إن المتعارف بين الناس هو المقارنة الظاهرية بين فرد وآخر، وعلى أساس هذا المقارنة يقيمون الناس، حسنا وسوءا.. ومن الخطأ هذه المقارنة، بأن يجعل الإنسان المقارنة بين الجوارح والجوارح، حتى يقول صاحب الجارحة هذه، أفضل من صاحب الجارحة تلك!..
لأن الإنسان وإن كانت له معصية معينة، ظاهرة على إحدى جوارحه، فرأيتها أنت.. ولكن البواطن لا يعلمها إلا الله تعالى، فقد يكون صاحب ملكات راقية، يحبها الله تعالى ورسوله (صلى الله علية وسلم)، فقد يكون كريم الطبع، عطوفا، يتأثر لآلام الآخرين، قد يكون إنسانا يحب الخير للغير..
فالظاهر وإن كان يعكس أفضليتك، لأنك إنسان صاحب طاعات ظاهرية، وذاك العاصي عنده معاص ظاهرية، ولكن من قال أن باطنك خير من باطنه؟
لذلك لا يجب ان نشغل بالنا بتقيم الناس والحكم على منزلتهم عند الله الاولى ان ننشغل بانفسنا واصلاحها
لو أبصر المرء عيوب نفسه لانشغل بها عن عيوب الناس ؛ لأن المرء مطالب بإصلاح نفسه أولا وسيسأل عنها قبل غيرها، وقد قال الله تعالى : كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ المدثر:38
قد يكون انشغال العبد بعيوب الناس والتحدث بها بمثابة ورقة التوت التي يحاول أن يغطي بها عيوبه وسوءاته ، يقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم [والشخص الذي يرى صورة نفسه صغيرة جداً تجده دائماً يضخم عيوب الآخرين، ولذا تبرز شخصية الإنسان من خلال نصيبه من هذه القضية، فإذا عُرف بأنه مشغول بتضخيم عيوب الآخرين والطعن في الناس، فهذه مرآة تعكس أنه يشعر بضآلة نفسه فدائماً يحاول أن يحطم الآخرين ولذا يكثر نقد الناس وذكر عيوبهم، وهذه مرآة تعكس أن إحساسه وثقته بنفسه ضعيفة، وأنه في داخل نفسه يحس أنه صغير فلذلك يشتغل بعيوب الآخرين ومساوىء يتنزه عنها المسلم الصادق النبيل.
أقوال السلف الانشغال بعيوب الناس
إذا رجعنا إلى السلف الصالح رضي الله عنهم كانوا مشغولين بعيوب أنفسهم عن عيوب غيرهم ، بل ينظرون إلى أنفسهم نظرة كلها تواضع مع رفعتهم وعلو شأنهم رضي الله عنهم ، بل كانوا يخافون إن تكلموا في الناس بما فيهم أن يبتلوا بما ابتلي به الناس من هذه العيوب كما
قال الأعمش: سمعت إبراهيم يقول:
" إني لأرى الشيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلّم فيه إلا مخافة أن أُبتلى بمثله"
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: "يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجِذْعَ في عينه".
عن ابن سيرين قال
: "كنا نحدَّث أن أكثرَ الناس خطايا أفرغُهم لذكر خطايا الناس".
عن عون بن عبد الله قال:
"لا أحسب الرجل ينظر في عيوب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه".
فالإنسان – لنقصه وحب نفسه – يتوفر على تدقيق النظر في عيب أخيه، فيدركه مع خفائه، فيعمى به عن عيبٍ في نفسه ظاهر، ولو أنه انشغل بعيب نفسه عن التفرغ لتتبع عيوب الناس، لكف عن أعراض الناس
قال الغزالي:
”علاج ترك ما لا يعني أن يعلم أن الموت بين يديه، وأنه مسؤول عن كل كلمة تكلم بها، وأن أنفاسه رأس ماله، وأن لسانه شبكته يقدر على أن يقتنص بها الحور العين، فإهماله وتضييعه فيما لا يعنيه خسران
قال الحسن البصري : أدركت أقواماً لم تكن لهم عيوب فتكلموا في عيوب الناس فأحدث اللّه لهم عيوباً.. وأدركت أقواماً كانت لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس فستر اللّه عيوبهم..
أقوال السلف الانشغال بعيوب الناس
لك في نفسك شغل عن عيوب غيرك ؛ ففيك أضعاف أضعاف ما تراه في الآخرين ، فلا تفتح على نفسك باب الغيبة وسوء الظن وهتك أستار الناس بالانشغال بعيوبهم ، ولا تفتح على نفسك باب شر لا يسد بالكلام عن الناس فيتكلموا عنك:
متى تلتمس للناس عيبا تجد لهم عيوبا ولكن الذي فيك أكثرفسالمهم بالكف عنهم فإنهم بعيبك من عينيك أهدى وأبصر
أقوال السلف الانشغال بعيوب الناس
من لم ينشغل قلبه بالله انشغل بغيره
اللهم اجعلني من اهل
الله