر النار وسمومها إلى قيام الساعة، ثم بعدها إذا بالقبر ينشق، فإذا به يخرج من قبره.. ماذا يقول؟ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [يس:52]^ فيرد عليهم: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس:52]^ وعندما يخرج ماذا يرى؟
الناس يخرجون من قبورهم، فتضع كل ذات حمل حملها، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، والطفل الصغير الذي لم يذنب قط قد شاب شعره.. ما بالكم بالذي يأتي في الليل، ويغلق على نفسه الباب، ويفعل ما يفعل؟! ما بالكم بالذي لا يصلي الفجر إلا في الشهر مرة أو مرتين!! ما بالكم بالذي يجلس ويغتاب الناس! ما بالكم عباد الله بالذي يعق والديه، تقول له أمه: افعل كذا؟ فيقول: لا أفعل! ما بالكم إذا كان الطفل الصغير يشيب رأسه!
أيها الناس! هلموا إلى ربكم، يقف خمسين ألف سنة.. قف لحظة وفكر ما معنى خمسين ألف سنة؟ كم سنة مضت حتى الآن؟ عشرين.. ثلاثين، اسأل من عمره سبعين أو ثمانين سنة؟ ماذا يقول مع أنه ينام ويتنعم ويشعر ببعض النعيم، ولكنه يقول: مللت من الدنيا! فما بالك بمن يقف على رجليه خمسين ألف سنة تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4]^ لو كان تحت الظل لهان الأمر، لكن تخيل! الشمس تدنو بمقدار ميل، والعرق يتصبب على قدر الذنوب، في ذلك اليوم تبدأ الحسرات، بعضهم يبكي فيقول: يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهَِ [الزمر:56]^ كان يدعونني الصالحون ويقولون لي: تعال معنا إلى الدرس.. إلى المسجد.. إلى الصلاة.. إلى العمرة، كانوا يدعوني إلى الصلاح، يا حسرتى! هل تنفع الحسرة؟
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةَِ [مريم:39]^ سماه الله يوم الحسرة لأن الناس كلهم يتحسرون؛ والواحد منا إذا تحسر عض على إصبع أو على اثنين أو على ثلاث، لكن هذا يدخل كلتا يديه في فمه ثم يعض عليهما وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:27-28]^ يسميه باسمه، زيد أو عمرو أو فلان، فتسميه باسمه يوم القيامة الذي أضلك عن هذا الطريق وعن هذه الهداية، وعن المسجد، وعن قراءة القرآن، وعن الصالحين، فتذكره باسمه، وتدعو عليه يوم القيامة يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي [الفرقان:28-29]^ كنت صالحاً، وكنت أجلس مع الصالحين لكنه أضلني عن الذكر، وبعد الحسرات إذا به ينادى: أين فلان؟ فقد انتهت خمسون ألف سنة، وجاء الرب ليقضي بين الناس، وقبله ماذا يحصل؟ تأتي جهنم تخيل -يا عبد الله- يا من لا زلت متردداً أتوب أو لا أتوب؟ ألتزم أو لا ألتزم؟ يا من لا يزال متردداً -عبد الله- يكفيك من هذا التفكر، الناس ينتظرون، فإذا بالناس يسمعون صوت جهنم تناديهم وتزفر وتشهق إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [الفرقان:12]^ تجر لها سبعون ألف زمام -أي: مثل الحزام- مع كل زمام سبعون ألف ملك ما بين أذنه إلى عاتقه مسيرة أربعين سنة أو سبعين سنة.
تخيل! كل زمام له سبعون ألف ملك.. أتعرف ماذا يفعلون؟ يجرونها.
قال بعضهم: لو لم تكن لها أزمة لعتت وأحرقت كل بر وفاجر، فجعل الله لها أزمة، المكان بعيد.. إذا رآها الناس خروا جميعاً -حتى الأنبياء- على الركب يقولون: اللهم سلم سلم، اللهم نفسي نفسي وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَة [الجاثية:28]^ في تلك اللحظات عندما يرى جهنم وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23]^ في تلك اللحظة يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَان [الفجر:23]^ يتذكر تلك اللحظة عندما كان يأتي في الليل ويفعل ما يريد من المعاصي ولا يندم، وبعدها يتذكر تلك اللحظة، لا أحداً يراه في السوق، يختلي بالمرأة ويكلمها وتكلمه، ويواعدها وتواعده، فيتذكر ذلك اليوم، قام من الفجر واستمع الأذان لكنه رجع ونام وهو غير مبالٍ، ولا ندم ولا خاف ولا رق قلبه ولا تاب، يتذكر ذلك المجلس حين كان يجلس فيذكر فلاناً ويضحك، فلان فيه كذا وكذا، وكان يتخذ الأساليب الشيطانية الخبيثة! نعم، قال: جزاه الله خيراً لكنه يبدأ يستلمه وينهش في عرضه، يتذكر تلك الأوامر التي لم يستجب لها، وتلك المحرمات التي انغمس فيها يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23]^.. ماذا يقول؟ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24]^
جزاك الله خيرا
يااااااااااالله بحسن الخاتمة
يزاج الله خير